نظام الارث فی الشریعه الاسلامیه الغراء

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : نظام الارث فی الشریعه الاسلامیه الغراء/ تقریر لبحث جعفر السبحانی؛ تالیف رضا پیغمبرپور الکاشانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق (ع)، 1415ق = 1373.

مشخصات ظاهری : ص 456

يادداشت : بالای عنوان: الاحوال الشخصیه.

یادداشت : کتابنامه: ص. [439] - 445

موضوع : ارث (فقه)

شناسه افزوده : پیغمبرپور کاشانی، رضا

رده بندی کنگره : BP197/س 2ن 6 1373

رده بندی دیویی : 297/378

شماره کتابشناسی ملی : م 74-3641

[مقدمات التحقيق]

كلمة شيخنا الأُستاذ- دام ظلّه-:

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتفرّد بالبقاء، المتوحّد بالكبرياء، وارث الأرض و السماء، الّذي لا تنقص بالعطاء خزائنه، و لا ينضب بالحباء معين عوائده.

و الصلاة و السلام على أشرف و أفضل بريته، مبيّن السنن و الفرائض، محمّد و آله، حملة علومه و ناقلي سننه و أحاديثه، صلاة دائمة، ما لاح بدر في السماء، و نجم في الدجى.

أمّا بعد: فانّ العلم بالفرائض و المواريث من أهم الأبواب الفقهية، و قد أُلّفت فيه قديماً و حديثاً كتب و رسائل أدّى فيها حق الكلام و المقال، و قد طلب مني حضّار بحوثي الفقهية إلقاء محاضرات في هذا المضمار علماً منهم بمشاكلها و معضلاتها حيث إنّه روي انّ الفرائض نصف العلم، و ورد الحث الأكيد على تعلّمها و تعليمها للناس، قال (صلى الله عليه و آله و سلم): «تعلموا الفرائض و علِّموها الناس».

فلأجل هذه الأهمية الكبيرة نزلت عند رغبتهم، فألقيت محاضرات عليهم في هذا المجال، و جعلت المتن كتاب الشرائع للمحقّق الحلي (رحمه الله) مقتصراً على أهم المسائل، و موضحاً لمشاكلها، بعبارات سهلة و بيانات شافية عسى أن يكون مصباحاً للطالب و مشكاةً للسائر. و قد قام بتحرير ما ألقيت ثلّة من الأفاضل، منهم: العلم العلام، فخر

الفضلاء، حجة الإسلام السيد رضا «پيغمبرپور» الكاشاني- دامت افاضاته- فضبط ما ألقيته بتحرير رائق، لا بإيجاز مخلّ، و لا باطناب مملّ، و لقد أعجبتني إحاطته بالمعادلات الرياضية، وسعة باله في قوانينها، و بفضل براعته فيها قام بتصوير المسائل رياضياً، و قد أضفى بذلك للكتاب ثوباً جديداً.

و أرجو من الله سبحانه أن يجعله نبراساً للمشتغلين، و من أصحاب الفتيا و مراجع الأحكام في المستقبل ان شاء الله تعالى.

جعفر السبحاني 28 رجب المرجب 1415 ه-

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 4

كلمة المؤلِّف:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الّذي له البقاء، و له العظمة و الكبرياء، و الجلال و البهاء، و الصلاة و السلام على أشرف أنبيائه، و أفضل سفرائه محمّد و أهل بيته، ورثة علومه، و خلفائه في أُمّته.

أمّا بعد: فقد كان بي ظمأ شديد، و شغف زائد لمعرفة الأحوال الشخصية و ما لها من الأحكام في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء، و كنت أنتهز الفرص لسبر أغوارها، علماً مني بأنها تشكل جزءاً كبيراً من الفقه الإسلامي، و لا تختص بباب النكاح و الظهار و الايلاء و اللعان، و الطلاق بأقسامه المختلفة من الخلع و المباراة و الميراث، بل تعم أبواباً أُخر كالوصية و الحجر، و غيرهما، إلى أن حالفني التوفيق بقيام شيخنا العلّامة الحجة آية الله الشيخ جعفر السبحاني، بدراسة هذه الأبواب دراسة معمقة دورة بعد دورة، فقمت بكتابة أكثر هذه المحاضرات، و ها أنا أقدم لطلاب الفقه باقة أزاهير عطرة من كتاب المواريث و الفرائض حتّى يكون باكورة خير لنشر ما كتبته من دروس شيخنا الأُستاذ- مدّ ظلّه- طيلة سنوات حضرت فيها دروسه و أندية بحثه.

فحيّاه الله من رجل علم و فقاهة، و تقى و

صلاح، و تربية و توعية، و تأليف و تصنيف إلى غير ذلك من فضائل و مآثر، و زاده توفيقاً و سداداً في هذا المضمار.

قم- الحوزة العلمية السيد رضا پيغمبرپور الكاشاني 20 رجب الأصب 1415 ه-

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 5

[تمهيد]

[المواريث و الفرائض لغة و اصطلاحاً]

بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخنا الأُستاذ- مدّ ظلّه-:

«المواريث»: جمع الميراث الذي هو اسم بمعنى المصدر أعني «الإرث» و عرّف باستحقاق إنسان بموت آخر بنسب أو سبب شيئاً بالأصالة، أو بمعنى اسم المفعول أي الموروث و يعرّف بأنّه ما يستحقّه إنسان بموت آخر الخ و يستعمل غالباً في المعنى الثاني.

و «الفرائض»: جمع الفريضة، بمعنى التقدير، و منه قوله سبحانه: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) ( «1») أي مقدّراً، و يمكن أن يراد منه العطيّة باعتبار كون الارث عطية من اللّه تبارك و تعالى، أو يراد منه القطع يقال: فرضت الثوب، أي قطعته فكأنّ التركة تتقطّع بين الورّاث، و على أيّ حال فإن أُريد منه السهام المفصلة المقدرة في الكتاب فهو أخصّ من المواريث، و إن أُريد مطلق السهام المقدرة في السنّة أو الحاصلة من آية (أُولُوا الْأَرْحٰامِ) ( «2») فهما متساويان.

______________________________

(1) النساء/ 7.

(2) الأحزاب/ 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 6

العناية بتعلّم الفرائض:

و قد استفاضت الأخبار على لزوم تعلّم الفرائض و تعليمها:

1- عن النبي الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «إنّما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة و ما خلاهنّ فهو فضل». ( «1») بناء على أنّ المراد من «فريضة عادلة» هو الفرائض و المواريث.

2- روى عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «تعلّموا القرآن و علّموه الناس و تعلّموا العلم و علّموه الناس و تعلّموا الفرائض و علّموه الناس فإنّ العلم سينقضي، و تظهر الفتن حتّى يختلف الاثنان في الفريضة

فلا يجدان من يفصل بينهما». ( «2»)

3- روى أبو هريرة: أنّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: «تعلّموا الفرائض و علّموه الناس فإنّه نصف العلم و هو ينسى و هو أوّل شي ء ينتزع من أُمّتي». ( «3»)

4- روى الترمذي و الحاكم: «تعلّموا القرآن و الفرائض و علّموا الناس فإنّي مقبوض». ( «4»)

5- عن عليّ (عليه السلام) في بيان الناسخ و المنسوخ، قال: «إنّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم لما هاجر إلى المدينة آخى بين أصحابه المهاجرين و الأنصار و جعل المواريث على الإخوة في الدين، لا في ميراث الأرحام و ذلك قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَ هٰاجَرُوا وَ جٰاهَدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ

______________________________

(1) الكليني: الكافي: 1/ 32 باب صفة العلم، و السنن الكبرى للبيهقي: 6/ 208 كتاب الفرائض، باب الحث على تعليم الفرائض.

(2) السنن الكبرى: 6/ 209.

(3) المصدر نفسه.

(4) التاج الجامع للأُصول: 2/ 250، كتاب الفرائض.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 7

بَعْضٍ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهٰاجِرُوا مٰا لَكُمْ مِنْ وَلٰايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتّٰى يُهٰاجِرُوا) فأخرج الأقارب من الميراث و أثبته لأهل الهجرة و أهل الدين خاصة فلمّا قوى الإسلام أنزل اللّه: (النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهٰاجِرِينَ إِلّٰا أَنْ تَفْعَلُوا إِلىٰ أَوْلِيٰائِكُمْ مَعْرُوفاً). ( «1»)

و للبحث عن صحّة ما تضمّنته الرواية مجال آخر فإنّ في وجود النسخ في القرآن كله و في خصوص هذه الآية كلاماً نرجئه إلى محلّه.

6- عن عبد اللّه بن مسعود: من تعلّم القرآن فليتعلّم الفرائض و لا

يكن كرجل لقيه أعرابي فقال له: يا عبد اللّه أعرابي أم مهاجر؟ فإن قال: مهاجر، قال: إنسان من أهلي مات فكيف نقسّم ميراثه، فإن علم كان خيراً أعطاه اللّه إيّاه، و إن قال: لا أدري، قال: فما فضلكم علينا إنّكم تقرءون القرآن و لا تعلمون الفرائض. ( «2»)

7- و عنه أيضاً: تعلّموا الفرائض و الحج و الطلاق فانّه من دينكم. ( «3»)

إلى غير ذلك من الروايات الحاثّة على تعلّمها و قد اختلفت كلماتهم في تفسير كون الفرائض نصف العلم ذكرها و أنهاها المحقّق العلياري ( «4») إلى أربعة عشر وجهاً و الأولى، حملها على المبالغة في كثرة شُعبها و تشتتها و شدة الحاجة إليها مع ما كانت العرب على التسامح في ميراث البنات و النساء فجاء الإسلام بنظام خاص في تقسيم الميراث يبهر العقول و من وقف على عادات العرب في تقسيمها يقدّر نظام الميراث في الإسلام بأكمل تقدير، و إليك بعض ما روي عن دأبهم و عادتهم في الميراث.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب الأوّل من أبواب موجبات الإرث، ح 4. و الآيتان من سورة الأنفال/ 72 و الأحزاب/ 6.

(2) السنن الكبرى: 6/ 209.

(3) السنن الكبرى: 6/ 209.

(4) إيضاح الغوامض: 8.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 8

نظام الارث في العهد الجاهلي:

1- جاءَت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بابنتيها من سعد فقالت: يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أُحد شهيداً و أنّ عمّهما أخذ مالهما و لا يُنكحان إلّا و لهما مال قال: فنزلت آية الميراث فأرسل رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم إلى عمّهما فقال: «أعطِ ابنتي سعد الثلثين

و أُمّهما الثمن و ما بقي فهو لك». ( «1»)

و ذيل الرواية مخالف لما اتفقت عليه الإمامية من عدم توريث العمّ مع الولد للميّت.

2- لما مات أوس الأنصاري عن زوجة و ولد و بنات، عمد أبناء عمّه و أخذوا المال فشكت زوجته إلى رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فدعاهم فقالوا: يا رسول اللّه إنّ ولدها لا يركب و لا ينكأ عدواً فأنزل اللّه: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ) إلى آخرها ثمّ أنزل: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ) إلى آخرها. ( «2»)

اختلاف الصحابة في الفرائض:

1- عن سماك عن عبيدة السلماني قال: كان علي (عليه السلام) على المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات و ترك ابنتيه و أبويه و زوجة، فقال (عليه السلام): «صار ثمن المرأة تسعاً»، قال سماك: فقلت لعبيدة: و كيف ذلك؟ قال: إنّ عمر بن الخطاب وقعت في أمارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع و قال: للبنتين الثلثان، و للأبوين السدسان، و للزوجة الثمن، قال: هذا الثمن باقياً بعد الأبوين

______________________________

(1) المغني: 6/ 224.

(2) الدر المنثور: 2/ 122، لا ينكأ أي لا يقتل عدواً.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 9

و البنتين؟ فقال له أصحاب محمّد صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: أعط هؤلاء فريضتهم، للأبوين السدسان، و للزوجة الثمن و للبنتين ما يبقى، فقال: فأين فريضتهما الثلثان؟ فقال له علي (عليه السلام): «لهما ما يبقى»، فأبى ذلك عليه عمر و ابن مسعود، فقال علي (عليه السلام) على ما رأى عمر، قال عبيدة: و أخبرني جماعة من أصحاب علي (عليه السلام) بعد ذلك في مثلها: أنّه أعطى الزوج الربع مع الابنتين و للأبوين السدسين و الباقي ردّ على البنتين،

و ذلك هو الحقّ و إن أباه قومنا. ( «1»)

2- عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد للّه الّذي لا مقدّم لما أخّر، و لا مؤخّر لما قدّم، ثمّ ضرب بإحدى يديه على الأُخرى، ثمّ قال: يا أيتها الأُمّة المتحيرة بعد نبيّها لو كنتم قدّمتم من قدّم اللّه، و أخّرتم من أخّر اللّه، و جعلتم الولاية و الوراثة لمن جعلها اللّه ما عال ولي اللّه، و لا طاش سهم من فرائض اللّه، و لا اختلف اثنان في حكم اللّه، و لا تنازعت الأُمّة في شي ء من أمر اللّه إلا و عند عليّ علمه من كتاب اللّه، فذوقوا وبال أمركم و ما فرّطتم فبما قدمت أيديكم و ما اللّه بظلّام للعبيد». ( «2»)

3- عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال: جالست ابن عباس فعرض ذكر الفرائض في المواريث، فقال ابن عباس: سبحان اللّه العظيم أ ترون أنّ الذي أحصى رمل عالج عدداً جعل في مال نصفاً و نصفاً و ثلثاً، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري: [يا أبا العباس] فمن أوّل من أعال الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب لمّا التفّت الفرائض عنده و دفع بعضها بعضاً فقال: و اللّه ما أدري أيّكم قدّم اللّه و أيّكم أخّر و ما أجد شيئاً هو أوسع من أن أُقسّم عليكم هذا المال بالحصص، فأدخل على كل ذي سهم حقّ ما

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، ح 14.

(2) المصدر نفسه: ح 5.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 10

دخل عليه من عول الفرائض، و أيم اللّه لو

قدّم من قدّم اللّه و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة، فقال له زفر: و أيّها قدّم و أيّها أخّر؟

فقال: كل فريضة لم يهبطها اللّه عن فريضة إلّا إلى فريضة فهذا ما قدّم اللّه، و أمّا ما أخّر: فلكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلّا ما بقي فتلك التي أخّر. فأمّا الذي قدّم: فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شي ء، و الزوجة لها الربع فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شي ء، و الأُمّ لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس و لا يزيلها عنه شي ء، فهذه الفرائض التي قدّم اللّه، و أمّا التي أخّر: ففريضة البنات و الأخوات لها النصف و الثلثان، فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك لم يكن لهنّ إلّا ما بقي فتلك التي أخّر، فإذا اجتمع ما قدّم اللّه و ما أخّر بُدِئ بما قدّم اللّه فأُعطي حقّه كاملًا، فإن بقي شي ء كان لمن أخّر و إن لم يبق شي ء فلا شي ء له. ( «1»)

4- عن هذيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري و سلمان ابن ربيعة الباهلي فسألهما عن رجل ترك ابنته و ابنة ابنه؟ فقالا: للابنة النصف، و ليس لابنة الابن شي ء و ائت ابن مسعود! فإنّه سيتابعنا قال: فجاء الرجل إلى عبد اللّه بن مسعود فأخبره بما قالا، قال: (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) و لكن سأقضي فيها بقضاء رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قضى رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في رجل ترك ابنته و ابنة

ابنه و أُخته، فجعل للابنة النصف و لابنة الابن السدس و ما بقي للأُخت. ( «2»)

5- عن الشعبي قال: اختلف علي و ابن مسعود و زيد بن ثابت و عثمان بن عفان و ابن عباس في جدّ و أُمّ و أُخت لأب و أُمّ، فقال علي: «للأُخت النصف، و للأُمّ الثلث، و للجدّ السدس»، و قال ابن مسعود: للأُخت النصف و للأُمّ السدس،

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، ح 6.

(2) المتقي الهندي: كنز العمال: 11/ 45.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 11

و للجدّ الثلث، و قال عثمان: للأُمّ الثلث، و للأُختِ الثلث، و للجد الثلث، و قال زيد: هي على تسعة أسهم: للأُمّ الثلث ثلاثة، و ما بقي فثلثان للجد و الثلث للأُخت، و قال ابن عباس: للأُمّ الثلث و ما بقي فللجدّ و ليس للأُخت شي ء. ( «1»)

6- عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج و أبوين؟ فقال: للزوج النصف و للأُمّ الثلث ممّا بقي و للأب الفضل، فقال ابن عباس: أ في كتاب اللّه وجدتَه أم رأي تراه؟ قال: رأي أراه، لا أرى أن أُفضِّل أُمّاً على أب، و كان ابن عباس يجعل لها الثلث من جميع المال. ( «2»)

هذه نماذج من مناظرات الصحابة بعضهم مع بعض و اختلافهم في الفرائض و قد تركنا الكثير و ربما يمرّ عليك بعضها، كل ذلك يعرب عن عدم وقوفهم على الفرائض التي جاء بها الإسلام، وقوفاً كاملًا مغنياً عن أيّ تشريع بشريّ.

نعم من رجع إلى أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم أعدال الكتاب و قرناؤه، يقف على أنّه كان عندهم النظام الدقيق للمواريث، الذي ورثوه

عن رسول الإسلام صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم، وراثة إلهيّة لا تعليمية بشرية.

هل كان زيد بن ثابت «أفرض» الصحابة؟

ورد عن طريق أهل السنّة أنّ زيد بن ثابت أفرضهم ( «3»)، و لكن بكير بن أعين قال: دخل رجل على أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن امرأة تركت زوجها و إخوتها لأُمّها و اختاً لأب؟ قال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الأُمّ الثلث

______________________________

(1) المتقي الهندي: كنز العمال: 11/ 68.

(2) المصدر نفسه: 43.

(3) السنن الكبرى: 6/ 210.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 12

سهمان، و للأُخت للأب سهم»، فقال له الرجل. فإنّ فرائض زيد و ابن مسعود و فرائض العامّة و القضاة على غير ذا يا أبا جعفر! يقولون:

للأب و الأُمّ ثلاثة أسهم نصيب من ستّة يعول إلى ثمانية. فقال أبو جعفر (عليه السلام): «و لم قالوا ذلك؟» قال: لأنّ اللّه قال: (وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ) فقال أبو جعفر: «فما لكم نقصتم الأخ إن كنتم تحتجّون بأمر اللّه فإنّ اللّه سمّى لها النصف و انّ اللّه سمّى للأخ الكل، فالكل أكثر من النصف فانّه قال: (فَلَهَا النِّصْفُ) و قال للأخ: (وَ هُوَ يَرِثُهٰا) يعني جميع المال إن لم يكن لها ولد، فلا تعطون الذي جعل له الجميع في بعض فرائضكم شيئاً و تعطون الذي جعل اللّه له النصف تامّاً». ( «1»)

ثمّ إنّ أصل الميراث ممّا وقع عليه إجماع المسلمين، بل يعد من ضروريات الدين أو الكتاب و السنّة.

فمن الكتاب قوله تعالى: (وَ لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مَوٰالِيَ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ

______________________________

(1) البحار: 101، الباب 5 من أبواب الميراث، ح 25.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 13

وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ

اللّٰهَ كٰانَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيداً). ( «1»)

و المعنى: (وَ لِكُلٍّ) الناس جعلنا من هو أولى بالارث يرثونه (مِمّٰا تَرَكَ) و هم (الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ) كضامن الجريرة كما عليه المشهور من المفسرين، و يمكن أن يكون المراد منه الزوجة، و الأولى، أن يراد الأعم و عليه تكون الآية متعرّضة لكافّة أسباب الارث من نسب أو سبب. و قوله سبحانه: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً). ( «2»)

و قوله سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهٰاجِرِينَ إِلّٰا أَنْ تَفْعَلُوا إِلىٰ أَوْلِيٰائِكُمْ مَعْرُوفاً). ( «3»)

و قوله سبحانه: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). ( «4»)

و غير ذلك من الآيات التي ستمر عليك في ثنايا البحث.

______________________________

(1) النساء/ 33، و على ما ذكرنا يكون الموصول مقطوعاً عن ما قبله فإنّ الوالدين في الآية ممّن يورثون و الحال انّ الموصول وصلته من الوارثين و لأجل ذلك قال: (فآتُوهُمْ نَصيبهم ...) و في تفسير قوله سبحانه: (و الذين عقدت) وجوه اخر، لاحظ مجمع البيان: 2/ 42.

(2) النساء/ 7.

(3) الأحزاب/ 5.

(4) النساء/ 11.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 15

في موجبات الارث

إنّ مجموع ما يبحث عنه في كتاب «الميراث» لا يتجاوز عن أُمور ستة:

1- موجبات الإرث و أسبابه.

2- موانع الإرث و حواجبه.

3- مقادير سهام الورّاث.

4- رتبة الورّاث في الاستحقاق.

5- تفصيل أحكامهم مع الانفراد و الاجتماع.

6- كيفية القسمة عليهم.

فكان اللازم تقديم تفصيل الموجب على المانع إلّا أنّ المحقق عكس ذلك، فقدّم تفصيل الموانع على الموجبات، فنحن نتّبعه. غير أنّا نقدّم كلاماً موجزاً في الموجبات و نترك التفصيل لما

يأتي فنقول:

أمّا الموجبات، فله سببان: النسب، و السبب، كما قيل:

«الارث في الشرع بأمرين وجب*** بالنسب الثابت شرعاً و سبب»

و المراد من النسب: هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر كالأب

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 16

و الابن غايةُ الأمر أنّ اتصال الأب إلى الابن نزولًا و انتهاء الابن إلى الأب صعوداً، أو بانتهائهما إلى ثالث كالإخوة و الأخوات.

و أمّا مراتب النسب فثلاث، لا يرث واحد من المرتبة التالية مع المرتبة السابقة إذا كانت خالية من الموانع.

الأُولى: و هي تنحصر في صنفين:

1- الآباء فقط دون آبائهم، فإنّ آباء الآباء يرثون في المرتبة الثانية كما سيجي ء.

2- الأولاد و إن نزلوا، فانّهم يرثون مطلقاً سواء كان للميّت أب أو لا، نعم ذهب الصدوق- رحمه اللّه- إلى اشتراط توريث أولاد الأولاد بعدم وجود الآباء حيث قال: فإن ترك ابن ابن و أبوين فللأُمّ الثلث و للأب الثلثان و سقط ابن الابن ( «1») و سيوافيك ضعفه.

ثمّ إنّ الميزان في الأولاد في المقام، و هكذا فيما سيوافيك من أولاد الإخوة و العمومة و الخؤولة هو المساواة في التعزّي إلى الميّت، فالواحد من بطن أعلى و إن كان أُنثى يمنع جميع مَنْ في بطن أسفل منه.

الثانية: الجدّ و الجدة و الإخوة و الأخوات و أولادهم، و إنّما أفردنا الأولاد من الإخوة و الأخوات بالذكر في هذا القسم لعدم صدق هذه العناوين على أولادهم، فلا يصحّ إذا قيل: و إن نزلوا، لأنّ ابن الأخ لا يكون أخاً و هذا بخلاف الأولاد و الأجداد.

الثالثة: الأعمام و الأخوال للأبوين أو أحدهما فصاعداً كأعمام الأب و الأُمّ، و أعمام الأجداد، و أخوال الأب و الأُمّ، و أخوال الأجداد، و يقوم مقامهم

أولادهم

______________________________

(1) المقنع و الهداية، باب المواريث: 169.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 17

فيترتبون على درجات:

الأُولى: أعمام الميت و عماته و أخواله و خالاته، و يقوم أولادهم مقامهم مع موتهم إلّا ما قام عليه الإجماع من تقديم ابن العم من الأبوين على العمّ من الأب فقط.

الثانية: عمومة أبويه و خئولتهما و أولادهم بعدهم.

الثالثة: عمومة أجداده و جداته و خئولتهما و أولادهم بعدهم.

الواحد من كل درجة و إن كان أُنثى يمنع من وراءه من الدرجات. كلّ ذلك يدلّ عليه الكتاب و السنّة أعني قوله تعالى: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ) و يكفيك ذلك في رواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ابنك أولى بك من ابن ابنك، و ابن ابنك أولى بك من أخيك قال: و أخوك لأبيك و أُمك، أولى بك من أخيك لأبيك، و أخوك لأبيك، أولى بك من أخيك لأُمّكَ قال: و ابن أخيك لأبيك و أُمّك، أولى بك من ابن أخيك لأبيك قال: و ابن أخيك من أبيك، أولى بك من عمّك قال: و عمّك أخو أبيك من أبيه و أُمّه، أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه قال: و عمك أخو أبيك من أبيه، أولى بك من عمّك أخي أبيك لأُمّه، قال: و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه و أُمّه، أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه، قال: و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه، أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأُمّه». ( «1»)

و السند صحيح إلى هشام بن سالم و أمّا يزيد الكناسي الواقع في آخر السند، فهو لم يوثَّق و اختلف في ضبطه بين يزيد و بريد، غير أنّ شيخنا

الشوشتري رجح

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2.

و الرواية و إن جعل المتقرّب بالأب وحده أولى من المتقرب بالأُمّ وحدها من الإخوة و الأعمام و أولادهم، لكنّ المراد منه هنا هو زيادة الميراث و في غيرهم بمعنى الحجب كما سيوافيك.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 18

كونه يزيد لكون كنيته أبو خالد و هي كنية غالب من سمي يزيداً.

فتلخّص أنّ للنسب طبقات ثلاث و لكل طبقة درجات:

1- الطبقة الأُولى: الأبوان و الأولاد مرتبة واحدة، و الأولاد ذوو درجات.

2- الطبقة الثانية: الجدّ و الجدّة و الإخوة و الأخوات و للكل مراتب، فللجد و الجدّة صعود، كالجد وجد الأب و جدّ جده، و للإخوة و الأخوات نزول مثل أولادهما و أولاد أولادهما.

3- الطبقة الثالثة: أعني طبقة العمومة و الخؤولة فلها درجات متصاعدة و درجات متنازلة، و المتصاعدة كعم الميت و عمّته، و خاله و خالته، ثمّ عمّ الأب و عمّته، و خاله و خالته، و مثله عمّ الأُمّ و عمّتها، و خالها و خالتها.

و لكلّ درجة مراتب متنازلة كأولاد عم الميت و عمّته، و خاله و خالته، و أولاد أولادهم، متنازلين كأولاد عمّ أب الميّت و عمّته، و خاله و خالته، و أولاد عمّ أُمّ الميّت و عمتها و خالها و خالتها و أولادهم متنازلين.

إنّ واحداً من كل درجة و لو كان أُنثى يمنع من وراءه من الدرجات و ليعلم أنّ المتقرب من الجانبين (الأب و الأُمّ) يمنع المتقرب بالأب عن الفرض و الرد معاً في الجملة، و أمّا المتقرب بالأُمّ فإنّما يمنعه من الردّ لا من الفرض.

و المتقرب من الجهتين لا يمنع المتقرب من جهة واحدة، نعم يرث من الجهتين

كزوج هو ابن عم.

و أمّا الكلام في السبب: فهو ينحصر في الزوجية و الولاء و عرّف بالاتصال بهما، أو الاتصال بغير الولادة.

أمّا الأوّل: فيشترط فيها الدوام أو تأجيله مع اشتراط الإرث على القول بصحة الاشتراط فيه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 19

و أمّا الثاني: أعني الولاء (بالكسر) و هو أحد الأسباب الموجبة للارث فهو على ثلاثة أقسام، ولاء العتق، و ولاء ضمان الجريرة، و ولاء الإمامة. و زاد الشيخ الطوسي ( «1») ولاء من أسلم على يده كافر و ولاء مستحق الزكاة إذا اشتريت الرقبة منها و أُعتقت و سيوافيك ضعفه. أمّا ولاء العتق، فيشترط فيها أُمور ثلاثة:

1- أن لا يكون للمعتَق (بالفتح) قريب من النسب من الطبقات الثلاثة، و يدلّ عليه ما في الصحيح: أنّه قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الآية: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ) ( «2») و دفع الميراث إلى الخالة و لم يعط المولى. ( «3»)

2- أن لا يتبرأ المعتِق عن جريرة المعتَق.

3- أن يعتقه تبرّعاً و إنعاماً عليه، فلو أعتقه في واجب الكفارة فلا.

و أمّا ولاء ضمان الجريرة و هي الجناية فهو من العقود المعتبرة التي يعتبر فيها الإيجاب و القبول و صورته أن يقول: عاقدتك على أن تنصرني و تدفع عني و تعقِل عنّي و ترثني و يقبل الآخر.

و أمّا ولاء الإمامة، فلا إشكال في أنّه مع عدم وجود الوارث، المال للإمام (عليه السلام) و أمّا في زمن غيبته فالمشهور أنه يصرف إلى الفقراء، هذا هو إجمال الكلام في موجبات الإرث و سيوافيك تفصيله مع الأدلّة و بيان محلّ الخلاف.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، أبواب ميراث ولاء العتق، الحديث 3.

(2) الأحزاب/ 6.

(3) النهاية و نكتها:

1، كتاب الزكاة، ص 438 و المبسوط: 6، كتاب العتق، ص 70.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 21

الكلام في موانع الارث

اشارة

قد تعرفت على موجبات الإرث على وجه الإجمال بقي البحث عن موانع الإرث، فالمعروف أنّها ثلاثة:

1- الكفر.

2- القتل.

3- الرقّ.

الأوّل: الكفر:

اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى: الكفر بعامة أقسامه يمنع عن الارث:

فلا يرث الكافر، المسلم مطلقاً إجماعاً محققاً بين المسلمين كما سيوافيك النصّ بذلك عن الفقهاء. و قد تضافرت الروايات أيضاً و نأتي بها في المسألة التالية.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 22

المسألة الثانية: المسلم يرث الكافر:

يرث المسلم الكافر أصلياً كان أم مرتداً إجماعاً محقّقاً منّا ( «1») مع تضافر الروايات عليه من أئمَّة أهل البيت. و أمّا الصحابة و التابعون و سائر الفقهاء، فقد اختلفت كلمتهم، فقد روى الشيخ في الخلاف: أنّه قد قال بمقالتنا علي (عليه السلام) و معاذ بن جبل، و معاوية بن أبي سفيان من الصحابة. و مسروق و سعيد و عبد اللّه بن معقل و محمد ابن الحنفية و محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) و إسحاق بن راهويه من التابعين.

و قال الشافعي: لا يرث المسلمُ الكافرَ، و حكوا ذلك عن علي (عليه السلام) و عمر، و عبد اللّه بن مسعود، و عبد اللّه بن عباس، و زيد بن ثابت و الفقهاء كلهم. ( «2»)

و قال ابن قُدامة: أجمع أهل العلم على أنّ الكافر لا يرث المسلم، و قال جمهور الصحابة و الفقهاء: لا يرث المسلم الكافر، يروى هذا عن أبي بكر و عمر و عثمان، و علي، و اسامة بن زيد، و جابر بن عبد اللّه. و به قال عمرو بن عثمان، و عروة، و الزهري، و عطاء، و طاووس، و الحسن، و عمر بن عبد العزيز، و عمرو بن دينار، و الثوري، و أبو حنيفة و أصحابه، و مالك، و الشافعي و عامة الفقهاء و عليه العمل.

و روي عن عمر و معاذ و معاوية، أنّهم وَرّثوا المسلمَ من الكافر و لم يُورِّثوا الكافر من المسلم، و حكي ذلك عن محمد

بن الحنفية، و علي بن الحسين، و سعيد ابن المسيب، و مسروق، و عبد اللّه بن معقل، و الشعبي، و النخعي، و يحيى بن يعمر، و إسحاق و ليس بموثوق به عنهم، فإنّ أحمد قال: ليس بين الناس اختلاف في أنّ المسلم لا يرث الكافر ( «3»).

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 16.

(2) الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 16.

(3) ابن قدامة: المغني: 6/ 340.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 23

دليلنا: إطلاقات الكتاب و عموماته مثل قوله: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) و قوله سبحانه: (وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ) و قوله تعالى: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ...) فإنّها تعمّ ما إذا كان المورِّث كافراً و الوارث مسلماً و أمّا عكس المسألة فقد خرج بالدليل.

أضف إلى ذلك: ما تضافر من الروايات- عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الصريحة في التوريث:

منها: صحيحة أبي ولّاد قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «المسلم يرث امرأته الذمية، و هي لا ترثه». ( «1»)

منها: موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن المسلم هل يرث المشرك؟ قال: «نعم فأمّا المشرك فلا يرث المسلم». ( «2»)

و قد علّل في بعض الروايات حكم التوريث بقولهم: «نحن نرثهم و لا يرثونا إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يزدنا بالإسلام إلّا عزّاً». ( «3») و في رواية أُخرى قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «نرثهم و لا يرثونا إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلّا شدة». ( «4»)

و قد فهم معاذ بن جبل عن قول النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «الإسلام يزيد و لا ينقص»، حكم المسألة

فورّث المسلمَ من أخيه اليهودي. ( «5»)

نعم استدل المخالف بأُمور:

1- رواية أُسامة بن زيد عن النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «لا يرث الكافر المسلم، و لا المسلم الكافر». و قال ابن قُدامة: متفق عليه. ( «6»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 1 و 5، و لاحظ 6، 7، 8، 14، 17 و 19 من ذلك الباب.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 1 و 5، و لاحظ 6، 7، 8، 14، 17 و 19 من ذلك الباب.

(3) لاحظ الروايات 6، 17 و 8 من ذلك الباب.

(4) لاحظ الروايات 6، 17 و 8 من ذلك الباب.

(5) لاحظ الروايات 6، 17 و 8 من ذلك الباب.

(6) المغني: 6/ 341.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 24

يلاحظ عليه: أنّها رواية واحدة لا تقابل إطلاق الكتاب و عمومه، و قد قلنا في البحوث الأُصولية: أنّه لا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد و أنّ موقِفَ الكتاب أرقى من أن يخصصَ بالظن و قد قال به أيضاً المحقق الحلّي في المعارج.

2- رُوِي عن عمر أنّه قال: لا نرث أهل الملل و لا يرثوننا ( «1») لكنّه خبر موقوف لم يسنده إلى النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فهو كسائر موقوفات الصحابة ليس حجة، كما حققناه في «أُصول الحديث و أحكامه».

3- ما رواه الفريقان عن النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «لا يتوارث أهل ملتين». لكنّه غير دالّ، إذ الحديث بصدد نفي التوارث، لا الإرث من جانب واحد، أي وراثة الكافر عن المسلم فقط لا العكس و قد تضافرت الروايات عن أهل البيت

(عليهم السلام) على هذا التفسير: روى عبد الرحمن بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم و لا يرثونا، إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يزدنا بالإسلام إلّا عزّاً». ( «2»)

و في صحيحة جميل و هشام، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: «فيما روى الناس عن النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «لا يتوارث أهل ملتين»- قال:- نرثهم و لا يرثونا إنّ الإسلام لم يزده في حقّه إلّا شدّة». ( «3»)

و روى أبو العباس، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا يتوارث أهل ملتين يرث هذا هذا، و يرث هذا هذا، إلّا أنّ المسلم يرث الكافر و الكافر لا يرث المسلم» ( «4») إلى غير ذلك من الروايات المفسّرة للنبوي و الرادة على فتوى الفقهاء المشهور في عصرهم (عليهم السلام).

______________________________

(1) المغني: 6/ 341.

(2) الوسائل: 17 الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 6، 14، 15.

(3) الوسائل: 17 الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 6، 14، 15.

(4) الوسائل: 17 الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 6، 14، 15.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 25

نعم، هناك روايات متعارضة، لا بدّ من علاجها:

1- رواية الصدوق، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل النصراني تكون عنده المرأة النصرانية فتسلم أو يسلم ثمّ يموت أحدهما؟ قال: «ليس بينهما ميراث». ( «1»)

2- رواية سُدير، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته: يتوارثان أهل ملتين؟ قال: «لا». ( «2»)

3- رواية جميل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الزوج المسلم و اليهودية، و النصرانية؟ قال: «لا يتوارثان». ( «3»)

4- رواية عبد

الملك بن عمير القبطي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال للنصراني الذي أسلمت زوجته: «بضعها في يدك و لا ميراث بينكما». ( «4»)

إنّ الصالح للاستدلال دلالة هو الأُولى و الرابعة، و إلّا فمدلول الثانية و الثالثة، هو ما ذكرناه فيما روي عن النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم من أنّه «لا يتوارث أهل ملتين»، فهما ينفيان التوارث، لا الإرث.

و أمّا الأُولى فمرسلة، و الرابعة ضعيفة جداً مع أنّ مفاد هاتين الروايتين كمفاد النبوي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم من أنّه لا يتوارث أهل ملتين، و لو سلمنا أنّهما صالحتان للاحتجاج لكنّهما موافقتان للعامة و مخالفتان لإطلاق الكتاب خرج عنه ارث الكافر المسلم، و مخالفتان للسنة فانّ الإسلام يزيد و لا ينقص، و يعلو و لا يعلى عليه، و مخالفتان للمتفق عليه عندنا خصوصاً أنّ ما يدلّ على الوراثة أكثر عدداً و مقترن بالدليل، و الاحتجاج، بخلاف المخالف. هذا كلّه حول المسألتين.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 12، 20، 21 و 22.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 12، 20، 21 و 22.

(3) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 12، 20، 21 و 22.

(4) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 12، 20، 21 و 22.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 26

المسألة الثالثة: في حجب المسلم الكافر:

اشارة

المسلم يحجب الوارث الكافر، فلو مات كافر و له ورثة كفّار و وارث مسلم غير الإمام، يرثه المسلم دون الكافر، قال العلّامة: و لو خلّف الكافر ورثةً كفّاراً وَرثوه، و إن كان معهم مسلم كان الميراث كلّه له سواء قرب أو بعد حتّى أنّ مولى

النعمة بل ضامن الجريرة المسلم يمنع الولَد الكافر من ميراثه من أبيه الكافر.

و قد ادّعى العلّامة عليه الإجماع في التحرير، و الشهيد في المسالك، و الأردبيلي في المجمع و غيرهم، و توقف الشهيد الثاني في الحكم لضعف الرواية في المقام و تبعه صاحب الكفاية لكنّه قال بانجبار ضعفها بعمل المشهور كما في مفتاح الكرامة. ( «1»)

و أمّا رأي غيرنا في المسألة فيعرف ممّا ذكرنا في المسألة السابقة، فقد قالوا بحرمان المسلم من الارث إذا كان المورِّث كافراً، فكيف يكون حاجباً عن ارث الكافر. و محل الكلام في الحجب: إذا كان المورّث غير مسلم و إلّا فالكافر محروم من الارث سواء كان في طبقته وارث مسلم أم لا.

دليل القول بالحجب:

استدل على القول بالحجب بروايات:

1- حسنة الحسن بن صالح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «المسلم يحجب الكافر و يرثه و الكافر لا يحجب المسلم و لا يرثه». ( «2»)

و دلالة الرواية واضحة و السند نقيّ غير أنّ الحسن بن صالح لم يرد فيه توثيق

______________________________

(1) السيد جواد العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 19- 20.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 27

لا في رجال النجاشي و لا في فهرست الشيخ، قال الثاني: له أصل رويناه بالاسناد عن ابن محبوب و إليه تنسب الفرقة الصالحيّة. و قال في التهذيب: هو زيدي بتريّ متروك العمل بما يختص بروايته ( «1») و لأجل ذلك توقف الشهيد الثاني و قال: إثبات الحكم برواية الحسن غير حسن. نعم رواية الحسن بن محبوب عنه، يجعله من الممدوحين و لكنّها بوحدتها لا تصلح لاثبات الحكم المخالف لإطلاق الكتاب.

2- رواية عبد الملك بن أعين و

مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن نصرانيّ مات و له ابن أخ مسلم و ابن أُخت مسلم و له أولاد و زوجة نصارى؟ فقال: «أرى أن يُعطى ابنَ أخيه المسلم ثلثي ما تركه، و يعطى ابن اخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا عن أبيهم حتى يُدركوا» قيل له: كيف ينفقان على الصغار؟ فقال: «يُخْرج وارثُ الثلثين ثلثي النفقة، و يخرج وارث الثلث ثلث النفقة فإذا أدركوا قطعوا النفقة عنهم». الحديث. ( «2»)

و دلالة الرواية واضحة و للبحث عن سندها و ما اشتمل عليه من حكم شاذ عن القواعد مجال آخر و سيوافيك عند البحث فيمن أسلم قبل القسمة أو بعدها.

3- رواية الميثمي، عن أخيه، أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن ابن رباط رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو أنّ رجلًا ذمياً أسلم و أبوه حيّ و لأبيه ولد غيره ثمّ مات الأب ورثه المسلم جميع ماله و لم يرثه ولده و لا امرأته مع المسلم شيئاً». ( «3»)

هذه الروايات الثلاث لو تمّ اسنادها لا غبار على دلالتها. و ربما يستدل

______________________________

(1) التهذيب: 1، باب المياه و أحكامها، الحديث 1282.

(2) الوسائل: 17، الباب 2، من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه: الباب 5 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 28

بروايات قاصرة الدلالة:

1- ما تقدم مستفيضاً في المسألة الثانية من أنّ المسلم يرث الكافر و هو لا يرثه و إنّا نرثهم و لا يرثوننا. و قد جاء في بعضها:

«إنّ اللّه عزّ و جلّ، لم يزدنا بالإسلام إلّا عزّاً فنحن نرثهم و هم لا يرثونا». ( «1») و في بعضها الآخر: «نرثهم و لا يرثونا إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلّا شدّة». ( «2»)

يلاحظ عليه: بعدم الدلالة فإنّها بصدد بيان ميراث المسلم عن الكافر لا حجبه ميراث الكافر.

2- ما ورد من الروايات في الإسلام قبل القسمة و بعده، و إنّ الكافر إذا أسلم قبل القسمة شارك إن كان مساوياً و اختصّ به إن كان أولى، و إن أسلم بعد القسمة لم يرث، و فيه روايات خمس:

منها: صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من أسلم على ميراث قبل أن يُقَسَّم فله ميراثه، و إن أسلم و قد قُسِّم فلا ميراث له». ( «3»)

و محل الاحتجاج هو قوله: «و إن أسلم بعد القسمة ...» احتجّ به صاحب الجواهر قائلًا بأنّها تعم الارث من المسلم و الكافر مع المسلم و بدونه، خرج الأخير بالإجماع فيبقى غيره. ( «4»)

يلاحظ عليه: بأنّ المتبادر من روايات الباب، ورودها فيما إذا كان المورِّث مسلماً و لأجله فرّق بين كون الإسلام قبل القسمة أو بعدها، لا ما إذا كان المورّث كافراً.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 4 و 17.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 4 و 17.

(3) المصدر نفسه: الباب 3، من أبواب موانع الإرث، الحديث 2، و لاحظ أحاديث الباب.

(4) الجواهر 39/ 16.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 29

ما يدلّ على عدم الحجب:

هذا و أنّ في المقام روايات ربما توهم الخلاف و عدم الحجب و إليك البيان:

1- صحيحة ابن أبي نجران عن غير واحد عن أبي عبد

اللّه (عليه السلام) في يهودي أو نصراني يموت و له أولاد مسلمون و أولاد غير مسلمين، فقال: «هم على مواريثهم». ( «1»)

ظاهر الرواية أنّهم جميعاً يشتركون في الميراث و لما كان ظاهره ينافي ما عليه الأصحاب صار الشيخ الطوسي إلى تأويله و نقله صاحب الوسائل في ذيل الحديث بقوله: معنى قوله (عليه السلام) «هم على مواريثهم» أي على ما يستحقّونه من ميراثهم، و قد بيّنا أنّ المسلمين إذا اجتمعوا مع الكفّار كان الميراث للمسلمين دونهم قال: و لو حملنا الخبر على ظاهره لكان محمولًا على ضرب من التقية.

يلاحظ عليه: أنّه خلاف ظاهرها، و يتوقف على كون السائل واقفاً على الحكم المسلم بين الأصحاب و أبعد منه حمله على التقية، لما عرفت أنّ القول المعروف بينهم هو حرمان المسلم عن الارث إذا كان المورث كافراً لا اشتراكه مع الآخرين.

و قال الحرّ العاملي: و يحتمل أن يكون الواو في قوله: و أولاد غير مسلمين بمعنى أو، يعني أنّ الكافر يرثه أولاده، مسلمين كانوا، أو كفّاراً لما مرّ، لا في صورة كون بعضهم مسلمين و بعضهم كفّاراً. ( «2») و هو كما ترى.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و ابن أبي نجران هو عبد الرحمن بن عمرو بن مسلم التميمي الذي وصفه النجاشي بقوله: ثقة ثقة.

(2) المصدر نفسه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 30

2- صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في يهودي أو نصراني يموت و له أولاد غير مسلمين؟ فقال: «هم على مواريثهم». ( «1»)

فلو كان مفاد الرواية أنّ له أولاداً كفّاراً و أولاداً غير مسلمين، كان شاهداً لعدم الحجب، و لو كان

مفادها انحصار أولاده في غير المسلمين، فلا يصلح للاستدلال لعدم الوارث المسلم، حتى يحجب الكافر.

فانحصر المخالف برواية ابن أبي نجران، فلو دار الأمر بين الصنفين فالترجيح مع الأوّل للصراحة فيه و الكثرة، بخلاف الثاني لانحصاره في واحد، مع عدم الصراحة الحاسمة.

غير أنّ الذي يصدّ الإنسان عن الافتاء بالحجب، هو عموم الكتاب و إطلاقه الحاكمان على التشريك في الارث، خرج منه ما إذا كان المورث مسلماً و بقي ما كان كافراً تحت الإطلاقات، فهل يمكن تخصيص عمومه و تقييد إطلاقه بما مرّ من الروايات الثلاثة منضمة إلى الشهرة الفتوائية إلى عصر الشهيد الثاني (909- 966) أو لا؟ فالظاهر هو الأوّل خصوصاً بعد ما علمنا مذاق الشارع في حقّ الكافر، و حرمانه في بعض الصور.

فعلى القول بالحجب فهل الوارث المسلم يحجب جميع الطبقات و إن كان متأخّراً في الدرجة، فالأخ المسلم يحجب الولد الكافر، و العم المسلم يحجب الولد و الأخ الكافرين حتّى أنّ ضامن الجريرة المسلم، يحجب سائر الطبقات، أولا؟ الظاهر هو الأوّل، لما عرفت في رواية ابني أعين من أنّ ابن الأخ و الأُخت المسلمين يحجبان الولد الكافر، و هو مقتضى إطلاق رواية الحسن بن صالح. نعم مورد رواية الميثمي هو حجب من في طبقته، و ليس له إطلاق بالنسبة إلى غيرهم.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3، و في السند يعقوب بن يزيد.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 31

بقي هنا فروع:

1- على القول بالحجب: فلا يحجب الإمام، الوارثَ الكافر، لما سيوافيك و إلّا يلزم حرمان الكافر من الإرث مطلقاً لوجود الإمام في جميع الأعصار.

2- لو لم يكن للميّت الكافر إلّا وارث كافر: يرثه إجمالًا بلا كلام، لإطلاقات الكتاب و

عموماته و سيوافيك تفصيله.

3- حكم المورّث المرتد: اتفقت كلمة الأصحاب على أنّ المرتد مطلقاً أو خصوص الفطري بحكم المسلم، فلا يرثه الكافر، لتحرّمه بالإسلام.

قال العلّامة في القواعد: و لو كان الميّت مرتداً، فإن كان له وارث مسلم ورثه، و إلّا كان ميراثه للإمام. و لا شي ء لأولاده الكفّار سواء كانت ردّته عن فطرة أو عن غيرها. و لا تجد من الأصحاب مخالفاً فكل من تعرّض للمسألة حكم بعدم إرث الكافر من المرتد، إلّا أنّ جماعة منهم لم يتعرّضوا لها، مثل مؤلّفي النكت و اللمعة و الروضة و الإيضاح و كنز الفرائد. و لعلّ ذلك لوضوحه. ( «1»)

و أمّا المرتد الفطري فربما عرف: إذا كان أحد أبويه مسلماً وقت انعقاد نطفته و إن صار أحد الأبوين بعد ذلك كافراً.

و ربما يقال: إنّ مرادهم من بقي على الإسلام من حين العلوق إلى بلوغ الإسلام، و تحقيق الكلام في حدّه موكول إلى محله. هذا كلّه في الفطري.

و على ضوء ما ذكره فالمرتد الفطري بمنزلة المسلم، لا يرثه الكافر أصلًا و لو لم يكن له وارث في جميع الطبقات، يرثه الإمام.

______________________________

(1) السيد جواد العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 23.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 32

و أمّا الملّي، فأكثر الأصحاب يتعاملون معه معاملة المسلم، فيرثه المسلم دون الكافر مطلقاً و لو لم يكن له وارث مسلم حتى مثل ضامن الجريرة يرثه الإمام و يكون من بيت المال.

غير أنّ الصدوق في المقنع، و الشيخ في التهذيب و الاستبصار قال بخلاف ذلك، ففي المقنع: و النصراني إذا أسلم، ثمّ رجع إلى النصرانية ثمّ مات فميراثه لولده النصراني، و إذا تنصّر مسلم ثمّ مات فميراثه لولده المسلمين. ( «1»)

و لا بدّ من

تقييد كلامه في المرتد الملّي بعدم وجود وارث مسلم و إلّا فهو يحجب الكافر: و لأجل ذلك قال الشيخ في التهذيب- بعد نقل مرسلة «إبراهيم بن عبد الحميد»: الوجه في هذا الخبر أنّ ميراث النصراني إنّما يكون لولدهِ النصارى إذا لم يكن له ولد مسلمون، و ميراث المسلم يكون لولده المسلمين إذا كانوا حاصلين ( «2») و لكنّه- قدّس سرّه- ذهب في النهاية و المبسوط ما ذهب إليه المشهور و قال في الأوّل: و من كان كافراً فأسلم ثمّ ارتد- إلى أن قال:- فإن مات على كفره و له أولاد كفّار و لم يخلف وارثاً مسلماً كان ميراثه لبيت المال، و قد روى أنّه يكون ميراثه لورثته الكفّار و ذلك محمول على ضرب من التقية لأنّها مذهب العامّة ( «3»).

و قال في الثاني: المرتد إذا ارتد و قتل أو مات فماله لمن تقرّب إليه من المسلمين كان قريباً أو بعيداً، فإن لم يكن له أحد من المسلمين كان للإمام و لا يرثه كافر على حال. ( «4»)

هذا ما لدى الشيعة في كلا المقامين و أمّا سائر المذاهب فإليك آراءهم الأربعة:

______________________________

(1) الصدوق: المقنع: 179.

(2) الطوسي: التهذيب: 9/ 372، الحديث 1328.

(3) الطوسي: النهاية: 666.

(4) الطوسي: المبسوط: 4، كتاب الفرائض و المواريث، ص 112.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 33

1- يكون فيئاً في بيت مال المسلمين، و هو قول ابن عباس و ربيعة و مالك و ابن أبي ليلى و الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر.

2- يكون لورثته من المسلمين، و روي ذلك عن أبي بكر، و علي و ابن مسعود، و به قال ابن المسيب و جابر بن زيد، و الحسن و عمر بن

عبد العزيز و عطاء و الشعبي و الحكم، و الأوزاعي و الثوري و ابن شبرمة و أهل العراق و إسحاق. و «عليه فقهاء الإمامية».

3- و يحكى عن الثوري و أبو حنيفة و اللؤلؤي و إسحاق: أنّ ما اكتسبه في ردّته يكون فيئاً فيكون قولًا بالتفصيل بين تلاد ماله فيكون ميراثاً، و طارفه فيكون فيئاً.

4- و روي عن أحمد: أنّ ماله لأهل دينه الذي اختاره إن كان منه من يرثه و إلّا فهو في ء و به قال داود، و روى عن علقمة و سعيد بن أبي عروة لأنّه كافر فورثه أهل دينه كالحربي و سائر الكفّار. و المشهور عندهم هو القول الأوّل ( «1») و لا يخفى أنّ تطبيق هذه الآراء على القواعد مشكل.

أمّا الأوّل فلم يدل عليه دليل و قياسه بمال الذمي الذي لم يخلف وارثاً، قياس مع الفارق لأنّ المفروض وجود الوارث.

و القول الثاني هو الموافق للأُصول، و لا ينافيه قوله صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «لا يرث المسلم الكافر» لأنّ المتبادر منه- على فرض صدوره- هو الكافر الأصلي، لا المرتد المتمسّك بالإسلام فإلحاقه بالمسلم، أولى من إلحاقه بالكافر، و لأجل ذلك لا يسترقّ و لا يجوز له نكاح الكافر.

و التفريق بين تلاد المال و طارفه مبني على أنّ المرتد لا يملك بعد الارتداد، و أسوأ من ذلك، ما عزي إلى أحمد من إلحاقه بأهل دينه لو كان وارث من أهله و إلّا

______________________________

(1) ابن قدامة: المغني: 6/ 346.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 34

فهو في ء.

دليلنا في كلتا المسألتين الاتفاق الكاشف عن وجود النص و قد عرفت نصّ النهاية فإنّ متنه مستخرج من الفقه المنصوص بإلغاء الاسناد مع ملاحظة أنّ

الإسلام يتعامل مع المرتدّ معاملة المسلم في غير واحد من مسائله.

و ربما يؤيّد حرمان الكافر عن إرث المرتدّ أُمور:

1- مرسلة أبان بن عثمان عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل يموت مرتداً عن الإسلام و له أولاد؟ فقال: «ماله لِولده المسلمين». ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّها تدلّ على حصر الوارث بالمسلم، سواء أ كان منفرداً أم مجتمعاً مع الكافر، و أمّا أنّه لا يرثه الكافر عند عدم الوارث المسلم، فلا يدلّ عليه.

2- حسنة الحسن بن صالح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «المسلم يحجب الكافر و يرثه» ( «2») و المرتد أحد أقسام الكافر، فيشمله قوله «و يرثه» و لو قيل: إنّ الكافر منصرف إلى الأصلي فلا يضر بالمقال، لأنّه إذا ورث الكافر الأصلي فيرث المرتد بوجه أولى فثبت أنّ الوارث المسلم يحجب الكافر سواء كان المورِّث كافراً أصلياً أو مرتداً.

نعم هنا لا يثبت تمام المدعى، لانصراف المسلم إلى الرعية لا الإمام و إن كان من أعالي أفراده و مصاديقه، فيدل على الحجب في جميع الطبقات إذا كان بين الورّاث مسلم، و أمّا إذا لم يكن وارث مسلم و كان الوارث منحصراً بالكافر، فلا تدلّ على حرمان الكافر و انتقال المال إلى الإمام. و الحاصل أنّه لا يستفاد من الروايتين تنزيل المرتد منزلة المسلم.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 6.

(2) المصدر نفسه: الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 35

3- الاستصحاب التعليقي: إنّ الكافر كان محروماً من الإرث قبل ارتداد المورث، و الأصل بقاؤه بعد الارتداد و الممات، و هو مبني على حجّية الاستصحاب في الأحكام الشرعية الكلية خصوصاً القسم

التعليقي منه.

أدلة المخالف في المرتد الملّي:

قد عرفت أنّ الحكم في المرتد الفطري مورد اتّفاق. إنّما الكلام في الملّي. فقد قيل بأنّه يرثه ولده الكافر و استدل عليه بأُمور:

1- رواية إبراهيم بن عبد الحميد قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانية ثمّ مات؟ قال: «ميراثه لولده النصارى»، و مسلم تنصَّر ثمّ مات؟ قال: «ميراثه لولده المسلمين» ( «1») فالحديث يتعامل مع المرتدّ الفطريّ معاملة المسلم، دون المرتد الملّي.

يلاحظ عليه: أنّ ظاهر الحديث اختصاص ما تركه لولده النصارى مطلقاً و إن كان معه أولاد مسلمون و هو على خلاف الإجماع. و لما عمل به الشيخ في التهذيب حمله على ما إذا لم يكن معه أولاد مسلمون و إلّا فالتركة لهم ... و لعلّه حمله على ذلك بقرينة ما مرّ من حجب المسلم، الكافر فلا يكون الحمل تبرّعياً.

و حمله في النهاية على التقية، و هو فرع كون القول به مشهوراً عندهم، و قد عرفت أنّ المشهور عندهم إمّا كونه فيئاً، أو كونه لأولادهم المسلمين.

2- صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل ارتدّ عن الإسلام لمن يكون ميراثه؟ فقال: «يقسّم ميراثه على ورثته على كتاب اللّه». ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1. رواه الشيخ عن كتاب ابن أبي عمير و سنده إليه ضعيف و إلّا فإبراهيم بن عبد الحميد ثقة. و الحديث 3.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1. رواه الشيخ عن كتاب ابن أبي عمير و سنده إليه ضعيف و إلّا فإبراهيم بن عبد الحميد ثقة. و الحديث 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 36

وجه الاستدلال هو

إطلاق الجواب الشامل لما إذا كان أولاده مختلفين في الكفر و الإسلام.

يلاحظ عليه: أنّ المتبادر، كونه مرتداً فطرياً و الغالب في مورده كون أولاده مسلمين.

و يمكن الجواب عنه بوجه آخر، و هو أنّ الرواية ناظرة إلى ردّ قول العامّة بأنّه في ء أو لبيت مال المسلمين من دون أن يكون له إطلاق شامل لما إذا كان للمرتد أولاد مختلفين من حيث الكفر و الإيمان.

3- عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرتد؟ فقال: «من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل اللّه على محمّد صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بعد إسلامه، فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت امرأته منه فليقسّم ما ترك على ولده». ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّ الغالب في المرتدّ الفطري كون أهل البيت و العشيرة مسلمين، فتحمل على كون الورثة مسلمة.

4- ما رواه في قرب الاسناد عن علي (عليه السلام) قال: «ميراث المرتد لولده» و يظهر ( «2») حالها ممّا ذكرناه في السابقتين من انصرافهما إلى المرتد الفطري و الغالب فيه كون الورثة مسلمين، فلم يبق ما يدلّ على هذا القول إلّا رواية إبراهيم. و هي و إن كانت موافقة للكتاب، لكن الشهرة الفتوائية على القول الأوّل، و كفى بها مخصّصة لعمومه و مقيّدة لإطلاقه. و قد عرفت أنّ الإسلام يتعامل مع المرتد، معاملة المسلم.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 5 و 7.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 5 و 7.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 37

لو أسلم الكافر قبل القسمة أو بعدها:
اشارة

قد عرفت أنّ الكافر لا يرث المسلمَ و لا الكافرَ إذا كان بين الورثة مسلم و إن كان

في طبقة متأخّرة غير الإمام، لكن هذا فيما إذا بقي الوارث على كفره، و أمّا لو أسلم فالمشهور عند الإمامية أنّه إن أسلم بعد القسمة فلا شي ء له، و إن أسلم قبل القسمة شارك أهل الميراث في ميراثهم و انفرد به إن كان أولى، نصّاً و فتوى.

قال الشيخ في الخلاف: إذا أسلم الكافر قبل قسمة الميراث شارك أهلَ الميراث في ميراثهم، و إن كان بعد قسمته لم يكن له شي ء. و به قال عمر و عثمان و الحسن، و قتادة و جابر بن زيد، و عكرمة و أحمد و إسحاق.

و قالوا: كان علي- عليه الصلاة و السلام- لا يُورِّث مَنْ أسْلَم على ميراث، و به قال ابن المسيب و عطاء و طاووس و أهل العراق و مالك و الشافعي. ( «1»)

و قال ابن قدامة: روي نحو هذا عن عمر، و عثمان و الحسن بن علي و ابن مسعود، و به قال جابر بن زيد، و الحسن و مكحول، و قتادة و حميد و أياس بن معاوية و إسحاق، فعلى هذا إن أسلم قبل قسم ( «2») بعض المال ورث ممّا بقي.

و نقل أبو طالب فيمن أسلَم بعد الموت لا يرث، قد وجبت المواريث لأهلها و هذا هو المشهور عن علي- رضي اللّه عنه- و به قال سعيد بن المسيب، و عطاء و طاووس، و الزهري و سليمان بن يسار و النخعي و الحكم و أبو الزناد، و أبو حنيفة و مالك و الشافعي و عامة الفقهاء، لقول النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «لا يرث الكافر المسلم»، و لأنّ الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين، فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا. و

لأنّ المانع من الإرث متحقّق حال وجود الموت فلم يرث، كما لو كان رقيقاً

______________________________

(1) الطوسي: الخلاف: 2 كتاب الفرائض، المسألة 18.

(2) كذا في المطبوع و الأولى «تقسيم».

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 38

فاعتق، أو كما لو بقي على كفره ( «1»).

إذا عرفت ما ذكرناه، فاعلم أنّه يبدو أنّ الأصحاب اتفقوا على أُمور:

1- التفريق بين إسلام الوارث قبل القسمة أو بعدها.

2- إذا كان الإسلام قبلها يشارك الباقين إن كان مساوياً و ينفرد به إن كان أولى بالميراث.

3- إنّ اتحاد الوارث بمنزلة القسمة، فإذا أسلم و كان الوارث واحداً، فلا نصيب له.

4- إلّا إذا كان الوارث الواحد إماماً أو أحد الزوجين.

فنقول: أمّا الأوّل أي التفريق بين كون إسلام الوارث قبل القسمة أو بعدها فقد تضافرت عليه الروايات.

ففي صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه و إن أسلم و قد قسّم فلا ميراث له». ( «2»)

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يسلم على الميراث، قال: «إن كان قسم فلا حقّ له، و إن كان لم يقسّم فله الميراث». ( «3»)

و أمّا الثاني أي الاشتراك في التساوي و الاختصاص عند الأولويّة: فإنّ لسان الروايات الواردة في المقام على قسمين:

قسم يفيد الاشتراك حيث قال: «فله ميراثه» ( «4») و كأنّه ورد فيما إذا كان من

______________________________

(1) ابن قدامة: المغني: 6/ 344.

(2) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 4 و في سند الحديث الثاني أبان بن عثمان قال الكشي في حقّه: و كان يسكن الكوفة و كان من الناووسية و احتمل

المحقّقون أنّ الناووسية بدل «القادسية» و على كلّ حال فهو من أصحاب الإجماع و الصدوق نقل الحديث عن كتاب ابن أبي عمير و سنده إليه صحيح. و لاحظ الحديث الأوّل و الثالث من ذلك الباب.

(3) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 4 و في سند الحديث الثاني أبان بن عثمان قال الكشي في حقّه: و كان يسكن الكوفة و كان من الناووسية و احتمل المحقّقون أنّ الناووسية بدل «القادسية» و على كلّ حال فهو من أصحاب الإجماع و الصدوق نقل الحديث عن كتاب ابن أبي عمير و سنده إليه صحيح. و لاحظ الحديث الأوّل و الثالث من ذلك الباب.

(4) المصدر نفسه: الحديث 2 من الباب 3 من أبواب موانع الإرث.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 39

أسلم في طبقة الوارث حين الموت.

و قسم يفيد الانحصار كما في أكثر روايات الباب حيث قال: «فهو له» كما في موردين ( «1») أو «فلها الميراث» ( «2») أو «فله الميراث». ( «3»)

و يمكن الاستدلال بوجه آخر، و هو أنّ الشارع نزّل «من أسلم قبل القسمة» منزلة «من كان مسلماً قبل الموت» فيترتّب على الأوّل حكم الثاني من الاشتراك تارة، و الانفراد أُخرى.

و أمّا الثالث أي إنّ اتّحاد الوارث بمنزلة القسمة و أنّه لو أسلم و الحال هذه لا يكون له نصيب: فالدليل عليه هو أنّ الأصل فيمن أسلم بعد الموت، عدم الإرث خرج عنه من أسلم قبل القسمة و هو غير صادق مع الوحدة و لم ينقل الخلاف إلّا عن ابن الجنيد فورث من أسلم ما دامت التركة باقية.

قال العلّامة في المختلف: المشهور أنّ الوارث المسلم إذا كان واحداً فأسلم نظيره لم

يشارك الكافر إذا أسلم، و لم يفصّل علماؤنا بين كون التركة باقية أو تالفة، بل أطلقوا القول في ذلك. و قال ابن الجنيد: إن كان الوارث واحداً فأسلم نظيره أو الذي يحجبه عن الميراث و كانت التركة باقية في يد الوارث الأوّل شاركه إن كان نظيره، أو جازه دونه إن كان حاجباً. ( «4»)

نعم يظهر من الشيخ الحرّ العاملي عدم الفرق بين اتّحاد الوارث و تعدّده

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3 و 5، و البقباق هو الفضل بن عبد الملك، و توصيفه بالموثقة لوقوع الحسن بن محمّد بن سماعة في سنده و الميثمي في السند هو أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم، و يعبّر عن أحمد بالميثمي نسبة إلى جدّه.

(2) لاحظ الحديث 3 من الباب.

(3) لاحظ ذيل الحديث 4 من الباب.

(4) العلّامة: المختلف، كتاب الفرائض: 199.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 40

و قال: «و إلحاق اتّحاد الوارث بصورة عدم القسمة قريب جدّاً و ذلك بوجهين:

1- وجود النص الخاص بالإمام و هو من أفراد المسألة و هم يكتفون بمثله غالباً.

2- و لصدق عدم القسمة قطعاً بطريق الحقيقة لا المجاز و هو مناط الحكم الشرعي بالنص المتواتر، و عدم صدق تحقّق القسمة حقيقة و لا مجازاً». ( «1»)

يلاحظ عليه: بأنّ إلغاء الخصوصية بين الإمام و غيره فرع عدم وجود خصوصية في الإمام غير موجودة في غيره، و هي أنّ الإمام ليس وارثاً لا حقيقة و لا مجازاً، بل له ميراث من لا وارث له. و هو شأن كل مال ليس له مالك شخصي.

و أمّا ما ذكره أخيراً فهو غريب، لأنّ بين القسمة و اللاقسمة تقابل العدم

و الملكة كالعمى و البصر و لا يصدقان إثباتاً و لا نفياً إلّا إذا كان المحل قابلًا لها. و هو مع اتحاد الوارث غير قابل للانقسام فلا يصدق القسمة و لا اللاقسمة.

و أمّا الرابع أي استثناء موردين من الضابطة، فهما:

الاستثناء الأوّل: إذا كان الوارث الواحد إماماً:

إذا أسلم الوارث و لم يكن للميت وارث سوى الإمام، فهو أولى بالميراث من الإمام و هو خيرة المحقق في الشرائع و الشهيد الثاني في المسالك.

و هناك قولان آخران:

1- لا يرث من أسلم بعد الموت، لأنّ الإمام كالوارث الواحد و هو بمنزلة القسمة، و هو للشيخ في النهاية و ابن ادريس و غيرهما.

2- إن أسلم قبل النقل إلى بيت المال فهو أولى و إلّا فللإمام، و هو خيرة المبسوط و الإرشاد و الوسيلة و غيرها، و يظهر من العلّامة التوقف في القواعد. ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، تعليقة الحرّ على الرواية الأُولى من روايات الباب الثالث من أبواب موانع الإرث.

(2) العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 28- 29 و الجواهر: 39/ 20- 21.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 41

استدل للقول الأوّل بصحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مسلم مات و له أُمّ نصرانيّة و له زوجة و ولد مسلمون؟ فقال: «إن أسلمت أُمّه قبل أن يقسم ميراثه أُعطيت السدس». قلت: فإن لم يكن له امرأة و لا ولد و لا وارث له سهم في الكتاب مسلمين و له قرابة نصارى ممّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين لمن يكون ميراثه؟ قال: «إن أسلمت أُمّه فإنّ ميراثه لها، و إن لم تسلم أُمّه و أسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب فانّ ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من

قرابته فانّ ميراثه للإمام». ( «1»)

و صحيحة أبي ولّاد الحناط قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مسلم قتل رجلًا مسلماً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمة من قرابته؟ فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه، يُدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل و إن شاء عفا و إن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، و إن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين». ( «2»)

و لعلّ الفرق بين الإمام و سائر الورثة، هو أنّ الإمام ليس وارثاً حقيقة و لا كالوارث الحقيقي، بل له ميراث من لا وارث له، فيصرفه في مصالح المسلمين. بخلاف غيره فانّهم ورّاث حقيقة كما مرّ.

و ربما يُعْترض بأنّه إذا كان إسلام أحد الأقرباء مانعاً عن تملّك الإمام يلزم عليه أن يحبس المال و لا يتصرف فيه الإمام إلى أن ينقرض جميع الورثة و لا يبقى وارث أصلًا و هو كما ترى.

و إن كان العرض شرطاً فمع أنّه لم يقل به أحد، قد يتعذّر لغيبة أو جنون أو

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه: 19، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1، و أبو ولّاد الحناط هو حفص بن سالم وثّقه النجاشي و الشيخ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 42

صغر كما إذا كان الميت مرتدّاً. ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّ التكاليف المحوّلة إلى الحاكم مثل حبس المديون، و حدّ الزاني، و قطع يد السارق، و إن كانت لا تشترط فيها، الفورية العقلية أو العرفية و لكن

لا يجوز فيها التساهل و التسامح على وجه ينتزع منه تعطيل الأحكام و الحقوق، و على هذا فلو أسلم أحد من الورثة في هذه الفترة، يختص بالتركة، و بما أنّ تحديد تلك الفترة أمر مشكل كفى في حرمانه، حكم الحاكم بضبطها لبيت المال، أو تصرّفه فيها بنفسه أو وكيله و إن لم ينقل، و عندئذ لا ينفع إسلام من أسلم من الورثة.

و بذلك ظهر ضعف القول الثالث من اشتراط النقل اللّهمّ إلّا أن يكون النقل كناية عن التصرف.

و أمّا القول الثاني من تنزيل الإمام منزلة الوارث الواحد، فقد ظهر ضعفه، و أنّه ليس وارثاً حقيقةً و لا مجازاً، بل له ميراث من لا وارث له، و ذلك لأنّه المسئول عن كلّ حادثة لم يُعَيَّن عليها في الشرع مسئول، و هو بما أنّه قائد الأُمّة و المسئول عنها، يعالج تلك المشاكل حسب ما يراه مصلحة. كما هو الحال في سائر الأموال من الأخماس و الزكوات و الأنفال، و المجهولة مالكها و ليس وارثاً، كسائر الأفراد حتى يجري في حقّه حكم سائر الورّاث.

الاستثناء الثاني: إذا كان الوارث الواحد زوجاً أو زوجة:

لا شك أنّ الزوج يرث النصف فرضاً و بالأصالة إذا لم يكن لها ولد، كما أنّ الزوجة ترث الربع أصالة و فرضاً، فإن قلنا بأنّهما يرثان الفاضل عن النصف و الربع، رداً، فيكون كل واحد من الزوجين كالوارث الواحد لا يصدق في حقهما: أسلم قبل القسمة، لأنّ كلًا من الزوجين يرث التركة بالفرض و الرد. و أمّا إذا قلنا

______________________________

(1) العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 28.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 43

بأنّهما يرثان النصف أو الربع، و يرد الباقي إلى الإمام فإذا أسلم قبل القسمة اندرج تحت النصوص و يصير الفاضل للوارث الجديد.

و

لكن المشهور هو التفصيل بين الزوج و الزوجة فيردّ الفاضل إلى الزوج دون الزوجة، فيشارك الزوجة دون الزوج. و على هذا لا ينفع إسلام مَن أسلم إذا كان الوارث، الزوج، و إنّما ينفع إذا كان الزوجة، و هو خيرة السيد الأُستاذ- قدّس سرّه- نعم لو كان الواحد زوجة ينفع إسلام من أسلم قبل قسمة التركة بينهما و بين الإمام (عليه السلام) أو نائبه. ( «1»)

ثمّ إنّ هنا إشكالًا طرحه صاحب الجواهر و حاصله: أنّه لو قلنا بالتفصيل فلو كان من أسلم أخاً للميت، فهو يرث ما يردّ إلى الإمام، و لا يتغير مع إسلامه، سهم الزوجة، فانّ سهمها مع عدم الولد للزوج هو الربع، و أمّا لو كان الوارث الجديد هو ولد الميت الكافر، فلو قلنا بأنّه يرث فإمّا أن ترث معه الزوجة، الربع و هو خلاف فرضها مع الولد الوارث، أو الثمن فيلزم حجب المسلم، بالكافر و هو باطل، بالنصّ و الإجماع. ( «2»)

و الحاصل: أنّ مشاركته مع الزوجة إن كانت فيما يرد إلى الإمام، أعني: الأرباع الثلاثة، يلزم أن ترث خلاف فرضها مع الولد الوارث، و إن كانت فيما عدا الثمن، يلزم حجب المسلم بالكافر.

و لكن الإجابة سهلة و هي أنّه إذا نزل الشارع إسلام الولد قبل القسمة كإسلامه قبل موت المورث، كان فرضها في الواقع هو الثمن من أوّل الأمر قد كشف عنه إسلام الولد، و لا يعنى هذا، حجب المسلم بالكافر، بل يكشف عن أنّ التصور الأوّل بأن سهمها في المقام الربع كان خطأ.

***

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 2/ 364.

(2) الجواهر: 39/ 22.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 44

لو أسلم بعد قسمة بعض التركة:

لو أسلم بعد قسمة بعض المال ورث ممّا بقي، و به قال

الحسن ( «1»). و المشهور عند الشيعة أنّه يشارك الباقي مع المساواة، أو ما يختص به مع الانفراد، و دليله واضح لأنّه أسلم على الباقي من قبل أن يقسم و ربما يحتمل الحرمان لصدق القسمة، كما ربما يحتمل إرثه لما قسم أيضاً، لأنّ الميراث و هو المجموع لم يقسّم.

و الأقوى هو الأوّل، لأنّ وحدة التركة وحدة اعتبارية، و إلّا فكل واحد من آحادها، تركة مستقلّة و ميراث مستقل و لكلّ حكمه.

فلو ترك الميت إخوة للأب، و إخوة للأُمّ ( «2»)، قسّم المال بينهم بالثلثين للأُولى و الثلث للثانية. و لو أسلم أخ قبل اقتسام كل من الفريقين، الثلثين أو الثلثَ، فلو كان للأبوين اختصّ بالثلثين و إن كان لأحدهما يشارك نظيره.

بقي هنا بحث و هو هل الإسلام كاشف عن انتقال سهمه من التركة إليه من بدء الموت، أو ناقل؟ تظهر الثمرة في النماءات المتخلّلة، فعلى الكشف يتبع الأصل، و على النقل هو لباقي الورثة فنقول: هناك احتمالات:

1- إنّ سهمه من المال المورث، ينتقل إليه بموت المورِّث، و يكون إسلامه كاشفاً عن الانتقال.

2- إنّ سهمه يبقى في ملك المورث، و ليس هذا أمراً بعيداً و له نظائر في الفقه كما إذا أحاط الدينُ بالتركة، أو أوصى بمال معيّن أن يصرف في عمل خير أو أصاب جسد الميت سهم فيملك ديته، أو وقع السمك في شبكته.

3- أو يدخل في ملك اللّه سبحانه.

______________________________

(1) ابن قدامة: المغني: 6/ 344.

(2) و في الجواهر: ص 24: «أو إخوة للأُمّ» و لكنّه مصحّف و الصحيح ما أثبتناه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 45

و على هذه الوجوه الثلاثة يكون النماء المتخلّل بين الموت و الإسلام، للجميع.

4- أو ينتقل إلى الموجودين المسلمين

انتقالًا متزلزلًا.

لا ريب في ضعف الثاني لأنّ بقاء التركة في ملك الميت أو مالكيته أمر لا يساعده العرف و لو دلّ عليه دليل يؤخذ به في مورده مع أنّ بعض الأمثلة ليست مورداً للاتفاق و مثله كونه ملكاً للّه.

و الظاهر هو الأوّل لظهور الأدلة في انتقال التركة إلى الوارث، غاية الأمر أنّ الكفر مانع عن تأثير المقتضي، و أمّا الرابع فلازمه، إرث الوارث من الورّاث الأحياء مع أنّ الارث، هو انتقال المال من الميّت إلى الحيّ.

أضف إلى ذلك: أنّ الفرع يتبع الأصل فإذا كان الأصل محكوماً بالانتقال، فالتفكيك بينه و بين الفرع يحتاج إلى الدليل. نعم لو دلّ الدليل يؤخذ به كما في النماء المتخلّل بين البيع و فسخه فهو للمشتري.

لو خلّف مالًا ينقسم قبل التراضي عليه فأسلم وارث له، ورث لبقاء التركة على الإشاعة و إنّما تخرج عنها، إذا رضوا.

و لو اختلفوا في تحقّق القسمة، فالقول، قول منكرها بيمينه، لا لأجل استصحاب عدم القسمة، بل لأجل كون مدّعي القسمة مدعياً في العرف و ليست الموافقة و المخالفة للأصل ملاكاً لتمييز المدعي عن المنكر.

و لإيضاح الحال نقدم بياناً في أحكام التنازع:

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 46

أحكام التنازع:

و لو اختلفا في تحقّق القسمة، فالقول، قول منكرها بيمينه. و بما أنّ المدّعي و المنكر من المفاهيم العرفية، يرجع في تعيينه إلى العرف و هو في المقام منكر القسمة.

و أمّا إذا كان الملاك في تعيينه هو ما وافق قوله الأصل، فالأصل يوافق قول منكرها لأصالة عدم القسمة. لكنّك قد عرفت أنّ المقياس هو الرجوع إلى العرف و المقياس عندهم في تشخيص المدّعي و المنكر، هو أنّ الأوّل من لو ترك، تُرِك، بخلاف المنكر. فلا يترك

النزاع لو ترك.

و أمّا الأُصول العملية الجارية في المسألة، فهي حجّة للشاك، لا في مقام التنازع فانّ المخالف يدّعي العلم بالخلاف، و القاضي مخاطب، بطلب البيّنة عن المدّعي، و إلّا فاليمين عن المنكر. و في هذا المجال يجب عليه التحرّي في تشخيص المدّعي عن المنكر، كسائر المفاهيم العرفية الواقعة موضوعاً للحكم، لا المراجعة إلى الأصل الذي جعله الشارع حجة للشاك إذا لم ينازعه أحد.

و بذلك يظهر حال الفروع الثلاثة:

1- إذا اتفقا على زمان الإسلام و اختلفا في زمان القسمة.

2- إذا صار الأمر على العكس، أي: اتّفقا على زمان القسمة و اختلفا في زمان الإسلام.

3- إذا لم يتفقا على شي ء في الأمرين.

ترى أنّ الفقهاء يعتمدون في تشخيص المدّعي عن المنكر، بتصحيح الأصل الجاري في المورد، أورده و نقده بالمثبتية و غيرها. و أمّا نحن ففي غنى عن هذه

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 47

المباحث، فالمرجع في مقام القضاء في تشخيص المدّعي و المنكر، هو العرف، لا المطابقة للأصل، و الأصل حجة في مقام الشك في غير مقام التخاصم و التنازع.

و بذلك يظهر عدم الحاجة إلى تصحيح الأُصول أو نقدها في المقام.

أمّا الصورة الأُولى فيقال: إنّ الأصل في المقام هو أصالة عدم القسمة إلى زمان الإسلام، و يشكل عليه بأنّ الموضوع للأثر، تقدّم الإسلام على القسمة كما هو ظاهر قوله (عليه السلام) «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فهو له» ( «1») و هو لا يثبت بالأصل.

و أمّا الصورة الثانية: فالأصل عدم تقدّم الإسلام على زمان القسمة و يشكل عليه، بأنّ الموضوع للحرمان هو تأخر الإسلام عن القسمة كما هو ظاهر قوله: «و إن أسلم و قد قسّم فلا ميراث له». ( «2»)

و

منه يظهر حال الصورة الثالثة.

نعم على القول بكون العرف هو المرجع في التشخيص، هل الملاك في تشخيصه هو مصب الدعوى، أو نتيجتها؟ ففيه كلام ذكرناه في محله و لا نعود إليه.

مسألة: في توارث الفرق بعضهم من بعض:

اشتهر بين الأصحاب ضابطتان:

1- المسلمون يتوارثون و إن اختلفوا في المذاهب.

2- الكفّار يتوارثون و إن اختلفوا في الملل.

أمّا الضابطة الأُولى فقد نصّ عليها غير واحد:

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 5.

(2) المصدر نفسه: الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 48

1- قال القاضي: و المسلمون يرث بعضهم بعضاً و إن اختلفوا في المذاهب و الآراء، لأنّ الموارثة تثبت بإظهار الشهادتين، و الإقرار بأركان الشريعة من صلاة، و صيام و زكاة و حج دون الإيمان الذي يستحق به الثواب. ( «1»)

2- و قال المحقّق: المسلمون يتوارثون و إن اختلفوا في المذاهب. ( «2»)

3- و قال ابن سعيد: و المسلمون يتوارثون و إن اختلفوا في الآراء. ( «3»)

و قال العلّامة في القواعد بمثل هذه العبارات. و المسألة مشهورة، لا يظهر الخلاف إلّا من المفيد. فحكى عن بعض نسخ المقنعة: يرث المؤمن أهل البدع من المعتزلة و المرجئة و الخوارج و الحشوية و لا ترث هذه الفرق مؤمناً. و نقل العلّامة في مختلف الشيعة انّ في بعض نسخها ما يخالف ذلك و جاء فيه: «و المسلمون يتوارثون و إن اختلفوا في المذاهب». ( «4»)

كما يظهر الخلاف من أبي الصلاح في كافيه، حيث جعل جحد النبوّة و الإمامة في صفّ واحد. ( «5») و ما عليه المشهور هو الذي يدلّ عليه إطلاق الكتاب أوّلًا خرج إرث الكافر عن المسلم، لا المخالف عنه، و السنّة ثانياً فقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت

أنّ الإسلام يحقن به الدم و تؤدّى به الأمانة و تستحل به الفروج، و عليه تجري المناكح و المواريث و الثواب على الإيمان. ( «6»)

و هذه الروايات، تدلّ على أنّ ملاك التوارث هو كون المتوارثين مسلمين،

______________________________

(1) ابن البراج: المهذب: 2/ 160.

(2) جواهر الكلام: 39/ 31، قسم المتن.

(3) يحيى بن سعيد: الجامع للشرائع: 502.

(4) العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 34.

(5) أبو الصلاح: الكافي: 374- 375.

(6) الكليني: الكافي: 2، باب الاسلام يحقن به الدم، الحديث 1 و 2 و باب أنّ الإيمان يشارك الإسلام، الحديث 1، 2 و 5.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 49

لا متفقين في جميع الأُصول و الآراء.

و أمّا الإسلام، فقد روى الفريقان روايات تدلّ على كفاية الشهادتين و ما في بعضها من الإشارة إلى بعض الأعمال، فلعلّها ترمي إلى المرتبة العالية.

أمّا ما يدلّ على الأمر الأوّل و هو أنّ الموارثة و المناكحة و حقن الدم، وحل الذبيحة تدور مدار الإسلام، فإليك بعض ما ورد من الروايات:

1- روى سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- أنّه بعد ما فسر الإسلام- قال: «به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و على ظاهره جماعة الناس».

2- روى ( «1») فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث و حقن الدماء». ( «2»)

3- روى حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث، و جاز النكاح، و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج، فخرجوا بذلك

من الكفر». ( «3»)

4- روى شريك المفضّل قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «الإسلام يحقن به الدم، و تؤدّى به الأمانة، و تستحلّ به الفروج، و الثواب على الإيمان». ( «4»)

5- روى المحدثون عن علي (عليه السلام) أنّه قال: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماؤهم و أموالهم». ( «5»)

6- و روى أهل السنّة روايات تقارب ما نقلناه عن أئمة أهل البيت: رووا

______________________________

(1) الكليني: الكافي: 2، باب أنّ الإيمان يشارك الإسلام، الحديث 1، 3 و 5.

(2) الكليني: الكافي: 2، باب أنّ الإيمان يشارك الإسلام، الحديث 1، 3 و 5.

(3) الكليني: الكافي: 2، باب أنّ الإيمان يشارك الإسلام، الحديث 1، 3 و 5.

(4) الكليني: الكافي: 2، باب أنّ الإسلام يحقن به الدم، الحديث 1 و 6 و هما حديث واحد، و عدم ورود المواريث في الأخير لا يضر بالاستدلال لاشتراكه مع غيرها في الحكم كما في سائر الروايات.

(5) المجلسي: البحار: 68/ 242 ط طهران.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 50

عن عمر بن الخطاب أنّ النبي قال لعلي- يوم خيبر-: «امش و لا تلتفت حتى يفتح اللّه عليك» فسار عليّ شيئاً ثمّ وقف و لم يلتفت و صرخ: «يا رسول اللّه على ما ذا أُقاتل؟ قال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّداً رسول اللّه، فإذا فعلوا ذلك، فقد منعوا منك دماءهم و أموالهم إلّا بحقّها و حسابهم على اللّه». ( «1»)

إلى هنا تبيّن أنّ الملاك في المواريث هو الإسلام. و أمّا ما هو الإسلام؟ فيكفي في ذلك ما نتلوه عليك من

الروايات:

1- روى سماعة: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام يشارك الإيمان فقلت: فصفهما لي، فقال: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه و التصديق برسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم». ( «2»)

2- روى سفيان بن السمط أنّه لقي أبا عبد اللّه (عليه السلام) فسأله عن الإسلام و الإيمان، ما الفرق بينهما؟ فقال: «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان». ( «3»)

و ذكره الأعمال بعد الشهادتين للإشارة إلى المرتبة العليا من الإسلام و إلّا فتكفي في تحقّقه الشهادتان و به تفسير الرواية الآتية.

3- روى البخاري عن عبد اللّه بن عمر، قال: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّداً رسول اللّه، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و الحج، وصوم رمضان». ( «4»)

______________________________

(1) البخاري: الصحيح 2 باب مناقب علي، و صحيح مسلم باب فضائل علي (عليه السلام).

(2) الكليني: 2 باب أنّ الإيمان شارك الإسلام، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه: باب أنّ الإسلام يحقن به الدم، الحديث 4.

(4) البخاري: الصحيح: 1/ 14، كتاب الإيمان.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 51

و قد مرّ أنّ ذكر الأعمال في حدّ الإسلام لأجل الإشارة إلى درجته العالية قال سبحانه: (قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لٰا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمٰالِكُمْ شَيْئاً) (الحجرات/ 14)

فعلى

ضوء هذين الأمرين يرث المسلم من المسلم و إن اختلفا في الأُصول و الآراء إلّا من حكم بكفره كالنصيرية من الغلات، و الدروز من الباطنية و بالكفر كالمجسّمة و المجبرة.

و أمّا الضابطة الثانية: أعني كون الكفر بأقسامه ملّة واحدة، يرث بعضهم بعضاً كاليهود من النصارى و بالعكس، فهي مثل الضابطة السابقة، نالت من الشهرة مثل ما نالت الأُولى منها.

قال الشيخ: الكفر ملّة واحدة، فالذمي يرث من الذمي، كما أنّ المسلم يرث من المسلم، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و الثوري و أصحاب أبي حنيفة. و ذهب قوم إلى أنّ الكفر ملل و لا يرث الذمي من الذمي، و به قال شريح و الزهري و ابن أبي ليلى و أحمد و إسحاق. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و روى أُسامة بن زيد أنّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: «لا يرث المسلم الكافر، و لا الكافر المسلم فجعل الكفر ملّة واحدة». ( «1»)

قال ابن قدامة- بعد ما ذكر أنّ الكفّار يتوارثون إذا كان دينهم واحداً: فإن اختلفت أديانهم فاختلف عن أحمد فروى عنه: أنّ الكفر كلّه ملّة واحدة يرث بعضهم بعضاً. رواه عنه حرب و اختاره الخلال، و به قال حماد و ابن شبرمة و أبو حنيفة و الشافعي و داود، لأنّ توريث الآباء من الأبناء، و الأبناء من الآباء مذكور في كتاب اللّه ذكراً عاماً فلا يترك إلّا فيما استثناه، و ما لم يستثنه الشرع يبقى على العموم و لأنّ قول اللّه تعالى: (وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ) عام في جميعهم. و روي

______________________________

(1) الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 17.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص:

52

عن أحمد أنّ الكفر ملل مختلفة لا يرث بعضهم بعضاً، اختاره أبو بكر و هو قول كثير من أهل العلم. ( «1»)

هذه هي الآراء بين الفقهاء.

و مع ذلك فقد خالف «سلار» في مراسمه فقال بأنّ الحربي لا يرث الذمي و يكون ميراثه للإمام. ( «2»)

و خالف الحلبي أيضاً فيمن حكم بكفره من المسلمين فقال: ما عدا كفّار ملّتنا فإنّهم يرثون غيرهم من الكفّار، و لا يرثونهم. ( «3»)

و أراد بكفّار ملّتنا: أمثال الغلاة و الخوارج و المجسّمة، و لعلّ مستنده قوله: «نحن نرثهم و لا يرثونا» ( «4») بناء على اندراجهم تحت لفظ المسلمين.

و على كل تقدير فإرث كل كافر، عن كافر سواء اتّحدا في الشريعة أم اختلفا، هو مفاد إطلاقات الكتاب، فقوله سبحانه: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ...) (النساء/ 7) يدلّ على أنّ ملاك الوراثة هو الولادة و التلاحم، كما عليه العرف، و لا مدخلية لوحدة المذهب فيه، خرج ما نص عليه الشارع من عدم إرث الكافر عن المسلم و بقي الباقي تحت الاطلاق. أضف إليه الشهرة الفتوائية بين الأصحاب.

و في الجواهر: لعموم الأدلّة، و خصوص النصوص و الإجماع بقسميه لأنّ الكفر ملّة واحدة، و نفي التوارث بين الملّتين مفسّر في النصوص بالإسلام و الكفر. ( «5»)

______________________________

(1) ابن قدامة: المغني: 6/ 341- 342.

(2) سلار الديلمي: المراسم: 140.

(3) الحلبي: الكافي: 375.

(4) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 4 و 6.

(5) النجفي: الجواهر: 39/ 32.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 53

و لقد أجاد في تأدية المطلب مع الإيجاز لكن لم نجد نصوصاً بالخصوص فإن أراد ما ورد في الباب الرابع من أبواب موانع الارث، فليس فيه ما

هو صريح. أو له إطلاق في مقام البيان. و أوضح ما ورد فيه، رواية يونس قال: إنّ أهل الكتاب و المجوس يرثون و يورثون ميراثَ الإسلام. ( «1»)

و الرواية في مقام بيان كيفية الميراث، لا في مقام بيان أنّهم يرثون و يورثون مطلقاً، سواء اختلفوا في الديانة أم لا.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4، من أبواب موانع الأرث، الحديث 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 54

الثاني: القتل:

اشارة

من موانع الارث، القتل و هو تأديب سياسي، و الغاية من الحرمان عصمة الدماء من معاجلة الورثة فيجزى بنقيض مطلوبه من القتل. و أصل الحرمان موضع اتّفاق بين المسلمين و إنّما الخلاف في فروعه.

قال الشيخ: القاتل إذا كان عمداً في معصية فانّه لا يرث المقتول بلا خلاف. و إن كان عمداً في طاعة فانّه يرثه عندنا و فيه خلاف. و إن كان خطأ فانّه لا يرث من ديته و يرث ما سواها و فيه خلاف.

و روي مثل مذهبنا عن عمر و وافقنا عليه جماعة من الفقهاء: عطاء و سعيد ابن المسيب و مالك و الأوزاعي. و ذهب قوم إلى أنّه يرث من ماله وديته. و قال الشافعي: القاتل لا يرث سواء كان صغيراً أو كبيراً مجنوناً أو عاقلًا، عمداً كان أو خطأ، لمصلحة أو لغير مصلحة، مثل أن يسقيه دواء أو يطلي جراحه فمات، و سواء كان قتل مباشرة أو بسبب، جنايةً أو غير جناية، و سواء كان حاكماً تشهد عنده بالقتل أو بالزنا و كان محصناً، أو اعترف فقتله، أو باغياً فرماه و قتله في المعركة، و به قال في الصحابة عليّ (عليه السلام) على ما رواه عنه عبد اللّه بن عباس، و في التابعين عمر بن

عبد العزيز، و في الفقهاء أحمد أطلقوا بأنّ القاتل لا يرث بحال .... ( «1»)

قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أنّ قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً إلّا ما حكي عن سعيد بن المسيب و ابن جبير أنّهما ورّثاه و هو رأي الخوارج، لأنّ آية الميراث تتناوله بعمومها، فيجب العمل بها فيه ... و روى ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «من قتل قتيلًا فانّه لا يرثه و إن لم يكن له وارث غيره، و إن كان

______________________________

(1) الطوسي: الخلاف: 2/ 26، المسألة 22، لاحظ ذيل كلامه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 55

والده أو ولده فليس لقاتل ميراث».

و أمّا القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنّه لا يرث أيضاً نص عليه أحمد، و يروى ذلك عن عمر و علي و زيد و عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّه بن عباس ... و ورّثه قوم من المال دون الدية، و روي ذلك عن سعيد بن المسيب و عمرو بن شعيب و عطاء و الحسن و غيرهم، لأنّ ميراثه ثابت بالكتاب و السنّة، تخصص قاتل العمد بالإجماع، فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه. ( «1»)

أقول: أمّا العمد فالمشهور هو التفريق بين كونه ظلماً أو حقّاً، فلا يرث في الأوّل دون الثاني و لا فرق في القتل عن حقّ، بين جواز تركه للقاتل كالقصاص أو لا، كرجم المحصن و قتل المحارب و لا خلاف بيننا و إنّما الخلاف بين أهل السنّة و هم بين مفرِط و مفرِّط، فالأوّل كالخوارج و من نسب إليهم ابن قدامة كسعيد بن المسيب و ابن جبير أخذوا باطلاق أدلّة

المواريث و حكموا بعدم الحرمان، و الثاني كالشافعي حيث قال: فالحرمان في العمد، من غير فرق بين كونه عن حقّ أو ظلم و روي عن أحمد أيضاً.

تدل على ما ذكرناه- مضافاً إلى الشهرة الفتوائية- الروايات الواردة في المقام و هي على أصناف: صنف يدل باطلاقه على حرمان القاتل مطلقاً، عامداً كان أو خاطئاً و في صورة العمد كان القتل بحقّ أو غيره، و صنف يخصّص الحكم بالعامد، من غير تقييد بكونه بظلم. و صنف يدلّ على القيد، و انّ الحرمان في العمد فيما إذا كان بظلم، لا غير.

فمن الصنف الأوّل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «لا ميراث للقاتل». ( «2»)

______________________________

(1) ابن قدامة: المغني: 6/ 337- 338.

(2) الوسائل: 17، الباب 7، من أبواب موانع الإرث، الحديث 1، و لاحظ الحديث 3، 5 و 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 56

و من الصنف الثاني صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا قتل الرجل أباه قتل به، و إن قتله أبوه لم يقتل به و لم يرثه». ( «1»)

و من الصنف الثالث و إن كان منحصراً برواية واحدة ما يفرّق بين القتلين في صورة العمد و هو معتبرة سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال: سألت جعفر بن محمد (عليهم السلام) عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية و الأُخرى عادلة، اقتتلوا فقتل رجل من أهل العراق أباه أو ابنه، أو أخاه أو حميمه و هو من أهل البغي و هو وارثه أ يرثه؟ قال: «نعم لأنّه قتله بحق». ( «2»)

مقتضى إطلاق الكتاب و إن كان

وراثة القاتل إلّا أنّه خصص بالروايات المتضافرة و اتّفاق الأُمّة (غير الخوارج و نفرين أشار إليهما ابن قدامة)، إنّما الكلام في إطلاق الصنفين بالنسبة إلى القاتل بحق. فلو كان هناك إطلاق فيقيّد بمعتبرة المنقري، أضف إليه أنّه من المحتمل انصراف الروايات عن تلك الصورة، و المتبادر منها هو القتل بظلم.

و هناك أمر آخر يؤيّد الانصراف و هو أنّه إذا كان القتل بحقّ يكون طاعة لأمر اللّه سبحانه، فكيف توجب الحرمان، فلو لم تجلب نفعاً لا تجلب شرّاً، فالأمر بالقتال مع الباغين لو لم يترتب عليه الأجر الدنيوي لا يترتب عليه الحرمان، و إلّا يعد تناقضاً في التشريع و لو كان كذلك في الواقع لوجب التصريح به و إلّا لا ينتقل العرف من الإطلاقات إلى هذه الصورة.

هذا كلّه حول القتل عن عمد و سيأتي ما يتعلّق به بعد الفراغ عن أحكام القتل عن خطاء.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7، من أبواب موانع الأرث الحديث 4، و لاحظ الحديث 2 و 7.

(2) المصدر نفسه: الباب 13، من أبواب موانع الأرث الحديث 1. و المنقري ثقة و سند الصدوق إليه صحيح تفرّد بتصحيحه العلّامة. و حفص بن غياث عامي عمل الأصحاب بروايته كما ذكره الشيخ في العدّة، و هو ولي القضاء أيّام الرشيد، في بغداد و الكوفة توفي عام 196 و روى عن الصادق 175 حديثاً.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 57

القتل عن خطاء:

اشارة

إذا قتل الوارث المورِّث عن خطاء فقد عرفت عن الشيخ أنّ قوماً من غير الشيعة قالوا بالارث من التركة و الدية، و ذهب الشافعي إلى أنّه لا يرث مطلقاً، و أفتى الشيخ بالتفصيل بين الدية فلا يرث منها، و غيرها فيرث منها.

و نرى نفس هذه

التفاصيل من أصحابنا من عصر المفيد (336- 413 ه-) إلى عصر الشهيد الثاني (911- 966 ه-).

فذهب ابن البراج في المهذب ( «1») و المحقّق في الشرائع و النافع ( «2») و ابن سعيد في الجامع ( «3») و الشهيد في مسالكه ( «4») إلى القول الأوّل. كما نقل القول الثاني، عن الفضل بن شاذان (260 ه-) و الحسن بن أبي عقيل، و لم يوافقهما عليه أحد من الأصحاب، سوى ظاهر ثقة الإسلام فإنّه نقله عن الفضل بن شاذان ساكتاً عليه ( «5») و أمّا الثالث فهو خيرة الكاتب و القاضي ( «6») و ابن زهرة في الغنية ( «7») و ابن حمزة في الوسيلة ( «8») و الحلّي في السرائر ( «9») و نقله المحقّق عن المفيد في الشرائع و وصفه بالحسن، كما وصفه العلّامة بالجودة. ( «10»)

______________________________

(1) المهذب: 2/ 163.

(2) جواهر الكلام: 39/ 38.

(3) الجامع للشرائع: 504.

(4) الشهيد الثاني: المسالك: 2، ط حجر.

(5) العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 42.

(6) القاضي: المهذب: 2/ 162.

(7) الينابيع الفقهية: 22/ 263.

(8) ابن حمزة: الوسيلة: 391.

(9) الحلي: السرائر: 3/ 274.

(10) مفتاح الكرامة: 8/ 42.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 58

و على أيّ تقدير فالمسألة ذات أقوال ثلاثة ترجع إلى الروايات و كيفية الجمع بينهما.

دليل القول الأوّل:

احتج القائلون بالوراثة مطلقاً بوجوه:

1- إنّ الوراثة مقتضى إطلاق الكتاب و السنّة، خرج منه العامد الظالم و بقي الآخرون.

2- صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل قتل أُمّه أ يرثها؟ قال: «إن كان خطأ ورثها، و إن كان عمداً لم يرثها» ( «1»)

3- صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)

قال: «إذا قتل الرجل أُمّه خطأ ورثها، و إن قتلها متعمّداً فلا يرثها». ( «2»)

4- حديث الرفع، فانّ حرمان القاتل رتب على القاتل على وجه الإطلاق فيكون مرفوعاً عند الخطأ و ليس الحرمان كالدية مترتبة على عنوان القتل الخطئي، حتى لا يكون قابلًا للرفع.

و بذلك يظهر، إمكان تقييد الإطلاقات ( «3») بالصحيحين لو لم نقل بانصرافها إلى العمد.

دليل القول الثاني:

استدلّ القائل بعدم الوراثة بخبرين لا ينهضان دليلًا على المنع:

1- خبر فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا يقتل الرجل بولده إذا قتله، و يقتل الولد بوالده إذا قتل والده، و لا يرث الرجل أباه، إذا قتله و إن

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 1.

(2) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 1.

(3) مثل قوله صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «لا ميراث للقاتل» المصدر نفسه: الباب 7، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 59

كان خطأ». ( «1»)

و الدلالة واضحة، و السند مخدوش ب- «معلّى بن محمد البصري» الذي يصفه النجاشي بقوله: مضطرب الحديث و المذهب، أضف إليه أنّ في سنده إرسالًا حيث رواه عن بعض أصحابه.

2- خبر العلا بن الفضيل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في ح- ديث قال: «و لا يرث الرجل الرجل إذا قتله و إن كان خطأ». ( «2») و السند مخدوش بمحمد بن سنان الذي قال في حقّه النجاشي نقلًا عن ابن عقدة: ضعيف جداً، لا يعوّل عليه و لا يلتفت إلى ما تفرّد به. و قال الفضل بن شاذان: لا أُحِلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان. ( «3»)

و أضعف

منهما الاحتجاج بمرسل: «من قتل أخاً له عمداً أو خطأ لم يرثه» ( «4») فاتضح أنّ هذا القول- مضافاً إلى اشتهاره بين العامة عصر صدور الروايات كما يستفاد من كلام ابن قدامة السابق- ليس له سند صالح يعتمد عليه، فليس له أي تكافؤ مع القول الأوّل و لا القول الثالث الّذي سيوافيك حتّى نتحرى بالجمع بينه و بين القولين.

دليل القول الثالث:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 59

و هذا القول هو المحكيّ عن المفيد و تبعه غيره كما عرّفناك و يدلّ عليه أُمور:

1- ما ذكره الشيخ من رواية عبد اللّه بن عمر في حديث «و إن قتله خطأ ورث من ماله و لا يرث من ديته». ( «5»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3 و 4.

(2) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3 و 4.

(3) النجاشي: الرجال: 208 برقم 889.

(4) المستدرك: الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.

(5) الطوسي: الخلاف: 2/ 262، لاحظ سنن البيهقي: 6/ 221.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 60

2- صحيحة محمد بن قيس: «إذا كان خطأ فإن له نصيبه من ميراثها، و إن كان قتلها متعمّداً فلا يرث منها شيئاً» ( «1») وجه الدلالة انّه خصّ إرثه ب- «نصيبه من الميراث» و الميراث غير الدية، و قال في القتل العمدي: «فلا يرث منها شيئاً» الموهم أنّ الخاطئ يرث شيئاً لا كل شي ء، و هو ليس إلّا التركة.

3- صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «المرأة

ترث من دية زوجها و يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه» ( «2») و إطلاقها يعم الخطأ.

4- خبر عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): هل للمرأة من دية زوجها و هل للرجل من دية امرأته شي ء؟ قال: «نعم ما لم يقتل أحدهما الآخر» ( «3») و إطلاقها يعم الخطأ، و بهذه الأُمور يخصّص ما دلّ على إرث القاتل عن خطأ كما مرّ ( «4»).

5- موثقة محمّد بن قيس عن أبي جعفر في حديث: «و إن قتلت (الزوجة) ورث من ديتها، و إن قتل ورثت هي من ديته ما لم يقتل أحدهما صاحبه». ( «5»)

6- ما ورد في امرأة شربت دواءً و هي حامل و لم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها- إلى أن قال:- فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال: «لا لأنّها قتلته فلا ترثه» ( «6»). و في الجميع نظر.

أمّا الأوّل فضعفه واضح، و أمّا الثاني فمضافاً إلى أنّه لا يخلو عن إشعار لا يقاوم إطلاق أدلّة الوراثة، أنّه مضطرب المتن، لأنّها صورة أُخرى عن رواية واحدة و الصادرة عن الإمام، مردّدة بين صورتين إحداهما دالّة على المقصود دون

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، ذيل الحديث 1.

(2) المصدر نفسه: الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 3.

(3) المصدر نفسه: الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 3.

(4) المصدر نفسه: الباب 9، الحديث 1 و 2.

(5) المصدر نفسه: الباب 8، الحديث 4 و 1.

(6) المصدر نفسه: الباب 8، الحديث 4 و 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 61

الأُخرى فلاحظ الوسائل.

و أمّا الثالث و الرابع و

الخامس، فلا يبعد انصرافها إلى العمد. و لو فرض إطلاقها فالنسبة بين ما دلّ على إرث القاتل عن خطأ مطلقاً، و بين هذه الروايات عموم و خصوص من وجه، فالقسم الأوّل، عام يعمّ الدية و غيرها، خاص لاختصاصه بالخاطئ، و القسم الثاني عامّ يعمّ العامد و الخاطئ خاص لاختصاصه بالدية، فتتعارضان في إرث الخاطئ في الدية التي تدفعها العاقلة في الخطاء المحض، و نفسه في شبه العمد. و لا ترجيح لأحدهما على الآخر، و المرجع بعد السقوط هو إطلاق أدلّة المواريث لا أدلّة حرمان القاتل عن الميراث.

و أمّا السادس فمورده العمد كما يظهر من قوله: «و لم يعلم بذلك زوجها».

ثمّ إنّ صاحب الجواهر رجّح الأخذ بإطلاق الروايتين في مورد الدية، و قيّد به ما دلّ على إرث الخاطئ مطلقاً من التركة و الدية بوجوه:

1- كون الحرمان من الدية هو المشهور.

2- عموم منع القاتل من الميراث. (و هو المرجع بعد التساقط).

3- و بُعْد استحقاقه لما ثبت بجنايته.

4- خروج الدية عن حقيقة الارث.

5- حصول الجمع به بين إطلاق ما دلّ على إرث القاتل خطأ، و منعه منه كذلك، بحمل الثاني على خصوص الدية.

و الجميع كما ترى.

فيرد على الأوّل، ما عرفت من أنّ الأقوال متضاربة ليس فيها شهرة إلّا في أنّ الخاطئ يرث، و أمّا التفصيل بين الدية و غيرها، فالأقوال متضاربة.

و على الثاني، ما عرفت من أنّ عموم المنع خاص بالعامد و لا يعم الخاطئ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 62

و على الثالث، إنّ عمل الخاطئ ليس بجناية، بل فعل صدر منه خطأ. و هو مرتفع.

و على الرابع، أنّه لا يقاوم إطلاق أدلّة الميراث في الخاطئ.

و على الخامس، أنّه لا حاجة إلى الجمع بين الطائفتين

لما عرفت من سقوط الثانية عن الحجية لإرسال في السند أو ضعف فيه.

فالقول بالارث مطلقاً هو الأقوى و أشبه بعمومات المواريث كتاباً و سنّة.

ثمّ إنّي بعد ما حررت ذلك وقفت على كلام السيّد الورع أحمد الخونساري و إليك نصّه:

«الرواية النبوية ضعيفة من جهة السند، و تقييد عموم ما دلّ على الارث بالحسن المذكور ليس بأولى م ( «1») ن العكس إلّا أن يقال: النبويّة معتبرة من جهة عمل الاعلام، لكن مع هذا حمل ما دلّ على إرث القاتل خطأ على غير الدية خصوصاً مع ملاحظة قضاء أمير المؤمنين في رواية محمّد بن قيس المذكورة، فانّ القضاء في مورد خاص ليس بمنزلة المطلق القابل للتقييد، و الإنصاف أنّ المسألة مشكلة». ( «2»)

شبه العمد ملحق بالخطإ أو بالعمد:

هذا كلّه إذا قتله خطأ محضاً كما إذا رمى طائراً فأخطأ فأصاب مورثه، و أمّا إذا كان القتل بصورة شبه العمد و هو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل، و كان الفعل ممّا لا يترتب عليه القتل في العادة كما إذا ضربه

______________________________

(1) يريد صحيحة محمّد بن قيس: الحديث 2 من الباب 8 و التعبير بالحسن، لعدم ورود توثيق صريح في إبراهيم بن هاشم. و قد أوضحنا حاله في كتاب «كليات في علم الرجال».

(2) جامع المدارك: 5/ 294.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 63

ضرباً خفيفاً للتأديب فأدّى إلى قتله، فهل هو كالعمد المحض حتّى يكون مانعاً من الارث، أو كالخطإ المحض فيرث مطلقاً أو من غير الدية على التفصيل الماضي؟

لسان النصوص: ما عرفت: «إذا قتل الرجل أُمّه خطأ ورثها و إن قتلها متعمّداً فلا يرثها». ( «1») أو «إن كان خطأ ورثها، و إن كان عمداً لم

يرثها». ( «2»)

ظاهر كل من قابل العمد بالخطإ، أنّه أراد من الخطأ الأعم كالشيخ في الخلاف ( «3») و المحقق في الشرائع ( «4») و هناك من صرّح به كالعلّامة في المختلف. ( «5»)

و هو الأولى لو لم نقل إنّه المتبادر من قوله في صحيحة محمد بن قيس: «متعمّداً».

و أمّا ترجيح القول الثاني استدلالًا بعموم حجب القاتل، فهو ممنوع لأنّ المورد من الشبهة المصداقية (بعد خروج القاتل المخطئ عنه) لأجل تردّد المخصص مفهوماً بين الأقلّ و الأكثر.

و أمّا ترجيحه بأنّه طريق الجمع بين الصحيحتين ( «6») و الخبرين ( «7») بحمل الأُوليين على المخطئ المحض و الأخيرين على شبه العمد، فقد عرفت عدم التكافؤ فلا تصل النوبة إلى الجمع.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1 و 2.

(2) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1 و 2.

(3) الخلاف 2: كتاب الفرائض، المسألة 22.

(4) الجواهر: 39/ 36.

(5) المختلف: 4/ 270.

(6) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1 و 2.

(7) المصدر نفسه: الحديث 3 و 4.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 64

التسبيب كالمباشرة:

حكم السبب في باب القصاص غير حكم المباشرة، فالثاني يقتل، و الأوّل يحبس، و على ضوء ذلك فهل هنا فرق بين السبب و المباشر في الحرمان، أو لا؟ التحقيق: لا، لأنّ التفريق هناك ثبت بالنص، و الحكم في المقام دائر مدار صدق العنوان و هو كما يصدق على المباشر، يصدق على السبب أيضاً، كما إذا ألقى المورث في المسبعة فافترسه السبع، أو حبسه في مكان فمات جوعاً أو عطشاً، أو أطعمه طعاماً مسموماً بدون علم منه إلى ذلك من الأسباب التي لا يُشَك معها في

صدق العنوان، و مثله إذا شهد شهادة الزور مع جماعة على صدور عمل منه يستحق معه القتل، فقتل، فانّ القاضي و الجلّاد، يتلقيان كالآلة بخلاف الشاهد.

فروع:

1- القتل مانع مطلقاً من غير فرق بين ذوي الأنساب و الأسباب، لعموم الأدلّة، و من غير فرق بين ما يوجب القصاص كقتل الولد والده، أو لا، كما في العكس لإطلاق الأدلّة أوّلًا، و للروايات الخاصة ( «1»). و ما نُسب إلى بعض العامة ( «2») من التفصيل لا يعبأ به.

2- السبب المؤدِّي إلى الجرح قد يكون سائغاً كضرب الوالد ابنه للتأديب، أو شقّ الجراح، أو القرح للإصلاح. و قد يكون ممنوعاً كضرب غير المستحق المؤدِّي إلى القتل، فعن السيوري: التوريث في الأوّل دون الثاني و هو مردود بإطلاق الأدلّة، و ربما يتخيل عدم الدية في الأوّل لوجود الإذن في الفعل و وجوبه لكنّه غير تامّ، لأنّ

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7، من أبواب موانع الإرث، الحديث 3 و 4 و 7.

(2) نقله في مفتاح الكرامة: 8/ 46 عن تنوير السراج لأحمد بن محمود الساماني.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 65

الاذن يرفع الحكم التكليفي دون الوضعي كما في جواز سدّ الجوع في عام المخمصة و ليس المأذون بأقل من الخطأ المحض.

3- عمد الصبي و المجنون خطأ، لقول علي (عليه السلام) في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبيّ الذي لم يبلغ: «عمدهما خطاء تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم». ( «1») فيرثان من التركة و الدية، فما نقل من كشف اللثام من كون الصبي و المجنون عامداً كما ترى.

4- إذا سقط النائم على آخر فقتله، أو سقط الأعلى على الأسفل، فلا قصاص و لا دية

و ورد به النص ( «2») فلا حرمان بطريق أولى.

إنّما الكلام إذا رفس الدابة و وطأت دابته مَن يرثه و قتله، أو رفس القائد أو السائق فقتلت من يرثاه فلو صحّت نسبة القتل إليهم، فهو أشبه بالخطإ المحض فلا يمنع من الإرث.

5- إذا أخرج كنيفاً أو حفر بئراً في غير حقّه و وقع فيه المورِّث فقتل أو أسّسَ مظلّة فأصابته فقتلته فعليه الضمان أو الدية فهو كشبه العمد، و ورد به النص، و إن كان في حقّه فلا شي ء عليه. ( «3»)

6- إذا شارك في القتل فلا يرث لصدق القاتل، و الحكم في الارث يدور مدار صدق العنوان، و أمّا القصاص أو الدية فليطلب حكمه من محلّه.

7- هل يشترط استقرار الحياة بأن يكون ممّا يبقى يوماً أو يومين أو أقلّ أولا؟ فالظاهر لا، إذ الحكم يدور مدار صدق العنوان فلو كان محتضراً، فذبحه، يمنع من الارث لصدق كونه قاتلًا.

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(2) المصدر نفسه: الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1- 4.

(3) المصدر نفسه: الباب 20 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 8.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 66

نعم لو أُصيب بجراحة مخّية، و الموت بقدميه، فأخرج الوارث قلبه، أو كليته، فالظاهر عدم صدق العنوان.

8- لو كان للقاتل ولد، لم تمنع جناية الأب عن إرث الولد، لقوله سبحانه: (أَلّٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) ( «1») و ورد به النص ( «2»).

9- و لو كان للوارث، ولد كافر منعا، للقتل و الكفر، نعم لو أسلم قبل الاقتسام يرث.

***

مسألة: إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام:

إذا لم يكن للمقتول وارث سوى القاتل و الكافر. يترتب عليه أحكام، يظهر من الأصحاب اتّفاق

الأكثر عليه:

1- يلزم على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع إليه القاتل فإن شاء عفا و إن شاء أخذ الدية.

2- لو أسلم بعد نقل التركة إلى بيت المال، و لكن لم تؤخذ الدية من القاتل و لم يقتص منه فهو أولى بالقاتل من الإمام.

3- لو لم يُسلم أحد منهم، كان الإمام وليَّ أمره، فإن شاء قتل، و إن شاء أخذ الدية.

4- إنّ الدية لإمام المسلمين.

و هذه الأحكام الأربعة تستفاد ممّا رواه أبو ولّاد الحناط قال: سألت أبا عبد

______________________________

(1) النجم/ 38.

(2) الوسائل: 17، الباب 12، من أبواب موانع الإرث.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 67

اللّه (عليه السلام) عن رجل مسلم قتل رجلًا مسلماً (عمداً) فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمة من قرابته؟ فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل، و إن شاء عفا، و إن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليَّ أمره، فإن شاء قتل، و إن شاء أخذ الدية فجعله في بيت مال المسلمين، لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين» قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ قال: فقال: «إنّما هو حقّ جميع المسلمين و إنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية و ليس له أن يعفو». ( «1»)

و رواه في التهذيب أيضاً بنفس النص. و رواه في العلل إلّا أنّه أسقط حكم العفو من الإمام. ( «2»)

و روى الشيخ أيضاً عنه قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يقتل و ليس له

ولي إلّا الإمام: «إنّه ليس للإمام أن يعفو، و له أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام و كذلك تكون ديته لإمام المسلمين». ( «3»)

و روى الصدوق بسند صحيح عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل مسلم قتل و له أب نصرانيّ لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ فتجعل في بيت مال المسلمين، لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين» ( «4»).

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1، و أبو ولّاد، هو حفص بن سالم المدعو بابن يونس أيضاً. و رواه الكليني بطريقين صحيحين، و توصيفها بالحسن على أحد الطريقين كما في الجواهر لأجل وقوع إبراهيم بن هاشم فيه و هو عند القوم ممدوح. و لكنّه عندنا فوق الثقة.

(2) الوسائل: 19، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1، و أبو ولّاد، هو حفص بن سالم المدعو بابن يونس أيضاً. و رواه الكليني بطريقين صحيحين، و توصيفها بالحسن على أحد الطريقين كما في الجواهر لأجل وقوع إبراهيم بن هاشم فيه و هو عند القوم ممدوح. و لكنّه عندنا فوق الثقة.

(3) المصدر نفسه: الحديث 2.

(4) المصدر نفسه: الحديث 3. و الجزء 17، الباب 7 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 68

و رواة السند ثقات بالاتفاق و أمّا سليمان بن خالد فهو مردّد بين الهلالي و النخعي و الأوّل وثّقه المفيد و العلّامة، و أمّا الثاني فوثّقه الكشي ( «1»)، و لعلّ الرجلين واحد، و على أيّ حال فالرواية معتبرة لعدم الاعتماد على تضعيف الغضائري.

و دلالة الروايات

على ما اشتهر بين الأصحاب واضحة جداً.

أمّا مسألة العرض فلعلّ وجوبه لأجل احتمال أن يكون الوارث جاهلًا بالمسألة حتّى لا يضيع منه حقّ، و إلّا فلو كان عارفاً بالحكم فالوجوب ساقط.

و أمّا أولويته بالقاتل من الإمام بعد نقل التركة و قبل أخذ الدية، فلأنّه من مصاديق ما سبق: إذا أسلم أثناء القسمة، فقد قلنا: إنّه يشارك سائر الورثة، أو يختص بالباقي، فإذا أسلم قبل أخذ الدية و الاقتصاص فهو كما إذا أسلم أثناء القسمة.

أمّا تخيير الإمام بين الأمرين و تخيير الوارث بين أُمور ثلاثة فهو يستفاد ممّا رواه الكليني و الشيخ و لكنّه سقط عمّا رواه الصدوق في العلل و نسبه في مفتاح الكرامة إلى الشهرة و قال: و شهرته تغنني عن تعيين مواضع نقلها فالحكم ممّا لا ريب فيه و خالف ابن إدريس و نقل عن الشيخ الرجوع عمّا ذكر و لم يثبت الثاني، و الأوّل اجتهاد في مقابل النص و ربما يقال: إنّ جواز العفو و عدمه مبنيان على كون الدية للمسلمين أجمعين أو الإمام وحده فلا يجوز العفو على الأوّل دون الثاني و هو غير تام، بل لا يجوز له العفو على كلا التقديرين للنص، و الحكمة واضحة لأنّ في عفو الإمام من هدر الدماء المخل للغرض من تشريع القصاص و قال (عليه السلام): «لا يبطل دم امرئ مسلم» و أمّا وجه الفرق بين الوارث و الإمام حيث يجوز العفو للأوّل دون الثاني، فلأجل أنّ القصاص حقّ للميّت إلّا أنّ للولي استيفاؤه و ليس الإمام كالوارث، لأنّ الوارث لا يبتلى به إلّا مرّة واحدة في عمره فلا يكون في عفوه أيّ

______________________________

(1) معجم الثقات: 61 برقم 396، 397.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 69

مفسدة، بخلاف عفو الإمام فانّه يبتلى بالقضية طيلة إمامته كراراً فعفوه يورث الجرأة.

و أمّا حكم الدية فقد اختلفت عبارات الأصحاب في تأديته، فعبّروا عنه تارة بأنّه للإمام، و أُخرى لبيت المال و ثالثة لبيت مال المسلمين، و نرى نفس الاختلاف في لسان الروايات، بل في رواية واحدة مثل أبي ولّاد.

فتارة يقول: فيجعلها في بيت مال المسلمين، و أُخرى يقول: كذلك تكون ديته لإمام المسلمين، و ثالثة: هو حقّ جميع المسلمين، و في الوقت نفسه يعلّل كونه لإمام المسلمين بأنّ جنايته كانت على الإمام فتكون ديته له.

و تراه فيما رواه الشيخ يقول: فيجعلها في بيت مال المسلمين، و في الوقت يقول: لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام و كذلك تكون ديته لإمام المسلمين.

و في رواية سليمان بن خالد «و يجعلها في بيت مال المسلمين لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين».

و الجميع يهدف إلى أمر واحد و هو أنّه للإمام لا لشخصه، بل لشخصيته و إمامته، و هو يتولّى أموالًا لها مصارف مختلفة فهو يتولّى الأنفال و الأخماس و الزكوات و الكفّارات، فالكل يتولّاه الإمام. فاختلاف الرواية لا يسقطها عن الحجية كما يظهر من صاحب الجواهر.

و أمّا كون جناية المقتول على الإمام فلأجل أنّ من لا عاقلة له فعاقلته الإمام. ( «1»)

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 6 من أبواب ديات العاقلة، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 70

الدية في حكم مال المقتول:

تتعلق الدية بمال المقتول و يترتب عليه أنّه يقضى منها ديته، و يخرج منها وصاياه.

قال الشيخ في الخلاف: يقضى من الدية، الدين و الوصايا و به قال عامة الفقهاء إلّا أبا ثور فانّه قال: لا يقضى منها الدين و لا الوصية ( «1») و

قد ادّعى ابن فهد عليه الإجماع، و في الكفاية لا أعرف فيه خلافاً، و في مجمع الفائدة نسبه إلى الأصحاب و الأخبار. خلافاً لمن يذهب إلى أنّ الدية لا يصرف منها في الدين شي ء لتأخّر استحقاقها عن الحياة. ( «2»)

و الظاهر استناد الفتاوى إلى ما نتلوه من الأخبار:

1- معتبرة إسحاق بن عمّار عن جعفر أنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: «إذا قبلت ديةُ العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال». ( «3»)

2- صحيحة يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام) في رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالًا فأخذ أهله الدية من قاتله، عليهم أن يقضوا دينه؟ قال: «نعم». قلت: و هو لم يترك شيئاً؟ قال: «إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه». و وصفه في الجواهر بالخبر، مع أنّه صحيحة و رجال السند كلّهم معروفون إلّا يحيى الأزرق و هو من أصحاب الإمام الكاظم وثّقه النجاشي. على أنّ الرواية رويت بطرق شتى. ( «4»)

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 114. و سيوافيك مذهب أهل السنّة في المقام عند البحث عن ارث الدية.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 51.

(3) و إنّما قلنا معتبرة، لأنّ رواة السند ثقات إلّا غياث بن كلوب، قال الشيخ في العدة: إنّ الأصحاب عملوا برواياته.

(4) الوسائل: 13، الباب 24 من أبواب الدين و القرض.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 71

و يدل عليه أيضاً، ما دلّ على أنّ الرجل لو أوصى بثلث ماله، فهو يعمّ ديته أيضاً، لو قتل.

3- ففي صحيحة محمد بن قيس قال: قلت له: رجل أوصى لرجل يوصيه من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ يعني الموصي؟ فقال: «يجاز لهذا الوصية

من ماله و من ديته». ( «1»)

و المسألة واضحة بعد تضافر النصوص، و إطلاقها يعم العمد و الخطأ خصوصاً أنّ رواية إسحاق بن عمّار واردة في العمد فما روي عن ابن إدريس في باب قضاء الدين عن الميت من التفريق بينهما في غير محلّه.

و أمّا توجيهه بأنّ القصاص حقّ الولي لمكان التشفّي فكانت الدية عوضاً عن حقّه، فمحجوج بما قيل: إنّ القصاص عوض عن نفس المقتول و هو يجتمع مع التشفّي فإذا تراضوا على الدية كانت أيضاً عوضاً عن نفسه و كان أحقَّ بها من غيره.

و في الجواهر: إنّ الميّت يستحق القصاص عند إزهاق روحه قال سبحانه: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) فهو من قبيل ضمان الشي ء بمثله، فإذا صالح الوارث على الدية كان كدفع العوض عن المثل المستحق.

***

مسألة: في من يرث الدية:

اختلفت كلمات الفقهاء في من يرث الدية، أمّا الشيعة فقد اختلفوا إلى أقوال أربعة:

______________________________

(1) الوسائل: 13، الباب 14، من أبواب الوصايا، الحديث 1، و لاحظ الحديث 2 و 3 من نفس الباب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 72

1- يرثها جميع الورثة.

2- يرثها كل مناسب و مسابب سواء كانت دية عمد أو خطأ إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ.

3- يرث الدية كل مناسب و مسابب عدا من يتقرب بالأُمّ- و به عبَّر المحقّق في الشرائع و العلّامة في القواعد-.

4- يرثها كل مناسب و مسابب دون الإخوة و الأخوات من قبل الأُمّ و دون الأخوات من قبل الأب وحده، فإن لم يكن واحد من أولئك و كان هناك مولى كانت الدية له و إلّا فللإمام.

أمّا القول الأوّل: فهو خيرة الشيخ في فرائض الخلاف قال: يرث الدية جميع الورثة سواء كانوا مناسبين أو غير مناسبين من الزوج و الزوجة،

و به قال جميع الفقهاء و عن علي (عليه السلام): روايتان: إحداهما كما قلناه و هو الصحيح، و الثانية: إنّ الدية للعصبة، و لا يرث من لا يعقل عنه العقل مثل الأُخت و الزوج و الزوجة، و استدل بإجماع الفرقة و أيّده بما روي عن عمر بن الخطاب قال: لا ترث الزوجة من دية زوجها، حتى سأل الصحابة، فقال له سفيان بن الضحاك: إنّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كتب إلينا كتاباً بأن نورث امرأة ابن أشيم الضبابي من دية زوجها فورّثناها فرجع عمر عن ذلك و ورّثها. ( «1»)

و أمّا القول الثاني: فهو المشهور ( «2») مقتصراً بما ورد في النصوص أي الإخوة و الأخوات من الأُم.

و أمّا القول الثالث: فهو رأي المحقّق و العلّامة، و نسبه العاملي إلى النهاية و المقنعة و الكافي و الرسالة النصيرية و تعليق النافع و المسالك و التنقيح و ظاهر

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 127.

(2) النجفي: الجواهر: 39/ 46.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 73

النكت و السرائر في الميراث. ( «1»)

و أمّا القول الرابع: فهو خيرة الشيخ أيضاً في جنايات الخلاف قال: الدية يرثها الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً للذكر مثل حظّ الأُنثيين، و كذلك الوالدان و لا يرث الإخوة و الأخوات من قبل الأُمّ منها شيئاً، و لا الأخوات من قبل الأب، و إنّما يرثها بعد الوالدين و الأولاد: الإخوة من الأب و الأُمّ، أو الأب، أو العمومة، فإن لم يكن واحد منهم (أي واحد من الطبقات الثلاث) و كان هناك مولى كانت الدية له، فإن لم يكن هناك مولى كان ميراثه للإمام.

و الزوج و الزوجة يرثان من الدية و

كل من يرث الدية يرث القصاص إلّا الزوج و الزوجة فإنّه ليس لهما من القصاص شي ء على حال. ( «2»)

و وصفه في مفتاح الكرامة بالشذوذ و لم يذكره المحقّق و العلّامة و الشهيدان.

و أمّا أهل السنّة، فقد اضطرب كلام الشيخ في نقل آرائهم، فقد نقل في كتاب الفرائض عنهم قولًا واحداً و هو وراثة الجميع بلا استثناء، كما عرفت. و نقل في كتاب جنايات الخلاف ( «3») أقوالًا:

1- قال الشافعي: الدية يرثها جميع ورثته و كل من ورث تركته من المال يرث الدية الذكور و الإناث، و سواء كان الميراث بنسب أو سبب، هو الزوجية أو ولاء، و العقل موروث كالمال، فكل من يرث الدية، يرث القصاص، و كل من يرث القصاص يرث الدية، و به قال أبو حنيفة و أصحابه.

2- قال مالك: يرثه العصبات من الرجال دون النساء، فإن عفوا على مال كان المال لمن يرث الدية من الرجال.

______________________________

(1) العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 49.

(2) الخلاف: 3، كتاب الجنايات، المسألة 41.

(3) الخلاف: 3، كتاب الجنايات، المسألة 41.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 74

و مراده من تخصيص الدية بالعصبات من الرجال، هو إخراج العصبات من النساء، كبنت العم، و ليس ناظراً إلى إخراج الأولاد بزعم أنّهم ليسوا بعصبة.

3- و قال ابن أبي ليلى: يرثه ذو الأنساب من الرجال و النساء و لا يرثه ذو سبب و هو الزوجية قال: لأنّ الزوجية تزول بالوفاة، و هذا يورَثُ للتشفّي.

و هو يخرج الوارث بالسبب و يبقي الوارث بالنسب [و يخصه بالرجال و يخرج النساء] هذا حسب ما نقله الشيخ عنهم و إليك ذكر ما نقله ابن قدامة:

قال: ودية المقتول موروثة عنه كسائر أمواله، إلّا أنّه اختلف فيه

عن علي فروي عنه مثل قول الجماعة. و عنه لا يرثها إلّا عصابة الذين يعقلون عنه، و كان عمر يذهب إلى هذا ثمّ رجع عنه لما بلغه عن النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم توريث المرأة من دية زوجها- ثمّ نقل رواية توريث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. و انّ الترمذي قال: هذا حديث صحيح- و قال: روى الإمام أحمد: انّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قضى أنّ العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم، و باسناده عن ابن عباس: انّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: «المرأة ترث من مال زوجها و عقلها و يرث هو من مالها و عقلها، ما لم يقتل واحد منهما صاحبه» إلّا أنّ في إسناده رجلًا مجهولًا.

و قال إبراهيم: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «الدية على الميراث و العقل على العصبة». و قال أبو ثور: هي على الميراث و لا تقضى منها ديونه و لا تنفذ منها وصاياه، و عن أحمد نحو من هذا. ( «1»)

أقول: أمّا البحث عن كونه مال الميت يقضى منها ديونه و وصاياه فقد تقدّم الكلام فيه فلا نعيد. و البحث في المقام مركَّز على كيفية توريث الدية، و هل يرثها جميع الورّاث أو بعضها؟ و إليك دراسة أقوال الشيعة أوّلًا، ثمّ دراسة آراء الآخرين:

______________________________

(1) المغني: 6/ 364.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 75

أمّا القول الأوّل: فهو خيرة الشافعي أيضاً، و لا دليل عليه سوى العمومات و الإطلاقات الواردة في الكتاب و السنّة، و لكنّها قابلة للتخصيص و التقييد إذا كان المخصّص و المقيّد على حدّ صالحين لتضييق عموم

الكتاب و إطلاقه. و سيوافيك ما هو صالح لهما. و ربما يستدل عليه بروايات:

1- موثق إسحاق بن عمّار عن جعفر (عليه السلام): إنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: «إذا قبلت دية العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال» ( «1») و الظاهر أنّ تقييد الدية بالعمد، مع أنّ دية الخطأ أيضاً مثله تورثان، قرينة على أنّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في مقام بيان أنّ الدية ليس كالجناية على الميت التي يختص الميت بديتها، بل هي كسائر أمواله التي تورث، و ليس بصدد بيان كيفية التقسيم حتّى يؤخذ بإطلاق كلامه. و لو سلم فأقصى ما فيها الإطلاق القابل للتقييد.

2- ما رواه سوار عن الحسن (عليه السلام) في حديث طويل: «إنّ عليّاً (عليه السلام) لما هزم طلحة و الزبير، أقبل الناس منهزمين فمرّوا بامرأة حامل على الطريق، ففزعت منهم فطرحت ما في بطنها حيّاً، فاضطرب حتّى مات ثمّ ماتت أُمّه من بعده، فمرّ بها عليّ (عليه السلام) و أصحابه و هي مطروحة على الطريق و ولدها على الطريق، فسألهم عن أمرها؟ فقالوا: إنّها كانت حبلى ففزعت حين رأت القتال و الهزيمة، قال: فسألهم أيّهما مات قبل صاحبه؟ فقيل: إنّ ابنها مات قبلها، قال: فدعا بزوجها أبي الغلام الميت فورثه ثلثي الدية، و ورث أُمّه ثلث الدية، ثمّ ورث الزوج من المرأة الميتة نصف ثلث الدية التي ورثتها من ابنها و ورث قرابة المرأة الميتة الباقي الخ». ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 14 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1، و في طريقه يعقوب بن يزيد الأنباري الكاتب الثقة و غياث بن كلوب الذي قال الشيخ: الأصحاب عملوا برواياته.

(2) المصدر نفسه:

الباب 10، الحديث 3 و الحديث ضعيف، و سوار مهمل في الرجال.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 76

يلاحظ عليه: أنّها قضية خارجية و لعلّ قرابة المرأة كانت أباها و أُمّها أو إخوتها و أخواتها من الأب و الأُمّ. و معه لا تصلح للاستدلال.

و أمّا القول الثاني: فهو المشهور، و اختاره بنفس النص السبزواري في كفايته و مال إليه في المسالك و المجمع و هو مؤيّد بروايات صحيحة و موثقة.

1- صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ الدية يرثها الورثة إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً». ( «1»)

2- صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قضى عليّ (عليه السلام) في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين، إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ، فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً». ( «2»)

نعم اقتصر في صحيحة محمد بن قيس ( «3»)، و صحيحة أبي العباس ( «4»)، و خبر عبيد بن زرارة ( «5») بالإخوة من الأُمّ و هو جري على العادة من شمول الإخوة للأخوات.

و هذه الروايات المفصلة تصلح لتخصيص عموم الكتاب و تقييد إطلاقه.

و أمّا القول الثالث: أي مطلق من يتقرّب بالأُمّ كالأخوال و الخالات: فالدليل عليه هو إلغاء الخصوصية للقطع بالمساواة كما في الأخوال و الخالات، و الأولوية كما في أولاد الإخوة و الأخوات من الأُمّ، فإذا كان الأصل محروماً فالفرع أولى به.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 10، من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 1 و في طريق الحديث الثاني: أبو أيوب، و

المراد أبو أيوب الخزاز: إبراهيم بن عيسى وثّقه النجاشي و الكشي، رواه عن سليمان بن خالد النخعي الذي ضعّفه ابن الغضائري و وثّقه الكشي و المفيد و العلّامة. و لا عبرة بتضعيف ابن الغضائري.

(2) الوسائل: 17، الباب 10، من أبواب موانع الإرث، الحديث 2 و 1 و في طريق الحديث الثاني: أبو أيوب، و المراد أبو أيوب الخزاز: إبراهيم بن عيسى وثّقه النجاشي و الكشي، رواه عن سليمان بن خالد النخعي الذي ضعّفه ابن الغضائري و وثّقه الكشي و المفيد و العلّامة. و لا عبرة بتضعيف ابن الغضائري.

(3) المصدر نفسه: الحديث 4 و في طريق الصحيحة الأُولى محمد بن عيسى العبيدي و هو ثقة على الصحيح و عاصم بن حميد الحنفي الحناط الذي هو ثقة، و الحديث 5 و 6.

(4) المصدر نفسه: الحديث 4 و في طريق الصحيحة الأُولى محمد بن عيسى العبيدي و هو ثقة على الصحيح و عاصم بن حميد الحنفي الحناط الذي هو ثقة، و الحديث 5 و 6.

(5) المصدر نفسه: الحديث 4 و في طريق الصحيحة الأُولى محمد بن عيسى العبيدي و هو ثقة على الصحيح و عاصم بن حميد الحنفي الحناط الذي هو ثقة، و الحديث 5 و 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 77

و إن كان الأولى الاقتصار بالمنصوص و التصالح في غيره مثل الخال و الخالة اقتصاراً في مورد خلاف القاعدة على موضع النص.

و أمّا القول الرابع: أي إضافة الأخوات من الأب وحده، إلى الإخوة من الأُمّ فلم نجد له دليلًا صالحاً و هو خيرة الشيخ في جنايات الخلاف على ما عرفت، و الاستدلال عليه بما في رواية البقباق من أنّه ليس للنساء عفو و لا

قود ( «1») كما ترى، لأنّ الكلام في وراثة الدية، لا العفو و القود.

و أمّا دراسة أقوال أهل السنّة فالقول الأوّل معه إطلاق الكتاب لو لا وجود المخصّص في كلمات أئمة أهل البيت، و أمّا الثاني أي تخصيص إرث الدية بالرجال من العصبات فيرثه العم دون العمّة فيرده إطلاق الكتاب بلا دليل على التقييد، و أضعف منه القول الثالث من حرمان النساء مطلقاً و هو محجوج بالكتاب و السنّة.

ثمّ إنّه إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإخوة و الأخوات من جانب الأُمّ، فقد عرفت أنّ الشيخ الطوسي قال: التركة للولاء فإن لم يكن فهو للإمام ( «2») و يظهر من العاملي أنّه قد تسالم الناس على أنّ الإخوة للأُمّ إذا انفردوا ورثوا الدية ( «3») و الأخير هو الأقرب لقوله سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ*) (الأنفال/ 75).

فإنّ معناه: أنّ من كان أقرب إلى الميت في النسب كان أولى بالميراث. ( «4») خرجت هؤلاء عند الاجتماع مع من في طبقتهم أو الأعم منه و من هو في الطبقة المتأخّرة، و أمّا وراء ذلك، فهو باق تحت الإطلاقات و العمومات.

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 56 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(2) الخلاف، كتاب الجنايات، المسألة 41.

(3) مفتاح الكرامة: 8/ 50.

(4) مجمع البيان: 2/ 563، ط صيدا.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 78

و أمّا الزوج و الزوجة فالمشهور عندنا هو التفصيل بين عدم إرثهما القصاص و إرثهما الدية قال الشيخ: لا ترث الزوجة من القصاص شيئاً و إنّما القصاص يرثه الأولياء فإن قبلوا الدية كان لها نصيبها منها، و قال الشافعي: لها نصيبها من القصاص. ( «1»)

قال المحقّق: و لا يرث أحد الزوجين القصاص و

لو وقع التراضي بالدية ورثا نصيبها منها.

قال العاملي: أمّا عدم إرثه القصاص فكاد أن يكون ضرورياً، و أمّا إرثه من الدية فيدل عليه الإجماع كما في المبسوط و المسالك و هو ظاهر المجمع و الكفاية و قد حكاه فيها، و بالجملة لم أجد مخالفاً في ذلك من أصحابنا. ( «2»)

أمّا إرثهما دية الآخر فهو الموافق للقاعدة مضافاً إلى النصوص المؤيدة لها ( «3») و لا يعارضه خبر السكوني من أنّ عليّاً كان لا يورث المرأة من دية زوجها و لا يورث الرجل من دية امرأته شيئاً ( «4») و حمله القائلون بالوراثة على ما إذا قتل أحدهما الآخر و هو بعيد، و الحق أنّه ليس بحجة في مقابل الضرورة المدعاة أو الشهرة المحقّقة.

و ما ربما يقال من أنّ الدية عوض حقّ القصاص الذي هو لغيرهما فلا وجه لإرثهما من عوض ما ليس للميت و لا لهما. فكأنّه اجتهاد في مقابل النص على أنّه يمنع عدم كون الحقّ للميت فانّ إزهاق النفس عوض نفس الميت، فهو شي ء يستحقّه الميّت بالذات.

و أمّا ما ذكره ابن أبي ليلى أنّه لا يرث الدية ذو سبب لأنّ الزوجية تزول بالوفاة

______________________________

(1) الطوسي: الخلاف: 3، كتاب الجنايات، المسألة 11.

(2) العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 51.

(3) الوسائل: 17، الباب 11، من أبواب موانع الإرث، الحديث 1- 2.

(4) المصدر نفسه: الحديث 4.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 79

و هذا توريث للتشفّي و لا تشفّيَ بعد زوال الزوجية، ضعيف، حيث يمنع زوال الزوجية و الدليل عليه جواز غسله لها بعد الموت، و لو سلّمنا، لكن التشفّي لا يدور مدار بقاء علقة الزوجية، بل يدور مدار بقاء العاطفة بينهما، و أمّا حكم إرث القصاص

فهو موكول إلى محلّه.

***

الثالث: الرّق:

و عدم الابتلاء به أغنانا عن البحث عنه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 80

في لواحق أسباب المنع

اشارة

و هي أربعة:

الأوّل: اللعان:

إنّ اللعان يقطع النكاح، و لأجل ذلك لا يرث المتلاعنان عن الآخر و إن وقع اللعان في المرض، و يكون فراقهما أشبه بطلاق المختلعة و المباراة ( «1») و أمّا ولد الملاعنة، فيلحق بالأُمّ يرثها و ترثه، و أمّا الأب فلا تراث بينهما. و لو أقرّ الأب و رجع عن الإنكار، يرثه الولد و لا يرثه الأب، لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ لا لأنفسهم، و سيأتي البحث عن ميراث ولد الملاعنة و ولد الزنا في محلّه فنكتف بذلك و قد ذكرناه تبعاً للمحقّق في المقام.

إلّا أنّ عدّ اللعان من الموانع، لا يخلو عن مسامحة لأنّ المقصود منها المنع بعد ثبوت النسب كالكفر و القتل، و أمّا المورد فالنسب مشكوك واقعاً، و منتف ظاهراً حسب حكم الشرع.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 15، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 81

الثاني: الغائب غيبة منقطعة أخباره و آثاره:

و هذا يختلف باعتبار نباهة الشأن، و خمود الذكر، و بعد البلاد، و قلّة المترددين و كثرتهم، و العنوان كما يشمل لمن لم يُعرف مكانه، كذلك يشمل الأسير المعلوم مكانه في معسكر الأعداء و كل من عبّر بالمفقود، ذكر الأسير مستقلًا كالشيخ في الخلاف ( «1») و ابن زهرة في الغنية حيث قال: و يوقف نصيب الأسير في بلاد الكفر حتى يجي ء أو يصحّ موته فإن لم يعلم مكانه فهو مفقود ( «2») و يظهر من الروايات اختصاص المفقود بمن لا يعلم مكانه، ففي رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل كان له على رجل حقّ، ففقده و لا يدري أين يطلبه ... ( «3») و قد ورد في غير واحد من الروايات لفظ «غاب»

( «4») و يتضح أنّ المناط هو عدم العلم بموته و حياته، من غير فرق بين الأسير و غيره بين معلوم المكان و مجهوله.

و قبل دراسة الروايات نذكر الأقوال، و هي عند الشيعة أربعة:

1- الغائب غيبة منقطعة بحيث لا يعلم خبره، لا يُورَّث حتى يعلم موته إمّا بالبيّنة أو بمضي مدّة لا يمكن أن يعيش مثله إليها عادة، فيحكم لورثته الموجودين في وقت الحكم أخذاً بأصالة بقاء الحياة و التركة على ملكه من غير معارض و هذا خيرة الشيخ في الخلاف ( «5») و المحقّق في الشرائع ( «6») و القاضي في المهذّب ( «7») و العلّامة

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 135- 136.

(2) الينابيع الفقهية: 22/ 285، نقلًا عن كتاب الغنية لابن زهرة.

(3) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه، الحديث 2.

(4) المصدر نفسه: الحديث 6، 7 و 8.

(5) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 136.

(6) الجواهر: 39/ 63.

(7) المهذب: 2/ 166.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 82

في القواعد. ( «1»)

2- يحبس المال بقدر ما يطلب في الأربعة جوانب أربع سنين، و نسبه في المفتاح إلى الصدوق و السيد المرتضى و أبي الصلاح و أبي المكارم و تبعهم بعض المتأخّرين.

3- التفصيل بين من فقد في عسكر قد شهدت هزيمته و قتل من كان فيه أو أكثرهم ففيه الصبر أربع سنين، و من لا يعرف مكانه في غيبة و لا خبر له، ففيه عشر سنين و المأسور في قيد العدو يوقف ماله ما جاء خبره ثمّ إلى عشر سنين.

4- يدفع إلى وارثه الملي. ( «2»)

و أمّا عند أهل السنّة فقد ذكر الشيخ أقوالهم في الخلاف ما هذا خلاصته: قال

الشافعي و محمد بن الحسن الشيباني بالقول الأوّل، و قال بعض أصحاب مالك: يضرب للمفقود سبعين سنة مع سنة يومَ فُقد، فإن علمت حياته و إلّا قسِّم ماله، و قال بعض أصحابه: يضرب له مدة تسعين سنة، و قال الحسن بن زياد اللؤلؤي: إذا مضى على المفقود من السنين، ما يكون مع سنة يومَ فقد، مائة و عشرون سنة قسّم ماله بين الأحياء من ورثته و به قال أبو يوسف. ( «3»)

و قال ابن قدامة: المفقود على نوعين:

أحدهما: الغالب من حاله الهلاك و هو من يفقد في مهلكة كالذي يفقد بين الصفّين و قد هلك جماعة، أو في مركب انكسر فغرق بعض أهله أو في مفازة يهلك فيها الناس ... فهذا ينتظر أربع سنين فإن لم يظهر له خبر قسّم ماله و اعتدت امرأته.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 92.

(2) أخذنا الأقوال من مفتاح الكرامة و الجواهر و راجعنا بعض المصادر.

(3) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 136.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 83

و ثانيهما: من ليس الغالب هلاكه كالمسافر لتجارة أو طلب علم أو سياحة و نحو ذلك و لم يعلم خبره ففيه روايتان: إحداهما: لا يقسّم ماله و لا تُزوَّج امرأته حتى يتيقّن موته أو يمضي عليه مدّة لا يعيش في مثلها، و ذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم و هذا قول الشافعي و محمد بن الحسن و هو المشهور عن مالك و أبي حنيفة و أبي يوسف. و الرواية الثانية: أنّه ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنة يوم فقد، و هذا قول عبد الملك بن الماجشون لأنّ الغالب أنّه لا يعيش أكثر من هذا و لعلّه يحتج بقول النبي صلَّى اللّه عليه و

آله و سلَّم: «أعمار أُمّتي ما بين السبعين و الستين» أو كما قال: و لأنّ الغالب أنّه لا يعيش أكثر من هذا فأشبه التسعين، و قال الحسن بن زياد: ينتظر به تمام مائة و عشرين سنة. ( «1»)

هذه هي الأقوال و إليك دراستها:

أمّا القول الأوّل، فاستدل عليه بوجهين:

1- أنّه مقتضى الأصل الجاري في حياة الغائب و ماله، و عليه يجب الانتظار إلى أن يعلم أو يثبت شرعاً موته. و هو جيّد إذا لم يكن هناك دليل اجتهادي على خلافه من كفاية الانتظار أربع سنين أو عشر أو غير ذلك.

2- الاستدلال بما ورد حول مال فُقِدَ صاحبه و لا يعرف له وارث.

الف: روى هشام بن سالم قال: سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم (عليه السلام) و أنا جالس، فقال: إنّه كان عند أبي، أجير يعمل عنده بالأُجرة ففقدناه و بقي من أجره شي ء و لا يعرف له وارث قال: «فاطلبوه»، قال: قد طلبناه فلم نجده، قال: فقال: «مساكين»- و حرّك يده- قال: فأعاد عليه، قال: «اطلب و اجهد فإن قدرت عليه و إلّا فهو كسبيل مالك حتى يجي ء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص

______________________________

(1) المغني: 6/ 365.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 84

به إن جاء لها طالب أن يدفع إليه». ( «1»)

ب: ما رواه يونس ( «2») عن ابن أبي ثابت ( «3»)، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل كان له على رجل حقّ، ففقده و لا يدري أين يطلبه، و لا يدري أ حيٌّ هو أم ميِّت، و لا يعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً، قال: «اطلب»، قال: فإنّ ذلك قد طال فأتصدق

به؟ قال: «اطلبه». ( «4»)

و هناك روايات أُخرى بهذا المضمون. ( «5»)

و العمل بهذه الروايات مشكل من جهتين:

أوّلًا: إنّ الموضوع فيها، أشبه بمجهول المالك حيث فقد المالك و لا يعرف له وارث، و هذا بخلاف المقام، فإنّ المالك معلوم أمّا الغائب أو وارثه المعروف، فقياس أحد الموردين على الآخر مشكل و إلغاء الخصوصية يحتاج إلى عدم وجود فرق جوهري بين المقامين، و هو بعد مورد تأمّل فانّ المرجع في مجهول المالك هو الإمام، فله أن يتقلّب فيه بما شاء فلأجل ذلك أمر فيما مضى بالصبر و الانتظار و في غيره بالتصدق قليلًا قليلًا. ( «6»)

و ثانياً: إنّ صيانة مجهول المالك أمر سهل، لأنّه لا يتجاوز عن النقود، و هذا بخلاف الغائب فانّه يترك البناء و الأثاث و غيرهما من الأموال التي يتسرّب إليها الفساد لو تركت بحالها. و قيام الحاكم أو العدول بإصلاحها أمر شاقّ و حرجيّ جدّاً خصوصاً في هذه الأيّام. و بذلك يظهر النظر في ما أفاده المحقّق من كونه موافقاً

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1.

(2) يونس بن يعقوب كما في جامع الرواة.

(3) هو محمد بن أبي حمزة ثابت بن أبي صفة الثمالي وثّقه الكشي.

(4) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 2.

(5) لاحظ الحديث 4 و 10.

(6) العاملي: مفتاح الكرامة: 8/ 96، لاحظ الحديث 3 من الباب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 85

للاحتياط، بل ربما يكون الاحتياط في خلافه.

و أمّا القول الثاني: أي يحبس المال بقدر ما يطلب في الأربعة جوانب أربع سنين، فهو خيرة الصدوق و المرتضى و أبو الصلاح و أبو المكارم و تبعهم على ذلك من متأخّري المتأخّرين صاحب

المفاتيح و الكفاية ( «1») و استدلوا على ذلك بأُمور:

1- موثقة إسحاق بن عمّار قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): «المفقود يتربّص بماله أربع سنين ثمّ يقسّم». ( «2»)

2- موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين فإن لم يقدر عليه قسِّم ماله بين الورثة ...». ( «3»)

و ربما نقل الإجماع عليه، و أيّد بموافقة الاعتبار بالقياس على الزوجة.

أقول: المهم هو الروايتان، و أمّا ادّعاء الإجماع مع وجود المخالف كالمفيد، و الشيخ الطوسي فلا قيمة له، و أظهر منه تأييده بالاعتبار. و الوارد في إحدى الروايتين، التربّص و في الأُخرى الطلب، و تحمل الأُولى على الثانية.

و ربما يورد عليهما باعراض المشهور عنهما أوّلًا، و بمعارضتهما بالصحيح ( «4») و الموثق الآخر ( «5») ثانياً.

أقول: أمّا الاعراض، فلم يثبت و عدم إفتاء الشيخ و المفيد بمفادهما لا يكون دليلًا على الاعراض، و قد كان الشيخ كثير العمل، و قليل الوقت بالنسبة إلى

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 66.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 5 و 9.

(3) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 5 و 9.

(4) يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

(5) يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء:

الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 86

الأعمال التي قام بها، و ربما لم يرجع إلى جميع الروايات، و أمّا معارضتهما للموثق الآخر فسيوافيك الجمع بينهما. و أمّا الصحيح فهو معرض عنه كما سيأتي.

و أمّا القول الثالث: فاستدل عليه بمعتبرة ( «1») علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن دار كانت لامرأة و كان لها ابن و ابنة، فغاب الابن في البحر، و ماتت المرأة، فادّعت ابنتها أنّ أُمّها كانت صيرت هذه الدار لها، و باعت أشقاصاً منها، و بقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا و هو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، و ما يتخوف أن لا يحل شراؤها، و ليس يعرف للابن خبر، فقال لي: «و منذ كم غاب؟» قلت: منذ سنين كثيرة، قال: «ينتظر به غيبة عشر سنين ثمّ يشتري» فقلت: إذا انتظر به غيبة عشر سنين يحل شراؤها؟ قال: «نعم». ( «2»)

و أورد على الاستدلال بوجهين:

1- أنّ جواز الشراء لأجل كون البنت ذات اليد.

2- أنّ الإذن في الشراء كان لأجل مصلحة مال الغائب.

يلاحظ على الأوّل: أنّه لو كانت اليد معتبرة في المقام لما كانت هناك حاجة إلى الانتظار مع أنّ الإمام قيّد جواز الشراء بمرور عشر سنين.

و على الثاني أنّه خلاف المتبادر، و أنّ جواز الشراء حكم واقعي لا لصيانة مال الغائب.

نعم ضعّفه المحقّق بأنّه قضية في واقعة.

و الأولى أن يضعّف بإعراض الأصحاب عنها، بحيث لا تجد عاملًا له سوى المفيد في مورد العقار ( «3»).

______________________________

(1) و لا يضر وجود سهل في السند لأنّ الأمر فيه سهل.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث

الخنثى، الحديث 7.

(3) المقنعة: 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 87

و أمّا القول الرابع: أي الدفع إلى وارثه الملي ء، فقد عمل به المفيد في غير العقار بعد تطاول المدّة قال: و إذا مات الإنسان و له ولد مفقود لا يعرف له موت و لا حياة، عزل ميراثه حتّى يعرف خبره، فإن تطاولت المدة في ذلك، و كان للميت ورثة- سوى الولد- ملاء بحقه لم يكن بأس باقتسامه و هم ضامنون له إن عرف للولد خبر بعد ذلك. ( «1»)

و تدل عليه مضمرة إسحاق بن عمّار: سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو و مات الرجل فكيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: «يعزل حتى يجئ» قلت: فقد الرجل و لم يجي ء، قال: «إن كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم، فإن هو جاء ردّوه عليه» ( «2») و الحديث لا غبار عليه من حيث السند، و إن وصفه المحقّق بأنّه فيه ضعفاً ( «3») فانّ الكليني نقله بسند صحيح ينتهي إلى إسحاق بن عمّار الذي هو ثقة.

و رواه أيضاً بسند آخر عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال: سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده، فلم يدر أين هو، و مات الرجل فأيّ شي ء يصنع بميراث الرجل الغائب من أبيه؟ قال: «يعزل»- إلى أن قال:- فُقد الرجل فلم يجئ، قال: «إن كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم فإذا هو جاء ردّوه عليه».

الظاهر أنّ الفرق بين الشقين، هو وجود الرجاء القويّ في الأوّل بالمجي ء و عدمه في الثاني، ففي الأوّل يعزل حتى يجي ء و في الثاني يقسمونه بينهم.

و حاصل الروايتين: أنّ

في مظنة الرجاء يعزل حتى يجي ء و إلّا فيقسّم بشرط

______________________________

(1) المقنعة: 6.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 6 و 8.

(3) المختصر النافع: 274.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 88

الملاءة و التضمين.

و مقتضى الصناعة الفقهية هو تقييد هاتين الروايتين بما رواه إسحاق بن عمّار نفسه في الطلب أو التربّص أربع سنين. ( «1»)

و يكون مقتضى الجمع بين الموثقتين الدالّتين على لزوم تربّص أربع سنين، و هذه الرواية المفصّلة بين الرجاء و عدمه، هو التقسيم بشرط الملاءة و التضمين، و الفحص و الطلب أربع سنين ثمّ التقسيم إن لم يكونوا كذلك، و هناك احتمال آخر و هو التخيير بين التقسيم و الطلب أربع سنين إذا كانوا ملاء و تعيّن الفحص و الطلب إذا لم يكونوا كذلك. و على كل تقدير، فما ذكرناه ممّا ذهب إليه السيد الأصفهاني ( «2») و تبعه بعض المشايخ من لزوم الطلب و الفحص أربع سنين و التقسيم بعد انقضائها إذ على هذا تطرح الموثقة الأخيرة الدالّة على القول الرابع، و هذا بخلاف ما ذكرناه إذ فيه جمع بين الروايات.

الثالث: الحمل:

اشارة

الكلام في الحمل يقع في مقامين:

1- الحمل حاجب لا وارث ما دام في البطن.

2- الحمل وارث إذا سقط حيّاً لا ميّتاً.

و قد عنون المحقق المسألة في موردين: أحدهما في المقام و الآخر في ضمن المسائل الثمان (المسألة الثالثة) بعد الفراغ عن إرث الخنثى و تبعه العلّامة في القواعد و نحن نبحث عن الجميع في مقام واحد.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 5 و 9.

(2) وسيلة النجاة، كتاب الميراث، المسألة 28.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 89

الأوّل: الحمل حاجب لا وارث ما دام في البطن:

الحمل ما دام حملًا لا يرث و لكن يحجب من كان متأخّراً عنه في المرتبة أو في الطبقة. و إليك بعض الكلمات:

قال الشيخ: إذا مات ميّت و خلف ورثة و امرأة حاملًا فانّه يوقف ميراث ابنين و يقسّم الباقي و به قال محمد بن الحسن و يؤخذ منهم ضمناء، و قال الشافعي و مالك: لا يقسَّم الميراث حتى تضع إلّا أن يكون الحمل لا يُدْخل نقصاً على بعض الورثة فيدفع إلى ذلك الوارث حقّه معجّلًا و يوقف الباقي. ( «1») و كان أبو يوسف يقسّم الميراث و يوقف نصيب واحد و يأخذ من الورثة ضمَناء، و هذا أيضاً جيد يجوز لنا أن نعتمده، و كان شريك يوقف نصيب أربعة ... و روى ابن المبارك عن أبي حنيفة نحوه، و روى اللؤلؤي عن أبي حنيفة أنّه يوقف المال كلّه حتى تضع الحمل.

ثمّ استدل بأنّ العادة جرت بأنّ أكثر ما تلده المرأة ابنان و ما زاد عليه شاذ خارج عن العادة و لتجويز ذلك أخذنا الضمناء و زيادة ما جرت به العادة، و وجوب إيقافه يحتاج إلى دليل. ( «2»)

و قال ابن قدامة ما هذا

حاصله: إذا طالب الورثة بالقسمة لم يُعطَوا كل المال، بغير خلاف إلّا ما حكي عن داود. و لكن يدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمالَ ميراثه، و إلى من ينقصه أقلّ ما يصيبه ( «3») و لا يدفع إلى من يسقطه شي ء. ( «4») و أمّا من

______________________________

(1) ذلك كالأبوين إذا كان للميت ولد آخر فإنّ لكلّ منهما السدس سواء أ كان للميت ولد ثان (كالحمل) أم لا، و كالزوجة في هذا الفرض.

(2) الطوسي: الخلاف 2، كتاب الفرائض، المسألة 125.

(3) كالأُمّ ترث الثلث إلّا إذا كان للميت إخوة فترث السدس.

(4) كالإخوة مع كون زوجة الميت حاملًا.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 90

يشارك فأكثر أهل العلم قالوا: يوقف للحمل شي ء و يدفع إلى شركائه الباقي.

و اختلف القائلون بالوقف فيما يوقف فروي عن أحمد أنّه يوقف نصيب ذكرين، و قال شريك: يوقف نصيب أربعة، و قال الليث و أبو يوسف: يوقف نصيب غلام و يؤخذ ضمين من الورثة. ( «1»)

و المسألة غير منصوصة و إنّما حكم بالحجب لصيانة نصيب الحمل فلو كان أصل التقسيم، أو تقسيم جميع المال مخالفاً لها، فيمنع حسب ما يقتضيه الاحتياط إمّا أصله و إمّا جميعه، و لأجل ذلك لو طلب الورّاث التقسيم، يجب على الحاكم العمل بالتفصيل الآتي و لو صبروا حتى يتبيّن الحال فلا ملزم له.

1- فلو كان الوارث الفعلي متأخّراً عن الحمل في المرتبة و إن كان متحداً معه في الطبقة أو متأخّراً في الطبقة، فيمنع عن أصل التقسيم، و الأوّل كالأحفاد فإنّ أولاد الأولاد،، تتحد طبقتهم مع الأولاد، لكن تتأخّر رتبتهم عنهم، و الثاني كالإخوة فلو مات عن وارث حفيد، أو أخ، و زوجة حاملة فيمنع أصل

التقسيم لاحتمال سقوطه حيّاً و معه لا يرث الأحفاد و لا الإخوة. و أمّا الزوجة فبما أنّ فرضها مع سقوطه حيّاً و ميّتاً، متغيّر، فلا يمنع عن الفرض القطعي أعني الثمن، و أمّا الفرض الآخر أعني الربع فتنتظر حتى تتبيّن الحال.

و ربما يكون مقتضى الاحتياط، هو المنع عن تقسيم جميع المال، لا المقدار المتيقّن، و هذا كما في الأمثلة التالية.

2- ما إذا كان سقوط الحمل ميّتاً أو حيّاً غير مؤثّر في فرض بعض الورثة و إن كان مؤثّراً في بعض آخر فلا يمنع عن الأوّل، و هذا كما إذا مات عن زوجة و أبوين و ولد آخر غير الحمل فإنّ نصيب الأوّلين أعني الزوجة و الأبوبين، لا يتغيّر مع

______________________________

(1) ابن قدامة: المغني: 6/ 358- 359.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 91

وجود الولد الآخر، سواء سقط الحمل حيّاً أو ميتاً، فيدفع إلى الزوجة الثُّمن و إلى كل واحد من الوالدين السدس إذا طلبوا ميراثهم إذ لا تعود للانتظار هنا فائدة، لأنّهما أصبحا محرومين من الفرض العالي أي الربع و الثلث مع وجود الولد الآخر.

3- تلك الصورة و لكن لم يكن للميت ولد آخر و عندئذ يكون لسقوط الولد حيّاً أو ميتاً تأثير في ارتفاع الفرض و انخفاضه فلو صبرا، و إلّا يدفع إليهما الفرض الداني إلى أن يتبيّن الحال.

4- مات عن أبوين و أخ و لو سقط الحمل حيّاً يكون للميت أخوين و هما و إن لم يرثا مع الوالدين لكنّهما يمنعان الأُمّ عن الثلث، قال سبحانه: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). ( «1»)

5- و لو كان للميت وارث آخر في مرتبة

الحمل و طبقته- كما إذا كان له أولاد و أبوان- يعزل للحمل نصيب ذكرين و يُعطى الباقي للباقين. ثمّ بعد تبيّن الحالان سقط ميّتاً يعطى ما عزله للوارث الآخر، و لو تعدد وزّع بينهم على ما فرض اللّه.

و على ذلك لو كان للميت ابن واحد، يعطي الثلث، و يُعْزل للحمل الثلثان. و لو كانت له بنت واحدة أُعطيت الخمس، و عزل للحمل أربعة أخماس. و لو كان له ابن و بنت تقسَّم التركة سبعَ حصص تعطى البنت حصة، و يعطى الابن حصتين، و تعزل للحمل أربع حصص نصيب ذكرين.

و قد تبيّن بذلك أنّ الحمل تارة يمنع أصل الاقتسام كما في الصورة الأُولى (بالنسبة إلى غير الزوجة) و أُخرى يمنع عن اقتسام الجميع عن أصله كما في الصور الأربعة الأخيرة.

______________________________

(1) النساء/ 11.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 92

الثاني: الحمل وارث إذا سقط حيّاً لا ميّتاً:

قد عرفت أنّ الحمل ما دام كونه حملًا، يحجب، و لكنّه إذا انفصل حيّاً يرث إجماعاً و نصاً. و لكن بشرطين:

الأوّل: أن يعلم أنّه كان موجوداً حال الموت و يُعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستّة أشهر من حين موته، مدّة يمكن تولّده منه فيها، أو لأقصى الحمل و هي عندنا تسعة أشهر و قيل: سنة و عند أهل السنّة أربع سنين أو سنتان ( «1») فلو دلّت المحاسبة على أنّه لم يكن موجوداً عند الموت لا يرث- و مع ذلك- لا ترمى الزوجة بالزنا لاحتمال الشبهة و هي تدرأ الحدود.

الثاني: أن تضعه حيّاً فإن وضعته ميّتاً لم يرث بالاتفاق. إنّما الكلام فيما تثبت به الحياة فالأكثر لو لا الكل على أنّه إن تحرك حركة تدل على الحياة ورث و إلّا فلا كالتقلّص الذي يحصل

طبعاً لا اختياراً. و لا يشترط الاستهلال، و أمّا أهل السنّة فقالوا: إذا استهلّ صارخاً ورث و وُرِّث، و قد روى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «إذا استهلّ المولود ورث»، و أمّا فيما سوى الاستهلال فقالت طائفة: لا يرث حتى يستهل و لا يقوم غيره مقامه، و ذلك لأنّ الاستهلال لا يكون إلّا من حيّ و الحركة تكون من غير حيّ فإنّ اللحم يختلج سيّما إذا أُخرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه ثمّ خرج إلى مكان فسيح فإنّه يتحرك من غير حياة فيه، حتّى أنّ لحم الحيوان بعد الذبح الكامل و شق بدنه و سلخ جلده ربما يتحرك لحمه مع أنّه ميت. ( «2»)

دلّت النصوص عندنا على كفاية التحرّك البيّن و أنّه لا يشترط الاستهلال و إليك نقلها:

______________________________

(1) المغني: 6/ 360، و الجواهر: 39/ 39.

(2) المغني: 6/ 360- 361.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 93

1- روى الفضيل قال: سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبي يسقط من أُمّه غير مستهلّ أ يورّث؟ فأعرض عنه فأعاد عليه، فقال: «إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث فإنّه ربما كان أخرس». ( «1»)

2- روى ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول في المنفوس إذا تحرّك ورث، أنّه ربما كان أخرس ( «2») و روى حماد بن عيسى عن ربعي مثله. ( «3»)

3- روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): قال أبي (عليه السلام): «إذا تحرّك المولود تحرّكاً بيّناً فإنّه يرث و يورث، فإنّه ربما كان أخرس». ( «4»)

و هذه الروايات صريحة في مضمونها، معلّلة لحكمها. نعم

هناك روايات ظاهرة في اشتراط الاستهلال و هي على قسمين: ما يدلّ على اشتراطه في مطلق الوراثة، و ما يستظهر منه اشتراطه في إرث الدية.

أمّا الأوّل كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا يصلّى على المنفوس و هو المولود الذي لم يستهل و لم يصح، و لم يورث من الدية و لا من غيرها، فإذا استهلّ فصلّ عليه و ورّثه». ( «5»)

و الظاهر وحدته مع ما رواه في الوسائل بعده ( «6») لوحدة السند و المتن، لأنّ الراوي في كليهما هو ابن أبي عمير عن عبد اللّه بن سنان و بذلك يرتفع الإجمال في متن النقل الثاني حيث جاءت الكلمة مردّدة بين «والديه» و «الدية»: و الظاهر هو الأوّل أخذاً بوحدة الروايتين، و إنّما طرأ التعدد لأجل النقل بالمعنى. و يدلّ على الاشتراط على وجه الإطلاق حديث العلا بن الفضيل عن أبي عبد للّه (عليه السلام) قال: «و لا يرث إلّا من أذن بالصراخ». ( «7»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 8، 3، 4، 7، 5، 6 و 5. 11- يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 8، 3، 4، 7، 5، 6 و 5. 11- يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من

الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

(3) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 8، 3، 4، 7، 5، 6 و 5. 11- يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

(4) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 8، 3، 4، 7، 5، 6 و 5. 11- يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

(5) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 8، 3، 4، 7، 5، 6 و 5. 11- يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

(6) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 8، 3، 4، 7، 5، 6 و 5. 11- يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

(7) الوسائل: 17، الباب 7

من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 8، 3، 4، 7، 5، 6 و 5. 11- يريد من الصحيح رواية علي بن مهزيار الدالّة على وجوب الانتظار عشر سنين: الحديث 7، و يريد من الموثق ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار من الاقتسام إذا كانت الورثة ملاء: الحديث 6 و 8 و كلاهما من إسحاق بن عمّار.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 94

و أمّا الثاني ففي موثقة عبد اللّه بن سنان في ميراث المنفوس من الدية قال: «لا يرث شيئاً حتى يصيح و يسمع صوته». ( «1»)

و في مرسلة ابن عون: عن بعضهم (عليهم السلام) قال: سمعته يقول: «إنّ المنفوس لا يرث من الدية شيئاً حتى يستهل و يسمع صوته». ( «2»)

و لا شكّ في تقدّم النافي على المثبت لصراحته و تعليله، أوّلًا، و احتمال كون ذكره من باب إحدى الطرق الواضحة لا الطريق المنحصر، ثانياً، و احتمال التقية فيه ثالثاً، كما دلّ عليه سؤال الحكم و إعراض أبي جعفر و إصراره على السؤال، و ما تقدّم من رواية أبي هريرة و كلام ابن قدامة.

و احتمال اختصاص الاستهلال بالدية ضعيف لورودها في كلام الراوي في موثقة عبد اللّه بن سنان، نعم وردت في مرسلة ابن عون في كلام الإمام.

و هل يشترط استقرار الحياة، التحقيق لا، لإطلاق النصوص و كفاية الحركة البيّنة الدالّة على أنّه سقط حيّاً. و لو خرج نصفه و تحرّك و استهلّ ثمّ سقط ميّتاً استوجه في الجواهر وراثته. ( «3»)

و تبعه السيد الأصفهاني في وسيلته و قال: لا فرق في وارثية الحمل أو مورثيته بعد انفصاله حيّاً بين تمام ولادته و عدمه. و الأولى التصالح.

نعم لا فرق بين سقوطه بنفسه أو بجناية

جان لإطلاق الدليل.

ثمّ نصيب الحمل، ملك مسدود، شرعاً حتى يتبيّن مالكه الواقعي، و لأجل ذلك ليس ملكاً للحمل و لا للميّت و لا لسائر الورثة. و ما عن بعضهم من بقائه على ملك الميّت فليس بسديد.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1- 2.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1- 2.

(3) الجواهر: 39/ 73.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 95

الرابع: الدين المستغرق:

قال المحقّق: إذا مات و عليه دين يستوعب التركة لم ينتقل إلى الوارث و كانت على حكم مال الميت، و إن لم يكن مستوعباً انتقل إلى الورثة ما فضل و ما قابل الدين باق على مال الميت. و عليه يكون من الموانع.

و هنا قول آخر و لعلّه الأشهر، و هو أنّه ينتقل إلى الورثة مستوعباً كان أو غير مستوعب و يكون متعلّقاً لدين الدائن كتعلّق حقّ الرهانة بالعين المرهونة و على ذلك لا يكون الدين من الموانع. استدل على القول الأوّل بوجوه:

1- قوله سبحانه: (فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 11). و قد تكرر مضمون الآية في آية الميراث فيستظهر منه أنّ اللام في (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) هو لام التمليك بمعنى: تملكه الأُمّ بعد إخراج الدين و الوصية.

يلاحظ عليه: أنّه يحتمل أن يكون اللام مفيداً لاستقرار الملكية أي لا تستقر الملكيّة لها إلّا بعد إخراج الدين و الوصية.

2- سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قضى عليّ (عليه السلام) في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين ....» ( «1»)

يلاحظ عليه: بنفس ما لوحظ على الاستدلال بالآية،

إذ من المتحمل أن يكون التعليق لأجل استقرار الملكية، لا أصلها.

3- صحيح عباد بن صهيب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل فرّط في

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 10، من أبواب موانع الارث، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 96

إخراج زكاته في حياته، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرّط فيه ممّا لزمه من الزكاة، ثمّ أوصى أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له، قال: فقال (عليه السلام): «جائز، يخرج ذلك من جميع المال إنّما هو بمنزلة الدَّين لو كان عليه ليس للورثة شي ء حتى يؤدّى ما أوصى به من الزكاة ...». ( «1»)

يلاحظ عليه: بمثل ما لوحظ على الدليلين الأوّلين. و الظاهر أنّ هذه التعابير تهدف إلى ما ورد في إخراج الكفن أوّلًا و الدين ثانياً و ... و المراد أنّهما مقدّمان على التقسيم بين الورثة، لا أنّه لا يملك إلّا بعد إخراجهما. ( «2»)

و الأقوى هو القول الثاني مضافاً إلى أنّه الموافق للسيرة بين العقلاء.

تمّ الكلام في الموانع و حان حين البحث عن الحجب.

***

______________________________

(1) الوسائل: 13، الباب 40 من أبواب الوصايا، الحديث 1.

(2) هذا و قد تكلّم صاحب الجواهر حول المسألة مفصلًا، فلاحظ الجزء 26 ص 90- 93.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 97

الكلام في الحجب

اشارة

الحجب: هو المنع، و منه الحجاب لأنّه يمنع عن النظر إليها. و المقصود في المقام هو منع شخص معيّن عن الميراث، فتارة يمنع عن أصل الارث كحجب الطبقة الأُولى، الطبقة الثانية، و أُخرى عن بعضه كإخوة الميت حيث يمنعون الأُمّ عن الثلث. و يسمّى الأوّل: حجب حرمان، و الثاني: حجب نقصان.

و الفرق بين هذا البحث و ما تقدّم من الموانع، واضح و

هو أنّ البحث في السابق مركّز على أنّ خصوصية من الخصوصيات مانعة عن الوراثة فتمنع إمّا نفسَ من فيه الخصوصية كالكفر و القتل و الرقّية و اللعان، أو غيره، كالغيبة و الحمل- من غير نظر إلى وحدة الطبقة و الدرجة و عدمهما-.

و هذا بخلاف البحث في الحجب فيه فالبحث مركّز إلى أنّ الأقرب يمنع الأبعد، سواء كانت الأقربية معلومة عرفاً أو بالنص. و بعبارة أُخرى الطبقة الأُولى تحجب الثانية و هكذا، و المتقدم في الرتبة من كل طبقة يحجب المتأخّر عنها و إن كانا متحدين في الطبقة و لأجله صار البحثان مختلفين.

الميزان في الحجب هو الأقربيّة المعلومة، أو ما كشف الشارع عنها و إن لم نكن نعرفها، قال سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ إِنَّ

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 98

اللّٰهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال 75) و قال سبحانه: (النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهٰاجِرِينَ إِلّٰا أَنْ تَفْعَلُوا إِلىٰ أَوْلِيٰائِكُمْ مَعْرُوفاً كٰانَ ذٰلِكَ فِي الْكِتٰابِ مَسْطُوراً) (الأحزاب/ 6) و ملاك الأولوية هي الأقربية، و من كان أقرب إلى الميّت في النسب كان أولى بالميراث سواء كان ذي سهم أو غير ذي سهم أو عصبة أو غير ذي عصبة. ( «1»)

و تدلّ بعض الآيات على أنّ نظام الميراث في الإسلام مبني على أساس واقعي و هو تقديم الأنفع بحال الميّت على غيره، و انّ الإنسان جاهل بعرفان وارث نافع لحاله، و اللّه سبحانه هو العالم له، ففرض الفرائض على هذا الأساس، فجعل سهم الأولاد أكثر من سهام الأبوين، لعلمه بأنّه أنفع بحاله من الآخرين. قال

سبحانه: (فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ لٰا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء/ 11): أي لا تدرون أيّ هؤلاء أنفع لكم في الدنيا فتعطونه من الميراث ما يستحق، و لكن اللّه فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة. ( «2»)

ثمّ إنّ الكلام في الحجب يقع في مقامين: الحجب عن أصل الإرث، و الحجب عن بعض الفرض، و إن شئت قلت: حجب الحرمان، و حجب النقصان و إليك الكلام فيهما:

الأوّل: حجب الحرمان:

1- إنّ الولد- ذكراً كان أو أُنثى- يحجب من يتقرّب به، ما دام موجوداً،

______________________________

(1) مجمع البيان: 2/ 15.

(2) المصدر نفسه: 3/ 26.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 99

فلا يرث ولد الولد، حفيداً كان أو سبطاً، و الكل و إن كانوا أولاداً يشملهم قوله سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء/ 11) لكن الولد يتقرّب إلى الميت بلا واسطة، و ولد الولد يتقرب بواسطة الولد، فيكون الأوّل أولى و أقرب إليه، و لأجله تشترط في الوراثة، مضافاً إلى وحدة الطبقة، وحدة الدرجة و الرتبة.

2- إنّ الولد و إن نزل و كان أُنثى يمنع من يتقرّب إلى الميت بالوالدين أعني الإخوة و الأجداد و لأجل ذلك عدّوا من الطبقة الثانية.

3- إنّ الولد و إن نزل يمنع من يتقرّب إلى الميّت بالجد، كالأعمام و الأخوال فلا يرث مع الولد، سوى الوالدين و الزوج و الزوجة.

و قد تبيّن بذلك سرّ تقسيم طبقات الإرث في النسب إلى ثلاثة، فالطبقة الأُولى: من يتقرّب إلى الميّت بلا واسطة كالولد، و الوالدين، و الطبقة الثانية: من يتقرّب إلى الميّت بواسطة

واحدة أي الوالدين كالإخوة و الأجداد، و الطبقة الثالثة: من يتقرّب إلى الميّت بواسطتين، أعني الأجداد ثمّ الآباء، كالأعمام و الأخوال، فإنّ العم ابن الجد الذي هو أب الميت، و الخال ابن الجدة التي هي أُمّ والدة الميّت.

نعم هناك أقوال شاذة انعقد الإجماع على خلافها رويت عن يونس بن عبد الرحمن، و الصدوق، و ابن الجنيد، كما رويت روايات شاذة مثل ما رواه سعد بن أبي خلف ( «1») عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن بنات الابنة وجد؟ فقال: «للجد السدس، و الباقي لبنات الابنة» ( «2») و تحمل على استحباب الطعمة، كما سيوافيك.

______________________________

(1) المعروف ب- «الزامّ» وثّقه النجاشي في رجاله: 1/ 405 رقم 467.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب إرث الأولاد، الحديث 10.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 100

4- إنّ الوالدين لا يمنعان ولد الولد و إن نزل، لما سيوافيك أنّ الأولاد يقومون موضع الآباء عند الفقدان فلا يصح أن يقال: إنّ الأب و الأُمّ أقرب من الأسباط و الأحفاد و إن نزلوا.

5- فإذا عدم الآباء و الأولاد و إن نزلوا فالأقرب إلى الميّت- كما عرفت الإخوة و الأجداد فيجري فيهم ما يجري في الأولاد حرفاً بحرف، فهؤلاء يمنعون من يتقرّب إلى الميّت بهم أعني الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات، فالعمّ يتقرّب إلى الميّت بالجد، و الخال يتقرّب إلى الميّت بالجدة، فتكون النتيجة تقدمهم على الطبقة الثالثة.

6- فكما أنّ الولد، يمنع ولد الولد، فهكذا الإخوة و الأجداد يمنعون من يتقرّب بهم أعني أولادهم، فيمنع الأخ ولد الأخ، و الجد أباه فتكون النتيجة: لو اجتمع أولاد الإخوة بطوناً متنازلة فالأقرب أولى من الأبعد، و لو اجتمع الأجداد

بطوناً متصاعدة فالأدنى إلى الميّت أولى من الأبعد.

7- إنّ الأولاد تنزل منزلة الآباء مع فقدهم، و الآباء تنزل منزلة الأولاد مع فقدهم.

و يترتّب على الأوّل أنّ الجد لا يحجب أولادَ الإخوة و إن نزلوا، لأنّهم بمنزلة آبائهم الذين في طبقة الأجداد.

و يترتّب على الثاني أنّ الإخوة لا تحجب أب الجدّ عند فقده، لأنّ الجد و إن علا، جدّ، فأب الجدّ بمنزلة نفس الجدّ الّذي هو في درجة الإخوة، و بعبارة أُخرى الإخوة و أولادهم لا يمنعون آباء الأجداد فإنّ الجدّ و إن علا جدّ، كما أنّهم لا يمنعون أولاد الإخوة و إن نزلوا أخذاً للقاعدة.

8- فإذا عدمت الإخوة و الأجداد، فيرث الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات و أولادهم فالأعمام و الأخوال يحجبون أولادهم مثل ما سبق في الطبقتين

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 101

الماضيتين كما تحجبون أعمام الأب و أخواله، و هؤلاء و أولادهم يحجبون أعمام الجد و أخواله، على التفصيل و ذلك يفصّل تنزيل الأولاد منزلة الآباء عند فقدهم.

9- و على ضوء هذا يظهر وجه تقدّم من يتقرّب بالأب و الأُمّ على المتقرّب من جانب الأب وحده و إن كانا في درجة واحدة فالعم من الأبوين، مقدّم على العم من الأب وحده كما في الرواية. ( «1»)

10- و المناسب يمنع مولى النعمة لآية أُولي الأرحام ( «2») و السنّة إذ كان عليّ يعطي أُولي الأرحام دون الموالي ( «3»)، و وليّ النعمة يمنع ضامن الجريرة و هو يمنع الإمام.

الثاني: حجب النقصان:

اشارة

المراد من حجب النقصان، هو الحجب عن بعض الفرض و هو يتحقق بشخصين: 1- الولد. 2- الإخوة.

الأوّل: الولد:

فتارة يحجب الأبوين أو أحدهما، و أُخرى الزوجين و إليك بيان الأوّل:

1- إذا مات عن ولد ذكر و أبوين أو أحدهما، فهو يمنع الأبوين عمّا زاد عن السدس، كما يمنع أحدهما. و ذلك لأنّ الولد الذكر ليس من ذوي الفروض، بخلاف الأبوين فهما من ذويها قال سبحانه: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ) (النساء/ 11) فإذا أخذ صاحب الفرض، (الوالدان أو

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2.

(2) الأنفال/ 75، و الأحزاب/ 6.

(3) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث ولاء العتق.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 102

أحدهما) سهمه، يعطى الباقي لغيره لعدم كون سهمه محدوداً بشي ء و هذا بخلاف ما إذا كان الولد من أصحاب الفروض فالزائد على سهمه و سهم الأبوين أو أحدهما، يرد إليهما و ذلك لأنّه لا بدّ من مستحق و لا أقرب من هؤلاء و ليس بعض هؤلاء أقرب من بعض فتعيّن أن يرد بنسبة سهامهم، و إليك بيان هذا القسم: ( «1»)

2- إذا مات عن بنت و أبوين.

3- إذا مات عن بنت و أحدهما.

4- إذا مات عن بنتين مع أبوين.

5- إذا مات عن بنتين مع أحدهما.

إنّ سهم البنت الواحدة هو النصف كما أنّ سهم البنتين هو الثلثان، و سهم كل من الأبوين هو السدس فإن زاد يردّ عليهم بنسبة سهامهم.

ففي الصورة الأُولى تكون الفريضة من ستة: ثلاثة للبنت، و اثنان للأبوين و الزائد و هو السدس يرد عليهم بقدر سهامهم، فيرد أخماساً، ثلاثة أخماس للبنت و خمسان للأبوين. ( «2»)

و

في الصورة الثانية أيضاً تكون الفريضة من ستة: ثلاثة أسداس (النصف) للبنت، و سدس لأحدهما و الباقي (السدسان) يرد عليهما أرباعاً، ثلاثة أرباع

______________________________

(1) مضافاً إلى القسم الذي لا يبقي للرد موضوع.

(2) و بعبارة أُخرى: الزائد يقسم إلى ثلاثين سهماً، لأنّ مجموع الفروض خمسة، و الخمسة و الستة متخالفان يضرب أحدهما في الآخر فيقسّم الزائد بقدر سهامهم، فللبنت ثمانية عشر سهماً، و للوالدين اثنا عشر سهماً و يكون المجموع ثلاثين سهماً و إليك الصورة العملية الحسابية.

مجموع الفروض 5/ 2+ 3

مجموع السهام 6* 30/ 5

سهام البنت 3* 18/ 6 سهام الوالدين 2* 12/ 6

6/ 5 3000.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 103

للبنت و ربع لأحدهما. ( «1»)

و في الصورة الثالثة تكون التركة بقدر السهام لأنّه تكون الفريضة من ستة: ثلثان للبنتين و ثلث لهما و ليس في التركة أزيد من ثلاثة أثلاث.

و في الصورة الرابعة يبقى سدس بعد أخذ البنتين، الثلثين (أربعة أسداس) و أحد الأبوين السدس، فيرد الباقي بنسبة سهامهم أي أخماساً، أربعة لهما، و واحد له. ( «2»)

و أمّا المورد الثاني: أعني إذا لوحظ مع الزوجين فلا شكّ أنّ الولد و إن نزل يحجب الزوج و الزوجة عن النصيب الأعلى و هو النصف للزوج، و الربع للزوجة بنصّ الكتاب قال سبحانه: (وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 12).

إنّ حكم الزوج و الزوجة فيما إذا لم يكن

للمورِّث منهما ولد و كان له وارث آخر من نسب أو سبب واضح.

______________________________

(1) و بعبارة أُخرى: الباقي يقسّم إلى اثني عشر سهماً، لأنّ مجموع الفروض أربعة، و الأربعة و الستة، متوافقان فيضرب أحدهما في النّصف الآخر فيصير اثنا عشر و إليك الصورة العملية الحسابية:

مجموع الفروض 4/ 1+ 3

مجموع السهام (4/ 2* 6) أو (6/ 2* 4)/ 12

سهم البنت 3* 9/ 3 سهم أحدهما 1* 3/ 3

3/ 4: 12.

(2) و بعبارة أُخرى: الباقي يقسّم إلى ثلاثين سهماً، لأنّ مجموع الفروض خمسة و الخمسة و الستة متخالفان، فيضرب أحدهما في الآخر فيصير ثلاثين سهماً، و إليك الصورة العملية الحسابية:

مجموع الفروض 5/ 1+ 4

مجموع السهام 6* 30/ 5

سهام البنتين 4* 24/ 6 سهم أحدهما 1* 6/ 30005 6/ 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 104

إنّما الكلام في صورتين:

الأُولى: إذا ماتت الزوجة و لم يكن لها أيّ وارث مناسب أو مسابب سوى الزوج.

الثانية: عكس هذه الصورة: إذا مات الزوج و لم يترك وارثاً إلّا الزوجة.

فما حكم النصف الباقي في الأُولى أو الأرباع الثلاثة الباقية في الثانية؟ فهل يُردُّ عليهما مطلقاً أو يرد على الإمام كذلك أو يرد على الزوج في الأُولى دون الزوجة في الثانية؟ قال الشيخ: إذا خلّفت المرأة زوجها و لا وارث لها سواه فالنصف له بالفرض و الباقي يعطى إيّاه. و في الزوجة الربع لها بلا خلاف، و الباقي لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما مثل الزوج يرد عليها، و الأُخرى الباقي لبيت المال، و خالف جميع الفقهاء في المسألتين معاً و قالوا: الباقي لبيت المال. ( «1»)

و حكم المسألة في الصورة الأُولى إجماعي كما ذكره الشيخ و نسب الخلاف إلى سلّار الديلمي و لا يظهر

منه الخلاف بل غايته التوقّف قال: و في أصحابنا من قال: إذا ماتت المرأة و لم تخلّف غير زوجها فالمال كلّه له بالتسمية و الردّ، فأمّا الزوجة فلا ردّ لها بل ما يفضل من سهمها لبيت المال. و روى أنّه يرد عليها كما يرد على الزوج. ( «2»)

و على كل تقدير فلا إشكال في لزوم الردّ على الزوج لتضافر الروايات ( «3») عليه التي يناهز عددها العشر. و معه لا يبقى شك.

و الاستدلال على خلافه بالأصل، أو بظاهر الكتاب من عدم تجاوز سهمه عن النصف كما ترى لأنّ الأوّل مردود بالأمارة، و إطلاق الكتاب أي الثاني مقيّد

______________________________

(1) الطوسي: الخلاف 2، كتاب الفرائض، المسألة 130.

(2) سلار: المراسم: 222.

(3) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأزواج.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 105

بالروايات، على أنّ ظاهر الكتاب منصرف إلى غير هذه الصورة، من وجود وارث آخر.

نعم ورد في حديث العبدي عن علي (عليه السلام) قال: «لا يزاد الزوج على النصف و لا ينقص عن الربع» ( «1») لكنّه محمول على ما إذا كان له هناك وارث آخر. هذا كلّه حول الصورة الأُولى إنّما الكلام في الصورة الثانية، أعني: ما إذا انعكست، و مات الزوج و لم يكن له وارث سوى الزوجة ففيها أقوال ثلاثة:

1- الزائد للإمام. و هو المشهور.

2- يرد عليها الزائد.

3- التفصيل بين حضور الإمام و غيبته فيرد في الأوّل دون الثاني. و قد حكى الأقوال الثلاثة: المحقّق في الشرائع و العلّامة في القواعد و غيرهما و إليك دراسة الأقوال:

أمّا القول الأوّل فليس بإجماعي لكنّه مشهور، نقل عن والد الصدوق و ابنه في المقنع ( «2») و المفيد في الاعلام، و السيد في

الانتصار و الشيخ في الإيجاز ( «3») و المبسوط و النهاية ( «4») إلى غير ذلك من الأعلام المتقدّمين و المتأخّرين.

و أمّا الروايات فقد تضافرت عليه، و رواه علي بن مهزيار عن مكاتبة محمّد ابن حمزة ( «5») و محمد بن نعيم الصحاف ( «6») و محمد بن مسلم ( «7») و محمد بن مروان ( «8»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 9.

(2) هكذا في مفتاح الكرامة لكن الموجود في المقنع المطبوع ص 171 خلافه قال: فإن لم يكن لها أحد فالنصف يرد على الزوج، و قد روى أنّه إذا مات الرجل و ترك امرأة فالمال كلّه لها.

(3) و في الايجاز: 16: فإذا انفردوا كان لهم سهم المسمّى، إن كان زوجاً، النصف، و الربع إن كانت زوجة و الباقي لبيت المال. و قال أصحابنا: إنّ الزوج وحده يرد عليه الباقي بإجماع الفرقة على ذلك.

(4) مفتاح الكرامة: 8/ 181.

(5) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1، 2، 5، 7.

(6) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1، 2، 5، 7.

(7) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1، 2، 5، 7.

(8) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1، 2، 5، 7.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 106

و أبو بصير و روى عنه بطرق ثلاثة ( «1») و غالب الروايات و إن كانت غير نقيّة السند، لكن البعض يعاضد البعض، و احتمال صدور الجميع تقية لموافقتها لفتوى المخالف بعيد جدّاً، مع أنّ الظاهر من بعض روايات أبي بصير أنّ أبا جعفر قرأ كتاب فرائض عليّ و قال به، و لو كان

الحكم للتقية لما كانت له حاجة و لا منافاة بين الحكم بالتصدّق كما في المكاتبة و الرد إليهم لما ستعرف من ورود الأمر بالتصدّق في ميراث من لا وارث له. ( «2»)

و أمّا القول الثاني فهو خيرة المفيد في المقنعة قال: «و إذا لم يوجد مع الأزواج قريب أو بعيد و لا نسيب للميّت، رد باقي التركة على الأزواج» ( «3») و المراد من الأزواج هو الأعم من الزوج و الزوجة يعلم ذلك من ملاحظة سياق كلامه، فاحتمال كون المراد منه هو خصوص الأزواج لا الزوجات كما في مفتاح الكرامة ليس بصحيح و قد عرفت أنّه خيرة الصدوق في المقنع.

و يدلّ عليه ما روي أيضاً عن أبي بصير بطريقين ( «4») و عند التعارض فالترجيح من حيث العدد و عمل المشهور مع الأوّل، مع أنّ المنقول عن المفيد في الأعلام هو خلاف ما في المقنعة و ما اختاره الصدوق في المقنع يخالف ما اختاره في الفقيه كما سيوافيك.

و أمّا القول الثالث فهو خيرة الصدوق في الفقيه حيث قال- بعد نقل رواية أبي بصير الدالّة على الرد على الإمام:- هذا في حال ظهور الإمام و أمّا في حال غيبته فمن مات و ترك امرأة و لا وارث له غيرها فالمال لها. ( «5»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 8.

(2) المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(3) المقنعة: 691.

(4) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 6- 9.

(5) الفقيه: 4/ 262، الحديث 5612.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 107

و لكنّه جمع تبرّعي أوّلًا، و مخالف لنفس الروايات الدالّة على الردّ إليها ثانياً، لأنّها وردت في

عصر الظهور لا الغيبة فعن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في امرأة ماتت و تركت زوجها قال: «المال له» قلت: فالرجل يموت و يترك امرأته؟ قال: «المال لها» ( «1») و توهّم أنّ قوله «يموت» إشارة إلى أنّه يموت في المستقبل أي عصر الغيبة كما ترى، و الحق أنّ الأفعال في أمثال هذه الموارد، منسلخة عن الزمان.

الثاني: الإخوة:

اشارة

قد عرفت أنّ الحجب تارة بالولد و أُخرى بالإخوة، و قد مضى الكلام في الأوّل، و حان الكلام في الثاني.

ثمّ إنّ الكلام في حجب الإخوة يقع في مقامات ثلاثة:

1- ما هو المراد من الإخوة؟

2- ما هو المانع عن الحجب؟

3- ما هي شرائط الحجب؟

المقام الأوّل: ما هو المراد من الإخوة؟

إنّ للأُمّ سهمين: أحدهما السدس، و الآخر الثلث، قال سبحانه: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 11).

و الجمود على ظاهر الآية يقتضي أنّ الحجب يتحقق بالإخوة دون الأخوات، و من الإخوة بأقلّ الجمع أعني الثلاثة لا الاثنين و مع ذلك فالفتوى على أوسع ممّا

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 108

يفيده ظاهرها أمّا السنّة فقد قالُوا بحجب الأخوين أو الأُختين، قال ابن قدامة: «و للأُمّ الثلث إذا لم يكن إلّا أخ واحد، أو أُخت واحدة و لم يكن له ولد و لا ولد الابن، فإن كان له ولد، أو أخوان أو أُختان فليس له إلّا السدس». ( «1»)

و أمّا الشيعة فقالوا، بحجب الأخوين أو أخ و أُختين، أو أخوات أربعة. نعم، تفرّد ابن عباس بالعمل بظاهر الآية، قال الشيخ الطوسي: لا تحجب الأُمّ عن الثلث إلّا بأخوين أو بأخ و أُختين أو أربع أخوات و لا تحجب بأُختين، و قال جميع الفقهاء: إنّها تحجب بأُختين أيضاً، و قال ابن عباس: لا تحجب بأقلّ من ثلاثة إخوة، و هذه من جملة الخمس مسائل التي انفرد بها ( «2») و قال: دليلنا

إجماع الفرقة. و لأنّ ما ذكرناه مجمع على وقوع الحجب به إلّا قول ابن عباس و وقوع الحجب بأُختين ليس عليه دليل فأمّا قوله تعالى: (فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ) و إن كان لفظه بلفظ الجمع فنحن نحمله على الاثنين بدلالة الإجماع من الفرقة على أنّ في الناس من قال: الجمع اثنان فعلى هذا قد وفى الظاهر حقَّه. ( «3»)

لا شكّ أنّ الإخوة، جمع الأخ و هو حقيقة في الثلاثة و ما فوقها فحجب الاثنين يحتاج إلى الدليل الموسّع، كما أنّ حجب الأُخت و لو تنزيل الاثنتين منزلة الواحد يحتاج إلى الدليل، فضلًا عن عدم التنزيل و الاكتفاء بالاثنتين منها كما عليه أهل السنّة، و لأجل ذلك قال ابن عباس لعثمان: ليس الاخوان إخوة في لسان قومك فلم تحجب بهما الأُم؟ فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي، قال ابن قدامة- بعد نقل هذا-: و مضى في البلدان و توارث الناس به. ( «4»)

______________________________

(1) المغني: 6/ 233.

(2) ذكر الشيخ بعض هذه المسائل في المسألة 152، و الوارد فيها: الثلاث، نعم اختص ابن مسعود بخمس مسائل.

(3) الطوسي: الخلاف 2، كتاب الفرائض، المسألة 31.

(4) ابن قدامة: المغني: 6/ 234.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 109

و هذا يعرب عن كون الحكم السائد قبل زمن عثمان هو حجب الأخوين أي يتعاملون مع التثنية معاملة الجمع و إطلاق الإخوة و إرادة الاثنين منها أوّلًا، و إرادة الأعمّ من الذكر و الأُنثى وارد في الذكر الحكيم ثانياً، و هو يرفع الاستبعاد قال سبحانه في حكم الكلالة (الأُخت و الأخ من الأب و الأُم أو الأب): (فَإِنْ كٰانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالًا وَ

نِسٰاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء/ 176) و قد فسَّره سبحانه: بالرجال و النساء، و الحكم ثابت في الأخ و الأُخت كما سيوافيك.

نعم في السنّة ما يدلّ على الأعمّ ممّا يفيده ظاهر الآية و هي على أقسام:

1- ما يدلّ على حجب الأخوين و أربع أخوات، ففي صحيحة أبي العباس ( «1») عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا ترك الميّت أخوين فهم إخوة مع الميّت حجبا الأُمّ عن الثلث، و إن كان واحداً لم يحجب الأُمّ. و قال إذا كنّ أربع أخوات حجبن الأُمّ عن الثلث لأنّهنّ بمنزلة الأخوين و إن كنّ ثلاثاً لم يحجبن». ( «2»)

و التعليل الوارد فيها كاف في استنباط ما يحجب عمّا لا يحجب من الصورة، فيحجب أربع أخوات كما تحجب الأخ و الأُختان مضافاً إلى النصوص الأُخر.

2- ما يدلّ على حجب أربع أخوات فعن فضل أبي العباس البقباق قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن أبوين و أُختين لأب و أُمّ هل يحجبان الأُمّ عن الثلث؟ قال: «لا» قلت: فثلاث؟ قال: «لا» قلت: فأربع؟ قال: «نعم». ( «3»)

3- ما يدلّ على حجب الأخ و الأُختين- مضافاً إلى الأخوين- فعن أبي

______________________________

(1) و هو «الفضل بن عبد الملك البقباق» و «الفضل أبي العباس» و «فضل أبي العباس» كما جاء في التراجم، و هو ثقة عين من أصحاب الصادقين (عليهما السلام)، و له في هذا الباب ست روايات.

(2) الوسائل: 17، الباب 11، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1، و بهذا المعنى الحديث 3، 4.

(3) المصدر نفسه: الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 110

العباس قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا يحجب عن الثلث،

الأخ و الأُخت حتّى يكونا أخوين أو أخاً و أُختين فإنّ اللّه يقول: (فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). ( «1»)

ربما يظهر من بعض ما روي عن طريق أبي العباس البقباق عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه لا يحجب الأُخت أبداً ( «2») لكنّه معرض عنه أوّلًا و محمول على عدم بلوغها النصاب أي الأربعة ثانياً.

المقام الثاني: ما هو المانع عن الحجب؟

إنّ موانع الحجب ثلاثة: الكفر، و الرقية، و القتل. و يظهر من الشيخ الطوسي أنّ عليه إجماع الأُمّة و إنّ المخالف الوحيد هو ابن مسعود قال: القاتل و المملوك و الكافر لا يحجبون، و به قال جميع الفقهاء و جميع الصحابة إلّا عبد اللّه بن مسعود فانّه انفرد بخمس مسائل هذه أوّلها فإنّه قال: القاتل و المملوك و الكافر يحجبون حجباً مقيّداً، و المقيّد يحجب من فرض إلى فرض، و قال: دليلنا إجماع الفرقة بل إجماع الأُمّة و ابن مسعود قد انقرض خلافه. ( «3»)

و قال في موضع آخر: انفرد ابن مسعود بخمس مسائل كان يحجب الزوج و الزوجة و الأُمّ بالكفّار و العبيد و القاتلين. ( «4»)

أقول: أمّا الأوّل و الثاني فمنصوص في أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المملوك و المشرك يحجبان إذا لم يرثا؟

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 11، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 7.

(2) المصدر نفسه: الحديث 5- 6 حيث لم ير الأخوات حاجبة فكيف الأُخت.

(3) الخلاف 2، كتاب الفرائض، المسألة 24 و 152.

(4) الخلاف 2، كتاب الفرائض، المسألة 24 و 152.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 111

قال: «لا» ( «1») و حملها على خصوص حجب الحرمان خلاف الظاهر خصوصاً بالنسبة إلى ذيله،

إنّما الكلام في مانعية القتل عن الحجب، فقد عرفت أنّ الشيخ ادّعى الإجماع عليها، و وافقه المفيد في المقنعة قال: ب جحي لاو عن الميراث من لا يستحقّه لرق أو كفر أو قتل على حال ( «2») و هو المنقول عن الحسن بن عقيل و الفضل بن شاذان، نعم خالف والد الصدوق و نفسه إلى أن صارت المسألة ذات قولين حتّى تردّد المحقق في الشرائع.

و استدلّ على المانعية بالإجماع الوارد في كلام الخلاف أوّلًا و ظهور مساواته للمملوك و الكافر في عدم الإرث و عدم الحجب الذي يمكن أن يستأنس من سؤال محمّد بن مسلم في الرواية السابقة حيث قال: عن المملوك و المشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا». و كان الميزان هو عدم الوراثة الثابت في القتل.

و الوجه الثاني ضعيف جدّاً، لأنّه لم يرد إلّا في كلام السائل لا الإمام و لم يظهر إمضاء الإمام له. و الإجماع الذي حكاه في الخلاف قال: و عليه الأُمّة، قابل للاعتماد، سوى أنّ الصدوق و والده خالفاه.

و قد عرفت تردّد المحقّق. و الذي يقوي عدم الحجب هو أنّ حجبه في حجب الحرمان، لأجل الإرغام و لا إرغام في المقام، لأنّ المفروض أنّه لا يرث مطلقاً سواء كان سهم الأُمّ السدس أو الثلث، و إن كان يعارض ذلك بأنّ «علّة حجب الإخوة الأُم عمّا زاد من السدس، بأنّهم صاروا سبباً لزيادة سهم أبيهم لكونهم عياله و نفقتهم عليه دون الأُمّ، ضرورة عدم سقوط نفقته بقتله»، لكن لو اعتمدنا على الشهرة الفتوائية كما هو الحق إذا قلنا بعدم الاعتداد بخلاف ابن شاذان و ابن أبي

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 14 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1، و

لاحظ الباب 13، الباب 1 من أبواب الموانع.

(2) المقنعة: 704.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 112

عقيل و الصدوقين في المقام، و إلّا فعلى الطرفين التصالح- و السدس مردد بين الأب و الأُم.

المقام الثالث: ما هي شرائط الحجب؟

و هي أمران:

1- يشترط أن يكون الأب حيّاً و عليه ظهور الآية حيث قال: (وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (النساء/ 11)، و في خبر ابن بكير: «الأُمّ لا تنقص عن الثلث أبداً إلّا مع الولد و الإخوة إذا كان الأب حيّاً» ( «1»).

فلو مات بلا ولد، مع الأبوين، فلو كان للميّت إخوة ترث الأُمّ السدس فقط و الباقي للأب، و أمّا إذا لم يكن له إخوة فللأُمّ الثلث، و الباقي للأب، لأنّ الأُمّ ممّن له فرضان، فترث الفرض الأعلى و هو الثلث، و الباقي لمن ليس له إلّا فرض واحد و هو الأب و كما هو يرث الباقي و هو أزيد من فرض الأُمّ، كذلك يرد عليه النقص إذا عالت الفريضة و لا يرد على سهم الأُمّ. و بذلك يتجلّى قول القائل: من له الغنم فعليه الغرم.

2- أن يكونوا للأب و الأُمّ أو للأب فلا يحجب الإخوة للأُمّ خاصة نصّاً و فتوى. ( «2»)

و هل يكفي الحمل كما إذا كانت هناك أخوات ثلاث، مع الحمل سواء كان ذكراً أو أُنثى؟ ربما يقال بعدمه لانصراف الآية إلى الإخوة المنفصلين و خصوص

______________________________

(1) الوسائل: 17: الباب 12، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه: الباب 10، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 113

قول الصادق (عليه السلام): «إنّ الطفل و الوليد لا يحجبك و لا يرث إلّا من

أذّن بالصراخ». ( «1»)

يلاحظ على الأوّل بالولد، في قوله: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ) فلا شكّ أنّه حاجب و إن كان حملًا. و كون الحمل وارثاً بخلاف الأخ في المقام غير مؤثر في الاشكال.

و على الثاني أنّه ناظر إلى أنّ الحاجب هو ما سقط حيّاً، لا ميتاً فهو على عكس المقصود أدلّ، فالأقوى كونه حاجباً.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 113

و لا يحجبها أولاد الإخوة لعدم صدق الإخوة عليها.

و لا يحجب الأُمّ من الخناثى المشكلة أقلّ من أربعة لاحتمال أن يكونوا إناثاً.

تمّ الكلام في الحجب و بقي الكلام في مقادير السهام و كيفية اجتماعها.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17: الباب 13، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1. نعم في سند الحديث محمد بن سنان و المشهور أنّ فيه ضعفاً، و الأولى عندئذ التصالح.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 115

في مقادير السهام و كيفية اجتماعها

السهام المنصوصة في كتاب اللّه ستة:

الأوّل: النصف: و له موارد ثلاثة:

1- الزوج إذا لم يكن للزوجة ولد، قال سبحانه: (وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) (النساء/ 12).

2- البنت الواحدة، قال سبحانه: (وَ إِنْ كٰانَتْ وٰاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (النساء/ 11) و يرد الباقي إليها، قرابة لا فرضاً عندنا. كما سيوافيك.

3- سهم الأُخت للأب و الأُمّ أو الأُخت للأب إذا تفرّدتا عن ذكر مساو في القرب و إلّا فللذكر مثل حظّ الأُنثيين، قال سبحانه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلٰالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ) (النساء/ 176).

و تقييد الأُخت بالأب و الأُمّ

أو بالأب، احترازاً عن الاخت للأُمّ فقط فإنّ سهمها هو السدس كما سيوافيك، و كلا القسمين يسمى كلالة لكنّ الأُولى كلالة، من الجانبين أو من جانب الأب، و الأُخرى كلالة من جانب الأُمّ فقط. كما سيوافيك.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 116

الثاني: الربع: و له موردان:

1- الزوج إذا كان للزوجة ولد، يقول سبحانه: (فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 12).

2- الزوجة إذا لم يكن للزوج ولد قال سبحانه: (وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) (النساء/ 12) فتعامل الإسلام مع الزوج و الزوجة معاملة الذكر و الأُنثى، فله ضعف ما للأُنثى في حالتي وجود الولد و عدمه.

الثالث: الثمن: و له مورد واحد:

و هو الزوجة إذا كان للزوج ولد، قال سبحانه: (فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 12).

الرابع: الثلثان: و له موضعان:

1- البنتان فصاعداً، قال سبحانه: (فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثٰا مٰا تَرَكَ) (النساء/ 11) و الموضوع في الآية هو ما زاد عن اثنتين، لكنّ الإجماع و السنة دلّا على ثبوته لبنتين أيضاً.

و ربما تفسّر الآية بأنّ المراد: فإن كنّ اثنتين و ما فوقهما، و أمّا تعليق الحكم على فوق الاثنتين، لتفهيم أنّه إذا كانت الفريضة لفوق اثنتين هي الثلثان فأولى أن لا يزيد عليهما إذا كانت اثنتين. و لكنّه مفيد في نفي احتمال الزيادة لا احتمال النقيصة.

و ربما يؤيد ذلك بأنّه إذا كانت البنت مع الابن ترث الثلث بحكم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، فأولى أن يكون كذلك إذا كانت مع مثلها. فتأمّل. ( «1»)

______________________________

(1) وجه التأمل: أنّ كون نصيب البنت هو الثلث عند الاجتماع مع الابن، لا يكون دليلًا على كونه كذلك إذا اجتمع مع مثلها. فلاحظ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 117

2- الأُختان فصاعداً للأب و الأُمّ أو للأب، قال سبحانه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلٰالَةِ ... فَإِنْ كٰانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ) (النساء/ 176) و الآية واردة في الاثنتين و أمّا حكم الفوق فيعلم من السنّة و الإجماع كما سيوافيك.

الخامس: الثلث: و له موردان:

1- الأُمّ إذا لم يكن للميّت ولد، مع عدم الحاجب من الإخوة على الشرائط الماضية، قال سبحانه: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) (النساء/ 11) و الثلثان للأب قرابة لا فرضاً.

2- سهم الاثنين فصاعداً من ولد الأُمّ، قال سبحانه: (وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلٰالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ... فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ) (النساء/ 12). و الآية و إن كانت خالية عن القيد بكونهم

من الأُمّ لكن يكفي في حملنا عليها، أنّه سبحانه أثبت لبعض ( «1») ما يعمّه ظاهر الآية (أكثر من ذلك) أي الأُختين، الثلثين في ما سبق أي قوله: (فَإِنْ كٰانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ) فلا محيص عن حمل ما ورد في المقام على أولاد الأُمّ، و الآخر، على الأُختين من الأب و الأُمّ أو الأب وحده، أضف إلى ذلك ما ورد عن ابن مسعود حيث فسّرها و له أخ أو أُخت من أُمّ.

السادس: السدس: و له موارد ثلاثة:

1- كلّ واحد من الأب و الأُمّ إذا كان للميت ولد، قال سبحانه: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ) (النساء/ 11).

2- الأُمّ في هذه الصورة و لكن كان لها حاجب من الإخوة للميت و قال سبحانه: (فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 11)

______________________________

(1) النسبة بين الآيتين هي العموم و الخصوص المطلق مع ذلك لم يعامل معهما معاملتهما، فدلّ ذلك على أنّ الثلثين للأُختين على ما إذا كانتا من أب و أُمّ أو من الأب وحده.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 118

و الأسداس الخمسة للأب قرابة لا فرضاً.

3- سهم الواحد من ولد الأُمّ ذكراً كان أو أُنثى، قال سبحانه: (وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلٰالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (النساء/ 12) و أمّا الأسداس الخمسة فيرد إليه قرابة لا فرضاً- كما سيوافيك- إذا تفرّد، أو تفرّدت.

هذه هي الفروض الستة و هذه مواضعها و هنا أُمور:

الأوّل: إذا كانت السهام، هي النصف و الربع و الثمن، و الثلثان و الثلث و السدس، كان الفرض الأوّل هو النصف، ثمّ نصفه (الربع) ثمّ

نصفه أي الثمن، كما أنّ الفرض الثاني، الثلثان ثمّ نصفه (الثلث) ثمّ نصفه (السدس).

الثاني: انّ الصور المتصورة هي ست و ثلاثون حاصلة من ضرب الستة في مثلها غير أنّ خمس عشرة صورة منها مكررة و السالمة عن التكرار هي إحدى و عشرين صورة، ثمانية منها ممتنعة إمّا للعول بمعنى زيادة الفرائض عن سهام التركة أو لأجل أنّه لا يتصوّر اجتماعها فيكون الباقي ثلاث عشرة صورة.

الثالث: في بيان الصور الممتنعة إمّا للعول أو لعدم إمكان اجتماعها ( «1») و هي ثمانية أمّا العول ففي صورتين و أمّا الثاني ففي الصور الباقية و إليك البيان:

1- النصف مع الثلثين، فاجتماعهما ممكن في ذاته لكن لا يصح للعول أي زيادة الفرائض على سهام التركة، كما إذا ماتت الزوجة و لم يكن له ولد و تركت زوجاً و أُختين فللزوج النصف، و للأُختين الثلثان فزادت الفرائض على سهام التركة.

2- الثلثان مع الثلثين، و هو يستلزم العول، مضافا إلى عدم تصوّر اجتماعهما، لأنّهما للبنتين، و الأُختين. و هما في طبقتين.

______________________________

(1) المراد من عدم اجتماعها تسمية و فرضا، و إن كان الاجتماع حيث القرابة ممكنة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 119

3- الربع مع الربع، فإنّ الربع سهم الزوج عند موت الزوجة مع الولد لها، و هو سهم الزوجة عند موت الزوج مع عدم الولد له، و لا يتصوّر فرض موت الزوجين مع فرض توريث أحدهما من الآخر. نعم إذا مات عن ابن و بنتين، فللابن النصف، و لكل من البنتين: الربع، و لكنّه بالقرابة لا بالفرض.

4- الثمن مع الربع، فالأوّل سهم الزوجة عند الولد للزوج، و الثاني سهمها عند عدم الولد له، فكيف يتصوّر اجتماعهما. و أمّا الزوج فله الربع

و ليس له الثمن.

و أمّا إذا ماتت عن زوج و ثلاث بنين و بنت فللزوج الربع و لكلّ واحد من البنين الربع، و للبنت الثمن لكن الثمن هنا بالقرابة لا بالفرض.

5- الثمن مع الثمن، إذ ليس للثمن مورد سوى الزوجة و ليس للزوجات إلّا الثمن الواحد.

6- الثمن مع الثلث، فإنّ الثمن سهم الزوجة عند وجود الولد للزوج و الثلث إمّا سهم الأُمّ إذا لم يكن للمورث (الزوج) ولد، و إمّا سهم أولاد الأُمّ إذا لم يكن للمورث ولد، فكيف يجتمعان.

7- الثلث مع الثلث، فإنّه سهم الأُمّ عند عدم الأولاد، و ليس معها في تلك الرتبة من يرث الثلث، و أمّا أولاد الأُمّ فإنّما يرثون إذا لم يكن وارث في الطبقة الأُولى و إلى ذلك يشير في الجواهر لعدم تعدّد مستحقِّه في مرتبته.

8- الثلث مع السدس، لأنّ الأُمّ ترث الثلث عند عدم الولد، و ليس هنا من يرث السدس. و أمّا أنّه إذا ماتت عن زوج و أبوين مع عدم الولد و الحاجب فللزوج النصف، و للأُمّ الثلث و الباقي هو السدس و لكنّه بالقرابة لا بالفرض و التسمية.

هذه هي الصور الممتنعة و أمّا الصور الجائزة فهي ثلاث عشرة صورة:

1- النصف مع النصف، كزوج و أُخت واحدة.

2- النصف مع الربع، كبنت واحدة و زوج.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 120

3- النصف مع الثمن، كبنت واحدة و زوجة.

4- النصف مع الثلث، كزوج و أُمّ مع عدم الحاجب.

5- النصف مع السدس، كزوج و واحد من كلالة الأُمّ.

6- الربع مع الثلثين، كزوج و بنتين.

7- الربع مع الثلث، كزوجة و المتعدد من كلالة الأُمّ.

8- الربع مع السدس، كزوجة و واحدة من كلالة أُمّ.

9- الثمن مع الثلثين، كزوجة و

بنتين.

10- الثمن مع السدس، كزوجة و أحد الأبوين مع الولد.

11- الثلثان مع الثلث في أُختين فصاعداً، مع كلالة الأُمّ المتعددة.

12- الثلثان مع السدس، كبنتين و أحد الأبوين.

13- السدس مع السدس، كالأبوين مع الولد.

هذه هي الصور الجائزة.

بقيت هنا مسألتان:

الأُولى: إذا نقصت الفرائض عن استيعاب سهام التركة كما إذا ماتت عن زوج و بنت، فللأوّل الربع، و للثانية النصف، فيبقى الربع، فإلى من يرد الباقي؟!

الثانية: إذا زادت الفريضة على سهام التركة كما إذا ماتت عن زوج و بنتين، أو أُختين، فللأوّل النصف، و للآخرين الثلثان، مع أنّه ليس في التركة نصف و ثلثان حيث يزيد عن سهام التركة سدساً فكيف تحل مشكلة زيادة الفرائض و عولها على سهام التركة؟! و تعالج المسألة الأُولى تحت عنوان التعصيب و الثانية تحت عنوان العول.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 121

التوريث بالعصبة

اشارة

اتّفقت الإمامية على أنّ ما فضُلَ عن السهام يردُّ على أصحاب السهام بخلاف سائر الفقهاء.

و لأجل إيضاح محل الخلاف بين الإمامية و سائر الفقهاء نذكر أُموراً:

الأوّل: إذا بقي من سهام التركة شي ء

- بعد إخراج الفريضة- فله صور:

الصورة الأُولى: إنّ الميّتَ إذا لم يخلُف وارثاً إلّا ذوي فروض و لا يستوعب المال كالبنات و ليس معهنّ أحد، أو الأخوات كذلك، فإنّ الفاضل عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم إلّا الزوج و الزوجة ( «1»).

الصورة الثانية: أن يكون بين أصحاب الفروض مساو لا فرض له، و بعبارة أُخرى أن يجتمع من لا فرض له مع أصحاب الفرض، ففيها يرد الفاضل، على المساوي الذي ليس له سهم خاص في الكتاب و إليك بعض الأمثلة:

1- إذا ماتت عن أبوين و زوج.

2- إذا مات عن أبوين و زوجة.

______________________________

(1) المغني: 6/ 256 و نقل عن ابن سراقة أنّه قال: أنّ عليه العمل اليوم في الأمصار.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 122

فالزوج في الأوّل، و الزوجة في الثاني، و الأُم في كليهما من أصحاب الفروض دون الأب فما فضل بعد أخذهم، فهو لمن لا فرض له، أي الأب، فللزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى وللُام الثلث، و الباقي للأب و هو السدس في الصورة الأُولى، و نصف خمسة أسداس في الصورة الثانية لأنّه لا فرض له، نعم الأب من أصحاب الفروض إذا كان للميّت ولد قال سبحانه: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ... إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ) (النساء/ 11) بخلاف الأُمّ فهي مطلقاً من ذوات الفروض.

قال الخرقي في متن المغني: «و إذا كان زوج و أبوان، أُعطي الزوج النصف و الأُم ثلث ما بقي، و ما بقي فللأب، و إذا كانت زوجة أُعطيت الزوجة الربع، و الأُمّ ثلث ما بقي، و ما بقي للأب.

قال

ابن قدامة: هاتان المسألتان تسمّيان العمريتين لأنّ عمر- رضى اللّه عنه- قضى فيهما بهذا القضاء، فتبعه على ذلك عثمان و زيد بن ثابت و ابن مسعود، و روي ذلك عن علي، و به قال الحسن و الثوري و مالك و الشافعي- رضي اللّه عنهم- و أصحاب الرأي، و جعل ابن عباس ثلث المال كلّه للُامّ في المسألتين، و يروى ذلك عن علي» ( «1»).

3- ذلك الفرض و لكن كان للُامّ حاجب، فللزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى و للُامّ السدس، و الكل من أصحاب الفرض، و الباقي للأب الذي لا فرض له، و هو الثلث في الصورة الأُولى، و النصف و نصف السدس في الثانية.

4- إذا مات عن أبوين و ابن و زوج أو زوجة، فلهما نصيبهما الأدنى- لأجل الولد- و للوالدين السدسان و الباقي (أي نصف خمسة أسداس في الصورة الأُولى،

______________________________

(1) المغني: 6/ 237. و هذا و نظائره الكثيرة في الفرائض يعرب عن عدم وجود نظام محدّد في الفرائض في متناول الصحابة، و مع أنّهم يروون عن النبي أنّ أعلم الصحابة بالفرائض هو زيد بن ثابت و أنّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: «أفرضهم زيد، و أقرأهم أُبيّ». لكنّه تبع قضاء عمر و لم يكن عنده شي ء في المسألة التي يكثر الابتلاء بها.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 123

و الثمن و نصف خمسة أسداس في الثانية) للابن الذي لا فرض له.

5- إذا مات عن زوج أو زوجة و إخوة من الأُمّ، و إخوة من الأبوين أو من الأب، فللزوج النصف أو للزوجة الربع، و للإخوة من الأُم الثلث، و الباقي (أي السدس في الأُولى، و نصف خمسة أسداس في الثانية)

لمن لا فرض له أي الإخوة من الأبوين أو الذين يتقرّبون بالأب.

ففي هذه الصورة فالزائد بعد إخراج الفرائض للمساوي في الطبقة الذي لا فرض له. و لعلّ هذه الصورة موضع اتّفاق بين الفقهاء: السنّة و الشيعة.

الصورة الثالثة: إذا لم يكن هناك قريب مساو لا فرض له و زادت سهام التركة عن الفروض فهناك رأيان مختلفان بين الفقهاء: الشيعة و السنّة.

1- الشيعة كلّهم على أنّ الزائد يرد إلى أصحاب الفرائض عدا الزوج و الزوجة ( «1») بنسبة سهامهم، فإذا مات عن أبوين و بنت و ليس في طبقتهم من ينتمي إلى الميّت بلا واسطة سواهم، يرد الفاضل- أي السدس- عليهم بنسبة سهامهم، (فيرد السدس عليهم أخماساً فللأبوين: الخمسان من السدس، و للبنت ثلاثة أخماس منه) ( «2»)، و لا تخرج التركة عن هذه الطبقة أبداً.

2- أهل السنّة يرون أنّه يرد إلى أقرباء الميّت من جانب الأب و الابن و هم العصبة.

______________________________

(1) اتّفقت عليه المذاهب كلّها قال ابن قدامة: «فأمّا الزوجان فلا يرد عليهما، باتّفاق أهل العلم» المغني: 6/ 257.

(2) الفاضل و هو السدس يقسّم إلى ثلاثين سهماً، لأنّ السهام خمسة، فتضرب في الستة فيصير ثلاثين فلكل واحد من الأبوين ستة أسهم، و للبنت الواحدة ثمانية عشر سهماً. و إليك الصورة العملية الحسابية:

مجموع السهام 6* 30/ 5 مجموع الفروض 5/ 2+ 3

سهام الأبوين 2* 12/ 6 سهام البنت 3* 18/ 6

6/ 5 00 30.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 124

الأمر الثاني: ما هو المراد من العصبة لغة و اصطلاحاً؟

قال ابن منظور: العصبة و العصابة: جماعة ما بين العشرة إلى الأربعين. و في التنزيل: (وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ*) ( «1»).

قال الأخفش: و العصبة و العصابة: جماعة ليس لها واحد.

و قال الراغب: العصَب: اطناب المفاصل، ثمّ

يقال: لكل شدّ عصب، و العصبة: جماعة متعصّبة متعاضدة. قال تعالى: (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) ( «2»). و العصابة: ما يعصب بها الرأس و العمامة.

و قال في النهاية: العصبة: الأقارب من جهة الأب لأنّهم يعصبونه و يعتصب بهم أي يحيطون به و يشتد بهم.

و قال الطريحي: عَصَبة الرجل، جمع «عاصب» ككفرة جمع كافر، و هم بنوه و قرابته، و الجمع: العصاب، قال الجوهري: و انّما سمُّوا عصبة، لأنّهم عصبوا به أي: أحاطوا به فالأب طرف، و الابن طرف، و الأخ طرف، و العم طرف ... و كلامه توضيح لما أجمله ابن الأثير.

و قد سبق الطريحي، ابن فارس في مقاييسه فقال: له أصل واحد يدل على ربط شي ء بشي ء ثمّ يفرع ذلك فروعاً و تطلق على أطناب المفاصل التي تلائم بينها، و على العشرة من الرجال لأنّها قد عصبت كأنّها ربط بعضها ببعض.

و على كل تقدير فهو في الأصل بمعنى الربط و الإحاطة و كأنّ الإنسان يحاط بالعصبة و يرتبط بها مع غيرهم.

______________________________

(1) يوسف: الآية 8.

(2) القصص: الآية 76.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 125

و أمّا في اصطلاح الفقهاء فهو لا يتجاوز عمّا ذكره الطريحي في كلامه، و أحسن التعاريف ما ذكره صاحب الجواهر حيث قال: العصبة: الابن و الأب و من تدلّى بهما، و هو يشمل الأخ و العم و غيرهما.

و قال ابن قدامة: هو الوارث بغير تقدير، و إذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه، قلّ أو كثر، و إن انفرد أخذ الكل، و إن استغرقت الفروض المال سقط ( «1»).

و ما ذكره أشبه ببيان حكم العصبة من حيث الحكم الشرعي و ليس تفسيراً لمادة العصبة.

ثمّ إنّ العصبة عندهم تنقسم إلى العصبة

بالنفس، و إلى العصبة بالغير و الأوّل أقرب العصبات، كالابن، ابن الابن، الأب، الجد لأب و إن علا، الأخ لأبوين، ابن الأخ لأبوين، أو أب، العم لأبوين أو لأب، ابن العم لأبوين أو لأب.

و أمّا الثاني فينحصر في الإناث كالبنت، و بنت ابن و أُخت لأبوين، أو لأب.

لأنّ العصبة من تدلّى إلى الميّت من جانب الأب و هو يعم الجميع و لا يختص بالذكور، نعم توارثهم بالعصبة على نظام خاص مذكور في كتبهم ( «2»).

قال الخرقي: «و ابن الأخ للأب و الأم، أولى من ابن الأخ للأب. و ابن الأخ للأب، أولى من ابن ابن الأخ للأب و الأُم. و ابن الأخ و إن سفل إذا كان للأب ( «3»)،

______________________________

(1) المغني: 6/ 226.

(2) لاحظ المغني: 6/ 236 عند قول الماتن: و ابن الأخ للأب أولى من ابن ابن الأخ للأب.

(3) في المصدر: «الأب» و الصحيح ما أثبتناه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 126

أولى من العم. و ابن العم للأب، أولى من ابن ابن العم للأب و الأُم. و ابن العم و إن سفل، أولى من عم الأب» ( «1»).

الأمر الثالث: في تبيين ملاك الوراثة عند الطائفتين:

إنّ الضابط لتقديم بعض الأقرباء السببيين على البعض الآخر عندنا أحد الأمرين:

1- كونه صاحب فريضة في الكتاب قال سبحانه: (آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ لٰا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء/ 11).

2- القربى إذا لم يكن صاحب فريضة فالأقرب إلى الميّت، هو الوارث للكلّ أو لما فضل عن التركة قال سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ).

و أمّا عند أهل السنّة فالملاك بعد الفرض، هو التعصيب- بالمعنى الذي عرفت بعد

أصحاب الفرض- و إن بعد عنهم، كالأخ عند ما مات، عن أُخت أو أُختين فيرث الأخ، أو العم، الفاضل من التركة، بما أنّهما عصبة و يرد عندنا إلى أصحاب الفروض و ربّما لا يترتّب على الخلاف ثمرة كما في الموردين التاليين:

كما لو اجتمع الأب مع الابن، فالأب يأخذ فرضه و هو السدس، و ما بقي يأخذه الابن بالاتّفاق لكن عندنا بالقرابة و عند أهل السنّة بالعصبة.

______________________________

(1) المغني: 6/ 236.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 127

و مثله لو اجتمع الأب مع ابن الابن فبما أنّ الأولاد تنزل منزلة الآباء فللأب السدس و الباقي لابن الابن عندنا بالقرابة و عندهم بالتعصيب. لكن تظهر الثمرة في موارد أُخر. كما إذا كانت العصبة بعيداً عن ذي فرض كالأخ في ما إذا ترك بنتاً أو بنات، و لم يكن له ولد ذكر، أو العم فيما إذا ترك أُختاً أو أخوات و لم يكن له أخ، فعلى مذهب الإمامية لا يرد إلى البعيد أبداً، سواء كان أخاً أو عمّا، لأنّ الضابط في التقديم و التأخير هو الفرض و القرابة و الأخ و العم بعيد ان عن الميّت مع وجود البنت أو الأُخت، فيرد عليهما الفاضل، فالبنت ترث النصف فرضاً و النصف الآخر قرابة، و هكذا الصور الأُخرى.

و أمّا على مذاهب أهل السنّة، فبما أنّه حكموا بتوريث العصبة مع ذي فرض قريب يردون الفاضل إلى الأخ في الأوّل، و العم في الثاني.

قال الشيخ الطوسي: القول بالعصبة باطل عندنا و لا يورث بها في موضع من المواضع، و إنّما يورث بالفرض المسمّى أو القربى، أو الأسباب التي يورث بها من الزوجية و الولاء. و روي ذلك عن ابن عباس لأنّه قال

فيمن خلف بنتاً و أُختاً: إنّ المال كلّه للبنت دون الأُخت، و وافقه جابر بن عبد اللّه في ذلك.

و روى موافقة ابن عباس عن إبراهيم النخعي، روى عنه الأعمش و لم يجعل داود الأخوات مع البنات عصبة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك فأثبتوا العصبات من جهة الأب و الابن ( «1»).

إذا عرفت ذلك فلنأخذ بدراسة أدلّة نفاة العصبة فنقول:

______________________________

(1) الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 80.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 128

دراسة أدلّة نفاة العصبة:

احتجّت الإماميّة على نفي التعصيب و أنّه مع وجود الأقرب و إن كان ذا فرض لا يرد الباقي إلى البعيد و إن كان ذكراً، بوجوه:

الأوّل: قوله سبحانه: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (النساء/ 6).

وجه الاستدلال: أنّه أوجب توريث جميع النساء و الأقربين و دلّت على المساواة بين الذكور و الإناث في استحقاق الارث، لأنّها حكمت بأنّ للنساء نصيباً كما حكمت بأنّ للرجال نصيباً، مع أنّ القائل بالتعصيب عليه توريث البعض دون البعض مع كونهما في رتبة واحدة و ذلك في الصور التالية:

1- لو مات و ترك بنتاً، و أخاً و أُختاً، فالفاضل عن فريضة البنت يرد إلى الأخ، و يحكم على الأُخت بالحرمان.

2- لو مات و ترك بنتاً، و ابن أخ، و ابن أُخت، فالقائل بالتعصيب يعطي النصف للبنت، و النصف الآخر لابن الأخ، و لا شي ء لابن أُخته مع أنّهما في درجة واحدة.

3- لو مات و ترك أُختاً، و عمّا، و عمّة، فالفاضل عن فريضة الأُخت يرد إلى العم، لا العمّة.

4- لو مات و ترك بنتاً، و ابن أخ، و بنت أخ،

فإنّهم يعطون النصف للبنت، و النصف الآخر لابن الأخ، و لا يعطون شيئاً لبنت الأخ مع كونهما في درجة واحدة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 129

فالآية تحكم على وراثة الرجال و النساء معاً و بوراثة الجميع، و القائل بالتعصيب يورّث الرجال دون النساء و الحكم به أشبه بحكم الجاهلية المبنية على هضم حقوق النساء كما سيوافيك بيانه.

و حمل الآية في مشاركة الرجال و النساء، على خصوص الميراث المفروض، لا الميراث لأجل التعصيب كما ترى، و الحاصل أنّ نتيجة القول بالتعصيب هو توريث الرجال و إهمال النساء على ما كانت الجاهلية عليه.

قال السيد المرتضى: توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربى و الدرجة، من أحكام الجاهلية، و قد نسخ اللّه بشريعة نبيّنا محمد صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أحكام الجاهلية، و ذمّ من أقام عليها و استمرّ على العمل بها بقوله: (أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً) (المائدة/ 50) و ليس لهم أن يقولوا إنّنا نخصّص الآية التي ذكرتموها بالسنّة، و ذلك أنّ السنّة التي لا تقتضي العلم القاطع لا يُخصَّص بها القرآن، كما لم ينسخ بها، و إنّما يجوز بالسنّة أن يخصّص و ينسخ إذا كانت تقتضي العلم و اليقين، و لا خلاف في أنّ الأخبار المروية في توريث العصبة أخبار آحاد لا توجب علماً، و أكثر ما يقتضيه غلبة الظن، على أنّ أخبار التعصيب معارضة بأخبار كثيرة ترويها الشيعة من طرق مختلفة في إبطال أن يكون الميراث بالعصبة، و أنّه بالقربى و الرحم، و إذا تعارضت الأخبار رجعنا إلى ظاهر الكتاب ( «1»).

الثاني: قوله سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ إِنَّ

اللّٰهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال/ 75).

______________________________

(1) الانتصار: 278.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 130

وجه الاستدلال: أنّ المراد من الأولويّة هو الأقربية أي الأقرب فالأقرب، و على ذلك فكيف يرث الأخ أو العم مع وجود الأقرب أعني البنت أو الأُخت، و هما أقرب إلى الميّت من الأخ و العم، لأنّ البنت تتقرّب إلى الميّت بنفسها، و الأخ يتقرّب إليه بالأب، و الأُخت تتقرّب إلى الميّت بالأب، و العمّ يتقرّب إليه بواسطة الجد، و الأُخت تتقرّب بواسطة، و العم يتقرّب بواسطتين، و أولاده بوسائط.

و العجب أنّهم يراعون هذا الملاك في ميراث العصبة حيث يقدّمون الأخ لأبوين، على الأخ لأب. و ابن الأخ لأبوين، على ابن الأخ لأب، كما أنّ العم لأبوين يقدّمونه على العم لأب، و ابن العم لأبوين على ابن العم لأب. هذا في العصبة بالنفس و مثلها العصبة بالغير.

و ممّا يدل على أنّ الآية في بيان تقديم الأقرب فالأقرب- مضافاً إلى ما ورد من أنّها وردت ناسخة للتوارث بمعاقدة الإيمان و التوارث بالمهاجرة اللَّذين كانا ثابتين في صدر الإسلام- ( «1») أنّ عليّاً كان لا يعطي الموالي شيئاً مع ذي رحم، سمّيت له فريضة أم لم تسم له فريضة و كان يقول:

(وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ) قد علم مكانهم فلم يجعل لهم مع أُولي الأرحام ( «2»).

و روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ*): إنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض لأنّ أقربهم إليه رحماً أولى به، ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام): أيّهم أولى بالميت و أقربهم إليه؟ أُمّه؟ أو

______________________________

(1) مجمع

البيان: 2/ 563 طبع صيدا.

(2) الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث الحديث 10.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 131

أخوه؟ أ ليس الأُمّ أقرب إلى الميّت من إخوته و أخواته؟ ( «1»).

و روي عن زيد بن ثابت أنّه قال: من قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء. ( «2»)

قال العلّامة الصافي في تفسير قوله سبحانه: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ...) قد أبطل اللّه بهذه الآية النظام الجاهلي المبنيّ على توريث الرجال دون النساء، مثل توريث الابن دون البنت، و توريث الأخ دون الأُخت، و توريث العم دون العمّة، و ابن العم دون بنته، فقرّر بها مشاركة النساء مع الرجال في الارث، إذا كنّ معهم في القرابة في مرتبة واحدة، كالابن و البنت، و الأخ و الأُخت، و ابن الابن و بنته، و العم و العمّة و غيرهم، فلا يوجد في الشرع مورد تكون المرأة مع المرء في درجة واحدة إلّا و هي ترث من الميت بحكم الآية ... فكما أنّ القول بحرمان الرجال الذين هم من طبقة واحدة نقض لهذه الضابطة المحكمة الشريفة، كذلك القول بحرمان النساء أيضاً ... و مثل هذا النظام- الذي تجلّى فيه اعتناء الإسلام بشأن المرأة و رفع مستواها في الحقوق المالية كسائر حقوقها- يقتضي أن يكون عامّاً لا يقبل التخصيص و الاستثناء ( «3»).

و يظهر من السيد في الانتصار أنّ القائلين بالتعصيب ربّما يعترضون على الإمامية بأنّ الحرمان موجود في فقههم، كما إذا مات الرجل عن بنت و عم أو ابن عم، فإنّ التركة كلّها للبنت عندهم و لا حظّ لهما. و هو حرمان الرجال دون النساء عكس القول بالتعصيب، و يشتركان في الحرمان

و مخالفة الذكر الحكيم.

و الجواب: أنّ الحرمان في المثال لأجل عدم الاستواء في القرابة أ لا ترى أنّ

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 11 و 2.

(2) الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 11 و 2.

(3) مع الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر: 15- 16.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 132

ولد الولد (ذكوراً كانوا أو إناثاً) لا يرث مع الولد، لعدم التساوي في الدرجة و القرابة، و إن كانوا يدخلون تحت التسمية بالرجال و النساء، و إذا كانت القرابة و الدرجة مراعاة بين العم و ابنه، فلا يساوي العم البنت في القربى و الدرجة و هو أبعد منها كثيراً.

و ليس كذلك العمومة و العمّات و بنات العم و بنو العم، لأنّ درجة هؤلاء واحدة و قرباهم متساوية و المخالف يورث الرجال منهم دون النساء، فظاهر الآية حجّة عليه و فعله مخالف لها، و ليس كذلك قولنا في المسائل التي وقعت الإشارة إليها و هذا واضح فليتأمّل ( «1»).

الثالث: قوله سبحانه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ ...) (النساء/ 176) و الآية ظاهرة في أنّ توريث الأُخت من الأخ مشروط بعدم وجود الولد له، مع أنّه يلزم في بعض صور التعصيب توريث الأُخت مع وجود الولد (البنت) للميّت و ذلك فيما إذا كان التعصيب بالغير كأُخت أو أخوات لأبوين، أو أُخت و أخوات لأب، فإنّهنّ عصبة بالغير من جانب الأب فلو مات عن بنت و أُخت لأبوين أو لأب، فالنصف للبنت، و النصف الآخر للعصبة و هي الأُخت أو الأخوات مع أنّ وراثة الأُخت مشروطة بعدم الولد في صريح الآية. قال

الخرقي: و الأخوات مع البنات عصبة، لهنّ ما فضل، و ليس لهنّ معهنّ فريضة مسمّات.

و قال ابن قدامة في شرحه: و المراد بالأخوات هاهنا، الأخوات من الأبوين، أو من الأب و إليه ذهب عامّة الفقهاء إلّا ابن عباس و من تابعه، فإنّه يروى عنه أنّه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة فقال في بنت و أخت: للبنت النصف

______________________________

(1) الانتصار: 283.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 133

و لا شي ء للأخت. فقال ابن عباس: أنتم أعلم أم اللّه، يريد قول اللّه سبحانه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ ...) فإنّما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد.

ثمّ إنّ ابن قدامة ردّ على الاستدلال بقوله: إنّ الآية تدل على أنّ الأُخت لا يفرض لها النصف مع الولد، و نحن نقول به، فإنّ ما تأخذه مع البنت ليس بفرض، و إنّما هو بالتعصيب كميراث الأخ، و قد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قول اللّه تعالى: (وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ) و على قياس قوله «ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم ولدها» ( «1»).

حاصل كلامه: أنّ الأُخت ترث من الأخ النصف في حالتي وجود الولد و عدمه، غاية الأمر عند عدم الولد ترث فرضاً، و عند وجوده ترثه عصبة.

يلاحظ عليه: أنّ المهم عند المخاطبين هو أصل الوراثة، لا التسمية فإذا كان الولد و عدمه غير مؤثّر فيها، كان التقييد لغواً، و ما ذكره من أنّها ترث النصف عند الولد تعصيباً لا فرضاً أشبه بالتلاعب بالألفاظ، و المخاطب بالآية هو العرف العام و هو لا يفهم من الآية سوى حرمان

الأُخت عند الولد و توريثها معه باسم آخر، يراه مناقضاً.

و ما نسبه إلى ابن عباس من أنّه كان يرى ميراث الأخ مع الولد، غير ثابت و على فرض تسليمه فهو ليس بحجة.

الرابع: الروايات المروية في الصحاح و المسانيد و في جوامعنا، ننقل منها ما يلي:

______________________________

(1) ابن قدامة: المغني: 6/ 227.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 134

1- روى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال: مرضت بمكّة مرضاً فأشفيت ( «1») منه على الموت فأتاني النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يعودني فقلت: يا رسول اللّه: إنّ لي مالًا كثيراً و ليس يرثني إلّا ابنتي أ فأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشَّطرُ؟ قال: لا، قلت: الثلث؟ قال: الثلث كبير، إنّك إن تركت ولدك أغنياء خيرٌ من أن تتركهم عالةً يتكفّفون الناس ( «2»).

و في لفظ مسلم في باب الوصية بالثلث: «و لا يرثني إلّا ابنة لي واحدة». و الرواية صريحة في أنّه كان يدور في خلد سعد، أنّها الوارثة المتفرّدة و النبيّ سمع كلامه و أقرّه عليه و لم يرد عليه بشي ء و قد كان السؤال و الجواب بعد نزول آيات الفرائض.

2- روى البيهقي عن سويد بن غفلة في ابنة و امرأة و مولى قال: كان علي (عليه السلام) يعطي الابنة النصف و المرأة الثمن و يرد ما بقي على الابنة ( «3»).

3- روى: من ترك مالًا فلأهله ( «4»).

4- و ربّما يستدل بما روي عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: و المرأة تحوز ثلاث مواريث: عتيقها و لقيطها و ولدها الذي تلاعن عليه ( «5»).

وجه الاستدلال: أنّ سهم الأُم هو

السدس أو الثلث و قد حكم على

______________________________

(1) أي فأشرفت و قاربت.

(2) صحيح البخاري: 8/ 150، كتاب الفرائض، باب ميراث البنات.

(3) السنن الكبرى: 6/ 242 باب الميراث بالولاء.

(4) صحيح البخاري: 8/ 150 كتاب الفرائض باب قول النبي: من ترك مالًا فلأهله، و كنز العمال: 11/ 7 الحديث 30388، و جامع الأُصول: 9/ 631 قال: رواه الترمذي.

(5) المسند: 3/ 490، و سنن ابن ماجة: 2/ 916 باب ما تحوزه المرأة، ثلاث مواريث رقم 2742، و في جامع الأُصول: 9/ 614، برقم 7401 ... ولدها الذي لاعنت عنه. أخرجه أبو داود و الترمذي.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 135

الفاضل عن التركة بالرد عليها دون العصبة. إلّا أن يقال: إنّ عدم الرد لعدم وجود العصبة (بحكم اللعان) فلا يصحّ الاستدلال به على ما إذا كانت هناك عصبة.

الخامس: إنّ القول بالتعصيب يقتضي كون توريث الوارث مشروطاً بوجود وارث آخر و هو مخالف لما علم الاتّفاق عليه لأنّه إمّا أن يتساوى الوارث الآخر فيرثان، و إلّا فيمنع و ذلك في المثال الآتي:

إذا خلف الميّت بنتين، و ابنة ابن، و عم. فبما أنّ العمّ من العصبة بالنفس و الابنة عصبة بالغير يرد الفاضل إلى العم. و لا شي ء لبنت الابن. و لكنّه لو كان معها أخ أي ابن الابن، فهي تتعصّب به، و بما أنّه أولى ذكر بالميّت يكون مقدماً على العم و يكون الفاضل بينهما أثلاثاً، للاجماع على المشاركة، لقوله سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء/ 11) و هذا هو ما قلناه من أنّه يلزم أن يكون توريث الابنة مشروطاً بالأخ و إلّا فيرث العم.

قال الخرقي في متن المغني: «فإن كنّ بنات، و بنات

ابن، فللبنات الثلثان و ليس لبنات الابن شي ء إلّا أن يكون معهنّ ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظّ الأُنثيين».

و قال ابن قدامة: «فإن كان مع بنات الابن، ابن في درجتهنّ كأخيهنّ أو ابن عمّهنّ، أو أنزل منهنّ كابن أخيهنّ أو ابن ابن عمّهنّ أو ابن ابن ابن عمّهن، عصبهنّ في الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين» ( «1»).

السادس: لقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت أنّ الفاضل عن

______________________________

(1) المغني: 6/ 229.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 136

الفروض للأقرب، و هي متضافرة لو لم نقل أنّها متواترة و لعل الشهيد الثاني لم يتفحّص في أبواب الارث فقال: يرجع الإمامية إلى خبر واحد ( «1») و يظهر من الروايات أنّه كان مكتوباً في كتاب الفرائض لعليّ (عليه السلام).

1- روى حماد بن عثمان قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل ترك أُمّه و أخاه؟ قال: يا شيخ تريد على الكتاب؟ قال، قلت: نعم. قال: كان علي (عليه السلام) يعطي المال الأقرب، فالأقرب. قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئاً؟ قال: قد أخبرتك أنّ علياً (عليه السلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب ( «2»).

2- روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل مات و ترك ابنته و أُخته لأبيه و أُمّه؟ فقال: المال كلّه للابنة و ليس للأُخت من الأب و الأُمّ شي ء ( «3»).

3- روى عبد اللّه بن خداش المنقري أنّه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات و ترك ابنته و أخاه؟ فقال: المال للابنة ( «4»).

4- عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل مات و ترك ابنته و عمّه؟ فقال: المال للابنة و ليس

للعم شي ء، أو قال: ليس للعم مع الابنة شي ء. ( «5»)

و يظهر من مناظرة الرشيد مع الإمام أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) أنّ توريث العم مع الأبناء كان مؤامرة سرّية لإقصاء عليّ عن حقّه، بتقديم العم على ابنة رسول اللّه ( «6»).

______________________________

(1) المسالك، كتاب الفرائض عند شرح قول المحقق: و لا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب.

(2) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين، الحديث: 6 و 1.

(3) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأبوين، الحديث: 6 و 1.

(4) المصدر نفسه: الحديث 2 و 3 و 14 و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7- 13، من ذلك الباب.

(5) المصدر نفسه: الحديث 2 و 3 و 14 و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7- 13، من ذلك الباب.

(6) المصدر نفسه: الحديث 2 و 3 و 14 و لاحظ الحديث 4 و 5 و 7- 13، من ذلك الباب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 137

5- ما رواه حسين- الرزاز قال: أمرت من يسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) المال لمن هو؟ للأقرب أو العصبة؟ فقال: المال للأقرب و العصبة في فيه التراب ( «1»).

6- ما رواه العياشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: اختلف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) و عثمان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذو قرابة لا يرثونه، ليس لهم سهم مفروض، فقال عليّ: ميراثه لذوي قرابته لأنّ اللّه تعالى يقول: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ*) و قال عثمان: اجعل ماله في بيت مال المسلمين ( «2»).

دراسة أدلّة المخالف:

لقد اتّضح الحق و تجلّى بأجلى مظاهره، بقي

الكلام في دراسة أدلّة المخالف فقد استدلّ بوجوه:

الأوّل: لو أراد سبحانه توريث البنات و نحوهنّ أكثر ممّا فرض لهنّ لفعل ذلك و التالي باطل، فإنّه تعالى نصّ على توريثهنّ مفصّلًا و لم يذكر زيادة على النصيب.

بيان الملازمة أنّه تعالى لما ورّث الابن الجميع لم يفرض له فرضاً، و كذا الأخ للأب و الأُم و أشباههم، فلولا قصر ذوي الفروض على فرضهم لم يكن في

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب موجبات الارث، الحديث 1، و في السند «صالح بن السعدي» و هو ممدوح، و «الحسين الرزاز» مجهول، و في التهذيب: 9/ 267 رقم 972 «البزاز» و هو أيضاً مجهول.

(2) المصدر نفسه: الحديث 9.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 138

التنصيص على المقدار فائدة.

و حاصله: أنّ كل من له فرض لا يزاد عنه و كل من لم يفرض له يعطى الجميع.

يلاحظ عليه: أوّلًا: بالنقض بورود النقيصة على ذوات الفروض عند أهل السنّة إذا عالت الفرائض على السهام، كما سيوافيك شرحه فإنّهم يدخلون النقص على الجميع مثل باب الديون، فربّما يكون سهم البنت و الأُخت أقل من النصف، فإذا جاز النقص فما المانع من الزيادة، بل الأمر في النقصان أولى لأنّ النقصان ينافي الفرض بخلاف الزيادة عليه بدليل آخر، فإنّ فيه أعمال الدليلين و الأخذ بمفادهما.

و ثانياً: بالحلّ إنّ تحديد الفرض بالنصف إنّما يكون لغواً إذا لم تترتّب عليه فائدة مطلقاً،، و لكنّه ليس كذلك لترتّب الثمرة عليه فيما إذا كان معه وارث ذو فرض كالأُم، فإنّ كيفية الرد على الوارثين لا تعلم إلّا بملاحظة فرضهما ثمّ الرد عليهما بحسب تلك النسبة، فلو لم يكن سهم البنت و البنتين منصوصاً في الذكر الحكيم لما علمت

كيفيّة الرد.

و بالجملة: أنّه و إن كان لا تظهر للقيد ثمرة إذا كان الوارث هو البنت أو الأُخت وحدها، و لكنّه ليس كذلك إذا كان معه وارث آخر و هو ذو فرض مثلها كالأُمّ، فإنّ الرد عليهما يتوقّف على ملاحظة فرضهما ثمّ الرد بتلك النسبة.

و ثالثاً: أنّ التصريح بالفرض لأجل التنبيه على أنّها لا تستحق بالذات إلّا النصف أو الثلثان، بخلاف الأخ و إنّما تأخذ الزائد بعنوان آخر و هو أنّه ليس معه وارث مساو بخلاف الابن أو الأخ، فإنّ كلّا يستحق المال كلّه بالذات.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 139

و رابعاً: إنّ المفهوم في المقام أشبه بمفهوم اللقب و هو ليس بحجة فيه.

الثاني: قوله سبحانه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ) (النساء/ 176).

وجه الاستدلال: أنّه سبحانه حكم بتوريث الأُخت، نصف ميراث أخيها مع عدم الولد و حكم بتوريث الأخ ميراثها أجمع بدليل قوله تعالى: (وَ هُوَ يَرِثُهٰا) فلو ورثت الأُخت الجميع كما هو مذهبكم لن تبقى للفرق بين الأخ و الأُخت ثمرة أصلًا.

الجواب: أنّ التقييد بالنصف مع أنّها ربّما ترث الكلّ لأجل التنبيه، على أنّها لا تستحق بالذات إلّا النصف و أنّ الأصل القرآني هو استحقاق الذكر ضعف سهم الأُنثى و هو النصف، و أنّها إن ورثت المال كله فإنّما هو لأجل طارئة خاصة، على أنّ التصريح بالفرض لأجل تبيين ما يتوقّف عليه تقسيم الفاضل، بينها و بين من يشاركه في الطبقة كالإخوة أو الأخوات من الأُمّ، فإنّ الباقي يردّ عليهما بنسبة سهامهما إلّا ما خرج بالدليل فلو لم يكن هناك تحديد بالنصف فمن أين تعلم كيفيّة

الرد.

الثالث: قوله تعالى: (وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوٰالِيَ مِنْ وَرٰائِي وَ كٰانَتِ امْرَأَتِي عٰاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم 5- 6).

وجه الاستدلال: أنّ زكريا (عليه السلام) لمّا خاف أن ترثه العصبة، سأل اللّه سبحانه أن يهبه وليّاً حتى يرث المال كلّه، لا وليّةً حتى ترث المال نصفه و يرث الموالي الفاضل، و لو لا ذلك لما أكّد على كون الولد الموهوب من اللّه ذكراً، في قوله سبحانه: (وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوٰالِيَ مِنْ وَرٰائِي وَ كٰانَتِ امْرَأَتِي عٰاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا).

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 140

يلاحظ عليه: أنّ المقصود من «وليّاً» هو مطلق الأولاد ذكراً كان أو أُنثى، و ذلك على مساق إطلاق المذكّر و إرادة الجنس و هو شائع في القرآن الكريم.

مثل قوله سبحانه: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ*) بشهادة قوله تعالى في آية أُخرى: (هُنٰالِكَ دَعٰا زَكَرِيّٰا رَبَّهُ قٰالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعٰاءِ) (آل عمران/ 38).

بل يمكن أن يقال إنّه طلب ذرّية مثل مريم لقوله سبحانه قبل هذه الآية: (كُلَّمٰا دَخَلَ عَلَيْهٰا زَكَرِيَّا الْمِحْرٰابَ وَجَدَ عِنْدَهٰا رِزْقاً قٰالَ يٰا مَرْيَمُ أَنّٰى لَكِ هٰذٰا قٰالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ* هُنٰالِكَ دَعٰا ...) أي في هذه الحال التي رأى فيها في مريم من الكرامة سأل اللّه سبحانه أن يرزقه ذريّة طيّبة (مثل مريم) فلو لم نقل إنّه سأل أُنثى مثل مريم، ليس لنا أن نقول إنّه طلب الذكر.

و لو سلمنا أنّه طلب الذكر لكنّه لم يطلب لأجل

أنّه لو رزق الأُنثى ترثه العصبة و إنّما سأله الذكر لمحبّة كثيرة له، أو لأنّه أولى بالإدارة من الأُنثى كما لا يخفى.

الرابع: الروايات و الآثار الواردة في هذا المجال و لعلّها أهم المدارك و المصادر لهذه الفتيا.

الرواية الأُولى:

رواية عبد اللّه بن طاوس بن كيسان اليماني (المتوفّى عام 132) رواها الشيخان في غير مورد.

روى البخاري عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب عن ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 141

رجل ذكر» ( «1»).

يلاحظ عليه: أوّلًا: الروايات تنتهي إلى عبد اللّه بن طاوس بن كيسان اليماني و قد وثّقه علماء الرجال ( «2») لكن يعارض توثيقهم مع ما ذكره أبو طالب الأنباري ( «3») في حقّ هذه الرواية قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري، قال: حدثنا بشر بن هارون، قال: حدثنا الحميري، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قاربة بن مضرب قال: جلست عند ابن عباس و هو بمكة، فقلت: يا بن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك و طاووس مولاك يرويه: إنّ ما أبقت الفرائض فلأوْلَى عصبة ذكر؟ قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم، قال: أبلغ من وراءك أنّي أقول: إنّ قول اللّه عزّ و جلّ: (آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ لٰا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً

______________________________

(1) صحيح البخاري: 8/ 151 باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن، و ص 152، باب ميراث الجد مع الأب و الإخوة، و رواها عن سليمان بن حرب (مكان مسلم بن إبراهيم) و رجال السند في غيرهما، واحد و باب ابني عم أحدهما أخ

و الآخر زوج ص 153، رواها عن أُمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع عن روح عن عبد اللّه بن طاوس.

و صحيح مسلم: 5/ 59 باب ألحقوا الفرائض بأهلها عن ابن طاوس عن ابن عباس رقم 1615.

و صحيح الترمذي في الفرائض باب ميراث العصبة رقم 2099.

و سنن أبي داود في الفرائض باب ميراث العصبة رقم 2898.

و لاحظ السنن الكبرى: 6/ 238 باب العصبة، و جامع الأُصول: 9/ 6104 رقم 7421.

(2) تهذيب التهذيب: 5/ 268 رقم 458 سير أعلام النبلاء، حوادث عام 132 و غيرهما.

(3) هو عبيد اللّه بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري: قال النجاشي: شيخ من أصحابنا «أبو طالب» ثقة في الحديث، عالم به، كان قديماً من الواقفة توفّي عام 356 (رجال النجاشي برقم 615 طبع بيروت).

و أمّا رجال السند ففي تعليقة الخلاف أنّه لم يتعرّف على البربريّ، و أمّا بشر بن هارون لعلّه تصحيف بشر بن موسى إذ هو الراوي عن الحميدي على ما في تاريخ البغدادي: 86. و الحميدي هو عبد اللّه بن الزبير القرشي توفّي بمكة 219 كما في تذكرة الحفّاظ: 2/ 413، و سفيان هو سفيان بن عيينة، و أبو إسحاق هو: عمرو بن عبد اللّه بن عبيد السبيعي.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 142

فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ) و قوله: (أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ) و هل هذه إلّا فريضتان و هل أبقتا شيئاً، ما قلت هذا، و لا طاوس يرويه عليّ، قال قاربة بن مضرب: فلقيت طاوساً فقال: لا و اللّه ما رويت هذا على ابن عباس قط و إنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم، قال سفيان: أراه من قبل ابنه عبد اللّه

بن طاوس فإنّه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك ( «1») و كان يحمل على هؤلاء القوم حملًا شديداً- أي بني هاشم- ( «2»).

إنّ سليمان بن عبد الملك الأموي المرواني هو الذي قتل أبا هاشم عبد اللّه بن محمد بن علي الحنفية بالسم ظلماً و خداعاً، فكيف يكون حال من يواليهم.

و ثانياً: أنّ نسبة الآيات المتقدمة إلى هذه الرواية و إن كان نسبة الإطلاق إلى التقييد، و لكن الاعتماد على هذه الرواية في تقييد الذكر الحكيم، ممّا لا يجترئ عليه الفقيه الواعي.

إنّ وراثة العصبة ليست من المسائل التي يقل الابتلاء بها، بل هي ممّا تعمّ البلوى بها في عصر النبيّ و عصور الخلفاء، فلو كان هناك تشريع على مضمون هذه الرواية لما خفي على غيره و نقله الآخرون، و قد عرفت أنّ الأسناد تنتهي إلى عبد اللّه ابن طاوس.

و ثالثاً: أنّ فقهاء المذاهب أفتوا في موارد على خلاف مضمون هذا الخبر، و قد أشار إليها فقيه الطائفة الطوسي، نذكر قسماً منها.

1- لو مات و خلّف بنتا و أخا و أُختا، فقد ذهبوا إلى أنّ للبنت النصف

______________________________

(1) سليمان بن عبد الملك بن مروان سابع خلفاء بني أُمية بويع سنة 96 و توفّي سنة 98 و هو ابن خمس و أربعين سنة و كان خاتمه بيده يختم رسائله بخاتمه صيانة عن التزوير.

(2) التهذيب: لشيخ الطائفة: 9/ 262. الخلاف: 2، المسألة 80.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 143

و النصف الآخر للأخ و الأُخت (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ*) مع أنّ مقتضى خبر ابن طاوس أنّ النصف للبنت أخذاً بقوله صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «ألحقوا الفرائض بأهلها» و النصف الآخر للأخ لأنّه «أولى

رجل ذكر».

2- لو أنّ رجلًا مات و ترك بنتاً، و ابنة ابن، و عمّا، فقد ذهبوا إلى أنّ النصف للبنت و النصف الآخر لابنة الابن و العم، مع أنّ مقتضى الخبر أن يكون النصف الآخر للعم وحده لأنّه أولى ذكر ( «1»).

قال السيد المرتضى: و فيهم من يذهب فيها إلى أنّ المراد بها قرابة الميّت من الرجال الذين اتّصلت قرابتهم به من جهة الرجال كالأخ و العم، دون الأُخت و العمّة، و لا يجعل للرجال الذين اتّصلت قرابتهم من جهة النساء عصبة كإخوة الميّت لأُمّه، و فيهم من جعل العصبة مأخوذة من التعصّب و الرايات و الديوان و النصرة. و مع هذا الاختلاف لا إجماع يستقرّ على معناها، على أنّهم يخالفون لفظ هذا الحديث الذي يروونه لأنّهم يعطون الأُخت مع البنت بالتعصيب و ليست برجل و لا ذكر كما تضمّنه لفظ الحديث ( «2»).

إلى غير ذلك من الأحكام التي اتّفقوا عليها و هي على طرف النقيض من الخبر.

فإن قلت: فما ذا تصنع بالخبر، مع أنّ الشيخين نقلاه بل نقله غيرهما على ما عرفت؟

قلت: يمكن حمل الخبر على ما لا يخالف إطلاق الكتاب و لا ما أطبق المسلمون عليه و هو أنّه وارد في مجالات خاصّة: مثلًا:

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 278، المسألة 80 و التهذيب للشيخ الطوسي: 9/ 262.

(2) الانتصار: 279.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 144

1- رجل مات و خلّف أُختين من قبل الأُمّ، و ابن أخ، و ابنة أخ لأب و أُمّ، و أخاً لأب، فالأُختان من أصحاب الفرائض، كلالة الأُمّ، يعطى لهما الثلث و الباقي لأولى ذكر، و هو الأخ لأب.

2- رجل مات و خلّف زوجة و خالًا و خالة، و عمّا

و عمّة، و ابن أخ، فالزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها و هي الربع و الباقي يدفع إلى أولى ذكر، و هو ابن الأخ.

3- رجل مات و خلّف زوجة، و أُختاً لأب، و أخاً لأب و أُمّ، فإنّ الزوجة من أصحاب الفرائض تلحق بفريضتها و هي الربع و الباقي للأخ للأب و الأُم، و لا ترث الأُخت لأب معه.

4- امرأة ماتت و خلّفت زوجاً، و عمّا من قبل الأب و الأُم، و عمّة من قبل الأب، فللزوج النصف سهمه المسمّى و ما بقي للعم للأب و الأُمّ، و لا يكون للعمّة من قبل الأب شي ء.

إلى غير ذلك من الصور التي يمكن أن ينطبق عليها الخبر.

قال السيد المرتضى: و لا عتب إذا قلنا: إنّ الرواية وردت في من خلّف أُختين لأُمّ، و ابن أخ، و بنت أخ لأب و أُمّ، و أخاً لأب فإنّ الأُختين من الأُمّ فرضهنّ الثلث و ما بقي فلأولى ذكر أقرب و هو الأخ من الأب و سقط ابن الأخ و بنت الأخ، لأنّ الأخ أقرب منهما. و في موضع آخر و هو أن يخلف الميّت امرأة و عمّا و عمّةً، و خالًا و خالة، و ابن أخ، فللمرأة الربع و ما بقي فلأولى ذكر و هو ابن الأخ و سقط الباقون. و العجب أنّهم ورثوا الأُخت مع البنت عصبة، فان قالوا: من حيث عصبها أخوها، قلنا: فألّا جعلتم البنت عصبة عند عدم البنين و يكون أبوها هو الذي يعصِّبها.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 145

و كذلك يلزمهم أن يجعلوا العمّة عند عدم العم عصبة في ما توجّه لإنجازه و فعله، فإن قالوا: البنت لا تعقل عن أبيها، قلنا: و

الأُخت أيضاً لا تعقل عن أخيها فلا تجعلوها عصبة مع البنات ( «1»).

الرواية الثانية:

ما أخرجه الترمذي، و ابن ماجة، و أبو داود، و أحمد عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد اللّه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع، بابنتيها من سعد إلى رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فقالت: يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أُحد شهيداً، و إنّ عمّهما أخذ مالهما فلم يدَع لهما مالًا، و لا تُنكحان إلّا و لهما مال، قال: يقضي اللّه في ذلك، فنزلت آية الميراث فبعث رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم إلى عمّهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين و أعط أُمّهما الثمن و ما بقي فهو لك ( «2»).

يلاحظ عليه: أوّلًا: أنّ جابر بن عبد اللّه نقل نزول الآية في واقعة أُخرى قال السيوطي: أخرج عبد بن حميد و البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في سننه، من طرق عن جابر بن عبد اللّه قال: عادني رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم و أبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم لا أعقل شيئاً فدعا بماء فتوضّأ منه ثمّ رشّ عليّ فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول اللّه؟ فنزلت: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ

______________________________

(1) الانتصار: 280.

(2) سنن الترمذي: 4 باب ما جاء في ميراث البنات رقم 2092، سنن ابن ماجة: 2/ 908 باب فرائض الصلب رقم 272، سنن أبي داود:

3/ 121، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2891.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 146

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ( «1») و احتمال نزول الآية مرّتين، أو كون سبب النزول متعدّداً كما ترى.

و ثانياً: أنّ الرواية نقلت بصورة أُخرى و هي أنّ الوافدة إلى النبيّ كانت زوجة ثابت بن قيس بن شماس لا زوجة سعد بن الربيع ( «2»).

و ثالثاً: أنّ في سند الرواية من لا يصحّ الاحتجاج به و إليك البيان:

1- عبد اللّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، و الأسانيد في سنن الترمذي و ابن ماجة و ابن داود، تنتهي إليه.

ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة و قال: كان منكر الحديث، لا يحتجّون بحديثه و كان كثير العلم، و قال بشر بن عمر: كان مالك لا يروي عنه، و قال يعقوب بن أبي شيبة عن ابن المديني: لم يدخله مالك في كتبه، قال يعقوب: و ابن عقيل: صدوق و في حديثه ضعف شديد جداً، و كان ابن عيينة يقول: أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره فيهم، و قال ابن المديني عن ابن عيينة: رأيته يحدّث نفسه فحملته على أنّه قد تغيّر، إلى غير ذلك من الكلمات الجارحة التي تسلب ثقة الفقيه بحديثه ( «3»).

2- الراوي عنه في سنن الترمذي هو عبيد بن عمرو البصري الذي ضعّفه الأزدي و أورد له ابن عدي حديثين منكرين و ضعّفه الدارقطني و وثّقه

______________________________

(1) الدر المنثور: 2/ 124.

(2) البيهقي: السنن الكبرى ص 69 باب فرض الابنتين، و قد أخطأ البيهقي كون الابنتين لقيس و قال: إنّهما كانتا بنتي سعد، و قال أبو داود: 3/ 121 رقم 2891: أخطأ بشر فيه إنّما

هما ابنتا سعد بن الربيع، و ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.

(3) ابن حجر: تهذيب التهذيب: 6/ 140 لاحظ بقيّة كلامه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 147

ابن حبَّان ( «1»).

3- الراوي عنه في سنن أبي داود: بشر بن المفضّل، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عثمانياً ( «2»).

إلى غير ذلك من رجال في الأسانيد، مرميين بأُمور لا يحتج معها.

الرواية الثالثة:

روى الأسود بن يزيد قال: أتانا معاذ بن جبل باليمن معلّماً و أميراً، فسألناه عن رجل توفّي و ترك ابنة و أُختاً؟ فقضى: أنّ للابنة النصف، و للأُخت النصف. و رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم حي ( «3»).

و في لفظ أبي داود: أنّ معاذ بن جبل ورث أُختاً و ابنة، جعل لكلّ واحدة منهما النصف، و هو باليمن، و نبيّ اللّه يومئذ حي ( «4»).

و الأثر يتضمّن عمل الصحابة و هو ليس بحجّة إلّا إذا أُسند إلى المعصوم.

و الرجوع إلى الآثار الواردة عن الصحابة في مجال الفرائض يعرب عن أنّه لم يكن عندهم إحاطة بأحكام الفرائض، بل كل كان يفتي حسب معايير و مقاييس يتخيّلها صحيحة. و يكفي في ذلك اختلاف أبي موسى الأشعري مع ابن مسعود في رجل ترك بنتاً و أُختاً و ابنة ابن.

______________________________

(1) ابن حجر: تهذيب التهذيب: 4/ 121.

(2) المصدر نفسه: 1/ 459.

(3) البخاري: الصحيح: 8/ 150 في الفرائض باب ميراث البنات، و باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة.

(4) صحيح أبي داود في الفرائض: باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2893. و لاحظ جامع الأُصول: 9/ 610 رقم 7394.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 148

روى البخاري: سُئل أبو موسى عن ابنة و ابنة

ابن، و أُخت؟ فقال: للابنة النصف، و للُاخت النصف و أْت ابن مسعود فسيتابعني، قال: سئل ابن مسعود و أُخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذاً و ما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: للابنة النصف، و لابنة ابن السدس تكملةَ الثلثين، و ما بقي فللأُخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم ( «1»).

مضاعفات القول بالتعصيب:

ثمّ إنّه يلزم على القول بالتعصيب أُمور يأباها الطبع و لا تصدّقها روح الشريعة نأتي بنموذج واحد:

لو كان للميّت عشر بنات و ابن، يأخذ الابن السدس، و تأخذ البنات خمسة أسداس، و ذلك أخذاً بقوله سبحانه: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

لو كان له مكان الابن، ابن عم للميّت، فللبنات فريضتها و هي الثلثان، و الباقي أي الثلث لابن العم. فيكون الابن أسوأ من ابن العم.

قال السيد المرتضى: فإذا تبيّن بطلان القول بالتعصيب يظهر حكم كثير من المسائل، فمن هذه المسائل أن يخلف الرجل بنتاً و عمّا فعند المخالف أنّ للبنت النصف و الباقي للعم بالعصبة، و عندنا أنّه لا حظّ للعم و المال كلّه للبنت بالفرض و الرد، و كذلك لو كان مكان العم ابن عم، و كذلك لو كان مكان البنت ابنتان، و لو خلف الميت عمومة و عمّات أو بني عم و بنات عم فمخالفنا يورّث

______________________________

(1) البخاري: الصحيح: 8/ 151، باب ميراث ابنة ابن مع ابنة، و سنن الترمذي: 4/ 415 باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع ابنة الصلب رقم 2093، و سنن أبي داود: 3/ 120، باب ما جاء في ميراث الصلب رقم 2890.

نظام الإرث في الشريعة

الإسلامية الغراء، ص: 149

الذكور من هؤلاء دون الإناث لأجل التعصيب، و نحن نورث الذكور و الإناث. و مسائل التعصيب لا تحصى كثرة ( «1»).

يقول المحقّق محمد جواد مغنية: إنّ الإنسان أرأف بولده منه بإخوته، و هو يرى أنّ وجود ولده ذكراً أو أُنثى امتداد لوجوده، و من هنا رأينا الكثير من أفراد الأُسر اللبنانية الذين لهم بنات فقط يبدلون مذهبهم من التسنّن إلى التشيّع، لا لشي ء إلّا خوفاً أن يشترك مع أولادهم الإخوان أو الأعمام.

و يفكر الآن، الكثير من رجال السنّة بالعدول عن القول بالتعصيب، و الأخذ بقول الإمامية من ميراث البنت تماماً كما عدلوا عن القول بعدم صحّة الوصيّة للوارث، و قالوا بصحّتها كما تقول الإمامية، على الرغم من اتّفاق المذاهب على عدم الصحّة ( «2»).

______________________________

(1) الانتصار: 282.

(2) الفقه على المذاهب الخمسة: 517- 518.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 151

حكم الفرائض إذا عالت

اشارة

إذا كانت الوراثة بالتعصيب، تجري عند نقص الفرائض عن استيعاب التركة، فالعول يعني زيادة الفرائض عليها و هو مأخوذ من «عال يعول عولًا»: إذا زادت، أو من العول بمعنى الميل، و منه قوله سبحانه: (ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَلّٰا تَعُولُوا) (النساء/ 3). و كأنَّ الفريضة عائلة لميلها بالجور على أهل السهام بايراد النقص عليهم، أو من العول بمعنى الارتفاع يقال: عالت الناقة ذنبها: إذا رفعته، لارتفاع الفريضة بزيادة السهام. و على كل تقدير فمورد العول على طرف النقيض من مورد التعصيب.

إنّ مسألة العول أي زيادة الفرائض على سهام التركة، من المسائل المستحدثة التي لم يرد فيها نصّ عن رسول اللّه، و قد ابتلي بها عمر بن الخطاب عند ما ماتت امرأة في عهده و كان لها زوج و أُختان فجمع الصحابة فقال لهم:

فرض اللّه تعالى للزوج النصف، و للأختين الثلثين، فإن بدأتُ للزوج لم يبق للُاختين حقّهما، و إن بدأتُ للُاختين لم يبق للزوج حقُّه فأشيروا عليَّ، فاتّفق رأي أكثرهم ( «1») على العول أي إيراد النقص على الجميع من دون تقديم ذي فرض على

______________________________

(1) و على ما نقله أبو طالب الأنباري اتّفق عليه اثنان: عمر، و عبد اللّه بن مسعود، و كانت الصحابة و في مقدمهم الإمام علي (عليه السلام) على خلاف هذا القول و لكن القوّة التنفيذية حالت بينهم و بين رأيهم.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 152

آخر، و خالف ابن عباس و قال: إنّ الزوجين يأخذان تمام حقّهما و يدخل النقص على البنات.

و من ذلك العصر صار الفقهاء على فرقتين، فالمذاهب الأربعة و ما تقدّمها من سائر المذاهب الفقهية قالوا بالعول، و الشيعة الإمامية، تبعاً للإمام علي (عليه السلام) و تلميذه ابن عباس على خلافه، فهم على إيراد النقص على البعض دون بعض من دون أن يكون عملهم ترجيحاً بلا مرجّح.

و خلاصة مذهب الشيعة الإمامية: أنَّ المال إذا ضاق عن سهام الورثة قُدِّم ذوو السهام المؤكدة المذكورة من الأبوين و الزوجين على البنات، و الأخوات من الأُم على الأخوات من الأب و الأُم أو من الأب، و جعل الفاضل عن سهامهم لهنّ، و ذهب ابن عباس- رحمة اللّه عليه- إلى مثل ذلك، و قال به أيضاً عطاء بن أبي رياح.

و حكى فقهاء السنّة هذا المذهب عن محمد بن علي بن الحسين الباقر- صلوات اللّه عليهم- و محمد بن الحنفية- رضي اللّه عنه- و هو مذهب داود بن علي الاصبهاني، و قال باقي الفقهاء: إنّ المال إذا ضاق عن سهام الورثة قُسّم

بينهم على قدر سهامهم، كما يفعل ذلك في الديون و الوصايا إذا ضاقت التركة عنها، و الذي يدل على صحّة ما نذهب إليه إجماع الطائفة عليه، فإنّهم لا يختلفون فيه، و قد بيّنا أنّ إجماعهم حجّة ( «1»).

قال الشيخ الطوسي:

«العول عندنا باطل فكلّ مسألة تعول على مذهب المخالفين فالقول عندنا فيها بخلاف ما قالوه.

______________________________

(1) الانتصار: 284.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 153

و به قال ابن عباس و أُدخل النقص على البنات، و بنات الابن، و الأخوات للأب و الأُم، أو للأب.

و به قال محمد بن الحنفية، و محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- عليهم الصلاة و السلام- و داود بن علي. و أعالها جميع الفقهاء» ( «1»).

و لأجل إيضاح مذهب العول، لا بأس بالإشارة إلى مسألة من مسائل العول المعروفة بأُمّ الفروخ ( «2») و نكتفي بعناوين الوارثين روماً للاختصار:

1- زوج و أُختان: للزوج النصف أي ثلاثة من ستة، و للُاختين الثلثان أي أربعة منها. و من المعلوم أنّ المال ليس فيه نصف و ثلثان فلو أُخذ من الست، النصف، لا يفي الباقي بالثلثين و هكذا العكس فتعول السهام إلى السبعة (7/ 4+ 3).

فالقائل بالعول يقسّم التركة إلى سبعة سهام، مكان الستة فيعطي للزوج ثلاثة سهام، و للُاختين أربعة سهام لكن من السبعة، و بذلك يُدخل النقص على الجميع، فلا الزوج ورث النصف الحقيقي و لا الأُختان، الثلثين، بل أخذ كل أقل من سهمه المقرر.

2- تلك الصورة و معهما أُخت واحدة من الأُم: فلها فريضتها السدس، و من المعلوم أنّ التركة لا تفي بالنصف و الثلثين و السدس، فتعول التركة إلى ثمانية سهام و ذلك (8/ 1+ 4+ 3).

و لازم الأخذ بالعول زيادة السهام بمقدار السدسين.

فالقائل بالعول يورد النقص على الجميع، فيقسّم المال إلى ثمانية سهام،

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض: المسألة 81.

(2) و ما ذكرناه قريب من أُم الفروخ المذكورة في الخلاف فلاحظ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 154

فيعطي للزوج ثلاثة. و للُاختين أربعة، و للُاخت من الأُم واحداً، و لكن الكل من ثمانية أجزاء، فلا الزوج نال النصف، و لا الأُختان الثلثين، و لا الأُخت من الأُم السدس.

3- تلك الصورة و معهم أخ من أُم و فريضتهما الثلث فتعول الفريضة إلى تسعة و ذلك (9/ 2+ 4+ 3).

فيعطى للزوج ثلاثة، و للُاختين أربعة، و لكلّ من الأُخت و الأخ من الأُم واحد لكن من تسعة أسهم، لا من ستة سهام، و لا يُمتَّع الزوج بالنصف، و لا الأُختان بالثلثين، و لا الأُخت و الأخ من الأُم بالثلث إلّا لفظاً.

و إنّما سمّيت أُمّ الفروخ لأنّها تعول بوتر، و تعول بالشفع أيضاً.

و هناك مسألة أُخرى معروفة باسم المسألة المنبرية، و هي التي سُئل عنها الإمام عليّ (عليه السلام) و هو على المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات و ترك ابنتيه و أبويه و زوجة؟ فقال الإمام (عليه السلام): صار ثمن المرأة تسعاً، و مراده: أنّه على الرأي الرائج، صار سهمها تسعاً.

و ذلك لأنّ المخرج المشترك للثلثين و السدس و الثمن هو عدد (24) فثلثاه (16) و سدساه (8) و ثمنه (3) و عند ذلك تعول الفريضة إلى (27) سهماً، و ذلك مثل (27/ 3+ 8+ 16).

فالقائل بالعول، يورد النقص على جميع أصحاب الفروض، فيعطي لأصحاب الثلثين (16) سهماً و للأبوين (8) سهام، و للزوجة (3) سهام، من (27)،

بدل إعطائهم بهذا المقدار من (24) سهماً، و الزوجة و إن أخذت (3) سهام، لكن لا من (24) سهماً حتى يكون ثمناً واقعياً، بل من (27) و هو تسع

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 155

التركة التي هي (24) سهماً في الواقع ( «1»).

هذه هي نظرية العول و بيانها بوجه سهل غير مبتن على المحاسبات الدقيقة و إن كان بيانه على ضوئها أتقن و أدق، فلنذكر أدلّة ( «2») القائلين به.

و يظهر من السيد المرتضى أنّ القائلين بالعول ربّما يوافقون الإمامية في بعض الصور، كامرأة ماتت و خلّفت بنتين و أبوين و زوجاً، و المال يضيق عن الثلثين و السدسين و الربع فنحن بين أُمور: إمّا أن ندخل النقص على كل واحد من هذه السهام أو ندخله على بعضها، و قد أجمعت الأُمّة على أنّ البنتين هاهنا منقوصتان بلا خلاف، فيجب أن نعطي الأبوين السدس و الزوج الربع، و يجعل ما بقي للابنتين، و نخصّهما بالنقص لأنّهما منقوصتان بالإجماع ( «3»).

أدلّة القائلين بالعول:

استدلّ القائلون بالعول بوجوه:

1- إنّ الدُّيّان يقتسمون المال على تقدير قصوره عن دينهم بالحصص، و كذلك الورّاث، و الجامع الاستحقاق للمال.

يلاحظ عليه: أنّه قياس مع الفارق فانّ الدين يتعلّق بالذمة، و التركة كالرهن عند الدائن، و بعبارة أُخرى: تعلّق الدين بعين المال تعلّق استحقاق لا تعلّق

______________________________

(1) سهم الزوجة 91/ 273 مجموع السهام 27/ 3+ 8+ 16.

(2) أخذنا الدلائل الثلاثة الأُول من المغني: 6/ 242 مع تفصيل منّا.

(3) الانتصار: 284.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 156

انحصار، فلو لم يؤدّوا حقّ الغرماء فلهم مصادرة التركة و استيفاء طلبهم من باب التقاص، و لو قاموا بالتأدية من غير التركة فليس لهم أيّ

اعتراض و لأجل ذلك ليس بمحال أن يكون لرجل على رجل ألف، و لآخر ألفان، و لثالث عشرة آلاف و إن صار الدَّين أضعاف التركة، لأنّ المديون أتلف مال الغير بالاستقراض و الصرف، فصار مديوناً بما أتلف، كان بمقدار ماله أو أزيد أو أنقص فلا إشكال في تعلّق أضعاف التركة بالذمة لأنّها تَسَع أكثر من ذلك.

و أمّا سهام الارث فانّها انّما تتعلّق بالتركة و الأعيان الموروثة، و من المحال أن يكون للمال نصف، و نصف و ثلث، فامتلاك الورثة من التركة بقدر هذه الفروض أمر غير معقول، فلا بدّ أن يكون تعلّقها بشكل آخر تسعها التركة. بأن لا يكون لبعض أدلّة الفروض إطلاق يعمّ حالي الانفراد و الاجتماع حتى لا يستلزم المحال، و سيوافيك بيان ماله إطلاق لحال الاجتماع مع سائر الفروض و ما ليس له إطلاق.

و قد فصّل أصحابنا في نقد هذا الدليل وجوهاً و ما ذكرناه أتقن.

قال المرتضى: ما يقولونه في العول أنّ الديون إذا كانت على الميّت و لم تف تركته بالوفاء بها، فإنّ الواجب القسمة للمال على أصحاب الديون بحسب ديونهم من غير إدخال النقص على بعضهم، و ذلك أنّ أصحاب الديون مستوون في وجوب استيفاء أموالهم من تركة الميّت، و ليس لأحد مزية على الآخر في ذلك، فإن اتّسع المال لحقوقهم استوفوها، فإن ضاق تساهموه و ليس كذلك مسائل العول، لأنّا قد بيّنّا أنّ بعض الورثة أولى بالنقص من بعض، و أنّهم غير مستويين كاستواء أصحاب الديون فافترق الأمران ( «1»).

______________________________

(1) الانتصار: 285.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 157

2- إنّ التقسيط مع القصور واجب في الوصية للجماعة فالميراث كذلك، و الجامع بينهما استحقاق الجميع التركة، فلو أوصى لزيد

بألف، و لعمرو بعشرة آلاف، و لبكر بعشرين ألفاً، و ضاق ثلثه عن القيام بالجميع يُورد النقص على الجميع حسب سهامهم.

يلاحظ عليه: أنّ الحكم ليس بمسلّم في المقيس عليه حتى يستظهر حال المقيس منها. بل الحكم فيه أنّه يعطى الأوّل فالأوّل إلى أن يبقى من المال شي ء و يسقط من لم يسعه الثلث، لأنّه أوصى بشي ء لم يملكه فتكون وصيّته باطلة.

نعم لو ذكر جماعة ثمّ سمّى، كما إذا قال: زيد و عمرو و بكر لكل واحد ألف، فعجز عنه مقدار ما ترك، فلا شك أنّه يدخل النقص على الجميع و الفارق بينه و بين المقام هو تصريح الموصي بالعول، و لو ورد التصريح به في الشريعة- و أغضينا عمّا سيوافيك- يجب اتباعه فكيف يقاس، ما لم يرد فيه التصريح بما ورد.

3- إنّ النقص لا بدّ من دخوله على الورثة على تقدير زيادة السهام أمّا عند العائل فعلى الجميع و أمّا عند غيره فعلى البعض لكن هذا ترجيح من دون مرجّح.

يلاحظ عليه: أنّ رفع الأمر المحال بايراد النقص على الجميع فرع إحراز صحّة أصل تشريعه، و أنّه يصحّ أن يتملّك شخص نصف المال، و آخر نصفه الآخر، و ثالث ثلثه، و قد عرفت أنّه غير صحيح و أنّ المال لا يتحمّل تلك الفروض، و مع عدم صحّة تشريعه لا تصل النوبة إلى احتمال ورود النقص على الجميع، و تصويره بصورة العول، و إيراد النقص على الجميع رجوع عن الفرض، و اعتراف بأنّه ليس فيه نصفان و ثلث. كما سيظهر عند بيان أدلّة القائلين ببطلانه.

أضف إلى ذلك وجود المرجّح الذي أشار إليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) و تلميذه ابن عباس و سيأتي كلامهما. و كلام العترة

الطاهرة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 158

4- ما رواه أبو طالب الأنباري ( «1») باسناده عن سماك عن عبيدة السلماني، قال: كان علي (عليه السلام) على المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات و ترك ابنتيه، و أبويه و زوجة؟ فقال علي (عليه السلام): صار ثمن المرأة تسعاً. قالوا: إنّ هذا صريح في العول لأنّكم قد قلتم إنّها لا تنقص عن الثمن و قد جعل (عليه السلام) ثمنها تسعاً ( «2»).

و ذيله دال على أنّ الإمام ذكره مجاراةً للرأي السائد في ذلك العصر و إلّا فمن يجهل بأنّ الإمام و عترته الطاهرة و خريجي منهجهم ينكرون العول بحماس. و إليك الذيل:

قلت لعبيدة: و كيف ذلك؟ قال: إنّ عمر بن الخطاب وقعت في امارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع و قال: للبنتين الثلثان، و للأبوين السدسان، و للزوجة الثمن. قال: هذا الثمن باقياً بعد الأبوين و البنتين؟ فقال له أصحاب محمد صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: اعط هؤلاء فريضتهم، للأبوين السدس، و للزوجة الثمن، و للبنتين ما يبقى، فقال: فأين فريضتهما الثلثان؟ فقال له علي (عليه السلام): لهما ما يبقى. فأبى ذلك عليه عمر و ابن مسعود فقال علي (عليه السلام): على ما رأى عمر. قال عبيدة: و أخبرني جماعة من أصحاب علي (عليه السلام) بعد ذلك في مثلها: أنّه أعطى الزوج الربع، معاً لابنتين، و للأبوين السدسين و الباقي ردّ على البنتين و ذلك هو الحق و إن

______________________________

(1) هو عبيد اللّه بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري شيخ من أصحابنا، ثقة في الحديث عالم به، كان قديماً من الواقفة توفّي عام 356، اقرأ

ترجمته في رجال النجاشي: 2/ 41 رقم 615، و تنقيح المقال و غيره و هو الذي روى خبر تكذيب ابن عباس رواية التعصيب. و قد تقدّمت الإشارة إليه أيضا.

(2) سهم الزوجة 91/ 273 مجموع السهام 27/ 3+ 8+ 16.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 159

أباه قومنا ( «1»).

و يستفاد من الحديث أوّلًا: أنّ عليّاً و أصحاب النبيّ إلّا شخصين كانوا يرون خلاف العول، و أنّ انتشاره لكون الخليفة يدعم ذلك آنذاك.

و ثانياً: أنّ الإمام عمل في واقعة برأيه و أورد النقص على البنتين فقط، و على ذلك يكون المراد من قوله، فقال علي (عليه السلام): «على ما رأى عمر»، هو المجاراة و المماشاة، و إلّا يصير ذيل الحديث مناقضاً له.

إلى هنا تمت دراسة أدلّة القائلين بالعول. فلنذكر أدلّة المنكرين.

أدلّة القائلين ببطلان العول:

استدل القائلون ببطلان العول بوجوه:

1- يستحيل أن يجعل اللّه تعالى في المال نصفين و ثلثاً، أو ثلثين و نصفاً و نحو ذلك ممّا لا يفي به و إلّا كان جاهلًا أو عابثاً تعالى اللّه عن ذلك.

2- أنّ القول بالعول يؤدّي إلى التناقض و الاغراء بالجهل، أمّا التناقض فقد بيّنا عند تفصيل القول بالعول أنّه إذا مات و ترك أبوين و بنتين و زوجاً، و قلنا: إنّ فريضتهم من اثني عشر، فمعنى ذلك أنّ للأوّلين أربعة من اثني عشر، و للثانيتين، ثمانية من اثني عشر، و للزوج ثلاثة من اثني عشر، فإذا أعلناها إلى خمسة عشر فأعطينا الأبوين أربعة من خمسة عشر و للبنتين ثمانية من خمسة عشر، و للزوج ثلاثة من خمسة عشر، فقد دفعنا للأبوين (مكان الثلث) خمساً و ثلُثه، و إلى الزوج

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7، من أبواب موجبات الإرث، الحديث

14، و لاحظ التهذيب لشيخ الطائفة: 9/ 259 رقم 971.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 160

(مكان الربع) خُمساً، و إلى الابنتين (مكان الثلثين) ثلثاً و خمساً و ذلك نفس التناقض.

و أمّا الاغراء بالجهل، فقد سمّى اللّه سبحانه، الخمس و ثلثه باسم الثلث، و الخُمس باسم الربع، و ثلثاً و خمساً باسم الثلثين ( «1»).

و الأولى أن يقرّر الدليلان بصورة دليل واحد، مؤلّف من قضية حقيقية بأن يقال: إذا جعل اللّه سبحانه في المال نصفين و ثلثاً، فأمّا أن يجعلها بلا ضم حلول- مثل العول- إليه، فيلزم كونه سبحانه جاهلًا أو عابثاً تعالى عن ذلك، و أمّا أن يجعل مع النظر إلى حلول مثل العول، فيلزم التناقض بين القول و العمل و الاغراء مع كونه قبيحاً.

3- أنّه يلزم على القول بالعول تفضيل النساء على الرجال في موارد و من المعلوم أنّه يخالف الشريعة الإسلامية، منها ما يلي:

1- إذا خلّفت زوجاً و أبوين و ابنا.

2- إذا خلّفت زوجاً و أُختين لأُم، و أخاً لأب.

بيان الملازمة: أنّه لو خلّفت المرأة زوجاً و أبوين، فعلى ظاهر النصوص، يدفع إلى الزوج النصف أي ثلاثة من ستة، و للأُم اثنان من ستة، و الباقي و هو الواحد للأب، و لكن المذاهب لم تعمل بظاهر النصوص لاستلزامه تفضيل النساء على الرجال.

______________________________

(1) سهام الأبوين 51* 154/ 153+ 151/ 51+ 31

للبنتين 158/ 153+ 155/ 51+ 31. سهم الزوج 51/ 153

مجموع السهام 15/ 2+ 2+ 3+ 8.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 161

و لكنّه يلزمهم التفضيل في الموردين المتقدّمين على القول بالعول بالبيان التالي:

إنّهم التزموا في المورد الأوّل بدفع الربع إلى الزوج و السدسين للأبوين و الباقي (و هو خمسة أسهم

من اثني عشر) للابن.

و في المورد الثاني يدفع إلى الزوج النصف و إلى الأُختين الثلث، و الباقي و هو الواحد إلى الأخ لأب بلا عول.

و لكن: لو كان بدل الابن بنتاً و بدل الأخ أُختاً لأب فهما تأخذان أكثر من الذكر.

و ذلك لاستلزامهما العول في كلتا الصورتين و ورود النقص على الجميع، و إن شئت التوضيح فلاحظ التعليقة ( «1»).

ما هي الحلول لهذه المشكلة؟

كان الإمام عليّ يُندِّد القول بالعول و يقول: «إنّ الذي أحصى رمل عالج يعلم أنّ السهام لا تعول على ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستّة» ( «2»). و قد تضافر

______________________________

(1) لو كان ابناً 12- 7/ 2+ 2+ 3. 5/ 7.

فلو كان مكان الابن بنتاً يلزم أن يكون نصيبها أكثر من الابن 125/ 13/ 6 للبنت 61/ 122

لو كان الوارث أخاً لأب 6- 5/ 2+ 3 1/ 5

و لو كان مكان الأخ أُختاً لأب فسهمها 83 و سهم الأخ 6/ 1 8/ 3+ 2+ 3 6/ 1* 8/ 3.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موجبات الارث، الحديث 7 و 9 و 14.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 162

القول «السهام لا تعول» عن أئمّة أهل البيت ( «1»).

و قد جاء تفصيل تاريخ العول في رواية ابن عباس و بيان الحلول التي لجأ إليها تلميذ الإمام في رواية عبيد اللّه بن عبد اللّه و إليك نصَّها:

«جالست ابن عباس فعرض ذكر الفرائض في المواريث فقال ابن عباس: سبحان اللّه العظيم أ ترون أنّ الذي أحصى رمل عالج عدداً جعل في مال نصفاً و نصفاً و ثلثاً، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟

فقال له زفر بن أوس البصري: فَمَن أوّل من أعال الفرائض؟

فقال:

عمر بن الخطاب لما التفَّت الفرائض عنده و دفع بعضها بعضاً فقال: و اللّه ما أدري أيّكم قدم اللّه و أيّكم أخّر و ما أجد شيئاً هو أوسع من أن أُقسِّم عليكم هذا المال بالحصص، فأدخل على كل ذي سهم ما دخل عليه من عول الفرائض، و أيم اللّه لو قدّم مَن قدّم اللّه و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة.

فقال له زفر: و أيّها قدّم و أيّها أخّر؟

فقال: كل فريضة لم يهبطها اللّه عن فريضة إلّا إلى فريضة فهذا ما قدّم اللّه. و أمّا ما أخّر: فلكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلّا ما بقي، فتلك التي أخّر. فأمّا الذي قدَّم: فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شي ء، و الزوجة لها الربع، فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شي ء، و الأُم لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موجبات الارث، الحديث 1 2 3 5 7 8 01 11 21 51 61.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 163

السدس، و لا يزيلها عنه شي ء، فهذه الفرائض التي قدّم اللّه. و أمّا التي أخّر: ففريضة البنات و الأخوات لها النصف و الثلثان، فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك لم يكن لهنّ إلّا ما بقي، فتلك التي أخّر، فإذا اجتمع ما قدّم اللّه و ما أخّر بدئ بما قدّم اللّه فأُعطي حقّه كاملًا، فإن بقي شي ء كان لمن أخّر، و إن لم يبق شي ء فلا شي ء له» ( «1»).

فقد جاء في كلام ابن عباس ذكر الطوائف الذين لا يدخل بهم

النقص و هم عبارة عن:

1- الزوج. 2- الزوجة. 3- الأُم، و هؤلاء يشاركون في أنّهم لا يهبطون عن فريضة إلّا إلى فريضة أُخرى و هذا آية أنّ سهامهم محدودة لا تنقص.

و كان عليه أن يذكر الأخ و الأُخت من أُمّ، لأنّهم أيضاً لا يهبطون من سهم (الثلث) إلّا إلى سهم آخر (السدس). و قد جاء الجميع في كلام الإمام أمير المؤمنين. روى أبو عمر العبدي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه كان يقول: الفرائض من ستة أسهم: الثلثان أربعة أسهم، و النصف ثلاثة أسهم، و الثلث سهمان، و الربع سهم و نصف، و الثمن ثلاثة أرباع سهم، و لا يرث مع الولد إلّا الأبوان و الزوج و المرأة، و لا يحجب الأُم عن الثلث إلّا

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 6، لاحظ المستدرك للحاكم: 4/ 340 كتاب الفرائض، و الحديث صحيح على شرط مسلم، و أورده الذهبي في تلخيصه إذعاناً بصحته.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 164

الولد و الإخوة، و لا يزاد الزوج عن النصف و لا ينقص من الربع، و لا تزاد المرأة على الربع و لا تنقص عن الثمن، و إن كنّ أربعاً أو دون ذلك فهنّ فيه سواء، و لا تزاد الإخوة من الأُم على الثلث و لا ينقصون من السدس و هم فيه سواء الذكر و الأُنثى، و لا يحجبهم عن الثلث إلّا الولد، و الوالد، و الدّية تقسم على من أحرز الميراث ( «1»).

نعم روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: أربعة لا يدخل عليهم ضرر في الميراث: الوالدان، و الزوج، و المرأة ( «2»). و بما أنّ

المراد من المرأة هي الزوجة فلا بدّ من تقييد الرواية بكلالة الأُم. فإذا كان هؤلاء من قدّمهم اللّه و لا يزيد عليهم النقص، فيكون من أخّره اللّه عبارة عن البنت أو البنتين أو من يتقرّب بالأب و الأُم أو بالأب من الأُخت أو الأخوات.

روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تقول في امرأة تركت زوجها و إخوتها لأُمّها و إخوة و أخوات لأبيها؟ قال: للزوج النصف ثلاثة أسهم، و لإخوتها من أُمّها الثلث سهمان الذكر و الأُنثى فيه سواء، و ما بقي سهم للإخوة و الأخوات من الأب: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لأنّ السهام لا تعول و لأنّ الزوج لا ينقص من النصف، و لا الإخوة من الأُم من ثلثهم (فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ) ( «3»).

و ورد تعبير لطيف في رواية الصدوق في عيون الأخبار: عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون و هو أنّه «و ذو السهم أحقّ ممّن لا سهم له» ( «4»).

ما الفرق بين البنت و كلالة الأُم؟

بقي الكلام في عدّ البنت و البنات و الأُخت و الأخوات، ممّن يدخل عليهم النقص دون الأُخت و الأخ من الأُم، مع أنّ الطوائف الثلاث على وتيرة واحدة.

فللبنت و البنات: النصف و الثلثان، و للُاخت و الأخوات: النصف و الثلثان،

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17 و 15.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17 و 15.

(3) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17 و 15.

(4) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 12، 3 و 17

و 15.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 165

و لكلالة الأُم: الثلث و السدس. فما هو الفارق بين الطائفة الثالثة و الأُوليين؟

يتّضح الجواب ببيان أمر: و هو دخول الأخ في كلالة الأُم، لا يخرجها عن كونها وارثة بالفرض، فالواحد منها سواء كان ذكراً أم أُنثى له السدس، و غير الواحد، سواء كانوا ذكراً أم أُنثى، أو ذكراً و أُنثى لهم الثلث يقتسمون بالمناصفة.

و هذا بخلاف الطائفتين الأُوليين فللبنت و الأُخت المنفردتين النصف، و لأزيد من الواحدة الثلثان، و لو انضمّ إليهما الابن و الأخ فللذكر مثل حظّ الأُنثيين في الطائفتين، أي لا يرثن بالفرض بل بالقرابة.

و على ذلك كلالة الأُم مطلقاً وارثة بالفرض لا ترث إلّا به، بخلاف البنت و أزيد، أو الأُخت و أزيد، فربّما يرثن بالقرابة و ذلك فيما إذا انضمّ إليهنّ الابن أو الأخ.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول:

إنّ كلالة الأُم، ترث بالفرض مطلقاً كان معهم ذكر أو لا، تفرّدت من الطبقة بالارث أو لا، فلو لم يكن وارث سواها ترث الثلث فرضاً و الباقي ردّاً. و لا ينقص حظّهم في صورة من الصور لو لم يزد عند الرد، و هذا آية عدم ورود النقص عند التزاحم.

و بالجملة: لا نرى فيهم أيّ ازالة من الفرض في حال من الحالات و لا ورود نقص عليهم عند تطوّر الأحوال. و هذا بخلاف البنت و الأُخت فلو دخل فيهم: الابن و الأخ، يتغير الفرض من النصف أو الثلثين، إلى مجموع ما ترك بعد دفع سهام الآخرين كالوالدين، أو كلالة الأُم، ثمّ يقتسمون بالتثليث و تنقص حظوظ البنت أو البنات و الأُخت أو الأخوات عن النصف و الثلثين بكثير، و هذا آية جواز دخول النقص عليهم

عند التزاحم.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 166

و بعبارة أُخرى: أنّ كلالة الأُم ترث دائماً بالفرض حتى فيما إذا تفرّدت، و أمّا الطائفتان الأُوليان فإنّما ترثان بالفرض تارة كما إذا لم يكن بينهم أخ، و أُخرى بالقرابة فقط كما إذا انضمّ الأخ إليهنّ. و أيضاً: كلالة الأُم لا يرد عليها النقص و لا ينقص حظهم عن الثلث و السدس، بخلاف الأخيرتين فينقص حظّهما عن النصف و الثلثين.

و لعلّه إلى ما ذكرنا من التوضيح يشير صاحب الجواهر بقوله: «دون من يتقرّب بالأُم الذي لا يرث إلّا بالفرض، بخلاف غيره فإنّه يرث به تارة و بالقرابة أُخرى كالبنت و البنتين، اللَّتين ينقصن إذا اجتمعن مع البنين عن النصف أو الثلثين بنصّ الآية لأنّ للذكر حينئذ مثل حظّ الأُنثيين» ( «1»).

و قال العاملي: «و يدخل النقص على البنت و البنات لأنّهنّ إذا اجتمعن مع البنين ربّما نقصن عن العشر أو نصفه لنصّ الآية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) و كذا الحال في الإخوة و الأخوات من قبل الأب أو من قبلهما» ( «2»).

قال المحقّق: يكون النقص داخلًا على الأب أو البنت أو البنتين أو من يتقرّب بالأب و الأُم أو بالأب من الأُخت و الأخوات دون من يتقرّب بالأُم، و لم يذكر العلّامة في القواعد ( «3») «الأب» و هو الصحيح لأنّ الكلام في المقام هو زيادة الفروض على التركة، فيقع الكلام في تقديم بعض أصحاب الفروض على بعض، و أمّا الوارث الذي ليس بصاحب فرض و إن كان في جنب ذيه فهو خارج عن محل البحث، و الأب كذلك لأنّه مع الولد للميّت لا ينقص فرضه عن

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 110. و حاشية جمال الدين على

الروضة البهية: 2/ 297 في هامش الكتاب.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 120.

(3) مفتاح الكرامة: 8/ 120.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 167

السدس ( «1»)، و مع عدمه ليس ذا فرض بخلاف الأُم فإنّها من ذوات الفروض مطلقاً.

و ليعلم أنّ عامل العول هو الزوج أو الزوجة إذا اجتمع أحدهما مع البنت أو البنات، أو مع الأُخت أو الأخوات من قبل الأبوين أو لأب، و إلّا لما يلزم العول.

و على ذلك:

1- فلو خلفت زوجا و أبوين و بنتا، يختصّ النقص بالبنت بعد الربع و السدسين.

2- لو خلفت زوجاً و أحد الأبوين و بنتين، يختصّ النقص بهما بعد الربع و السدس.

3- لو خلف زوجة و أبويين و بنتين، يختصّ النقص بهما بعد الثمن و السدسين.

4- لو خلفت زوجا مع كلالة الأُم و أُختاً أو أخوات لأب و أُم أو لأب، يدخل النقص بالأُخت أو الأخوات بعد النصف و السدس إن كانت الكلالة واحدة أو الثلث إن كانت متعدّدة.

بقيت هنا نكات نذكرها:

1- إنّ الآثار المروية عن ابن عباس تشهد على أنّ حبر الأُمّة كان قاطعاً ببطلان العول على حد كان مستعدّاً للمباهلة. قال ابن قدامة: روي عن ابن

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2 و 4 و 10.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 168

عباس أنه قال في زوج و أُخت و أُم: من شاء باهلته أنّ المسائل لا تعول، إنّ الذي أحصى رمل عالج عدداً، أعدل من أن يجعل في مال نصفاً و نصفاً و ثلثاً، هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فسُمِّيت هذه المسألة، مسألة المباهلة لذلك ( «1»).

2- إنّ فقيه المدينة: الزهري كان يستحسن فتوى ابن عباس و يقول: إنّها

الحجّة لو لا أنّه تقدّم عليه عمر بن الخطاب.

روى الشيخ في الخلاف عن عبيد اللّه بن عبد اللّه و زفر بن أوس البصري أنّهما سألا ابن عباس: من أوّل من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب، قيل له: هلا أشرت به عليه؟ قال: هبته و كان أمره مهيباً، قال الزهري: لو لا أنّه تقدّم ابن عباس، امام عدل و حكم به و أمضاه و تابعه الناس على ذلك لما اختلف على ابن عباس اثنان ( «2»).

3- إنّ موسى جار اللّه قد أطنب الكلام في مسألة «العول» إلى حدّ مملّ جداً و أخذ يجترّ كلاماً واحداً، و حصيلة كلامه: يغلب على ظنّي أنّ القول بأنّ لا عول عند الشيعة، قول ظاهري فإنّ العول هو النقص فإن كان النقص في جميع السهام بنسبة متناسبة، فهو العول العادل أخذت به الأُمة و قد حافظت على نصوص الكتاب، و إن كان النقص في سهم المؤخّر، فهو العول الجائر أخذت به الشيعة و خالفت به نصوص الكتاب ( «3»).

______________________________

(1) المغني: 6/ 241 و نقله عن ابن عباس أكثر من تعرّض للمسألة.

(2) الخلاف: 2/ 282، المسألة 81 و غيره.

(3) الوشيعة في نقض عقائد الشيعة، و قد نقلنا كلامه مجرّداً عن الطعن بأئمّة أهل البيت.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 169

يلاحظ عليه:

1- أنّ المعنى المناسب للعول في المقام هو الارتفاع أو الميل إلى الجور، و تفسيره بالنقص- لو افترضنا صحّة استعماله فيه- غير مناسب جداً، لظهور ارتفاع الفرائض عن سهام التركة، و ارتفاعها و إن كان ملازماً لنقص التركة عن الإجابة لجميع الفروض، لكن ينظر إلى المسألة من زاوية ارتفاع الفرائض دون نقصان سهام التركة و لأجل ذلك يقول ابن

عباس: «و أيم اللّه لو قدّموا من قدّم اللّه، و أخّروا من أخّر اللّه ما عالت فريضة» و من المعلوم عدم صحّة تفسيره ب- «و ما نقصت الفريضة».

2- سلّمنا أنّ العول بمعنى النقص لكن رمي الشيعة بأنّهم يقولون به حيث إنّهم يوردون النقص على المؤخّر، غفلة من نظرهم، فانّ النقص إنّما يتصوّر إذا كان المؤخّر ذا فرض، و لكنّه عندهم ليس بذي فرض بل يرث بالقرابة كسائر من يرثون بها و عندئذ لا يصدق النقص أبداً في هذه الحالة.

يشهد بذلك كلام ابن عباس حيث يفسّر المقدّم بأنّه ممّن له فرضان، و المؤخّر بأنّه ممّن ليس له إلّا فرض واحد و هو في غير هذا المورد: حيث قال في جواب «زفر» الذي سأله عمّن قدّمه و من أخّره؟ فقال: و الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدّمه، و الذي أهبطه من فرض إلى ما بقي فذلك الذي أخّره اللّه ( «1») و بعبارة أُخرى: إنّ الذي أخّره اللّه لم يجعل له حقّاً مفروضاً في حالة التزاحم و الاجتماع فيرث ما بقي، و ليس هو بذي فرض في هذا الفرض لكونه وارثاً بالقرابة. و بذلك تبيّن أنّه لا عول عند الشيعة بالمعنى المصطلح عند الفقهاء.

______________________________

(1) لاحظ الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب موجبات الارث، الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 170

3- ما ذكره من أنّ السنّة حافظت على نصوص الكتاب و لكن الشيعة بادخال النقص على المؤخّر خالفت نصوصه، من أعاجيب الكلام، فإذا كان في دخول النقص على المؤخّر (على وجه المسامحة) مخالفة لظاهر الكتاب ففي دخولها على الجميع مخالفة مضاعفة، فقد عرفت في ما سبق أنّ من فرض اللّه له النصف

أعطوه أقلّ منه، و من فرض له الثلثان أعطوه أقلّ منهما. فكيف لا يكون فيه مخالفة ( «1»).

إنّ المحقّق بعد ما فرغ من المقدّمات جعل مقاصد الكتاب ثلاثة:

الأوّل: ميراث الأنساب.

الثاني: الميراث بالسبب.

الثالث: الميراث بالولاء.

و ها نحن نشرع في المقصد الأوّل و نقول:

______________________________

(1) و قد كفانا في نقد ما اختلقه من الشبهات أو أخذها ممّن تقدم عليه: العلمان الجليلان: السيد عبد الحسين العاملي في كتابه «أجوبة موسى جار اللّه». و السيد محسن العاملي في «نقض الوشيعة»- قدّس اللّه أسرارهما-.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 171

المقصد الأوّل: ميراث الأنساب

اشارة

إنّ لميراث الأنساب مراتب ثلاث:

الأُولى: الأبوان و الأولاد.

الثانية: الإخوة و الأجداد.

الثالثة: الأعمام و الأخوال.

و يبحث عن الكلّ في هذا المقصد. و لنأخذ البحث على الترتيب.

***

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 172

المرتبة الأُولى: الأبوان و الأولاد:

اشارة

لا يتقدّم على الأبوين و الأولاد أحد من الأرحام كتاباً و سنّةً و إجماعاً و لا يرث معهم أحد إلّا الزوج و الزوجة. و لأجل إيضاح الحال نذكر الصور المختلفة و لا يخلو البحث عن نوع تطبيق و تمرين:

1- إذا انفرد الأب عمّن في درجته يرث الكل، لعدم فرض له، يرثه قرابة لأنّه أولى بالميت «و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض».

2- إذا انفردت الأُم، ترث الثلث فرضاً و الثلثين ردّاً، و لا ترث العصبة. لكونها أقرب.

3- لو اجتمع الأبوان فللأُمّ الثلث فرضاً، و الباقي كلّه للأب، لعدم فرض له في هذه الحالة فيرث الكل.

4- تلك الصورة لكن كان هناك إخوة حاجبون، كان لها السدس و الباقي للأب وحده لعدم الفرض له، و الإخوة لا يرثون شيئاً لبطلان التعصيب.

5- لو انفرد الابن فالمال كلّه له قرابة لعدم الفرض له.

6- و لو كانوا أكثر من ابن واحد فهم فيه سواء لعدم الترجيح.

7- و لو انفردت البنت، فالنصف لها فرضاً و الباقي رداً، و لا ترث العصبة. لما مرّ.

8- و لو كانت بنتان فصاعداً فلهما أو لهن، الثلثان فرضاً و الباقي أيضاً ردّاً، و العصبة بفيها التراب.

9- و إذا اجتمع الذكور و الإناث فالمال لهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كتاباً و سنّة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 173

10- و لو اجتمع الأبوان أو أحدهما مع الأولاد، فلكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للأولاد يقسّم بالسوية إذا كانوا ذكوراً، أو إناثاً. و إن

كانوا ذكوراً و إناثاً، فللذكر مثل حظّ الأُنثيين.

11- تلك الصورة و كان معهم زوج أو زوجة، أخذ كل منهما نصيبهما الأدنى، أعني: الربع أو الثمن، و يأخذ كل من الأبوين السدس، و الباقي للأولاد.

12- و لو اجتمع الأبوان مع البنت الواحدة فبما أنّ الجميع من أصحاب الفروض يأخذ كل فرضه: السدسين و النصف، و يرد الباقي عليهما أخماساً حسب سهامهما، فللأبوين سهمان، و لها ثلاثة سهام.

13- تلك الصورة و كان هناك إخوة للميت، صالحة للحجب و قد عرفت أنّها كما تحجب عن الثلث، كذلك تحجب عن الرد، و على ضوء ذلك يرد الباقي على الأب و البنت أرباعاً، لأنّ الأُمّ خرجت عن الرد عليها. و الدليل على سعة الحجب هو الاتفاق فيكون مخصِّصاً لأدلة الردّ على أصحاب الفروض. ( «1»)

14- لو كان مع الأبوين و البنت، زوج فتعول الفرائض حسب الظاهر فيقدّم من قدّمه اللّه، فيأخذ كل من الأبوين السدسَ، و الزوج الربعَ، و الباقي للبنت و ذلك لأنّ المخرج المشترك للسدس و الربع و النصف هو الاثنا عشر مع أنّ السهام تبلغ إلى ثلاثة عشر سهماً، فتحل المشكلة بما عرفت 13/ 4+ 3+ 6.

______________________________

(1) فيلزم أن يقسم الباقي إلى (12) سهماً فللبنت الواحدة تسعة سهام و للأب ثلاثة أسهم، و إليك الصورة العملية الحسابية:

مجموع الفروض 4/ 1+ 3

3/ 4 00 12

سهام البنت 3* 9/ 3

سهام الأب 1* 3/ 3

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 174

15- و لو كانت مكانه: الزوجة، فلا تعول الفريضة، بل يبقى شي ء و هو ربع السدس فيأخذ كل ذي فرض فرضه، و الباقي يرد إلى الأبوين و البنت أخماساً، و لا يرد على الزوجة كما عرفت. ( «1»)

16-

تلك الصورة و كان للميت إخوة حاجبون، يرد الباقي إلى الأب و البنت أرباعاً. ( «2»)

17- لو انفرد أحد الأبوين مع البنت، يرث كل ذي فرض، فرضه، و يرد الباقي عليهما أرباعاً أو كان المال بينهما أرباعاً من دون حاجة إلى تقسيم المال في مرحلتين: الفرض ثمّ الردّ.

18- و لو كان مع البنت و أحد الأبوين، زوج أو زوجة، يرث كل ذي فرض، فرضه و الباقي يرد على البنت و أحد الأبوين أرباعاً و لا يرد على الزوج أو الزوجة. نعم يرد على الزوج منفرداً إذا لم يكن أيّ وارث، لا مجتمعاً مع وارث آخر، و أمّا الزوجة فلا يرد عليها أبداً.

______________________________

(1) فيقسم الباقي إلى عشرين و مائة سهم لأنّ (5) و (24) متخالفان و إليك الصورة العملية الحسابية:

يك هشتم به علاوه يك دوم به علاوه يك ششم به علاوه يك ششم برابر است با بيست و سه بيست و چهارم

الباقى يك منهاى بيست و سه بيست و چهارم برابر است با يك بيست و چهارم

الباقي 1- 241/ 2423

5* 120/ 24 مجموع السهام 5/ 3+ 2

سهام الأبوين 2* 48/ 24

سهام البنت 3* 72/ 24

(2) الوسائل: 17، الباب 17، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1.

و التقسيم يتحقّق تارة في مرحلتين كما في المتن: يرث فرضه، ثمّ يرث الباقي بالرد، و أُخرى في مرحلة واحدة كما في الرواية كما كان هو الحال في الفرع السابعة عشر و النتيجة واحدة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 175

19- و لو كان مع الأبوين بنتان، يأخذ كل فرضه و لا يبقى شي ء.

20- تلك الصورة و كان معهما زوج أو زوجة فتعول الفريضة، و تحل المشكلة بأخذ كل

ذي فرض فرضه إلّا البنتان فانّهما ترثان الباقي- حسب الضابطة المتقدمة-.

21- لو كان أحد الأبوين، مع البنتين، كان له السدس و لهما الثلثان و يرد الباقي- و هو السدس- عليهما أخماساً ( «1») لصحيح محمد بن مسلم في حديث ... رجل ترك ابنته و أُمّه، للابنة النصف ثلاثة أسهم، و للأُمّ السدس سهم يقسّم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة و ما أصاب سهماً فللأُمّ ( «2») و مورده البنت الواحدة، و لكن المناط فيها و البنتين واحد.

و لخبر بكير عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل ترك ابنته و أُمّه: «أنّ الفريضة من أربعة، لأنّ للبنت ثلاثة أسهم و للأُمّ السدس سهم، و ما بقي سهمان فهما أحقّ بهما من العم و من الأخ و من العصبة، لأنّ اللّه تعالى سمّى لهما و من سُمّي لهما فيرد عليهما بقدر سهامهما». ( «3»)

نعم نقل الخلاف عن الاسكافي أنّه خصّ الرد بهنّ لورود النقص عليهنّ بدخول الزوجين فيكون الفاضل لهن. و التعليل غير تام، إذ أقصى ما دلّ عليه الدليل أنّ من يرد عليه النقص يردّ عليه و أمّا أنّ من لا يرد النقص عليه فلا يرد عليه، فلم يدل عليه دليل، لو لم يدل على الخلاف.

و ربما يؤيد بما في موثقة الحسن بن محمد بن سماعة: رجل مات و ترك ابنتيه و أباه، قال: للأب السدس و للابنتين الباقي ( «4») و قال الحرّ العاملي: و إنّما لم يذكر

______________________________

(1) يقسم الباقي إلى ثلاثين سهماً فللبنتين (24) سهماً و لأحد الأبوين ستة أسهم.

(2) الوسائل: الباب 17، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1 و 6 و 7.

(3) الوسائل: الباب 17، من

أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1 و 6 و 7.

(4) الوسائل: الباب 17، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1 و 6 و 7.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 176

الرد اعتماداً على غيره. و هو كما ترى، و احتمل في الجواهر أن يكون «الابنتين» مصحف الابنين ( «1») و على كل تقدير فهو مهجور.

22- تلك الصورة و معهما زوج فتعول الفرائض، لأنّ التركة لا تحتمل السدس (لأحد الأبوين) و الثلثين (للبنتين) و الربع للزوج، فيأخذ كل ذي فرض، فرضه، و يرد النقص على البنتين.

23- و لو ترك أبوين و زوجاً، فيأخذ كل ذي فرض فرضه، فللزوج النصف و للأُمّ بلا حاجب الثلث، و معه السدس و الباقي للأب لعدم فرض له مع عدم الولد.

و بذلك اتّضحت الأُمور التالية:

الف- الأب له حالتان فمع الولد ذو فرض، و مع عدمه ليس له فرض.

ب- الأُمّ فهي من ذوات الفروض في حالتي وجود الولد و عدمه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 176

ج- البنت الواحدة من ذوات الفروض إذا لم يكن هناك ابن، و معه لا فرض لهما.

د- البنتان من ذوات الفروض إذا لم يكن هناك ابن و معه لا فرض لهما و ترثان للقرابة.

و- بذلك تستطيع إخراج حكم كثير من الصور المختلفة التي جاء قسم كبير منها في قواعد العلّامة و شرحها «مفتاح الكرامة» ( «2») و الجواهر و غيرهما.

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 115.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 121- 124.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 177

مسائل:

المسألة الأُولى: في أولاد الأولاد

اشارة

قال المحقّق: أولاد الأولاد

يقومون مقام آبائهم، و قال العلّامة: ولد الولد و إن نزل يقوم مقام الولد مع عدم أبيه، و من هو في طبقته. و الأولى أن يقول: «و مع عدم أبيه و أُمّه». و على كل تقدير فعبارة القواعد أجمع.

و الحاصل: أنّه يعامل مع ولد الولد، معاملة الولد الصلبي، بشرطين:

1- أن لا تكون الحلقة التي اتّصل بها إلى الميت من الأب و الأُمّ، موجوداً و إلّا فهما أولى منه. و بعبارة أُخرى يترتبون: الأقرب فالأقرب، فلا يرث بطن مع من هو أقرب منه إلى الميّت.

2- أن لا يكون من في طبقة أبيه و أُمّه من الإخوة و الأخوات و إلّا فهم أولى. هذا ممّا لا شكّ فيه.

و يقع الكلام- بعد ثبوت الحكم إجمالًا- في مقامات:

1- هل ولد الولد يقوم مقام الولد مطلقاً، أو عند عدم الوالدين؟

2- هل يرث كل واحد منهم نصيب من يتقرّب به فيرث ولد البنت نصيب أُمّه و إن كان ذكراً و ولد الابن يرث نصيب أبيه و إن كان أُنثى، أو يرثون من غير ملاحظة من يتقرّبون به كأولاد الصلب؟

3- و على القول بأنّ كلًا يرث إرث من يتقرّب به، هل أولاد البنت يقتسمون مثل أولاد الابن «للذكر مثل حظ الأُنثيين» أو أولاد البنت يقتسمون بالسوية، دون أولاد الابن؟

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 178

هذه هي وجوه البحث في هذه المسألة و إليك البحث عنها واحداً بعد الآخر:

المقام الأوّل: هل ولد الولد يقوم مقام الولد، مطلقاً أو مشروطاً بعدم الوالدين؟
اشارة

اتّفقت الإمامية على الأوّل و لا يوجد بينهم مخالف إلّا الصدوق في المقنع و الفقيه.

قال الشيخ: «ولد الولد يقوم مقام الولد، و يأخذ كلّ واحد نصيب من يتقرّب به، فولد البنت يقوم مقام البنت ذكراً كان أو أُنثى، و ولد الابن يقوم

مقام الابن ذكراً كان أو أُنثى». ( «1»)

و على هذا، فهم يرثون سواء كان الوالدان موجودين أو لا.

و أمّا أهل السنّة، فالعبرة عندهم بولد الابن سواء كان ذكراً أو أُنثى فهو يشارك الأبوين في الوراثة، دون ولد البنت فلا يرث مع الوالدين ذكراً كان أو أُنثى.

قال الخرقي في متن المغني: «و ليس للأب مع الولد الذكر أو ولد الابن إلّا السدس» و قال أيضاً: «و للأُمّ الثلث إذا لم يكن ولد و لا ولد ابن، فإن كان له ولد ... فليس له إلّا السدس». ( «2»)

و يؤيد ذلك: أنّ الشيخ ينقل عنهم و يقول: فولد البنت لا يرث على مذهب الشافعي. ( «3»)

______________________________

(1) الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 57، و للعبارة ذيل نأتي به في المقام الثاني.

(2) المغني: 6/ 233- 234.

(3) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 57.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 179

و قال الشيخ محمد جواد مغنية: «فما اتفق عليه الفقهاء شيعة و سنّة إذا كان مع الأب ابن أو بنون و بنات، أو ابن ابن و إن نزل يأخذ السدس.

و قال: إذا كان مع الأب ابن بنت ( «1») يأخذ الأب كلّ التركة و لا شي ء لابن البنت عند الأربعة لأنّه من ذوي الأرحام.

و قال: إذا كان مع الأُمّ ابن أو بنون، أو بنون و بنات، أو ابن ابن و إن نزل تأخذ السدس و الباقي للآخر أو للآخرين». ( «2»)

فقد تبيّن في ذلك أنّ الآراء لا تتجاوز عن ثلاثة:

1- ولد الولد، مطلقاً، كولد الصلب، و هو المشهور عند الإمامية يشارك الأبوين مثل ولد الصلب.

2- ولد الابن، مطلقاً، كولد الصلب، و هو يشارك الأبوين في الميراث و يحجبهما عمّا زاد

على السدس لا ولد البنت. و هذا خيرة أهل السنة.

3- ولد الولد، لا يشارك الأبوين مطلقاً و إنّما يرث إذا لم يكونا موجودين.

و العجب أنّ ابن قدامة يستدل على التفصيل بين ولد الابن و ولد البنت بشعر جاهلي شطب على مضمونه الإسلام و هو: بنونا بنو أبنائنا و بناتنا*** بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

و أظن أنّ التفصيل بين ولد الابن و ولد البنت، يستمدّ من فكرة سياسية و هو إبعاد بني الزهراء عن منصَّة الخلافة، بحجّة أنّهم ليسوا أولاد النبي لأنّهم أولاد البنت لا أولاد الابن.

و على كل تقدير فالدليل هو المتبع.

______________________________

(1) و بنت البنت أولى عندئذ بالحرمان- و إن لم يذكره.

(2) الفقه على المذاهب الخمسة: 533- 537.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 180

حجة القول الأوّل:

استدل للقول الأوّل بأمرين:

1- آية الأولاد: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) و قوله سبحانه: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) (النساء/ 11) و الاستدلال بهما يتوقف على كون لفظ الولد حقيقة في مطلق الولد سواء كان بلا واسطة أو معها و الاستعمال في المطلق ليس آية الحقيقة، لكونه أعمّ منها. و ربما يبدو كونها حقيقة في الأوّل، فيصحّ أن يقول الإنسان في حقّ سبطه و حفيده انّه ليس بولدي بل ولد ولدي.

2- الاستدلال بالروايات المتضافرة عن أئمة أهل البيت:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «بنات الابنة يرثن إذا لم يكن بنات كنّ مكان البنات». ( «1»)

2- صحيحته الأُخرى عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل

أحد قام مقام الابن، قال: و ابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت». ( «2»)

3- خبر إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ابن الابن يقوم مقام أبيه» ( «3») إلى غير ذلك من الروايات.

أضف إلى ذلك أنّ الزوج و الزوجين يرثان نصيبهما الأدنى مع ولد الولد، و هذا إن دلّ على شي ء فإنّما يدل على أنّه بحكم الولد، يشارك من يشاركه. و يمنع من يمنعه.

و هناك روايات ربما توهم خلاف ما ذكرنا من لزوم رعاية الترتيب في البطون، و عدم الفرق بين ولد الولد و والده.

______________________________

(1) الوسائل ج 17: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1، 5، 2.

(2) الوسائل ج 17: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1، 5، 2.

(3) الوسائل ج 17: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1، 5، 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 181

1- خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: «بنات الابن يرثن مع البنات». ( «1») أي لا تجب رعاية الترتيب.

2- عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «بنت الابن أقرب من ابنة البنت». ( «2»)

3- حديث أبي نصر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن ابن بنت و بنت ابن؟ قال: «إنّ عليّاً- عليه السّلام- كان لا يألو أن يعطي الميراث للأقرب». قال قلت: فأيّهما أقرب؟ قال: «ابنة الابن». ( «3»)

4- صحيحة البزنطي عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن بنات الابنة و جدّ؟ فقال: «للجدّ السدس و الباقي لبنات الابنة». ( «4»)

يلاحظ على الأوّل: أنّه غير منسوب إلى الإمام، و على

الثاني و الثالث بأنّ المقصود أقوائية الواسطة، و السبب، و لأجل ذلك يرث كلٌّ إرث من يتقرّب به، و على الرابع أنّه محمول على الاستحباب كما سيوافيك في محله فإنّه يستحب هبة الجدّ السدس و إن لم يكن في مرتبة الوارث.

استدل لقول الصدوق بأُمور:

الأوّل: صحيحة سعد بن خلف عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال: «بنات الابنة يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات و لا وارث غيرهن. و بنات الابن

______________________________

(1) الوسائل ج 17: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 6، 8، 9، 10.

(2) الوسائل ج 17: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 6، 8، 9، 10.

(3) الوسائل ج 17: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 6، 8، 9، 10.

(4) الوسائل ج 17: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 6، 8، 9، 10.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 182

يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت أولاد و لا وارث غيرهن» ( «1») استدلال الصدوق بقوله: «و لا وارث غيرهن» و أنّ المراد منه هو الوالدان.

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميّت بنات و لا وارث غيرهنّ، و بنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد و لا وارث غيرهن» ( «2») و كيفيّة الاستدلال فيهما واحدة.

يلاحظ على الاستدلال بهما: أنّه (عليه السلام) أراد من قوله: «و لا وارث غيرهن» لا وارث غيره من أولاد الصلب.

توضيح ذلك: أنّه يشترط في وراثة الأسباط و الأحفاد- مضافاً إلى عدم من يتقرّبون به من الأُمّهات و

الآباء- عدم ولد صلبي للميت، و إلّا فلو كان له بنت أو ابن، فهما، يمنعان السبط و الحفيد عن الوراثة.

و على ذلك فقوله: في رواية سعد: «إذا لم يكن للميّت بنات و لا وارث غيرهن»، بمنزلة قوله: إذا لم يكن له بنات و لا أبناء حتّى تصحّ المقابلة، فإنّ مقابل «البنات» هو الأبناء «لا وارث غيرهن» بمفهومه العام.

و أمّا الفقرة الثانية فيها، أعني: «إذا لم يكن للميّت أولاد و لا وارث غيرهنّ» بمنزلة قوله: إذا لم يكن له أبناء و لا بنات. فالمراد من «الأولاد» فيها بقرينة الفقرة الأُولى هو الأبناء بحكم المقابلة، و يكون المراد من قوله «و لا وارث غيرهن» هو البنات. و إن استعصى عليك الأمر فاجعل احدى الفقرتين تحت الأُخرى فاستوضح معناهما.

و بذلك يظهر مفاد رواية عبد الرحمن بن الحجاج لوحدتهما في اللفظ إلّا في التعبير بالجمع في الأُولى (الأولاد) و المفرد في الثانية (ولد).

و يؤيد ما ذكر من المراد، صحيحة أُخرى لعبد الرحمن بن الحجاج حيث أقام مكان الفقرتين لفظاً بسيطاً أعني «أحد» و هو شامل لمن في طبقة الولد من الأبناء و البنات، فروى أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن، قال: و ابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت» ( «3»).

______________________________

(1) المصدر نفسه: الحديث 3.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 4، 5.

(3) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 4، 5.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 183

و أمّا حمله على التقيّة كما نقله صاحب الوسائل عن الشيخ الكليني، فهو في غير

موضعه، لأنّهم يفصلون بين ولد الابن و ولد البنت، فولد الابن مطلقاً يشارك، كما أنّ ولد البنت مطلقاً لا يشارك و هذا المذهب، لا يوافق مذهب الصدوق- كما هو واضح- و لا ظاهر الرواية، و لو قلنا بمفهوم اللقب في الرواية يلزم تفصيل آخر، و هو التفصيل بين بنات الابنة و الابن، فهؤلاء لا يشاركن الوالدين، بخلاف أبناء الابنة و الابن، فهؤلاء يشاركون معهما.

الثاني: إنّ الأبوين مساويان للأولاد، و الأولاد يحجبون أولادهم فكذا من ساواهم.

يلاحظ عليه: أنّه أشبه بالاستدلال بقياس المساواة، و هو لو صحّ فإنّما يصحّ في المسائل الهندسيّة فقط لا في الأحكام الفلسفية و لا الشرعيّة، و لأجل ذلك لا يصحّ القول بأنّ ملازم المعلول متأخر عن علّته بحجة أنّه مساو للمعلول و هو متأخر عن علّته، فهو أيضاً متأخّر عن علّة ذاك المعلول.

و مثله الأحكام الشرعية. و العجب أنّ الصدوق شنَّع على الفضل بن شاذان بأنّه زلّ قدمه عن الطريق المستقيم و هذا سبيل من يقيس- و مع ذلك- كيف يُستدلُّ للصدوق بالقياس.

الثالث: كون الأبوين أقرب إلى الميّت من ولد الولد لمساواتهما للأولاد الذين هم أقرب من أولادهم، و الأقرب يمنع الأبعد.

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقن من مورد القاعدة هو وحدة الصنف، و لأجل ذلك قلنا: الولد مقدم على ولده، و أمّا إذا اختلفا في الصنف كما في المقام فالأقرب من أحد الصنفين (الوالدان) لا يمنع الأبعد من الصنف الآخر (أولاد) أضف إلى ذلك أنّه أصل كلّي يعدل عنه بالنص.

هذا كلّه في المقام الأوّل، و إليك البحث في الثاني منه.

***

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 184

المقام الثاني: كيفيّة وراثة ولد الولد:

ذهب المشهور من الإماميّة إلى أنّ كلّا من الحفيد و السبط يرث نصيبَ من

يتقرّب به، فيفترض من يتقرب به حيّاً، «فيرث نفس ما كان يرثه لو كان حيّاً» مثلًا.

1- يرث ولد الابن نصيب أبيه ذكراً كان أو أُنثى، و هو جميع المال إن انفرد، و يرث ما فضُل عن حصص الفريضة إن كان معه وارث كالأبوين أو أحدهما، أو الزوج و الزوجة.

2- يرث ولد البنت، نصيب أُمّه ذكراً كان أو أُنثى و هو النصف إن انفرد، و يردّ إليه النصف الباقي، و إن لم ينفرد و كان معه الأبوان أو أحدهما، يرد الفاضل بعد إخراج الفرضين (النصف و السدسين أو السدس) إليهم أخماساً أو أرباعاً.

3- لو اجتمع أولاد الابن، و أولاد البنت كان لأولاد الابن الثلثان اللذان هما نصيب أبيهم، و لأولاد البنت الثلث الذي هو نصيب أبيهم.

4- و لو كان زوج أو زوجة، كان له، أو لها نصيبه الأدنى- و هو الربع أو الثمن تنزيلًا لأولاد الأولاد، مكان الأولاد فيمنعونهما عن نصيبهما الأعلى كالولد الصلبي ثمّ الباقي يقسم بينهم، لأولاد البنت الثلث، و لأولاد الابن الثلثان، و ما فضل يرد عليهم قرابة أثلاثاً دون الزوجة و الزوج و قد تقدّم أنّ الزوجة لا يرد عليها، و الزوج يرد عليه منفرداً لا مجتمعاً مع سائر الورثة.

هذا هو المشهور بين الإمامية و خالفهم المرتضى و العماني و قالا: إنّ أولاد

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 185

الأولاد يتقاسمون المال بينهم تقاسم الأولاد من غير ملاحظة لمن يتقربون به، لأنّهم أولاد حقيقة. و مال إليه صاحب الكفاية و المفاتيح و صاحب الكشف كما في مفتاح الكرامة. ( «1»)

و يدل على القول المشهور: ما دلّ على قيام أولاد البنين مقامهم، و أولاد البنات مقامهنّ الظاهرة في التنزيل في أصل

الارث و الكيفية، و إلّا لاكتفى بجملة موجزة من أنّ أولاد الأولاد يرثون كما يرث الأولاد من دون حاجة إلى التفصيل الوارد في الروايات فترى أنّه:

تارة يخص الكلام ببنات الابنة و يقول «بنات الابنة يرثن» على وجه الإجمال ( «2»)، و أُخرى ينزل ابن الابن مقام أبيه ( «3»)، و ثالثة ينزل بنات الابنة مقام البنات، و بنات الابن مقام الابن ( «4»)، و رابعة يصرّح بالتنزيل في الكيفية و يقول: «و كان ولد الولد ذكوراً أو إناثاً فانّهم بمنزلة الولد، و ولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، و ولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات». ( «5»)

و بالجملة: هذا التفصيل لا يليق إلّا إذا كان الهدف التنزيل في أصل الارث و الكفية معاً.

و يؤيد ذلك: ما روي عن كتاب على (عليه السلام): «إنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه». ( «6»)

و ما في مرسل يونس: «إذا التفّت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه فإن

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 129.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الابن و الأولاد، الحديث 1، 2، 3.

(3) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الابن و الأولاد، الحديث 1، 2، 3.

(4) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الابن و الأولاد، الحديث 1، 2، 3.

(5) المصدر نفسه: الباب 18 من ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 3.

(6) المصدر نفسه: الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 186

استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه» ( «1»)، و على ذلك يحمل أقربية بنت الابن من ابنة البنت ( «2») و المراد أقوى

سبباً و أكثر جرّاً.

استدل السيد المرتضى على قسمة الميراث بينهم كأولاد الصلب من غير ملاحظة لمن يتقربون به بأنّهم أولاد حقيقة فتشملهم الآية ( «3»)، و لو لا قاعدة الأقرب لشاركوا آباءهم في الارث.

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ دلالة الآية على حكم غير الولد الصلبي محلّ تأمّل كما مرّ.

و ثانياً: أنّ دلالة الآية قابلة للتقييد و الجميع و إن كانوا يشاركون في الوراثة، لكن كيفيّة ارث ولد الولد، يفارق كيفية ارث الولد الصلبي.

و الذي يضعف مذهب السيد أمران:

1- إنّ بعض الروايات ينزل المتعدّد من ولد الولد، مكان الواحد، و يقول: «و بنات الابن يقمن مقام الابن» ( «4») و يقول: «بنات الابنة يقمن مقام الابنة» ( «5») فلو كان الحكم هو تقاسم الجميع، فأيّ نكتة في تنزيل الجميع منزلة الواحد.

2- إنّ استعمال لفظ «القيام» مكرراً في غير واحد من الروايات ناظر إلى ذلك و إلّا لما كانت هناك حاجة إليه و يكفي هناك أن يقول: لهم نصيب آبائهم.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 3.

(2) المصدر نفسه: الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 8.

(3) النساء/ 11: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

(4) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 3 و 4.

(5) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 3 و 4.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 187

المقام الثالث: في كيفية تقسيم أولاد الابن، و البنت الميراث بينهم:

لا شكّ أنّ أولاد الابن يقتسمون الميراث بينهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كما هو الضابطة في كلّ مورد يكون التقرّب بالذكر.

و أمّا أولاد البنت فالمشهور أنّهم يقتسمون مثل أولاد الابن.

و استدل له: بآية الأولاد، و الاستدلال بها في المورد يتوقف

على شمولها، لأولاد الأولاد، وضعاً، و هو غير ثابت إلّا أن يدلّ دليل على أنّها استعملت فيها في الأعمّ و إن لم يكن كذلك لغة.

و ليس هنا شي ء يصلح لقول المشهور إلّا الشهرة الفتوائية مثل المسائل الكثيرة التي ليس لها أيّ دليل سوى الشهرة، نعم إنّ الضابطة الغالبية فيمن يتقرب إلى الميت بالأُنثى، هو التقسيم بالسوية، و لأجل ذلك حكاه الشيخ في النهاية ( «1») قولًا، و رجّحه ابن البراج و لكنّه ضابطة غالبيّة لا كلّية، و لأجلها تقتسم أولاد الأُخت، للأب أو الأبوين أثلاثاً مع أنّ أولاد الأُخت يتقربون إلى الميّت (الخال) بالأُنثى.

***

______________________________

(1) النهاية: 3/ 199، كتاب المواريث.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 188

المسألة الثانية: في الحبوة

اشارة

و ممّا انفردت به الإمامية، القول بأنّ الولد الأكبر يفضّل دون سائر الورثة بسيف أبيه، و خاتمه، و مصحفه و ثياب بدنه، و خالف في ذلك جميع الفقهاء و لأجل ذلك عدّه المرتضى و الشيخ من متفرّدات الإمامية. ( «1»)

و قال المفيد: «إذا ترك الإنسان ابنين: أحدهما أكبر من صاحبه أو أولاداً ذكوراً فيهم واحد هو أكبرهم سنّاً حبا الأكبر من تركته بثياب بدنه و خاتمه الذي كان يلبسه و بسيفه و مصحفه» ( «2») ترى نظير هذه الجمل في غير واحد من الكتب المؤلّفة في الفرائض و ليس بيننا أي خلاف في أصل الحكم، و لو كان خلاف فإنّما هو في فروعه. و تحقيق الكلام يتوقّف على البحث في جهات:

1- ما هي الأشياء التي فضّل بها الابن الأكبر؟

2- هل هذا على سبيل الوجوب أو الندب؟

3- هل هذا التخصيص بالاحتساب عليه أو بالمجان؟

4- هل المحبو لولد الذكر أو أكبر الذكور؟

5- ما هي شرائط التخصيص؟

و هناك فروع جزئية ندرجها

في الجهات الآنفة.

______________________________

(1) السيد المرتضى: الانتصار: 299، الطوسي: الخلاف 2، كتاب الفرائض: المسألة 129.

(2) المفيد: المقنعة: 684 باب ميراث الوالدين مع الأخوين.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 189

الجهة الأُولى: ما هو المحبوّ به؟

اختلفت كلماتهم كالنصوص في تعيين المحبوّ به، فجاء في كلام الشيخ المفيد الماضي الأشياء الأربعة، و جاء في كلام السيد المرتضى: السيف و الخاتم و المصحف دون الثياب، على خلاف ما جاء في كلام الشيخ في الخلاف فذكر الثياب دون الخاتم، نعم جاءت الأربعة في كلام لفيف من المتأخّرين عنهم كابن البراج في المهذب ( «1»)، و ابن سعيد في الجامع ( «2»)، و المحقّق في الشرائع ( «3»)، و العلّامة في القواعد ( «4») و نقلها في مفتاح الكرامة عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر ( «5») و يظهر من هذه الكلمات انّها مورد اتّفاق، و قال العلّامة في المختلف انّها المشهور فيقع الكلام ( «6») في مصدرها مع أنّ الوارد في الروايات بعد حذف المكرّرات، عشرة أعني بها: 1- السيف 2- المصحف 3- الخاتم 4- الكتب 5- الرّٰحْل 6- الراحلة 7- الكسوة 8- الدرع 9- السلاح 10- ثياب جلده. ( «7»)

و جاء السيف في سبع، و الرَّحْل في أربع و المصحف و الخاتم، و الثياب و السلاح و الكتب في ثلاث، و الدرع في اثنتين، و الكسوة و الراحلة في واحدة. و مع هذا الاختلاف اتّفقت كلمتهم على أربع أو اشتهرت الأربع دون غيرها و إن قال الشهيد الثاني: إنّ الاقتصار عليها تحكم، و من زعم أنّ مستند التخصيص هو الإجماع غير صحيح، لأنّه لا بدّ له من مستند، و هو غير ظاهر. ( «8»)

و لعلّ المصدر ما يلي من الروايات:

______________________________

(1)

المهذّب: 2/ 132.

(2) الجامع للشرائع: 509.

(3) الجواهر: 39/ 127، قسم المتن.

(4) مفتاح الكرامة: 8/ 134.

(5) المصدر نفسه.

(6) المختلف، كتاب الفرائض: 181.

(7) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1- 10.

(8) المسالك: 2، ط حجر غير مرقّم.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 190

1- صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا هلك الرجل و ترك ابنين فللأكبر، السيف و الدرع و الخاتم و المصحف، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم». ( «1»)

2- صحيحة ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه، و مصحفه و خاتمه، و درعه». ( «2»)

و رجال السند فيهما ثقات و أمّا «ربعي بن عبد اللّه فهو كوفي وثّقه النجاشي و صدر سند الرواية الثانية به محمد بن إسماعيل راويه الفضل بن شاذان، هو النيسابوري البندقي، و من مشايخ الكليني و كفى هذا في وثاقته» ( «3») و سيوافيك انّ الدرع هو القميص، فصارت الأربعة مجتمعة فيهما.

و على هذا يبقى الكلام فيما لم يرد فيهما:

1- الكسوة: لكنّها عبارة أُخرى عن الثياب، و بما أنّ الثياب مقيّدة بثياب جلده، تحمل عليها.

2- السلاح: و قد ورد في رواية ابن أُذينة عن أحدهما بطريقين ( «4») فتارة عطف بالواو و أُخرى بلفظ «أو» و على كلا التقديرين فالمراد منه «السيف» لأنّه أحد مستعملاته.

قال في اللسان: السلاح اسم جامع لآلة الحرب، و ربما خصّ به السيف. قال الأزهري: السيف وحده يسمّى سلاحاً، ثمّ استشهد بشعر الأعشى. و على ذلك يكون مؤكداً للسيف.

3- الرَّحْل و هو مشترك بين الجهاز الموضوع على ظهر الناقة، و ما يَصحبه

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3

من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 3 و 2.

(2) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 3 و 2.

(3) لاحظ كلّيات في علم الرجال: 456- 458.

(4) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 5 و 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 191

الإنسان من الأثاث في السفر.

قال في اللسان: الرحل ما يصحبه الإنسان من الأثاث، و المرحل ضروب من برود اليمن.

و قد روى الديار بكري في تاريخه: انّ النبي لما نزل «يثرب»، أخذ الناس يسألونه أن ينزل عليهم فلمّا أكثروا عليه، قال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «أين الرَّحْل»؟ فقال: إنّ أُمّ أيوب قد أدخلته في بيتها، فقال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «المرء مع رحله» ( «1») و قد كان مع النبي الأكرم ثيابه التي أخذت بها أُمّ أبي أيّوب، و عند ذلك تتحد الألفاظ الثلاثة في المقصود: «ثياب جلده، و الدرع و الرحل» نعم يبعده أنّه ورد الرحل في غير واحد من الروايات مع الثياب. ( «2»)

4- الدرع و المتبادر منه هو لبوس الحديد، و مع ذلك فقد جاء في اللسان: درع المرأة: قميصها، و هو أيضاً الثوب الصغير تلبسه الجارية الصغيرة في بيتها. و في التهذيب: الدرع ثوب تجوب المرأة وسطه و تجعل له يدين و تخيط فرجيه- إلى أن قال:- و الدُّرّاعة و المدرع ضرب من الثياب التي تلبس، و قيل: جبّة مشقوقة المقدم، و المدرعة ضرب آخر و لا تكون إلّا من الصوف، و على ذلك يتحد مع الثياب و الكسوة.

5- الراحلة و هي مذكورة في رواية الكليني ( «3») عن ربعي بن عبد اللّه لا

في رواية الصدوق في الفقيه ( «4») و لأجل ذلك يقل الاعتماد عليه و إن كان الكليني أضبط.

______________________________

(1) تاريخ الخميس: 1/ 341.

(2) لاحظ الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين الحديث 5، 7، 10.

(3) الكليني: الكافي: باب ما يرث الكبير من الولد، الحديث 4، الفقيه 4: باب نوادر المواريث، الحديث 1.

(4) الكليني: الكافي: باب ما يرث الكبير من الولد، الحديث 4، الفقيه 4: باب نوادر المواريث، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 192

6- الكتب: جاء في روايتهما عن ربعي بن عبد اللّه، و في رواية أبي بصير و علي ابن أسباط ( «1») لكن مضمون الأخيرين يخالف ظاهر القرآن، لأنّه صريح أنّ الكنز كان لهما ( «2») و هما يخصّانه للذكر الأكبر. و بذلك تبيّن أنّ الاختلاف ليس على حدّ يوجب الحمل على الندب أو غيره.

الجهة الثانية: في أنّ الحباء على سبيل الوجوب أو الندب:

و المراد من هذا التعبير، أنّ الأشياء المحبوّة هل هي ملك للابن الأكبر و لا صلة لها بسائر الورثة، فيجب عليهم ترتيب آثار ملكيتها له، أو أنّها ملك لجميع الورثة مشاعاً غير أنّه يستحب لهم رفع اليد عنها و دفعها إليه؟ و المشهور هو الأوّل، و ذهب لفيف من الفقهاء إلى الثاني، منهم: ابن الجنيد في المختصر الأحمدي، و أبو الصلاح في الكافي، و أبو المكارم في الغنية، و المحقّق الطوسي في الرسالة، و العلّامة في المختلف. قال العلّامة فيه: نصّ السيد المرتضى و ابن الجنيد و هو ظاهر كلام أبي الصلاح على الاستحباب و كلام الشيخين يوهم الوجوب، و نص ابن إدريس على الوجوب. ألفاظ الحديث محتملة و الأقوى الاستحباب للأصل ( «3») و قال في المسالك: الاستحباب أنسب لاختلاف الأخبار، و أمّا غيرهم

فهم على الوجوب و هو الأقوى.

و الدليل هو لسان الروايات، فانّ اللام في قوله: «فللأكبر من الذكور» إمّا للتمليك أو الاستحقاق أو الاختصاص و الحكم على الأوّلين واضح و على الثالث ينصرف إلى الفرد الأكمل و هو الوجوب أو الملكية مثل قوله: «من أحيا أرضاً فهي

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1 و 8 و 9.

(2) الكهف/ 82.

(3) المختلف: كتاب الفرائض 181.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 193

له»، فحملها على غيرهما يحتاج إلى الدليل. و أيّ فرق بين قوله: «فللأكبر من الذكور»، و قوله سبحانه: (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أو قوله تعالى: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ).

استدل الشهيد على الاستحباب بأُمور:

1- لأنّه حكم مخالف للأصل.

2- و لعموم قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) و غيرهما من آيات الارث فانّها تقتضي اشتراك الورثة في جميع ما يخلفه فيقتصر فيما خالفه على موضع اليقين و هو ما إذا وقَّع باقي الورثة ذلك إليه على وجه التراضي.

3- و يؤيد الاستحباب اختلاف الروايات في مقدار ما يحبى به.

4- و دلالة أخبار صحيحة على إعطائه زيادة على الأربعة ممّا يوجب العمل بظاهر الإجحاف بالورثة. ( «1»)

و الجميع غير تام، لأنّ الأصل مدفوع بالدليل، و عموم الكتاب قابل للتخصيص. و اختلاف الروايات ليس على حد يوجب حملها على الاستحباب، و قد عرفت كيفية الجمع. و هذا بخلاف الاختلاف المشاهد في باب منزوحات البئر، أو باب الإقامة، و الإجحاف و الإصرار، لا يقاوم حكم الشرع على أنّ المقام من باب عدم النفع و الحمل على الاستحباب إنّما يتجه إذا قيل به، في غير مورد الأربعة و القائلون

بالندب لم يزيدوا عليها، و لو كان الحمل على الندب، موجهاً للاختلاف، يجب أن يحفظ في جميعها.

و على ذلك فالحبوة، ملك للمحبوّ له شاء أم لم يشأ و امتناعه من الأخذ

______________________________

(1) المسالك، كتاب الفرائض: 2/ 359.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 194

لا يخرجه عن ملكيته، و لا يحتاج إلى القبول و قياسه بباب الوصية حيث إنّ الموصى به لا يصير ملكاً للموصى له إلّا بالقبول قياس مع الفارق، لأنّ قول الموصى: هذا لزيد بعد وفاتي، إيجاب لا يفيد الملكية إلّا بضمّ القبول و هذا بخلاف المقام بأنّه تشريع من اللّه سبحانه، مثل قوله: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ*). و على هذا لو حالوا بينه و بين الحبوة، فتلفت، ضمنوا.

نعم لو قلنا بالاستحباب، لا يضمنون سوى سهم الابن الأكبر.

الجهة الثالثة: هل الإعطاء بالقيمة و الاحتساب أو مجاناً؟

ذهب السيد المرتضى إلى الأوّل، و جعل القول به وجهاً جامعاً بين العمل بالأخبار و ظواهر الكتاب و قال: «و إذا خصصناه بذلك اتّباعاً لهذه الأخبار، و احتسبنا بالقيمة عليه، فقد سلمت ظواهر الكتاب، مع العمل بما أجمعت عليه الطائفة من التخصيص بهذه الأشياء» ( «1») و أيّده العلّامة بقوله: «و لو لا الاحتساب بالقيمة لزم الإجحاف على الورثة» ( «2») و تبعه الشهيد في المسالك.

يلاحظ عليه: أنّ المتبع هو النص و هو ظاهر في الملكية أو الاستحقاق حتّى و لو قلنا بظهوره في الاختصاص، و لو كان التشريع على أساس الاعطاء بالقيمة لزم ذكره و لو في مورد من هذه الروايات. و أمّا من مسألة الإجحاف فهو غير مسموع بعد حكم الشرع. على أنّك عرفت أنّه بعد عدم النفع لا الضرر و الإجحاف. أضف إلى ذلك أنّه يتحمل بذلك، قضاء صلاة الأب و ليس

مجموع هذه الأُمور الأربعة أمراً مهماً غالباً. ففي مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق- عليه السّلام- في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم، قال: «يقضيه أولى الناس به». ( «3»)

______________________________

(1) الانتصار: 300.

(2) المختلف: كتاب الفرائض 181.

(3) الوسائل: 5، الباب 12، من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 195

و في رواية أُخرى عنه، عن حفص بن البختري، قال: «يقضيه عنه أولى الناس بميراثه»، قلت: و إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا إلّا الرجال» ( «1»).

و في مكاتبة صفار: ... فوقّع (عليه السلام): «يقضي عنه أكبر وليّيه» ( «2») على إشكال في كون هذه الروايات، ناظرة إلى الحبوة كما سيوافيك.

الجهة الرابعة: في شروطها:
اشارة

قد ذكر القوم في انتقال الحبوة إلى الولد الأكبر شروطاً ليس منها في السنّة أثر، و إنّما اقتنصوها من هنا و هناك، و لو قلنا بعدم دليل واضح عليها، لما كنّا مجازفين في الكلام و إليك دراستها:

1- انتفاء فساد العقل و الرأي:

و هل هو شرط واحد كما يظهر من الشيخ المفيد حيث قال: أن لا يكون فاسد العقل أو سفيهاً ( «3») أو شرطان كما هو الظاهر من الشيخ في النهاية قال: أن لا يكون سفيهاً فاسد الرأي ( «4») و به عبَّر المحقّق في الشرائع ( «5») و قال ابن سعيد: غير السفيه و الفاسد الرأي ( «6») و المراد من الرأي هو المذهب، و لذا قال العلّامة: إذا لم يكن سفيهاً و لا فاسد المذهب. ( «7»)

أمّا اشتراط العقل فقد استظهروا شرطيته من كونه كالعوض عمّا يؤدّيه من

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 33 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5 و 3، و لاحظ روايات الباب.

(2) الوسائل: 7، الباب 33 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5 و 3، و لاحظ روايات الباب.

(3) المقنعة: 684.

(4) النهاية: 3/ 198.

(5) الجواهر: 39/ 133.

(6) الجامع للشرائع: 509.

(7) مفتاح الكرامة: 8/ 137.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 196

الصلاة و الصوم و لا يتحمل إلّا العاقل ففي صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «... يقضي عنه أولى الناس بميراثه» قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا إلّا الرجال». ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّ الرواية ليس بصريحة في الحبوة، بل المتبادر منها أنّ الأولى بالميراث من الذكور، يقضيها، و بعبارة أُخرى: المراد من الأولوية هو الأقربية، لا الأكثرية حظاً و سهماً. سلمنا، لكن هذه التعليلات من

قبيل الحِكَم، و لأجل ذلك يرثها من لا يتحمّل لعدم صوم و صلاة على الأب.

أمّا صحّة المذهب و أنّه يجوز حرمان الفاقد فقد علّل بإلزامه بمعتقده كما هو الحال في غير الإرث من الأحكام. و قد اشتهر عنهم: «ألزموهم بما ألزموا أنفسهم». ( «2»)

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ ما ذكر لزم القول به في باب العول و التعصيب إذا كان الأخذ بهما لصالح الشيعة، و لم نر أحداً أفتى بذلك فيهما، على أنّ القدر المتيقّن من روايات الإلزام من باب الميراث هو أنّه لو قسّموا المال على سنتهم و أحكامهم و أعطوا للشيعي ما لا يستحقه حسبَ مذهبه يجوز له التصرّف فيما أخذ، و أمّا أنّه يجوز له القيام بذلك ابتداءً و مباشرةً فلا، ففي رواية عبد اللّه بن محرز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) فيمن ترك بنتاً و أُختاً مؤمنة و عارفة؟ قال: «فخذ لها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنّتهم و قضاياهم» ( «3») و قريب منه رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع ( «4») و المتبادر من قوله: «ألزموهم بما ألزموا أنفسهم» هو كون المال أوّلا و بالذات للوارث المخالف، لكن يجوز الاستيلاء على ماله، بعنوان الإلزام و تقابلًا لما يأخذون منّا ما لا يستحقون كالعمّ يرث مع وجود البنت. و على أيّ حال

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، و لاحظ سائر روايات الباب.

(2) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 5، 1، 6.

(3) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 5، 1، 6.

(4) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد،

الحديث 5، 1، 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 197

فالحكم الواقعي عموميّة حكم الحبوة للعارف و غيره لكن يجوز الاستيلاء على ما يستحقه غير العارف، تقابلًا و إلزاماً إذا قام المخالف بالتقسيم و أعطى له ما لا يستحقه بزعم الاستحقاق و القول بانصراف إطلاق الحبوة عن المخالف كما ترى.

2- أن يخلِّف مالًا غيرها:

أن يخلف الميت مالًا غير الحبوة فلو لم يخلف مالًا سوى الحباء لم يخص بشي ء. نقله في مفتاح الكرامة عن الشيخين و من بعده و استدل عليه تارة بالإجماع، و أُخرى بانصراف الأخبار إلى الغالب، و هو وجود تركة معتد بها في الجملة، و استدل عليه في المسالك بلزوم الإجحاف و الاضرار لو ترك شيئاً يسيراً.

و الجميع عليل، إذ لو كان هنا إجماع فإنّما هو مستند إلى ما ذكر من الدليلين المذكورين بعده، و مثله ليس بحجة إذ لا يكشف عن الدليل، و الانصراف إنّما يكون حجة إذا استند إلى كثرة الاستعمال و قلّته لا إلى كثرة الوجود و ندرته، و الاجحاف غير مسموع في مقابل إطلاق الدليل.

و ربما يستدل عليه بما في مضمرة سماعة: الرجل يموت، ما له من متاع البيت؟ قال: «السيف و السلاح ...».

و الظاهر: وجود متاع البيت له، غير ما استثنى، و لكنّه محمول على الغالب، و القيد وارد في كلام الراوي لا الإمام.

3- خلو الميت من دين مستغرق للتركة:

و للمسألة صور:

1- أن يستغرق الدين للتركة حتى الأعيان المحبوّة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 198

2- أن يستغرق الدين للتركة و بعض الأعيان المحبوّة.

3- أن يستغرق الدين للتركة ما عدا أعيان المحبوّة من التركة.

4- أن يستغرق الدين بعض التركة.

أمّا الأوّلان: فالمشهور هو تقديم الدين على الحبوة سواء قلنا بأنّ التركة مع الدين لا تنتقل إلى الورثة على قول ضعيف، أو قلنا بأنّه تنتقل و لكن للديّان حقّ الاستيفاء كحق الرهانة، فليس للراهن نقلها قبل فكّها من الرهن، و على كلّ تقدير فالحبوة من الأعيان الموروثة، حكمها كحكم سائر التركة فيشمله قوله سبحانه: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ). (النساء/ 12).

و مع ذلك كلّه فالحكم

بتقدّم الدين على الحباء قابل للتأمّل، و ذلك لأنّه تعلّق على الأعيان الشخصية فحباه سبحانه للولد الأكبر، لحكمة خاصة، فيقع في عداد الديون فالديان يطلبون الدين، و الولد الأكبر يطلب الحبوة. نعم لو كان انتقالها بعنوان الميراث لكان للتمسّك بالآية وجه و أمّا لو كان استثناء من الميراث و تخصيصاً منه سبحانه لأحد الورثة بشي ء خاصّ فيقع في عداد سائر ما يُخْرَج من التركة، كالكفن و التجهيز أوّلًا، و الدين و الحبوة ثانياً.

و يؤيد ذلك: أنّ الأصحاب عبّروا في المقام بلفظ الحبوة و إن لم يرد في النصوص، فكأنّهم فهموا من روايات الباب أنّه عطاء من اللّه سبحانه بالمجّان للولد الأكبر.

و بذلك يظهر حال الصورة الثالثة، أعني استغراق الدين جميع التركة سوى الحبوة، فإن قلنا باعتبار تخلّف مال غير الحبوة، فلا يستحق الأكبر من الأعيان المحبوّة شيئاً ضرورة أنّ المراد تخلّف مال منتقل إلى سائر الورثة، و تخلّف مال في مقابل دين مستغرق كالعدم، و أمّا إذا لم نقل بذلك- كما قدّمناه- فهناك قولان:

1- توزيع الدين على سائر التركة و الأعيان المحبوة، فلو كانت الحبوة في

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 199

التقويم، عشرَ التركة، فيخرج عشر الدين منها و الباقي من التركة، و ما بقي من العشر يقسم بين الورثة.

و الدليل عليه: أنّ الدين و الوصية و الكفن تخرج من أصل التركة و نسبة الورثة إليه سواء.

2- أنّه لو وجب التوزيع في الدين المستغرق للتركة سوى الحبوة، يجب التوزيع في الصورة الرابعة أي غير المستغرق لها بنفس الحجة، بل يجب التوزيع في الكفن و مئونة التجهيز لاشتراك الجميع في الإخراج عن التركة.

أقول: إنّ منزلة الحبوة في المقام، هو منزلة الإيصاء بمال من

الأموال مع استغراق الدين للتركة، سوى المال الموصى به فلا أظنّ أحداً يفتي بمزاحمة الدين، الوصية، بل يخرج الدين من غيره.

خاتمة المطاف:

هل المحبو هو الولد الأكبر، أو أكبر الذكور أو الولد الذكر إذا كان منفرداً و أكبر البنين إذا كانوا متعدّدين؟ لا طريق إلى الأوّل و إن ورد في صحيح ربعي بن عبد اللّه «فللأكبر من ولده» الشامل للذكر و الأُنثى ( «1») و لكن تقيده روايته الأُخرى التي ورد فيها «فللأكبر من الذكور» ( «2») و هذا و إن كان ظاهراً في اعتبار الأكبرية و هي لا تصدق إلّا بالتعدد، لكن صحيحة ابن أُذينة صريحة في عدم اعتبارها، فعن أحدهما (عليهما السلام) «إنّ الرجل إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه، فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما». ( «3»)

و لا دليل على اعتبار البلوغ و على فرض كونه في مقابل ما يتحمل قضاء صلاته و صومه، إذ لا مانع من تملّك المحبوّ به بعد الموت، و توجّه الحكم التكليفي

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 2- 1- 6.

(2) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 2- 1- 6.

(3) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 2- 1- 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 200

عليه بعد البلوغ، و معنى هذا، التفكيك بين الحكم الوضعي و التكليفي. و لا إشكال فيه. بقيت مسائل جزئية قليلة البلوى. يعلم حكمها ممّا ذكرنا.

1- لو أوصى بعين من أعيان الحبوة لغير المحبوّ، تنفذ الوصية من الثلث لإطلاق ما دلّ على أنّ للميّت الإيصاء في جميع ماله على حدّ الثلث، و الحباء يتعلّق بمال لم يخرج

عن ملك الميت، و هو أخرجه عن ملكه قبل موته.

2- لو أوصى بثلث ماله يخرج من أعيان الحبوة و غيرها، لأنّ الحباء إنّما يزاحم الوارث لا الوصية.

و تصوّر أنّ في الإيصاء بعين من أعيان الحبوة معينة، أو شمول إطلاق الوصية لها مخالفة للسنّة، كما ترى، لأنّ الحباء حكم شرعي على أعيان بشرط كونها باقية على ملك الميت بأن يموت الإنسان و هو مالك لها. و الإيصاء إخراج لها، و الوصية تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة، و الإنشاء و المنشأ كلاهما فعليان، أمّا الإنشاء فواضح، و المنشأ: إيجاد الملكية في المستقبل بحيث لا تحتاج بعد الوفاة إلى إنشاء آخر، و لا يحتاج إلى ضمّ قبول، بل يكفي عدم الرد، فلو ردّ يبطل، لا أنّ القبول شرط.

3- فهل القلنسوة من الثياب و مثلها اللبد أو جلد الفراء أو لا؟ الظاهر هو الأوّل و إن كان لا يكفي في الكفارة.

4- إذا كانت الأعيان المحبوة متعددة، فهل الجميع للولد الأكبر أو واحد منها، أو يفصل بين ما أتى بلفظ الجمع كالثياب و ما أتى بلفظ المفرد؟ و الأقوى هو الأوّل و الأحوط هو الثاني.

5- حلية السيف و جفنه و بيت المصحف داخلة فيها تبعاً.

6- و هل يدخل ما أعدّه و لم يلبسه أو أعدّه لنفسه للتبرّك كالمصحف أو لا؟ وجهان.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 201

المسألة الثالثة: حكم اجتماع الجد أو الجدّة مع الوالدين

اشارة

لا يرث الجدّ و لا الجدة لأب كان أم لأُمّ، مع أحد الأبوين على المشهور بين علمائنا شهرة عظيمة، و هو من متفردات مذهبنا.

قال السيد المرتضى: و ممّا انفردت به الإمامية: أنّه لا يرث مع الوالدين و لا مع أحدهما أحد سوى الولد و الزوج و الزوجة. ( «1»)

و قال

الشيخ الطوسي: لا ترث واحدة من الجدّات مع أولاده، و قال جميع الفقهاء: للجدّة السدس مع الولد. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم و قوله تعالى: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ*).

و قال أيضاً: تسقط أُمّ الأُمّ بالأب، و عند الفقهاء أنّها لا تسقط لأنّها تدلى بالأُمّ لا بالأب. دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضاً فإنّ الأب أقرب بدرجة واحدة، و إن لم تدل بالأب، و أدلت بالأُمّ فقد بعدت بدرجة فوجب أن لا ترث، لقوله: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ*).

و قال أيضاً: «أُمّ الأب لا ترث مع الأب»، و به قال في الصحابة: علي (عليه السلام) و عثمان بن عفان و زيد بن ثابت و زبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص، و في الفقهاء: أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي و مالك و ذهب قوم إلى أنّها ترث مع الأب و هو قول أبي بكر و عمر و عبد اللّه بن مسعود و أبي موسى الأشعري و عمران بن حصين، و شريح و الشعبي و أحمد و إسحاق و محمّد بن جرير الطبري.

______________________________

(1) الانتصار: 299.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 202

و قال أصحابنا: إذا خلف أبوين و جدّة أُمّ أبيه، فللأُمّ (أُمّ الميّت) الثلث و للأب الثلثان، و يؤخذ السدس من نصيب الأب و يعطى الجدّة التي هي أُمّه على وجه الطعمة لا الميراث. ( «1»)

و لعلّ الفرق بين أُمّ الأُمّ، و أُمّ الأب، حيث اتفق فقهاء أهل السنّة على إرث الأُولى مع وجود الأب دون الثانية، أنّ أُمّ الأُمّ ليست محجوبة بالأب لأنّها أدلت إلى الميت بالأُمّ، لا بالأب حتّى يحجبها دون أُمّ الأب فانّها أدلت بالأب المتقدّم عليها.

و قال

ابن قدامة: لا خلاف بين أهل العلم في توريث جدّتين: أُمّ الأُمّ و أُمّ الأب. ( «2»)

إلى هنا تبيّن حكم الجدّة أي أُمّ الأُمّ و أُمّ الأب، عند أهل السنّة، و أمّا حكم الجدّ أي أبو الأب، و أبو الأُمّ، فيظهر حكمه عندهم ممّا يلي.

قال ابن قدامة: روي عن عمران بن الحصين: أنّ رجلًا أتى النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فقال: إنّ ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ قال: «لك السدس»، فلمّا أدبر دعاه فقال: «إنّ لك سدساً آخر»، فلما أدبر دعاه فقال: «إنّ لك السدس الآخر طعمة ...».

و لم ينقل الخلاف ( «3») من فقهاء الإمامية إلّا من ثلاثة: الكليني و الصدوق، و ابن الجنيد لكن خلاف الكليني و الصدوق يغاير خلاف ابن الجنيد، فلو قلنا بخلاف الأوّلين فهما يخالفان المشهور في حكم السدس للجد، فالمشهور أنّه يستحب للوالدين أن يطعم الجد بالسدس و الظاهر من بدء عبارتهما أنّه يجب ميراثاً، نعم

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض: المسألة 72- 28- 29، و لاحظ أيضاً المسألة 79.

(2) المغني: 6/ 266.

(3) المصدر نفسه: 268.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 203

ذيل كلامهما، ظاهر في خلاف هذا الاستظهار. ( «1»)

و أمّا ابن الجنيد فقد نقل عنه العلّامة العبارتين التاليتين بعد ما ذكر عنوان المسألة و قال:

المشهور أنّه لا ميراث للأجداد مع الأبوين و البنت، بل يكون الفاضل رداً على البنت و الأبوين أو أحدهما، لأنّ هؤلاء أقرب فيكونون أولى. و قال ابن الجنيد: فإن حضر جميع الأبوين أو أحدهما مع الجدّ أو الجدّة مع الولد للميت، من لا يستوعب بما سمّى له و للوالدين، جميع المال كابنة و أبوين وجد كان ما يبقى

بعد حقّ الأبوين و الابنة ميراثاً لمن حضر هذا، الجدين أو الجدتين لمشاركتهم أحد الأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عيّن لهم، هذا هو الخلاف الأوّل و إليك الخلاف الثاني:

إنّ الطعمة هي السدس من أصل المال و قال ابن الجنيد: و إن كان ما يأخذه ولد الحاضر- يعني من الأجداد- من الميراث بالتسمية ما يتجاوز السدس، و كان السدس للحاضر طعمة من سهم ولده الذي يقرب إلى الميت به لا من أصل المال. ( «2») و سيوافيك الكلام في أنّ السدس من أصل المال لا سهم الولد الذي يتقرّب به.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 115. و الفقيه 4: باب ميراث الأجداد و الجدّات: 199. و إليك عبارتهما:

قال الكليني: إجماع العصابة أنّ منزلة الجدّ منزلة الأخ من الأب يرث ميراث الأخ و إذا كانت منزلة الجدّ منزلة الأخ من الأب يرث ما يرث الأخ يجوز أن تكون هذه أخبار خاصة، إلّا أنّه أخبرني بعض أصحابنا أنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أطعم الجدّ السدس مع الأب و لم يطعمه مع الولد.

و قال الصدوق مستشكلًا على الفضل بن شاذان: الجدّ يرث مع ولد الولد و لا يرث معه الأخ و يرث الجدّ من قبل الأب مع الأب و الجدّ من قبل الأُمّ مع الأُم و لا يرث الأخ مع الأب و الأُمّ فكيف يكون الجدّ بمنزلة الأخ أبداً.

(2) المختلف: كتاب الفرائض 119، و العبارة الأُولى نصّ في المقام، و الثانية وردت لبيان المقدار المطعوم و لا يصح الاستشهاد بها على الخلاف.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 204

و على أيّ تقدير فقد دلّ الكتاب و السنّة على حرمان الجدّ و الجدّة مع

وجود الوالدين، و يمكن الاستدلال عليه من الكتاب بوجهين:

1- إنّ الكتاب عند ما يذكر إرث الوالدين يفرض له حالتين: حالة وجود الولد للميت، و عدمه فقط، و لا يفرض له حالة ثالثة و هو وجود الجد أو الجدّة للميت و عدمه و هذا دليل على تأخّرهما عن الوالدين قال سبحانه: (وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّٰا تَرَكَ إِنْ كٰانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ). (النساء/ 11)

2- ما دلّ من الآيات على تقدّم الأقرب على الأبعد كقوله سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ*) (الأنفال/ 75) و ملاك الأولوية، هو الأقربية، و قال سبحانه: (وَ لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مَوٰالِيَ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيداً). (النساء/ 33)

أي جعلنا لكل واحد من الرجال و النساء ورثة هم أولى بميراثه، و الدليل على أنّ المراد هو الأولوية بالميراث قوله سبحانه: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) (مريم/ 5) فجعل الولد المطلوب مولى لما يرث، و وليّاً له، لما كان أولى من غيره. ( «1») و تفسير «الموالي» بالعصبة كما في الجلالين و غيره، لا شاهد له.

3- ما ورد في السنّة من تقديم الأقرب على الأبعد، ففي كتاب عليّ (عليه السلام) «إنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يُجَرّ به إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه». ( «2»)

______________________________

(1) مجمع البيان: 2/ 42.

(2) كابن الابن يقوم مقام الابن، و يرث الجدّ إن لم يكن ابن للميت، سواء كان أباه أو عمّه، فلاحظ في الوقوف على هذه العمومات الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1

و 2 من الباب الأوّل و 1 و 3 من الثاني.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 205

4- النصوص المتضافرة في مورد المسألة، ففي صحيح الحميري: أنّه كتب إلى العسكرى (عليه السلام): امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها و جدّها و جدّتها كيف يُقسّم ميراثها؟ فوقّع: «للزوج النصف و ما بقي للأبوين». ( «1»)

5- ما يجعل الجدّ في مرتبة الأخ و ربما يقول إنّه كواحد من الإخوة، و من المعلوم تأخّر رتبة الإخوة، ففي صحيحة ابن سنان: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن أخ لأب و جدّ؟ قال: «المال بينهما سواء». و في أُخرى له: عنه (عليه السلام): «الجدّ كواحد من الإخوة المال بينهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين». ( «2»)

ثمّ إنّ الثمرة بيننا و بين الكليني و الصدوق تظهر في السدس الذي يقول به كل من الموافق و المخالف و لكن القائل بالوراثة يقول، ميراثاً، و انّ الدفع واجب، و نافي الوراثة يقول به ندباً و طعمة. كما سيتضح في البحث الآتي. نعم قد عرفت أنّ خلاف ابن الجنيد يرجع إلى أمر آخر.

دليل القول بمشاركة الجدّ مع الأبوين:

و ربما يستدل للقول الآخر من وجوب السدس للجدّ و الجدّة ميراثاً بوجهين:

1- مشاركة الأجداد للأبوين في التسمية التي استحقّا بها الميراث و هي الأُبوّة.

يلاحظ عليه: أنّ التسمية على سبيل المجاز و على فرض كونهما بالحقيقة، لا ينافي الترتيب كما هو الحال في أولاد الأولاد.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 19، من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 4- 3- 2 إلى غير ذلك.

(2) المصدر نفسه: الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، 1 و 2 و غيرهما.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 206

2- أنّ هناك

روايات ربما يستشم منها قول الصدوق، ففي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في أبوين و جدّة لأُمّ؟ قال: «للأُمّ السدس و للجدّة السدس و ما بقي و هو الثلثان للأب». و بهذا المضمون غيرها ( «1») فإنّ ظاهرها كون السدس ميراثاً، فينطبق على المنسوب إلى الصدوق.

و لكنّها محمولة على استحباب الطعمة بالسدس على ما تضافرت عليه الروايات التي ستمرّ عليك في البحث الآتي.

طعمة الجد و الجدّة:
اشارة

إنّ الأجداد و إن كانوا لا يرثون مع الوالدين و لكنّ مقتضى سيادتهم على الوالدين تشريع إعطاء شي ء لهم. و هذا هو الذي طلبه النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم من اللّه سبحانه و استجيبت دعوته، فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ اللّه فرض الفرائض و لم يقسم للجدّ شيئاً، و إنّ رسول اللّه أطعمه السدس فأجاز اللّه جلّ ذكره له ذلك». ( «2»)

و لأجل ذلك اتفقت كلمة الأصحاب على الطعمة إلّا من عرفت و بما أنّ الطعمة من المفاهيم ذات الإضافة فلها إضافة إلى المطعِم، و المطعوم له، و المطعوم، ثمّ حكمها و شرطها، فيلزم البحث في أُمور:

1- ما هي الطعمة لغة؟

فسّرت الطعمة بالأكل و التذوق، و من الأوّل قولهم: جعل سلطان ناحية كذا طعمة لفلان، أي مأكلة له، و منه ما في التاريخ: أنّ معاوية أعطى مصرَ عمرو بن

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 10، و لاحظ الحديث 11- 12- 13- 15- 18.

(2) الكافي: 1/ 267، باب التفويض، لاحظ روايات الباب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 207

العاص طعمة، أي مأكلة. و من الثاني قوله سبحانه: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) (البقرة/ 249) أي من لم يذقه. و بما أنّ السدس ليس شيئاً كثيراً، فالمناسب هو المعنى الثاني و كان الأبوان يذوقان الجدّ شيئاً. و ربما تفسّر بمعنى الهبة لكنّه من لوازم المعنى، لا نفسه كالاستضافة فإنّها من لوازم المعنى، قال سبحانه: (حَتّٰى إِذٰا أَتَيٰا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمٰا أَهْلَهٰا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمٰا) (الكهف/ 77).

2- المطعِم:

المشهور أنّه الأبوان، فالأب يطعم أباه و أُمّه، و الأُمّ تطعم أباها و أُمّها، و بما أنّ أبا الصلاح و غيره خصّوا المطعوم له، بالجدّ و الجدة للأب، دون أجداد الأُمّ، يكون المطعِم هو الأب، وحده. و بما أنّ قولهم محجوج بالروايات، فلا عبرة بالنتيجة أي كون المطعِم هو الأب. و يمكن استظهار ذلك من اشتراط استحباب الطعمة بحياة الأب أو الأُمّ كما سيوافيك بيانه عند البحث عن شروطها، و لكن كونهما حيّين شرطا لأصل الاستحباب لا لمرتبة آكد، محل تأمّل كما سيجي ء.

3- المطعوم له:

المشهور هو الأجداد و الجدات من الأب و الأُمّ، و خالف أبو الصلاح في الكافي فخصّ الحكم بالجدّ و الجدّة لأب، دون أجداد الأُمّ، و اختاره أبو المكارم و تبعه تلميذه المحقّق الطوسي ( «1») و توقّف في المجمع و الكفاية و المفاتيح.

______________________________

(1) كذا ذكره العاملي في مفتاح الكرامة: 8/ 132 و لم أتعرّف عليه فلو أراد نصير الدين الطوسي فهو من أعيان القرن السابع (597- 672 ه-)، و أبو المكارم: حمزة بن علي بن زهرة من أعيان القرن السادس (511- 585 ه-)، فكيف يمكن أن يكون تلميذاً له؟!

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 208

أقول: إنّ الروايات الحاكية لفعل النبي الأكرم على أقسام:

1- ما هو صريح في أنّ مورده أُمّ الأُمّ، فعن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أطعم الجدة أُمّ الأُمّ السدس و ابنتها حية». ( «1»)

2- ما هو صريح في أنّ موردها أُمّ الأب مضافاً إلى الأُولى، فعن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله

و سلَّم أطعم الجدة أُمّ الأب السدس و ابنها حيّ، و أطعم الجدة أُمّ الأُمّ السدس و ابنتها حية» ( «2») و هل هما روايتان أو رواية واحدة، نقلت الأُولى ناقصة؟

3- ما يحكى أنّه أطعم الجدة من دون تفسيره بأُمّ الأُمّ أو بأُمّ الأب: روى زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «إنّ رسول اللّه أطعم الجدّة السدس طعمة» ( «3»). و لعلها، إجمال ما رواه جميل في الروايتين المتقدمتين.

و عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه أطعم الجدّة السدس و لم يفرض لها شيئاً». ( «4»)

4- ما يدل على أنّه أعطى الجدّ إمّا بلفظ الطعمة أو بجعل السهم ( «5») و تصوّر أنّ الجدّ، مصحف الجدّة في سائر الروايات بعيد جدّاً إذ ليس هنا حديث واحد، بل أحاديث متعددة و من البعيد أن يتطرق التصحيف إلى الجميع.

و أمّا ما ورد عن أئمة أهل البيت فهي بين أُمّ الأب ( «6») و أُمّ الأُم ( «7») أو كلتا الجدّتين ( «8») و لعلّ الإمعان في الجميع يشرف الفقيه على القطع بعمومته الحكم لمطلق الجدّة، من دون اختصاص الجدّ أو الجدّة لأب.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1 و 9.

(2) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 1 و 9.

(3) المصدر نفسه: الحديث: 4 و 3.

(4) المصدر نفسه: الحديث: 4 و 3.

(5) المصدر نفسه: الحديث 5، 8، 13، 16، 17، 18.

(6) المصدر نفسه: الحديث 6، 10، 9.

(7) المصدر نفسه: الحديث 6، 10، 9.

(8) المصدر نفسه: الحديث 6، 10، 9.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 209

4- ما هو المطعوم؟

المطعوم: هو سدس الأصل،

كما هو الظاهر من الروايات الحاكية لفعل النبي الأكرم، و غيره، فهل هو مستحب مطلقاً و إن كان سهم الوالد أو الأُمّ، نفسَ السدس، أو إذا زاد سهمهما عن السدس، فيكفي مطلق الزيادة، في استحباب الطعمة بالسدس، و إن كان سهم المطعِم أقل من السدس بعد الدفع. أو زاد بقدر السدس أو أكثر؟ هذا هو الذي نبحث عنه في الشروط.

5- ما هو حكمه؟

المعروف بين الأصحاب أنّ حكمه الاستحباب، و ليس في الروايات ما يدل على استحبابها حتى مثل قوله: «إنّ اللّه فرض الفرائض فلم يقسم للجدّ شيئاً و انّ رسول اللّه أطعمه السدس فأجاز اللّه ذلك» ( «1») إذ لا مانع من أنّه سبحانه أجازه على وصف الوجوب. و لكن لما ثبت عدم مشاركة الجد، مع الوالدين، و إيجاب الطعمة له أو لها، نوع مشاركة عند العرف، تكون النتيجة هو الاستحباب كما فهمه المشهور.

6- ما هي الشروط؟

قد ذكر في كلامهم شرطان:

الف- إذا زاد سهم الأبوين عن السدس فعندئذ يستحب لهما الطعمة و إليك التفصيل:

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 17 و 18.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 210

1- يستحب للوالدين أو أحدهما أن يطعم سدس الأصل للجدّ أو الجدّة من قبله إذا زاد نصيبه عن السدس بمقداره. و هذا كما في الأُمّ بلا حاجب. و لو لم يحصل لأحد الأبوين سوى السدس كالأُمّ مع الحاجب، أو الأب مع الزوج ( «1») لم يستحب له الطعمة.

2- و لو زاد نصيب أحدهما دون الآخر اختصت الطعمة به لوجود الشرط فيه دون الآخر.

3- و لو زاد نصيب أحد الأبوين عن السدس و لكن لو أطعم الجدّ، يبقى له أقل من السدس كما لو كان الوارث بنتاً و أبوين، أو بنتين و أحدهما، ففي الأوّل للبنت النصف (ثلاثة أسداس) و لكل واحد من الأبوين السدس يصير المجموع خمسة أسداس، فيبقى السدس الواحد يرد على الجميع أخماساً فيكون الزائد، لكلّ منهما خمس السدس. فلو دفع الأبوان نصيبهما للجد، يبقى لكلّ منهما خمس السدس، فمقتضى الإطلاق هو إعطاء السدس.

و قال العلّامة في القواعد: أقلّ الأمرين مع زيادة

نصيب المطعم عن السدس، فإن كانت الزيادة سدساً أو أكثر فالمستحب إطعام السدس و إلّا فالأقلّ و تطبيقه على الروايات مشكل.

ب- يعتبر فيه حياة من يتقرّب به فلا يطعم الجدّ للأب و لا الجدّة له إلّا مع وجوده، و لا الجدّة للأُمّ إلّا مع وجودها. و هو القدر المتيقّن من الأدلة. و يدل عليه الأُمور التالية:

1- أنّ الخطاب للوالدين و هو فرع وجودهما.

______________________________

(1) كما إذا ماتت البنت عن أُمّ و أب و زوج فللأُمّ، الثلث (السدسان) و للزوج النصف (ثلاثة أسداس) فلا يبقى إلّا السدس.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 211

2- أنّ مورد صحيحة جميل ذلك، إذ فيها «أنّ رسول اللّه أطعم الجدة: أُمّ الأب السدس، و ابنها حيّ». ( «1»)

3- أنّ ظاهر مرفوعة ابن رباط هو التقييد و فيها «الجدة لها السدس مع ابنها و مع ابنتها». ( «2»)

و الجميع كما ترى إذ ليس في الروايات ما يدل على أنّ الخطاب للوالدين، و كون المورد في الصحيحة وجود الأب لا يكون دليلًا على التقييد، و المرفوعة ليست بحجة، على أنّ كثيراً من روايات الباب مطلقة، و رواية سعد بن أبي خلف واردة في غير مورد الاشتراط قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن بنات بنت و جدّ؟ قال: «للجدّ السدس، و الباقي لبنات البنت». فلو كان المراد جدّ الميت فقد أطعم بالسدس مع عدم ولده (والد الميت)، بشهادة أنّ المال قسم بين الجدّ و بنات البنت، إلّا أنّ الذي يسهل الخطب أنّ الحكم استحبابي و لا مانع من القول به مع فقد الوالدين و إن كان الاستحباب معهما آكد و للاستحباب مراتب.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين و

الأولاد، الحديث 9- 11.

(2) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 9- 11.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 212

المرتبة الثانية: الإخوة و الأجداد:

اشارة

قد عرفت على أنّ لميراث الأنساب، طبقات و مراتب و أنّه لا تصل النوبة إلى المرتبة المتأخرة، مع وجود واحد من الطبقة المتقدمة، و الطبقة الأُولى: الوالدان و أولاد الميّت و أولادهم، فإذا فقدوا ترث الإخوة و الأجداد، على تفصيل سيوافيك.

و لنقدّم الكلام في الإخوة و الأخوات على الأجداد و الجدّات فنقول:

قد عرفت أنّ الإخوة و الأخوات من الطبقة الثانية، فلا وراثة إلّا بعد فقد المرتبة الأُولى بجميع أفرادها.

و أمّا أهل السنّة: فلأجل تشريك العصبة في الميراث و الاعتقاد بأنّها من عوامل الوراثة، فقد خلطوا بين الطبقات و جعلوا المتأخر في رتبة المتقدّم و لأجل ذلك ترى أنّهم يقولون:

«إذا فقد الابن و الأب، ترث الإخوة و الأخوات، مع الأُمّ و البنت» أمّا وجه تقدّم الابن و الأب، على الإخوة مع كون الجميع عصبة، فلأجل كون الأوّلين أولى ذكر بالميّت، فلا تصل النوبة إلى الأبعد، و أمّا مع فقدهما، فيرث الإخوة، مع الأُمّ و البنت، فالأُمّ و البنت ترثان فرضاً، و الإخوة عصبة.

إذا علمت ذلك فاعلم أنّ الكلالة (الإخوة و الأخوات) على أقسام:

1- كلالة الأب و الأُمّ.

2- كلالة الأب.

3- كلالة الأُمّ.

فلنأخذ بالبحث عن كل واحد بعد الآخر. فإليك الكلام في كلالة الأب و الأُمّ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 213

1- إذا انفرد الأخ للأب و الأُمّ عمّن يرث معه من أهل طبقته فالمال له قرابة، قال سبحانه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ). (النساء/

176)

و مورد الآية: وراثة الأخ عن الأُخت، فيرث كل المال، و أمّا وراثة الأخ عن الأخ فيدلّ عليه صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل مات و ترك أخاه و لم يترك وارثاً غيره؟ قال: «المال له». ( «1») و منصرفه هو الأخ للأب و الأُمّ على أنّ الحكم كذلك إذا كان أخاً للأُمّ.

2- إن كان معه أخ أو إخوة فالمال بينهم بالسوية لاتّحاد سبب الوراثة و عدم الخصوصية لأحدهم.

3- لو كان معه أو معهم أُنثى أو إناث: فللذكر مثل حظّ الأُنثيين، كتاباً و سنّة ( «2»)، قال سبحانه: (وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالًا وَ نِسٰاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء/ 176).

4- و لو كان المنفرد أُختاً لهما كان لها النصف فرضاً في كتاب اللّه و الباقي يرد عليها عندنا قرابة، لآية أولي الأرحام و غيرها. ( «3»)

5- و لو كان أُختان فصاعداً كان لهما أو لهنّ الثلثان فرضاً في كتاب اللّه و الباقي يرد عليهما قرابة. ( «4»)

كلالة الأب:

تقوم كلالة الأب، مقام كلالة الأب و الأُمّ، و يكون حكم كلالة الأب في

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد، الحديث 1 و 5.

(2) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد، الحديث 1 و 5.

(3) المصدر نفسه: الحديث 5.

(4) المصدر نفسه: الحديث 5.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 214

الانفراد و الاجتماع حكم كلالة الأب و الأُمّ حرفاً بحرف، في الصور الخمسة، لأنّ الآية المتضمنة لبيان أحكام الكلالة في سورة النساء الآية (175) نزلت في مقابله كلالة الأُمّ، التي تعرضت لحكمها الآية (12) في تلك السورة، و لأجل ذلك تشارك كلالة

الأب، مع كلالة الأب و الأُمّ في جميع الصور إلّا أنّها متأخرة عن تلك، و إليك البحث في دليل التقدّم.

كلالة الأب و الأُمّ متقدّمة على كلالة الأب:

اتّفقت كلمتهم على تقدّم كلالة الأب و الأُمّ على كلالة الأب وحده، قال الشيخ: أُخت من أب و أُمّ، و أخوات من أب و عصبة: للأخت من الأب و الأُمّ النصف بلا خلاف و الباقي عندنا ردّ عليها- و عند الفقهاء للأخوات من الأب السدس، تكملة الثلثين و الباقي للعصبة.

و قال أيضاً: أُختان من أب و أُمّ، و أُخت من أب، و ابن أخ من أب، للأُختين الثلثان بلا خلاف و الباقي عندنا رد عليهما و يسقط الباقون، و قال جميع الفقهاء: الباقي لابن الأخ من الأب لأنّه عصبة و لا شي ء للأُخت من الأب.

و قال أيضاً: أُختان من أُمّ و أب، و أُخت و أخ من أب: للأُختين الثلثان بلا خلاف و الباقي عندنا ردّ عليهما، و قال جميع الفقهاء: الباقي للأخ و الأُخت من الأب و أسقط ابن مسعود الأُخت للأب. ( «1»)

و يدلّ على تقدّم رتبتها على كلالة الأب ما يلي:

1- آية «أولو الأحارم» و قد مرّ مراراً أنّ ملاك الأولوية هي الأقربية، و من اجتمع فيه سببان يكون أولى و أقرب ممّن فيه سبب واحد. إلّا ما خرج بالدليل.

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 60- 61- 62. وجه الاسقاط بعد كونها في درجة واحدة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 215

2- ما رواه يزيد الكناسي ( «1») في رواية مفصّلة و جاء فيها قوله: «أخوك لأبيك و أُمّك، أولى بك من أخيك لأبيك، و ابن أخيك لأبيك و أُمّك، أولى بك من ابن أخيك لأبيك». ( «2»)

3- و في النبوي

و العلوي: «أعيان بني الأُمّ أحق بالميراث من بني العلات». ( «3»)

و فسّره ابن الأثير في النهاية و قال: الأعيان: الإخوة لأب واحد، و أُمّ واحدة مأخوذ من عين الشي ء و هو النفيس، و العلّات: الإخوة لأب واحد و أُمّهات شتى، و في الجواهر: سموا بذلك لأنّ شرب الإبل الماء أوّلًا نهل، و الثاني علّ بعد نهل، فكان من تزوّج بأُمّهم بعد الأولى نهل أوّلًا بالأولى ثمّ علّ بالثانية.

كلالة الأُمّ (أولاد الأُمّ):

كلالة الأُمّ هي أولاد الأُمّ، أي من ينتمي إلى الميت عن طريقها. فلها صور:

1- لو انفرد الواحد من ولد الأُمّ خاصة عمن يرث معه، كان له السدس فرضاً، و الباقي يرد عليه قرابة ذكراً كان أو أُنثى.

2- للاثنين من ولد الأُمّ فصاعداً، الثلث بينهم فرضاً بالسوية، و الباقي يرد عليهم قرابة ذكراناً كانوا أو إناثاً، أو ذكراناً و إناثا.

و يدلّ على حكم الصورتين قوله سبحانه: (وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلٰالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 13، من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 1، و في الوسائل المطبوعة يزيد كما في الباب 1 من أبواب موجبات الإرث و أُخرى بريد كما في المقام، و قد تقدّم أنّ الصحيح يزيد، بقرينة أنّ كنيته أبو خالد و أكثر من يكنّى به، هو يزيد.

(2) المصدر نفسه: الحديث 2- 4.

(3) المصدر نفسه: الحديث 2- 4.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 216

شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ) (النساء/ 12)

و الضابطة الأغلبية في المنتمين إلى الميّت بالأب، هو التقسيم بين الذكر و الأُنثى أثلاثاً، و المنتمين إليه بالأُمّ هو التقسيم بالسوية. و أمّا حكم الردّ فلأجل عدم

وارث قريب. و سيوافيك أنّه إذا اجتمعت الكلالتان فلا يرد الفاضل إلى كلالة الأُمّ، بل إلى كلالة الأب، و إنّما يرد إذا انفرد بالارث.

اجتماع الكلالتين:

و لو كان الإخوة الوارثون متفرقين فبعضهم للأُمّ فقط و بعضهم للأب و الأُمّ، أو للأب عند فقدان الأخ و الأُخت للأب و الأُمّ؟ فهنا صور: لأنّ المتقرب بالأُمّ تارة يكون واحداً و أُخرى متعدداً، ثمّ المتقرب بالأُمّ على أقسام:

1- أن يكون أخاً أو إخوة.

2- أن يكون أخاً و أُختاً، أو إخوة و أخوات.

3- أن يكون أُختاً واحدة.

4- أن يكون أكثر من أُخت واحدة. ( «1»)

فيضرب صورتا كلالة الأُمّ (كونه واحداً و متعدداً) في هذه الصور الستّ فتكون النتيجة اثنتي عشرة صورة، غاية الأمر يقوم المتقرب بالأب مكان المتقرب بالأب و الأُمّ عند عدمهم، و لأجل ذلك لا تذكر من الأقسام إلّا الصورة السادسة، لاشتراكهما في الأحكام إلّا في مورد واحد على قول سيوافيك بيانه، و لنفترض أنّ المتقرّب بالأُمّ واحد و هو يرث السدس و عندئذ فالمتقرّب بالأب إمّا أن يكون:

الف- أخاً أو إخوة، و بما أنّ الإخوة- واحداً كان أو متعدّداً- ليسوا من

______________________________

(1) و الصور في الحقيقة ستة تعرف بالإمعان.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 217

أصحاب الفروض، فالتعبير الصحيح في حقّهم أن يقال: يرثون الباقي قرابة و ليس الباقي بعدَ إخراج سهم المتقرب بالأُمّ الواحد، إلّا خمسة أسداس فلو اتّحد يأخذ الجميع و إن تعدد يقتسمون بالسوية. و لا يصحّ استعمال الردّ في المقام، إذ ليس الوارث صاحب فرض، حتّى يرث الفاضل عن سهمه بالرد.

ب- «أخاً و أُختاً» أو «إخوة و أخوات»، و الكلام في المختلط من الأخ و الأُخت كالكلام في الإخوة المتعددة يرثون الباقي

قرابة، و ليس الباقي إلّا خمسة أسداس كما ذكرنا و لا يصح التعبير بالرد في المقام كما تقدّم.

ج- أن يكون أُختاً واحدة، و بما أنّ الطرفين من أصحاب الفروض، فالأُخت للأُم ترث السدس، و الأُخت للأب ترث النصف، و يبقى السدسان، فيرد إلى كلالة الأب فهي ترث النصف فرضاً، و السدسين قرابة. و سيوافيك دليل الردّ على كلالة الأب دون كلالة الأُمّ فانتظر.

د- أن يكون أكثر من أُخت واحدة، فيرث كلالة الأُمّ السدس، و كلالة الأب الثلثين بالفرض، و السدس الفاضل بعد إخراج الفرضين، يرد إلى كلالة الأب. و سيوافيك دليل الردّ إلى خصوص كلالة الأب.

و ينبغي التنبيه على أمرين:

1- إنّ الردّ- بعد إخراج سهم كلالة الأُمّ- لا يتصور، في الصورتين الأُوليين بحالاتهما المختلفة سواء كان المتقرّب بالأب، أخاً فقط، أو إخوة فقط، أو أخاً و أُختاً، أو إخوة و أخوات، لأنّهم ليسوا من أصحاب الفروض فهؤلاء في جميع الحالات يرثن الباقي.

و إنّما يتصور في الصورتين الأخيرتين فيما إذا كان المتقرب بالأب، أُختاً، أو أكثر من أُخت. غاية الأمر يختلف الباقي حسب اختلاف الحالات.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 218

فلو كان المتقرب بالأُمّ واحداً، و المتقرب بالأب كذلك، يبقى سدسان:

و لو كان كلاهما متعدداً، لا يبقى شي ء.

و لو كان الأوّل واحداً و الثاني متعدداً يبقى السدس.

و لو انعكس، يكون كذلك أيضاً.

2- إنّ الفاضل بعد إخراج سهم كلالة الأُمّ (الأخ أو الأُخت للأُمّ) و كلالة الأب (لأُخت لأب و أُمّ أو لأب فقط)، يرد إلى الأُخت من الأبوين أو الأُخت للأب إذا لم تكن الأُخت منهما.

أمّا الردّ على الأُخت من الأبوين فقد قال العلّامة في المختلف: المشهور بين علمائنا أنّ للأُخت من الأبوين، الباقي بعد سدس الأُخت

أو الأخ، و ثلث الإخوة من قبل الأُمّ و ادّعى أكثر علمائنا عليه الإجماع لأنّها تجمع السببين فتكون أولى، و قال ابن أبي عقيل قولًا غريباً أنّ الفاضل يقسم عليهما بالنسبة فيكون المال أرباعاً بين الأُخت من الأُمّ مع الأُخت بالأبوين، أو أخماساً بين الأُخت من الأُم مع الأُختين من قبلهما و المشهور الأوّل ( «1») و يظهر ممّا نقله عن الصدوق أنّ مختار الفضل نفس ما اختاره ابن أبي عقيل. ( «2»)

و يدل على القول المشهور أمور:

1- ما ذكر من اجتماع السببين.

2- ما في رواية بكير بن أعين و محمّد بن مسلم «فهم الذين يزادون و ينقصون».

( «3») أي يرد النقص على كلالة الأب، فترد الزيادة عليهم فمن عليه الخسران، فله الجبران، كما إذا تركت زوجاً و إخوة للأُمّ و أُختين للأُمّ و الأب، فسهم الأُختين

______________________________

(1) المختلف، كتاب الفرائض: 186 تحت عنوان «تذنيب».

(2) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2 و 3.

(3) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2 و 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 219

للأب في الكتاب، الثلثان لكنّهما ترثان في المقام السدس الباقي بعد سهم الزوج و كلالة الأُمّ المتعددة، فلو كان الخسران عليهم، فلتكن الزيادة لهم.

3- ما رواه موسى بن بكر قال: قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السلام) إنّ الإخوة للأب و الأخوات للأب و الأُمّ يزادون و ينقصون- إلى أن قال:- فقال زرارة: و هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه. ( «1»)

و أمّا الردّ على الأُخت من الأب وحده فهو الأقوى و أن لا يبلغ في الشهرة درجة الصورة السابقة.

قال العلّامة

في المختلف: لو خلّف أُختاً لأُمّ أو أخاً، أو أُختاً و أخاً، أو اخوة و أخوات- مع أُخت لأب- لا غير، قال الشيخ في النهاية: كان للأخ أو الأُخت، أو الأُخت و الأخ، أو الإخوة و الأخوات من قبل الأُمّ السدس و الثلث، و الباقي للأُخت للأب، و هو اختيار الصدوق في الفقيه، و به قال ابن البراج، و يظهر أيضاً من المفيد في المقنعة و أبي الصلاح. و قال ابن أبي عقيل: يرد عليهما على النسبة و به قال ابن الجنيد و اختاره ابن إدريس ( «2») و جعله المحقّق في الشرائع أولى. ( «3»)

و لكلّ من القولين دليل و إن كان الأقوى الأوّل.

و ذلك لما سبق أنّ الأخوات من الأب دون الأخوات من الأُمّ، يزادون و ينقصون، و من عليه الغرم فله الغنم.

أضف إلى ذلك ما رواه محمّد بن مسلم في ابن أُخت لأب، و ابن أُخت لأُمّ، قال: لابن الأُخت للأُم السدس و لابن الأُخت للأب الباقي. ( «4»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2.

(2) المختلف: 186.

(3) الجواهر: 39/ 161.

(4) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 220

قال العلّامة في المختلف: إنّ هذا الخبر يدل (بالملازمة) على أنّه إذا اجتمع أُخت من أُم، و أُخت من أب، أن تعطى الأُخت من الأُمّ، السدس بالتسمية و الأُخت من الأب الباقي: النصف بالتسمية و الباقي يرد عليها، لأنّ بنتها إنّما تأخذ ما كانت تأخذ هي لو كانت حية، لأنّها تتقرب بها و تأخذ نصيب من يتقرب به و ذلك خلاف ما يذهب إليه قوم من أصحابنا

من وجوب الردّ عليهما، لأنّ ذلك خطأ على موجب هذا النص.

نعم جعل المحقّق القول الثاني أولى و علّله بالتساوي في الدرجة، و أن سبب الوصلة من كلّ من الطرفين واحد.

يلاحظ عليه: أنّ المرجح هو النص أوّلًا، و الضابطة المستفادة من رواية بكير، من أنّ الأصل أن من عليه الخسران فله الجبران إلّا ما قام الدليل على خلافه. و قد جاء في رواية يزيد الكناسي: قوله: «و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأُمّك» ( «1») بناء على أنّ المراد من الأولوية هي الأقربية، فتكون الأُخت من الأب أولى من الأُخت للأُم.

روايتان فيهما نكات:

[الأولى عن بكير بن أعين]
اشارة

إنّ هنا روايتين رويتا عن الصادق و الباقر (عليهما السلام) رواهما بكير بن أعين غير أنّ السائل في الأُولى هو نفسه، و في الآخر غيره و فيهما نكات ننقلهما مع توضيح،

و قد أجاب الإمام في الرواية الأُولى عن فرعين:
الفرع الأوّل: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): امرأة تركت زوجها، و إخوتها و أخواتها لأُمّها،

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 221

و إخوتها و أخواتها لأبيها.

قال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الأُمّ الثلث، الذكر و الأُنثى فيه سواء، و بقى سهم فهو للإخوة و الأخوات من الأب للذكر مثل حظّ الأُنثيين، لأنّ السهام لا تعول و لا ينقص الزوج من النصف، و لا الإخوة من الأُمّ من ثلثهم، لأنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: (فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ) (وَ إِنْ كٰانَتْ وٰاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) و الذي عنى اللّه تبارك و تعالى في قوله: (وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلٰالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ) إنّما عنى بذلك الإخوة و الأخوات من الأُمّ خاصة، و قال في آخر سورة النساء: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلٰالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ) يعني أُختاً لأب و أُمّ، أو أُختاً لأب (فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ ... وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالًا وَ نِسٰاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فهم الذين يزادون و ينقصون و كذلك أولادهم الذين يزادون و ينقصون».

الفرع الثاني: «و لو أنّ امرأة تركت زوجها، و إخوتها لأُمّها، و أُختيها لأبيها

كان للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الأُمّ سهمان، و بقي سهم فهو للأُختين للأب، و إن كانت واحدة فهو لها، لأنّ الأُختين لأب إذا كانتا أخوين لأب لم يزادا على ما بقي، و لو كانت واحدة أو كان مكان الواحدة أخ لم يزد على ما بقي و لا تزاد أُنثى من الأخوات و لا من الولد

على ما لو كان ذكراً لم يزد عليه». ( «1»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2 و رواه الصدوق باسناده عن محمّد بن أبي عمير مثله إلى قوله: و الأخوات من الأب للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 222

توضيح مفاد الرواية:

الرواية تشتمل على مسألتين:

1- امرأة تركت زوجها، و إخوتها و أخواتها لأُمّها، و إخوتها و أخواتها لأبيها. فحاصل الجواب أنّ الزوج و الإخوة و الأخوات للأُمّ، من ذوات الفروض، فلهم فروضهم بلا نقص، بخلاف الإخوة و الأخوات للأب، فليسوا من ذوات الفروض، فلأجل ذلك يرث الزوج النصيب الأعلى، و الطائفة الثانية لأجل التعدّد، الثلث، و الباقي أي السدس و إن قلّ فهو للطائفة الثالثة، أعني: كلالة الأب.

نعم الأُخت الواحدة أو الأُختان للأب من ذوات الفروض، لكن إذا لم يكن بينهم أخ و أمّا إذا اجتمع الإخوة مع الأخوات، فليس لهم فرض، بل يرثن ما بقي للذكر مثل حظّ الأُنثيين، و يظهر ذلك من الإمعان في الذكر الحكيم حيث يقول في الأُخت و الأُختان لأب:

(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ ... فَإِنْ كٰانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ).

و يقول في الإخوة و الأخوات للأب مجتمعين.

(وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالًا وَ نِسٰاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

ثمّ إنّ الإمام، فسّر الآيات الواردة في حقّ الكلالة في أوّل سورة النساء، و آخرها. و ربما يتخيّل في بادئ النظر نوع اختلاف في المضمون، فقال: إنّ ما ورد في هذه السورة (الآية 12) من فرض السدس للأُخت الواحدة و الثلث لأكثر من ذلك لكلالة الأُمّ و أمّا ما ورد في آخر السورة من فرض

النصف للأُخت الواحدة و الثلثين للاثنين و أكثر لكلالة الأب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 223

هذا كلّه حول الفرع الأوّل و إليك الكلام في الفرع الثاني.

2- امرأة تركت زوجها، و إخوتها لأُمّها، و أُختيها لأبيها.

و هذا الفرع يفارق الفرع السابق فإنّ المفروض في الفرع كون المنتمي إلى الأب إخوة و أخوات و هؤلاء ليسوا من أصحاب الفروض، و لأجل ذلك يرثون الباقي و لا تتأتى شبهة العول، بخلاف هذا الفرع فانّ المنتمي إليه أخوات فقط و هو من أصحاب الفروض، إذ لهما الثلثان فتعود شبهة العول، و لا تسع التركة للنصف، و الثلث، و الثلثين، فلا بدّ من إدخال النقص على طائفة واحدة عندنا، أو تقسيم النقص على الجميع عند أهل السنة، و قال الإمام بأنّ النقص يدخل على الأُختين للأب، و علّله الإمام بالوجه التالي:

إذا كان مكان الأُختين، أخوين للأب ورثا الباقي، أعني: السدس إذ ليسا من أصحاب الفروض.

أو كان مكان الأُخت أخ لم يزد على ما بقي و يرث بعد إخراج النصف للزوج، و الثلث للإخوة للأُمّ، (السدس الباقي) فهكذا الأُختان للأب، و لا تزاد أُنثى من الأخوات و لا من الولد على ما لو كان ذكراً لم يزد عليه.

و هذا و يمكن تحليل الرواية على ضوء الضابطة السابقة في حلّ مشكلة العول، و هو أنّ الإخوة من الأُمّ من ذوي الفروض مطلقاً واحداً كان أو كثيراً، أُنثى كان أو ذكراً، متجانساً كان أو غير متجانس، ففي جميع الصور، السدس للواحد، و الثلث للمتعدد بالسوية، فلا يهبطون من فرض إلّا إلى فرض آخر.

و هذا بخلاف الأُخت أو الأُختان للأب، فإنّ للأُولى النصف و للثانية الثلثان، لكن إذا انضمّ إليه أو إليهما

أخ فليس لهم أي فرض، بل يرثون الباقي، فلأجل ذلك يدخل النقص عليهم دون الإخوة للأُم، فلا يصدق في حقّهم أنّهم لا يهبطون من فرض إلّا إلى فرض آخر.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 224

الرواية الثانية لبكير و فيها فرعان:
اشارة

ثمّ إنّ لبكير رواية أُخرى عن أبي جعفر، يطيب لي نقلها مع دراستها بما فيها من الفائدة يقول:

جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن:

1- امرأة تركت زوجها و إخوتها لأُمّها و أُختاً لأبيها؟ فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة للأُمّ الثلث سهمان، و للأُخت من الأب السدس سهم» فقال له الرجل: فإنّ فرائض زيد و فرائض العامة و القضاة على غير ذلك يا أبا جعفر يقولون: للأُخت من الأب ثلاثة أسهم تصير من ستة تعول إلى ثمانية؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): «و لم قالوا ذلك؟» قال: لأنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: (وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ) فقال أبو جعفر (عليه السلام): «فإن كانت الأُخت أخاً؟»، قال: فليس له إلّا السدس، فقال أبو جعفر (عليه السلام): «فما لكم نقصتم الأخ، إن كنتم تحتجّون للأُخت النصفَ بأنّ اللّه سمّى لها النصف، فإنّ اللّه قد سمّى للأخ الكل و الكلّ أكثر من النصف لأنّه قال: (فَلَهَا النِّصْفُ) و قال للأخ: (وَ هُوَ يَرِثُهٰا)، يعني: جميع مالها إن لم يكن لها ولد، فلا تعطون الذي جعل اللّه له الجميع في بعض فرائضكم شيئاً و تعطون الذي جعل اللّه له النصف تامّاً» فقال له الرجل: و كيف تُعطى الأُخت النصف و لا يعطى الذكر لو كانت هي ذكراً شيئاً؟. ( «1»)

2- قال ( «2»): «يقولون في أُمّ، و زوج، و إخوة لأُم، و اخت لأب فيعطون

الزوج النصف، و الأُمّ السدس، و الإخوة من الأُمّ الثلث، و الأخت من الأب النصف،

______________________________

(1) هذه العبارة من السامع تصديق مع الإعجاب لكلام الإمام.

(2) الظاهر أنّ ضمير الفاعل يرجع إلى الإمام و هو استعرض هذا الفرع للنقد و إثبات أنّ القول بالعول ينتهي إلى تسهيم الأُنثى أكثر من الذكر.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 225

فيجعلونها من تسعة و هي من ستة فترتفع إلى تسعة» قال: كذلك يقولون، قال: ( «1») «فإن كانت الأُخت ذكراً أخاً لأب؟» قال: ليس له شي ء ( «2») فقال الرجل لأبي جعفر (عليه السلام): فما تقول أنت جعلت فداك؟ فقال: «ليس للإخوة من الأب و الأُمّ و لا الإخوة من الأُمّ و لا الإخوة من الأب شي ء مع الأُمّ» قال عمر بن أُذينة: و سمعته من محمد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر بكير المعنى سواء و لست أحفظ حروفه إلّا معناه، فذكرته لزرارة فقال: صدق، هو و اللّه الحق ( «3»).

و الرواية مشتملة على فرعين:

الفرع الأوّل: امرأة تركت زوجها، و إخوتها لأُمّها و أُختاً لأبيها:

و الأخذ بظواهر الفروض يوجب عولها، لأنّ للزوج النصف، و للإخوة من الأُمّ الثلث، و للأُخت النصف، فتعول الفريضة من الستة إلى ثمانية 8/ 3+ 2+ 3.

فالقائل بالعول، يدفع للزوج ثلاثة أسهم، و للإخوة من الأُمّ سهمين، و للأُخت للأب ثلاثة أسهم لكن من ثمانية أسهم، و يُدخِلُ النقص على الجميع و أمّا على الضابطة المقرّرة عندنا يدخل النقص على من له فرض واحد، و هو الأُخت للأب.

و لمّا ذكر السائل بأنّ فرائض زيد (ابن ثابت) و فرائض العامة و القضاة يخالفون ذلك، و يقولون بأنّ القرآن فرض للأُخت للأب النصف، و قال: (وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ) فكيف تعطون لها،

السدس؟ فأجابه الإمام بأنّه لو كان

______________________________

(1) الضمير يرجع إلى الإمام.

(2) لأنّ التركة تنتهي بفرض السدس على الأُمّ (لوجود الإخوة للميت) و الثلث لكلالة الأُمّ، و النصف للزوج. فلا يبقى لكلالة الأب شي ء.

(3) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 226

مكان الأُخت، الأخ كم تعطون له؟ فقال السدس لأنّه ليس بذي الفرض فيرث ما بقي بعد اخراج أصحاب الفروض، فقال الإمام (عليه السلام): «إنّ اللّه قد سمّى للأخ الكل، و الكلّ أكثر من النصف لأنّه قال في حقّ الأُخت: (فَلَهَا النِّصْفُ) و قال في حقّ الأخ: (وَ هُوَ يَرِثُهٰا) يعني جميع المال إن لم يكن لها ولد، فلا تعطون الذي جعل اللّه له الجميع في بعض فرائضكم شيئاً و تعطون الذي جعل اللّه له النصف تماماً».

و بعبارة أُخرى، لو كان مكان الأُخت للأب، أخاً للأب، لا يدفع له إلّا السدس، فكيف يدفع للأُنثى أزيد منه، و لا تزاد أُنثى من الأخوات على ما لو كان ذكراً لم يزد عليه.

الفرع الثاني: امرأة تركت أُمّا و زوجاً و إخوة لأُمّ، و أُختاً لأب:

الأخذ بظواهر الفرائض يوجب العول: إذ للأُمّ، السدس و للزوج النصف، و للإخوة للأُمّ، الثلث، و للأُخت للأب النصف فتعول الفريضة من ستة إلى تسعة. 9/ 1+ 3+ 2+ 3.

فيعطى للزوج ثلاثة أسهم و للإخوة للأُمّ، سهمان و للأُخت للأب ثلاثة أسهم، كلّها من تسعة أسهم. فردّه الإمام بوجهين:

لو كان مكان الأُخت للأب، أخ للأب كم يعطون له؟ فقال: ليس له شي ء. و هذا من العجب الأُخت ترث و لو كانت ذكراً لا ترث!

ثمّ طلب السائل رأي الإمام فقال: المال للطبقة الأُولى، أعني: الأُمّ و ليس معها شي ء للإخوة مطلقاً.

***

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 227

في ميراث الأجداد

اشارة

1- للجدّ المنفرد، المال، لأُمّ كان أو لأب.

2- للجدّة المنفردة، المال، لأُمّ كانت أو لأب.

3- لو اجتمع الجد و الجدة لأُمّ- و لم يكن وارث غيرهما- يرثان الجميع و يقتسمان بالسوية.

4- لو اجتمع الجد و الجدة لأب- و لم يكن وارث غيرهما- يرثان الجميع و يقتسمان أثلاثاً.

5- لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو كلاهما لأُمّ، مع الجدّ أو الجدّة أو كلاهما لأب، فللأوّل الثلث واحداً كان أو أكثر بالسوية، و الثاني واحداً كان أو أكثر الثلثان، أثلاثاً.

قال الشيخ الطوسي: للجدّة من قبل الأُمّ، نصيب الأُمّ إذا لم يكن غيرها، الثلث المسمّى للأُمّ. و الباقي يرد عليها كما يرد على الأُمّ. و إن اجتمعت جدّتان: جدة أُمّ، و جدّة أب، كان للجدّة من قبل الأُمّ الثلث، و للجدّة من قبل الأب الثلثان، كلّ واحدة تأخذ نصيب من يتقرّب به، و قال ابن عباس: جدّة الأُمّ لها الثلث، نصيب الأُمّ كما قلناه.

و قال الفقهاء كلّهم: فلها السدس فإن اجتمعتا كان السدس بينهما نصفين. ( «1»)

______________________________

(1) الخلاف: 2 كتاب الفرائض، المسألة 73.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 228

هنا دعويان:

الأُولى: إنّ التقسيم عند اجتماع الصنفين من الأجداد بالثلث و الثلثين، حتى مع الأُنوثة و الاتحاد في الجدّ للأب، كما إذا مات و ترك جدّاً و جدّة لأُمّ، و جدّة لأب، فللأوّل الثلث مع كثرته، و للثاني الثلثان مع قلّته.

الثانية: إنّ التقسيم بين جدودة الأُمّ بالسوية، و جدودة الأب أثلاثاً.

و لنأخذ كلّ واحد من الأمرين بالبحث، أمّا الأوّل فيدل عليه أُمور:

1- ما يدل على أنّ إرث كلّ قريب نصيب ما يتقرّب به ( «1») و على ذلك فجدودة الأُمّ ترث نصيب الأُمّ، و هو الثلث، و جدودة الأب

ترث نصيب الأب و هو الثلثان.

فإن قلت: على هذا يجب أن ترث الأُخت الواحدة للأُمّ، الثلث، مع أنّها ترث السدس. و الأخ للأب و الأُخت له، الثلثين مع أنّ الأوّل يرث السدس و الثانية النصف.

قلت: إنّ ذلك خرج بالنص في الذكر الحكيم.

فإن قلت: إنّ فريضة الأُمّ هي السدس.

قلت: لا بل فريضتها الثلث، و إنّما الإخوة و الولد، حاجبان من فريضتها الأصلية فتنقل إلى السدس.

2- موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «إذا لم يترك الميت إلّا جدّه أبا أبيه و جدّته أُمّ أُمّه، فإنّ للجدّة الثلث، و للجدّ الباقي- قال:- و إذا ترك جدّه من قبل أبيه و جدّ أبيه و جدّته من قبل أُمّه و جدّة أُمّه، كان للجدّة من قبل الأُمّ الثلث و سقط جدّة الأُمّ، و الباقي للجدّ من قبل الأب و سقط جدّ الأب». ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه: الباب 9 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2، و في السند علي بن الحسن ابن فضال و هو فطحي ثقة، و عمرو بن عثمان الثقفي الخزار قال النجاشي: ثقة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 229

و في سند الرواية علي بن الحسن بن فضال و الأصحاب عملوا بروايته فلا إشكال من هذه الجهة.

و هناك أقوال أُخر:

1- ما نسب إلى العماني: انّه يعامل مع الجدّتين: أُمّ الأُمّ، و أُمّ الأب معاملة الأُختين من صنفين أي من أُمّ، و من أب و أُمّ أو أب، فللأُولى عنده السدس و للثانية النصف. فقد خالف القول المشهور في كلا الجانبين حيث إنّ المشهور: الثلث للأُولى، و الثلثان للأُخرى.

2- ما نسب إلى الصدوق

ينزل الجدّين: أبا الأُمّ و أبا الأب، منزلة الأخوين من صنفين، فللأول السدس كالأخ من أُمّ، و للآخر الكلّ، كالأخ من أب و أُمّ، أو أب.

فقد خالف القول المشهور في الجانبين أيضاً فهو يدفع لأبي الأُمّ السدس مكان الثلث، و لأبي الأب خمسة أسداس (حيث قال: و للآخر الكل) و على المشهور، له الثلثان فصارت المخالفة في أبي الأُمّ، سبباً للمخالفة في ناحية أبي الأب أيضاً.

3- ما نسب إلى أبي الصلاح و ابن زهرة و الكيدري من أنّ للمتحد من قبل الأُمّ السدس ذكراً كان أم أُنثى و للمتعدّد: الثلث فقد خالفوا القول المشهور في المتحد دون المتعدّد كما هو واضح.

و استدل لها بأمرين:

الف: حديث زرارة قال: أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) صحيفة الفرائض فإذا فيها: لا ينقص الجدّ من السدس شيئاً، و رأيت سهم الجدّ فيها مثبتاً. ( «1»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 7.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 230

يلاحظ عليه- مضافاً إلى أنّه أعمّ ممّا قالوا-: أنّه يستشم منه التقية حيث يثبت للجدّ السدس بصورة الفرض و هو يخالف ما اجتمعت الطائفة عليه و يوافق رأي المخالفين.

ب: ما سيأتي من تنزيل الجدّ منزلة الأخ و الجدّة منزلة الأُخت. ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّ التنزيل خاص بما إذا اجتمع الجدّ، أو الجدّة مع الأخ أو الأُخت أو الإخوة و الأخوات، لا أنّ الجدّ أخ مطلقاً و الجدّة أُخت كذلك. ذكره صاحب الجواهر في المقام و لكنّه خالفه في المقام الآتي فانتظر.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق نظام الإرث

في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 230

الدعوى الثانية: و هي أنّ جدودة الأُمّ يقتسمون بالسوية و جدودة الأب يقتسمون أثلاثاً. فهي من المسائل المسلّمة بين الأصحاب، مع عدم وجود دليل صالح.

قال العاملي: «و ما وجدنا في الأخبار ما يدلّ صريحاً على أنّ الجدّ و الجدّة للأب يتفاوتان أو يتساويان، إذا لم يكن معهم غيرهم من إخوة، هل عندكم من دليل فتخرجوه لنا غير ما ذكرنا أو تقولوا فيما نحن فيه بالتفاوت بالقياس على الأولاد، و لا يمكن القول بالتسوية لعدم الدليل. فلا بدّ من الاهمال أو ترك الجدال و اتباع الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- و بهذا التقريب بعينه ( «2») يستدل على أنّ للجدّ أو الجدّة أو لهما لأُمّ، الثلث، و ما بقي فللمتقرّب بالأب. ( «3»)

هذا نظر العاملي في المسألة و لكن صاحب الجواهر يدّعي عدم الإشكال في الحكم يقول: فلا إشكال في الحكم حينئذ بحمد اللّه و إن وسوس فيه بعض متأخّري المتأخّرين. ( «4»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد.

(2) قد عرفت الدليل الوافي للتفريق بين الأجداد لأُمّ، و الأجداد لأب، فلا يحسن عطف هذا على الآخر.

(3) مفتاح الكرامة: 8/ 147.

(4) الجواهر: 39/ 155.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 231

و الحقّ أنّه ليس في المسألة دليل صالح للافتاء سوى الاتّفاق لأنّهم استدلوا:

أوّلًا: بمرسل مجمع البيان ( «1») الذي نقله صاحب الوسائل بصورة الرواية و ليس هو سوى أنّه حكم استنبطه الطبرسي باجتهاده من الأخبار و كيف يكون حجّة.

و ثانياً: بما في الفقه الرضوي ( «2») و من المعلوم أنّه ليس تأليف الإمام، بل هو نفس كتاب التكليف للشلمغاني، أو رسالة علي بن بابويه التي ألّفها لولده الصدوق

و لكلّ من القولين شواهد و قرائن.

و ثالثاً: بما دلّ على أنّه إذا اجتمع مع الإخوة للأُمّ، جدّ و جدّة، أو أحدهما من قبلها، كان الجدّ كالأخ منها، و الجدّة، كالأُخت منها، و أنّه إذا اجتمع مع الأُخت أو الأُختين فصاعداً للأب و الأُمّ، أو للأب، جدّ و جدّة، أو أحدهما من قبله كان الجدّ كالأخ من قبل الأب، و الجدّة كالأُخت، فتكون النتيجة، أنّ الجدّ و الجدّة للأُمّ، حكم الأخ و الأُخت للأُمّ، و حكمهما التقسيم بالسوية، و الجدّ و الجدّة للأب، حكم الأخ و الأُخت للأب و حكمهما، التقسيم أثلاثاً و سيوافيك روايات الباب في الفرع الآتي.

يلاحظ عليه: بما ذكره نفس صاحب الجواهر ردّاً على الأقوال الشاذة في المسألة السابقة حيث ذهب العماني إلى أنّه يعامل مع الجدّتين: أُمّ الأُمّ، و أُمّ الأب معاملة الأُختين من صنفين، لأجل أنّ الروايات نزّلت الجدّة منزلة الأُخت، فردّ عليه صاحب الجواهر بأنّ التنزيل المذكور إنّما هو في حال اجتماع الجدّ أو الجدّة، مع الأخ أو الأُخت. أو الإخوة أو الأخوات لا مطلقاً كما لا يخفى على من لاحظ النصوص المتضمّنة لذلك. ( «3»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موجبات الإرث، الحديث 5.

(2) المستدرك: الباب 8 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 9.

(3) الجواهر: 39/ 153.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 232

و رابعاً: بما دلّ في قسمة الجدّ من قبل الأب مع الأُخت له أو لهما بالتفاوت فالجدّة المنزلة منزلتها كذلك ففي صحيحة الفضلاء قلت: رجل ترك جدّه و أُخته، فقال: «للذكر مثل حظّ الأُنثيين» ( «1»)، فإذا كان التقسيم بين الجدّ و الأُخت كذلك، كان بين الجد، و الجدّة المنزلة مكان الأُخت

كذلك أيضاً.

يلاحظ عليه بمثل ما سبق.

إلى غير ذلك من الوجوه التي ساقها صاحب الجواهر لإثبات القول المشهور و الحق، مع سيّد الكرامة لكن لا محيص عن اختيار ما عليه الأصحاب و المقام من المسائل الكثيرة التي ليس لها دليل سوى الشهرة و قد كان سيّد الأساتيذ، المحقّق البروجردي أنهى هذا الصنف من المسائل إلى أربعمائة.

في اجتماع الإخوة مع الأجداد:

اشارة

1- إذا اجتمع مع الإخوة للأُمّ، جدّ و جدّة، أو أحدهما من قبلها، كان الجدّ كالأخ منها، و الجدّة كالأُخت منها، و كان الثلث بينهم بالسوية.

2- إذا اجتمع مع الأُخت أو مع الأُختين فصاعداً للأب و الأُمّ أو للأب، جدّ و جدّة، أو أحدهما من قبله كان الجدّ كالأخ من قبله و الجدّة كالأُخت و ينقسم الباقي بعد كلالة الأُمّ- إن كانت- بينهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين. و قد قورن في عنوان المسألة الجد في كلالة الأُمّ، إلى الإخوة، و في كلالة الأب إلى الأُخت و الأُختين و ما هذا إلّا لأنّ كلالة الأُمّ من أصحاب الفروض مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى، واحداً كان أو أكثر، فلأجل ذلك قال: الجدّ بمنزلة الأخ، إذا اجتمع مع الإخوة للأُمّ، و المراد من الإخوة المعنى الوسيع أي الأعم من الإخوة و الأخوات، و الواحد و الكثير.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 9.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 233

و أمّا كلالة الأب فهي من أصحاب الفروض تارة إذا كانت أُختاً واحدة، أو أكثر، و لم يضم إليهما أخ و إلّا فيصير من أصحاب الوراثة بالقرابة و يقتسمون على التثليث، فذكر الجدّ، مع الأُخت أو الأُختين لبيان أمرين:

1- انّه يرث ميراث الأخ.

2- انّه يقلب المنضم إليه من

كونه ذا فرض، إلى الوراثة بالقرابة، كما إذا انضمّ إليهما أخ حقيقة.

قد عرفت فيما سبق أحكام الإخوة و الأخوات للأب و الأُمّ، أو للأب، أو للأُمّ إذا انفردوا عن الأجداد و الجدّات.

كما عرفت حكم الأجداد و الجدّات للأب و الأُمّ، إذا انفردوا عن الإخوة و الأخوات.

بقي الكلام فيما إذا اجتمعت الإخوة مع الأجداد بنحو من الأنحاء، و العبارة المتقدّمة كافلة لبيان حكم الاجتماع و قبل الخوض في بيان أحكام المسألة، نذكر صورها:

1- إذا انحصر الوارث في جدّ أو جدّة، أو أحدهما من قبل الأُم، مع أخ أو أُخت أو إخوة و أخوات من قبل الأُمّ، و لم يكن من جانب الأب، أيّ وارث في هذه الطبقة.

2- إذا انحصر الوارث في جدّ أو جدّة أو هما لأب، مع أخ أو أُخت أو إخوة أو أخوات للأبوين أو للأب، و لم يكن من جانب الأُمّ أيّ وارث في هذه الطبقة.

3- إذا اجتمع الإخوة المتفرقون، مع الأجداد المتفرّقين مثلًا إذا ترك من جانب، جدّاً، أو جدّة للأُمّ و أخاً أو أُختاً لها، و من جانب آخر ترك جدّاً أو جدّةً للأب، و أخاً أو أُختاً له. أي يكون في كلّ من الطرفين، صنفان، أي من الإخوة و الجدودة. سواء كان واحداً (كالأخ أو الأُخت أو الجدّ، أو الجدّة) أو كثيراً (كالإخوة، الأخوات، الجد و الجدّة).

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 234

4- أن يكون في جانب الوارث عن أُمّ، واحد من الصنفين إمّا الإخوة و الأخوات فقط أو الجدّ و الجدّة فقط، مع صورهما المختلفة غير المؤثّرة في الحكم. و يكون في جانب الوارث عن أب كلا الصنفين الإخوة و الأخوات و الجدّ و الجدة، بصورهما المختلفة.

5-

أن يكون على العكس فيكون الوارث في جانب- ب الأُمّ مختلطين- من الصنفين، دون جانب الأب.

6- أن يكون في كلّ جانب، صنف واحد. أمّا الأخ و الأُخت، أو الجدّ و الجدّة فلو كان الوارث عن أُمّ، أخاً أو أُختاً، يكون الوارث عن أب، جدّاً أو جدّة، و لو كان الوارث عن أب، أخاً أو أُختاً يكون الوارث عن أُمّ جدّاً أو جدّة و هذه صور المسألة و إليك بيان حكمها.

أحكام الصور:
اشارة

إنّ العلم بأحكام الصور يتوقّف على العلم بصغرى تكفّلت لبيانها السنّة، و كبرى تكفّل لبيانها الذكر الحكيم.

أمّا الصغرى فالمحصّل منها بعد ضم بعضها إلى بعض، أنّ كلًا من الجدّ و الجدّة في كلّ من الطرفين، عند الاجتماع مع الإخوة و الأخوات يُنزّل منزلة الأخ أو الأُخت، فلو كان للميّت أخ أو أُخت للأُمّ و كان معهما جدّ أو جدّة، فكأنّه مات عن أخوين أو أُختين، فيعامل معهما معاملة الأخ و الأُخت الواقعيين، و مثله ما إذا مات إنسان عن أخ أو أُخت للأب و الأُمّ، أو الأب، مع جدّ أو جدّة، فكأنّه مات عن أخوين أو أُختين، فيكون حكمهما حكم الأخ و الأُخت الحقيقيين.

إنّ روايات التنزيل يجب أن تكون كافلة لتنزيلات أربعة، الجدّ و الجدّة لأب، منزلة الأخ و الأُخت له، و الجدّ و الجدّة لأُمّ منزلة الأخ و الاخت لها و لا توجد رواية صريحة جامعة لها و لو كانت، فهي من قبيل الإطلاق.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 235

1- ما هو ظاهر في تنزيل الجدّ للأب منزلة الأخ:

عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل ترك إخوة و أخوات لأب و أُمّ، و جدّاً؟ قال: «الجدّ كواحد من الإخوة، المال بينهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين». ( «1»)

و لعلّ لفظة «لأب» قرينة أو تصلح للقرينية على أنّ المراد من الجدّ، هو الجدّ لأب، لا الأعم منه و لا للأُمّ.

روى أبو الربيع عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) يورث الأخ من الأب مع الجدّ ينزله بمنزلته» ( «2») و الحديث الأوّل كافل للتنزيل و كيفية التقسيم و الثاني كافل لأصل التنزيل.

و ربما يستفاد من الحكم، وجود التنزيل بعد الوقوف

على التنزيل في سائر الأحاديث فعن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن أخ لأب و جدّ؟ قال: «المال بينهم سواء». ( «3»)

2- ما هو ظاهر في تنزيل مطلق الجدّ منزلة الأخ:

روى حمّاد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ الجدّ شريك الإخوة و حظّه مثل حظّ أحدهم ما بلغوا، كثروا أو أقلّوا». ( «4»)

عن إسماعيل الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «الجدّ يقاسم الإخوة و لو كانوا مائة الف». ( «5»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2 و 3 و 1 و بهذا المضمون الحديث: 4 (الجدة في نسخة الوسائل مصحف الجد) 10، 11، 12، 13.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2 و 3 و 1 و بهذا المضمون الحديث: 4 (الجدة في نسخة الوسائل مصحف الجد) 10، 11، 12، 13.

(3) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2 و 3 و 1 و بهذا المضمون الحديث: 4 (الجدة في نسخة الوسائل مصحف الجد) 10، 11، 12، 13.

(4) المصدر نفسه: الحديث 5، 6، و لاحظ 7، 8، 14، 15، 16 و 19.

(5) المصدر نفسه: الحديث 5، 6، و لاحظ 7، 8، 14، 15، 16 و 19.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 236

3- ما هو صريح في تنزيل الجدّ و الجدّة:

روى الحسن بن أبي عقيل: إنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أملى على أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيفة الفرائض أنّ الجدّة مع الإخوة يرث حيث ترث الإخوة، و يسقط حيث تسقط، و كذلك الجدّة أُخت مع الأخوات، ترث حيث يرثن و تسقط حيث يسقطن ( «1») و لعلّ إطلاق الحديث كافل للتنزيلات الأربعة.

و الناظر في الروايات لا يشكّ في التنزيل و لو كانت الروايات في تنزيل الجدّ تامّة تدل بالملازمة أيضاً على تنزيله الجدّة منزلة الأُخت. مضافاً

إلى ما عرفت من وجود التنزيل في خصوص الجدّة.

نعم تعارض الجميع روايتا الحلبي، و أبي بصير، و لم يعمل المشهور بهما و ليستا بحجة. ( «2»)

هذا كلّه حول الصغرى و أمّا الكبرى، فيكفي في ذلك ما ورد حول كلالة الأُمّ من التقسيم بالسوية مطلقاً و كلالة الأب من التقسيم أثلاثاً بين الذكر و الأُنثى. و في الحقيقة يكون ما ورد في السنّة من جعل الجدّ و الجدّة بمنزلة الأخ و الأُخت، دليلًا حاكماً على آيات الكلالة، و متصرّفاً في عقد وضعهما بجعل المصداق لهما- كما لا يخفى.

و اعطف نظرك على الصور التي ذكرناها في صدر البحث و لعلّ حكمها واضح. و لكن تأكيداً للبيان السابق نقول:

أمّا الأُولى: فيرثون الثلث بالسوية فرضاً، و الباقي ردّاً و قرابة.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 22.

(2) المصدر نفسه: الحديث 17 و 18.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 237

و أمّا الثانية: فيرثون و يقتسمون أثلاثاً.

و أمّا الثالثة: فلمن يرث لأُمّ، الثلث بالسوية و لمن يرث لأب، الثلثان أثلاثاً و ينزل الجدّ و الجدّة في كلا الطرفين منزلة الأخ و الأُخت غير أنّهما في الوارث لأُمّ يرثون بالسوية، و في الآخر، للذكر مثل حظّ الأُنثيين، و هكذا في الصور الأُخرى.

و أمّا الرابعة: فلمن يرث لأُمّ، الثلث و إن كانوا من صنف واحد، و لمن يرث لأب، الثلثان و إن كانوا من صنفين، و التقسيم و التنزيل كما مرّ، و منه يعلم حكم الصورة الخامسة فإنّها عكس الرابعة.

و أمّا السادسة: فللوارث لأُمّ، الثلث بالسوية، و للوارث لأب الثلثان و التقسيم و التنزيل كما مرّ، و لا يؤثّر اشتمال كلّ طرف على صنف، فالملاك وجود

من يرث لأُمّ، أو لأب، واحداً كان أو كثيراً، من صنف كان أو من صنفين.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 238

إرث الزوج و الزوجة مع الإخوة و الأجداد

إنّ الزوج و الزوجة يجتمعان مع جميع الطبقات و المراتب و لا ينقص نصيبهما المقدّر لهما، مع الولد و عدمه و لا بحال من الأحوال.

ففي مرسلة أبي المعزا ( «1») عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «إنّ اللّه أدخل الزوج و الزوجة على جميع أهل المواريث فلم ينقصهما من الربع و الثمن». ( «2»)

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا يرث مع الأُمّ، و لا مع الأب، و لا مع الابن و لا مع الابنة إلّا الزوج و الزوجة و انّ الزوج لا ينقص من النصف شيئاً إذا لم يكن ولد، و الزوجة لا تنقص من الربع شيئاً إذا لم يكن ولد، فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع و للمرأة الثمن». ( «3»)

و على ذلك فلهما النصيب الأعلى مع الأجداد و الإخوة، سواء اتفقت وصلتهم بأن كانوا جميعاً لأب و أُمّ، أو أب أو أُمّ، أو اختلفت بأن كان بعضهم كذلك و بعضهم لأُمّ، و إليك بعض صور المسألة:

1- لو اجتمع الزوج مثلًا مع كلالة الأُمّ، و كلالة الأب و الأُمّ، و كلالة الأب، فالأخيرة لا ترث مع وجود كلالة الأب و الأُمّ، فتبقى ثلاثة أصناف، و لو كان الصنف الثالث، إخوة يرث ما بقي بعد إخراج فرضي الزوج و كلالة الأُم. لعدم

______________________________

(1) أبو المعزا- بكسر الميم و الزاء المعجمة- هو حميد بن المثنى، قال النجاشي: ثقة ثقة. و في السند «درست بن أبي منصور الواقفي، و حديثه قوي روى عن المشايخ».

(2) الوسائل:

17، الباب 1، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2 و 1.

(3) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2 و 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 239

كونه ذا فرض، بل يرث قرابة و رحماً فيخرج النصف للزوج، و لكلالة الأُمّ السدس، إذا كان واحداً و الثلث إذا كان متعدداً، فما بقي بعد النصف و السدس أو الثلث، فلكلالة الأب و الأُمّ.

2- و أمّا إن كان الصنف الثالث (كلالة الأب و الأُم) أُختاً واحدة أو أُختين، يلزم العول إذا أخذنا بظاهر الفروض فتتجاوز السهام من ستة إلى ثمانية إذا كانت أُختاً، و إلى تسعة إذا كانت أُختين، مع فرض تعدّد كلالة الأُمّ، و إن كانت واحدة تتنزّل إلى سبعة أو ثمانية.

و بما أنّ العول عندنا باطل، يرد النقص على كلالة الأب و الأُمّ، و ترث الباقي لأنّها في هذه الصورة ليست من أصحاب الفروض و أنّ استعمال النقص في حقّها نوع مسامحة.

و أمّا القائل بالعول، فهو يجمع السهام إلى تسعة أو ثمانية و يعطي ثلاثة أسهم للزوج من تسعة سهام، لا من ستة سهام، و هكذا، كلالة الأب و الأُمّ، و قد مرّ ما هو الحق.

و بما أنّ من عليه الغرم، فله الغنم، فلو بقي شي ء بعد إخراج الفرائض يرد على كلالة الأب و الأُمّ و ذلك مثل الصورة التالية.

3- إذا مات الرجل عن زوجة و واحد من كلالة الأُمّ، و أُخت لأب و أُمّ، فللأُولى الربع، و للثانية السدس، و للثالثة النصف (ثلاثة أسداس) و الباقي نصف السدس لها، و قد عرفت سابقاً قول الصادقين «فهم الذين يزادون و ينقصون». ( «1»)

و قد أشبعنا الكلام فيما سبق عند البحث عن اجتماع

كلالتي الأُمّ، مع كلالة الأب و الأُمّ، أو الأب فقط و المخالف في الأوّل هو الفضل و العماني، و في الثاني كثير مثل الصدوقين و الشيخين و أتباعها حتى جعله المحقّق أولى فلا نعيد.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 240

مسائل ثلاث

المسألة الأُولى: في اجتماع الجدّ الأعلى و الأدنى مع الإخوة

لو اجتمع الجدّ الأعلى و الأدنى، مع الإخوة شاركهم الأدنى دون الأعلى، لكون الأوّل أقرب سواء اتحدت جهتهما أم تعدّدت، فلا يرث الأعلى للأب، و لو كان ذكراً مع وجود الأدنى للأُمّ و لو كان أُنثى.

نعم عند عدم وجود الأدنى، يشارك الأعلى مع الإخوة، و إن كانت الإخوة أقرب، لما ذكر سابقاً من أنّ الأقربية تمنع الأبعد في الصنف الواحد، لا الأبعد من الصنف الآخر، و لأجل ذلك يقاسم أولاد الأولاد عند عدم الأولاد، الأبوين للميت و إن كان الأخير ينتمي بواسطة، و أولاد الأولاد بواسطتين.

روى أبو بصير: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الجدّ يقاسم الإخوة حتّى يكون السُّبع خيراً له». ( «1»)

و المسألة مورد اتّفاق و الدليل هو صدق الجدّ عليه كصدقه على الأدنى.

نعم يترتب على ذلك ما كان يترتب على الأدنى.

إنّ الجدّ لأب كالأخ من قبله أو من قبل الأبوين، و الجدّة كالأُخت، و الجدّ لأُمّ كالأخ من قبلها و كذا الجدّة عند وجود الإخوة و الأخوات، فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 19.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 241

المسألة الثانية: في إرث الأجداد الثمانية
اشارة

للإنسان أب و أُم، و هما الواقعان في الدرجة الأُولى من درجات الأُصول.

ثمّ لأبيه أب و أُمّ، و كذلك لأُمّه أب و أُمّ، و هم الواقعون في الدرجة الثانية من درجات الأُصول.

ثمّ الأُصول في الدرجة الثالثة ثمانية، لأنّ لكلّ واحد من الأربعة أباً و أُمّاً فتضرب الأربعة في الاثنين فيكون مساوياً لثمانية، و في الدرجة الرابعة ستة عشر بضرب الاثنين في ثمانية و هكذا. و لأجل أن تجسّد الأجداد الثمانية نقول:

إنّ الأُصول الأربعة عبارة عن:

1- أبي الأب

2- أُمّ الأب

3- أبي الأُمّ

4-

أُمّ الأُمّ

و لكلّ من الأطراف الأربعة والدان، فإذا اجتمعوا يكونون ثمانية و إن شئت الترسيم فلاحظ الرسم التالي:

الوالدان الوالدان الوالدان الوالدان

لأبي الأب لأُمّ الأب لأبي الأُمّ لأُمّ الأُمّ

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 242

و من المعلوم: أنّ هؤلاء إنّما يرثون مع فقد الأجداد الدنيا الأربعة أخذاً بالضابطة المحقّقة في باب الارث من أنّه لا يرث الأبعد إلّا مع فقد الأدنى ذكراً كان أو أُنثى، لأب كان أو لأُمّ. فإذا فقد الأدنى من الأجداد يرث الأبعد منهم أي الأجداد الثمانية. و أمّا كيفية إرثهم، فلأجداد الأُمّ الأربعة، الثلث بالسوية و لأجداد الأب ثلثان، ثلثاهما للجدّين من قبل أبيه أي الوالدين لأبي الأب، أثلاثاً، و الثلث للجدّين من قبل أُمّه، أي والدي أُمّ الأب أثلاثاً أيضاً. فهناك أحكام ثلاثة:

1- الثلثان لأجداد الأب و الثلث لأجداد الأُمّ.

2- ثلثا الثلثين للجدّين من قبل أبيه، و ثلث الثلثين للجدّين من قبل أُمّه.

3- انّ أجداد الأُمّ الأربعة يقتسمون بالسوية، و أجداد الأب، سواء كان والدي أبيه، أم والدي أُمّه يقتسمون أثلاثاً، و الصنف الأوّل يقتسم الثلثين، و الصنف الثاني يقتسم الثلث للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

و إليك دراسة هذه الأحكام الثلاثة:

أمّا الحكم الأوّل: أي كون الثلثين لأجداد الأب، و الثلث لأجداد الأُمّ فيمكن تقريبه بوجهين:

1- ما رواه أبو أيوب الخزاز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ في كتاب علي (عليه السلام) أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يُجر به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه» ( «1») إنّ المتبادر من «الرحم»، هو الرحم الذي يتصل بالميت بلا واسطة، لا الرحم الذي يتصل به إلى الميّت و لو بواسطة أو بوسائط. و

على ضوء ذلك فأجداد الأب، كلّهم يتصلون بالميت بالأب، و أجداد الأُمّ، كلّهم يتقرّبون إلى الميّت بالأُمّ و كلّ يرث، إرث من يتقرّب به فللأُمّ الثلث، يرثه أجداد الأُمّ، و للأب الباقي أي الثلثان يرثه أجداد الأب.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 243

نعم لو فسّرنا الرحم، بمن يتقرّب به إلى الميت و لو بوسائط يكون والد أُمّ الأب، بمنزلة الأُمّ (التي تجرّ بها إلى الأب الذي يجر به إلى الميّت) لا بمنزلة الأب، و لكنّه خلاف الظاهر، و المتبادر تنزيل الجميع منزلة الرحم الذي يتصل به بالميت بلا واسطة أي الحلقة المتصلة بالميت.

و الحاصل: أنّ مقتضى الحديث كون أجداد الأب الأربعة، بمنزلته، و أجداد الأُمّ الأربعة بمنزلتها و الكلّ يرث، إرث من يتقرّب به. حتّى انّ والدي أُمّ الأب يقومون مقام الأب لا مقام الأُمّ.

2- ما ذكره العاملي في مفتاح الكرامة، و تبعه صاحب الجواهر من تنزيل أجداد الأب، منزلة كلالة الأب و أجداد الأُمّ، منزلة كلالة الأُمّ، فعند الاجتماع للأُولى الثلثان، و للثانية الثلث حسب تنصيص الذكر الحكيم. ( «1»)

لكنّه قاصر في المقام، لأنّ التنزيل- كما مرّ- مختص بما إذا اجتمع الأجداد، مع الأخ و الأُخت، فيكون الجدّ و الجدّة من قبل الأُمّ، كالإخوة للأُم. و مثله الجدّ و الجدّة من قبل الأب يكون بمنزلة الإخوة للأب، و أمّا الأجداد المجرّدة من الأخ و الإخوة، فالتنزيل غير ثابت حتّى أنّ صاحب الجواهر اعترف بذلك في محلّه ( «2») و إن عدل عنه في محلّ آخر.

و أمّا الحكم الثاني: و هو التفريق بين أجداد الأب الأربعة، فالثلثان لجد الأب و جدّته من جانب

أبيه، و الثلث لجدّ الأب و جدّته من جانب أُمّه. فقد ذكره الشيخ و جماعة و ادّعى عليه الشهرة و إن خالفه بعضهم كما سيجي ء.

لكن تطبيقه على القواعد المستنبطة من الروايات مشكل، فإذا كان كلّ رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به، فالكلّ منزّل منزلة الأب الذي هو الحلقة الأخيرة بين الأجداد الأربعة للأب، و الميت، لا المتوسط بين الأب و الأجداد، أعني: أجداد

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 163 و سيجي ء نص المفتاح عند البحث عن الحكم الثالث.

(2) المصدر نفسه: 153.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 244

نفس الميت و على ذلك لا دليل للتفريق بين الأربعة بدفع الثلثين إلى الجدّين للأب من جانب الأب، و الثلث إلى الجدّين للأب من جانب الأُمّ. بل المناسب لحاظ الأربعة مجموعة واحدة للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

و إن شئت قلت: إنّ الأربعة ترث إرث من يتقرّبون به، و هو الأب، و نسبته إلى الأربعة على وجه مساو، فلا وجه للتفريق.

و الضابطة الغالبية من أنّ من يتقرّب إلى الميت بالأب يقتسم فيه الذكر و الأُنثى بالتفاوت، و من يتقرب إليه بالأُمّ يقتسمان بالسوية، غير مضر في المقام فانّ المفروض أنّ الأجداد الأربعة للأب يتقرّبون كلّهم إلى الميّت بالأب، و لأجل عدم دليل كاف يقول صاحب الجواهر: إنّ الاحتياط و لو بالصلح و غيره لا ينبغي تركه- و يردفه بقوله:- و لقد كفانا مئونة ذلك ندرة وقوع الفرض. ( «1»)

و أمّا الحكم الثالث فهو مقتضى القاعدة السابقة خصوصاً إذا قلنا بأنّ أجداد الأب، بحكم كلالة الأب، و أجداد الأُمّ بحكم كلالة الأُمّ، و الحكم في الأُولى هو التقسيم على التفاوت، و في الثانية هو التقسيم بالسوية.

يقول العاملي: قد دلّت الروايات على أنّ

الإخوة و الأجداد على نمط واحد فلأجداد الأُمّ، الثلث لأنّهم كلالة أُمّ فهم بمنزلة الإخوة و الأخوات فيقتسمون بالسوية، و كذا أجداد الأب كالإخوة و الأخوات من قبل الأب فالذكر بمنزلة الأخ و الأُنثى بمنزلة الأُخت فتقسم حصّتهم للذكر مثل ضعف الأُنثى. ( «2»)

هذا هو المشهور بين الفقهاء، و قد نقل الخلاف عن الشيخ معين الدّين المصري، و الشيخ زين الدين البرزهي و نقلهما الشهيد الثاني في الروضة و المسالك، فلاحظ.

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 165.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 150.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 245

أمّا كيفية التقسيم:

فتوضيحه: أنّ المخرج هو الثلاث، و النصيب في جانب أقرباء الأُمّ هو الواحد و النصيب في جانب أقرباء الأب اثنان أخذاً بتقسيم التركة عليهم أثلاثاً.

و من المعلوم أنّ كلّ واحد من النصيبين لا يقبل الاقتسام على سهامهم، فلا بدّ من تبديل النصيبين إلى مخرج قابل للتقسيم على جميع السهام و هو يتحصل بالنحو الآتي:

1- إنّ سهام أقرباء الأُمّ أربعة بحكم أنّهم يقتسمون بالسوية.

2- و سهام أقرباء الأب تسعة مع أنّ نصيبهم اثنان، و ذلك لأنّ والدي أبي الأب و والدي أُمّ الأب يقتسمان الثلثين أثلاثاً فيجب أن يكون هناك مخرج، له أيضاً ثلثان و ثلث، و لثلثه أيضاً ثلث و هو ليس إلّا عدد التسعة و يحصل ذلك بالنحو التالي: بضرب النصيب الثاني لوالدي أبي الأب و هو اثنان في ثلاثة بحكم أنّهم يقتسمون أثلاثاً فيكون ستة، و ضرب النصيب الثاني لوالدي أُمّ الأب و هو واحد في ثلاثة بحكم أنّهم أيضاً يقتسمون أثلاثاً فيصير ثلاثة فيجمع الثلاثة و الستة فيصير تسعة.

فيكون الحاصل أنّ سهام أقرباء الأُمّ هو أربعة حسب رءوسهم.

و سهام أقرباء الأب تسعة مع أنّ نصيب الأوّل

هو واحد و نصيب الثاني، هو اثنان و بما أنّ السهام تنوب عن النصيب فيحذف و تبقى السهام.

ثمّ إنّه يضرب الأربعة في تسعة و ذلك للقاعدة المقررة في الرياضيات أنّه إذا

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 246

كانت بين السهام مباينة يضرب واحد في الأُخرى ليحصل مخرج أرفع يشتمل على جميع الأسهم فيصير 36.

إلى هنا تمّ العمل الأوّل أي تبديل النصيبين إلى مخرج قابل للاقتسام على السهام و بقي بعده عمل آخر و هو تبديل أصل التركة إلى مخرج قابل للاقتسام على جميع السهام و بين العملين فرق واضح، فالعمل السابق مركز على تبديل النصيبين على السهام و هذا العمل مركّز على تبديل أصل التركة على السهام فلا بدّ من رفع المخرج إلى مخرج آخر بضرب أصل التركة و هو ثلاثة في هذا المخرج فيصير 108.

إلى هنا تمّت كيفية العمل و أمّا صورته:

3* 63/ 801

و بما أنّ أصل الفريضة هو الثلثان لأقرباء الأب و الثلث لأقرباء الأُمّ يقسم المرتفع على الثلاث.

سهام أقرباء الأب 2* 63/ 27

سهام أقرباء الأُمّ 1* 63/ 63 801: 3/ 63

فيقسم سهام أقرباء الأُمّ على أربعة، لأنّهم يرثون بالسوية:

فسهام كلّ من أقرباء الأُمّ تسعة 9/ 4: 36

و يقسم سهام أقرباء الأب أثلاثاً:

فالحاصل: 24/ 3: 72

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 247

سهام والدي أبي الأب 2* 48/ 24 سهام والدي أُمّ الأب 1* 24/ 24

8/ 3 00 24 16/ 3 00 48

سهام أُمّ أبي الأب 1* 16/ 16 سهام أُمّ أُمّ الأب 1* 8/ 8

سهام أبي أبي الأب 2* 32/ 16 سهام أبي أُمّ الأب 2* 16/ 8

ما ترك

32

13

جدودة الأب جدودة الأُم

فلهم أربعة أسهم

32 13

والدا أبي الأب والدا أُمّ الأب

فلهم ستة أسهم فلهم ثلاثة أسهم

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 248

المسألة الثالثة: اجتماع أخ من أُمّ، مع ابن الأخ

قال المحقّق في الشرائع: «لو اجتمع أخ من أُمّ، مع ابن أخ لأب و أُمّ فالميراث كلّه للأخ لأنّه أقرب، و نقل عن ابن شاذان أنّه قال: له السدس، و الباقي لابن الأخ و الأُمّ لأنّه يجمع السببين. ثمّ ردّ عليه: بأنّه ضعيف لأنّ كثرة الأسباب، أثرها مع التساوي في الدرجة لا مع التفاوت.

توضيحه: أنّ حكم الإخوة حكم الأولاد و الأجداد، فكما أنّ الأولاد في المرتبة الأُولى و إن كانت أُنثى، يمنعون عن أولاد الأولاد و إن كان ابن ابن. و هكذا الأجداد، فالأقرب إلى الميت و إن كان جدّة لأُمّ، يمنع الأبعد و إن كان جدّاً لأب. فهكذا الإخوة فهم صنف واحد سواء كانوا لأب و أُمّ أو لأحدهما أم متفرّقين. و على ضوء ذلك فالأخ من الأُمّ أقرب درجة من ابن الأخ للأبوين فيكون الميراث كلّه له: السدس بالفرض و الباقي بالردّ، و على ذلك فما نقل عن ابن شاذان من أنّه قدّم ابن الأخ لأب و أُمّ، على الأخ من أُمّ، لكونه يجمع السببين إنّما يتم لو كان الوارثان في درجة واحدة كالأخ من أب و أُمّ، لا في درجتين كما هو واضح.

هذا حسب ما نقله المحقّق عنه، لكن الذي نقله عنه الكليني في الكافي ( «1») غير ذلك. و الظاهر من كلامه أنّه جعل الإخوة صنفين:

1- إخوة الأُمّ 2- إخوة الأب و الأُمّ أو الأب، فالأقرب من كلّ صنف يمنع

______________________________

(1) الكليني: الكافي: 7/ 107.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء،

ص: 249

الأبعد، فالإخوة من أُمّ، مع الإخوة من الأب و الأُمّ أو الأب عنده كالإخوة و الأجداد أي صنفان مثلهما فكما لا يمنع الجدّ الداني، ابن الأخ و إن كان أبعد بالنسبة إليه لكون الأوّل يتصل بالميت بواسطة، و الثاني بواسطتين، فهكذا الأخ من أُمّ، لا يمنع ابن الأخ من أب و أُم و إن كانت الواسطة في الثاني أكثر. و الحاصل أنّ القرب بالأمومة، غيره بالأُبوة فهما حينئذ كالصنفين اللذين لا يمنع القريب من أحدهما البعيدَ من الآخر، كالأب مع ولد الولد.

و على ذلك فإذا اجتمع الأخ للأُم، مع ابن الأخ للأب و الأُم أو للأب، يأخذ الأوّل سدسه، لأنّه كلالة الأُم و الثاني الجميع، لأنّه كلالة الأب. ب جحي لاو الأوّل، إرثَ الثاني لكونهما عن صنفين، بخلاف ما لو كان الأخ، للأب، و ابن الأخ لأب و أُم، فانّ المال كلّه هنا للأخ من الأب، لأنّه أقرب ببطن، و قرابتهما من جهة واحدة، و هي الأب، و القرابة من أُمّ لا تأثير لها إذا كانت هناك قرابة من أب.

و بذلك تبيّن أنّه لا يعتمد ابن شاذان على ما ذكره المحقّق من تقديم من يجمع بين السببين، على من يجمع سبباً واحداً، بل يعتمد على أنّ الإخوة من أُمّ تغاير هنا مع الإخوة من أب، فالأقرب، من صنف لا يمنع الأبعد من صنف آخر، و لأجل ذلك لو كانا من صنف واحد، لقدِّم الأقرب و إن كان ذا سبب واحد، كالأخ من أب، على من يجمع السببين من ذلك الصنف كابن الأخ من أُمّ و أب. لأنّ المناط هو الأب، و بما يشتركان فيه. و الأقرب يمنع الأبعد.

و بذلك يظهر وجه ما نقله الكليني

في الكافي عنه من تقديم غيره على كلالة الأُم إذا اختلفا في الجهة قال ما هذا توضيحه:

إذا اجتمع الأخ من أُمّ، مع ابن الأخ لأب أو بنته.

إذا اجتمع الأخ من أُمّ، مع ابن الأخ لأب أو لهما فنازلًا.

إذا اجتمع الأُخت من أُمّ مع ابن الأُخت و ابن الأخوات لهما.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 250

فللأخ أو الأُخت من أُمّ، السدس و الباقي لغيره لاختلاف جهة القرابة.

نعم يرد عليه: أنّه لا فرق بين الإخوة، و الأجداد، و الأولاد، فلما ذا، جعل الإخوة من أُمّ، غير الإخوة من أب، صنفاً و لم يجعل الأجداد لأب، و الأجداد لأُمّ، صنفين و مثله، ولد الابن مع ولد البنت، و لو كان السبب اختلاف سهم الإخوة لأُمّ مع الإخوة لأب، حيث إنّ للأُولى السدس أو الثلث، و للثانية الثلثين، أو خمسة أسداس فالأجداد و الأولاد أيضاً كذلك. فانّ سهام الأجداد لأب يغاير سهام الأجداد لأُمّ، و هكذا أولاد الابن، مع أولاد البنت.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 251

خاتمة: في أولاد الإخوة و الأخوات

اشارة

أولاد الإخوة و الأخوات من الأبوين أو من أحدهما يقومون مقام آبائهم عند عدمهم بلا خلاف نصاً و فتوى و يرث كلّ واحد منهم نصيب من يتقرّب به لقيامه مقامه و تنزيله منزلته. و تدل عليه:

1- صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ابن أُخت لأب، و ابن أُخت لأُمّ؟ قال: «لابن الأُخت من الأُم السدس، و لابن الأُخت من الأب، الباقي». ( «1»)

2- و خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن ابن أخ الأب، و ابن أخ لأُمّ؟ قال: «لابن الأخ من الأُم، السدس، و ما بقي فلابن

الأخ من الأب». ( «2»)

ترى أنّ كلّ واحد يرث إرث من يتقرّب به، فلابن الأُخت للأُمّ، السدس، مثل الأُخت للأُمّ، و لابن الأُخت للأب، الباقي، مثل الأُخت للأب. و مثله ابن أخ لأب، و ابن أخ لأُمّ.

3- معتبرة مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «تعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما تركه، و تعطى ابن أُخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد». ( «3»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 11-، في السند عمرو بن عثمان و هو ثقة يروي عنه ابن عقدة و هو يروي- حسب هذا السند- عن الحسن بن محبوب و على هذا هو من الطبقة السابعة لا من السادسة، كما في معجم الثقات، و الحديث 12، و في سنده محمد بن عبد اللّه بن هلال و هو لم يوثق، و لذلك وصفناه بالخبر، و الحديث 15، و لاحظ الباب 2 من أبواب موانع الإرث و السند لا بأس به.

(2) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 11-، في السند عمرو بن عثمان و هو ثقة يروي عنه ابن عقدة و هو يروي- حسب هذا السند- عن الحسن بن محبوب و على هذا هو من الطبقة السابعة لا من السادسة، كما في معجم الثقات، و الحديث 12، و في سنده محمد بن عبد اللّه بن هلال و هو لم يوثق، و لذلك وصفناه بالخبر، و الحديث 15، و لاحظ الباب 2 من أبواب موانع الإرث و السند لا بأس به.

(3) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 11-، في السند عمرو بن عثمان و

هو ثقة يروي عنه ابن عقدة و هو يروي- حسب هذا السند- عن الحسن بن محبوب و على هذا هو من الطبقة السابعة لا من السادسة، كما في معجم الثقات، و الحديث 12، و في سنده محمد بن عبد اللّه بن هلال و هو لم يوثق، و لذلك وصفناه بالخبر، و الحديث 15، و لاحظ الباب 2 من أبواب موانع الإرث و السند لا بأس به.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 252

و يعارضها رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: بنات أخ و ابن أخ؟ قال: «المال لابن الأخ» قلت: قرابتهم واحدة، قال: «العاقلة و الدية عليهم، و ليس على النساء شي ء». ( «1»)

و الرواية متروكة و أشبه بقول المخالفين و يمكن حمله على ابن الأخ من الأبوين، و بنات أخ من الأب وحده، و من المعلوم أنّ الأخ للأب لا ميراث له مع وجود الأخ للأبوين فكذا أولادهما.

هذا مجمل الأمر و إليك تفصيل صوره:

الف- حكم أولاد الإخوة للأبوين أو للأب:

( «2») 1- إن كان الوارث واحداً منهم، كانت التركة له.

2- و إن كانوا جماعة ذكراناً أو إناثاً يقتسمون بالسوية.

3- و إن اجتمعوا و كانوا ذكراناً و إناثاً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

ب- حكم أولاد الإخوة من الأُمّ:

1- فإن كان واحداً فالتركة له.

2- و إن كانوا أكثر من واحد فيرثون الثلث بالفرض و الباقي بالقرابة.

3- و إن كان مع الإخوة للأب و الأُمّ، أو للأب، فله السدس إن كان واحداً أو الثلث إن كان أكثر، و الباقي لأولاد الإخوة للأب و الأُمّ، أو للأب عند فقدانهم.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 13.

(2) كل ما نذكره من الحكم للإخوة للأبوين، يجري في أولاد الإخوة للأب، عند عدم الصنف الأوّل كما سيوافيك التصريح به في المتن، فلاحظ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 253

و أولاد كلالة الأُمّ يقتسمون كنفس كلالة الأُمّ بالسوية. كما إذا كانوا كلّهم أولاد أخ للأُمّ، أو أولاد أُخت للأُمّ أمّا لو كان واحد من أخ و اثنان من أخ آخر فللأوّل تمام السدس (نصف الثلث) و لكل واحد من الآخرين نصف السدس (نصف نصف الثلث) لأنّ المفروض أنّ كلّ واحد يرث من يتقرّب به.

ج- حكم أولاد الأُخت للأب و الأُمّ أو للأب:

1- أولاد الأُخت، يرثون نصيب من يتقرّبون به، فالأُخت الواحدة إذا انحصر الوارث بها يأخذ النصف فرضاً و النصف الآخر قرابة، فهكذا أولادها إذا لم يكن وارث غيرهم من غير فرق بين الواحد و الكثير.

2- إذا كان معهم أولاد أخ أو أولاد الإخوة للأُم، فلأولاد الأخ السدس، و لأولاد الإخوة السدسان (الثلث) لأنّهم يرثون إرث من يتقرّبون به، و الأخ الواحد يرث السدس فهكذا أولاده، و الأكثر يرث الثلث فهكذا أولادهم، و الباقي لأولاد الإخوة للأب و الأُمّ، أو للأب عند عدمهم.

3- أولاد الأُختين يرثون إرث من يتقرّبون به فالثلثان لهم فرضاً و الثلث الآخر، رداً إن لم يكن وارث آخر و إن كان معه أولاد أخ واحد، أو

أُخت واحدة للأُمّ فالسدس لهم، و يرد السدس الباقي من الثلث، إلى أولاد الأُختين من أب و أُمّ أو من أب. و إن كان معهم زوج أو زوجة، يدخل النقص عليهم فللزوج أو الزوجة النصف أو الربع، و لأولاد الأخ أو الإخوة للأُم، السدس أو الثلث و الباقي الذي هو أقلّ من الثلثين لهم، كما لو كان من يتقرب به حيّاً. حرفاً بحرف.

4- إذا لم يكن أولاد كلالة الأب و الأُم، قام مقامهم، أولاد كلالة الأب في جميع ما ذكرنا- لما سبق غير مرّة- و في صدر البحث أنّه لا يرث أحد منهم مع وجود المتقرب بالأبوين لقول الصادق (عليه السلام) «و ابن أخيك لأبيك و أُمّك أولى

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 254

بك من ابن أخيك لأبيك». ( «1»)

5- و إن اجتمع ابن ابنة أخ لأب أو لهما- مع- ابنة ابن أخ كذلك، و كلاهما ينتهيان إلى أخ واحد قال صاحب الجواهر: كان للابنة ضعف سهم الذكر، و ذلك:

لأنّ كلًا من الحفيد و السبط يرثان إرث من يتقرّب بهما. و السبط و إن كان ابناً يرث إرث أُمّه، و الحفيد و إن كان بنتاً، يرث إرث أبيه. و الأُمّ و الأب يرثان الأخ أثلاثاً، لأنّه والدهما و هما أولادهما، فيرث أولادهما، إرثَ من يتقرّب بهما.

يلاحظ عليه: أنّه مخالف لما اختاره سابقاً من أنّ الملاك هو الحلقة الأخيرة التي بها يتصل الوارث بالميت و هو هنا «الأخ» لا ابنته و لا ابنه و على ذلك يحسب أن يقتسما أثلاثاً: الثلثان للذكور و إن كان ابن الابنة، و الثلث للابنة و إن كانت ابنة الابن كما لا يخفى.

6- و لو كان الابن و

الابنة تنتهيان إلى أخوين، فلا يكون الأُمّ و الأب ولدين لأب واحد حتّى يقتسما أثلاثاً، فكلّ واحد يرث إرث أبيه و هو النصف.

7- و إن اجتمع ابن ابنة أخ لأب أو لهما. و ابنة ابنة أخ كذلك و اتحدت أُمّهما بمعنى أنّه كان للأخ سبطان من بنت واحد أحدهما ذكر و الآخر أُنثى كان الارث بينهما أثلاثاً، لأنّهما معاً يرثان إرث أُمّهما و أولاد الأُمّ الواحدة يقتسمان،- مع وحدة الأب- أثلاثاً، نعم لو لم يتحد، فإن كان للأخ، سبطان، من بنتين، كان المال بالسوية، لأنّ كلًا يرث إرث أُمّه، سواء كان الوارث ذكراً أو لا. ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موجبات الارث، الحديث 2.

(2) و في النفس من التفريق بين الصورتين شي ء لأنّ الكل يتصل بالميت بالأخ و لازم ذلك هو التقسيم أثلاثاً فيهما، لأنّهم يرثون إرث أبيهم. و هم يرثون إرث الأب أثلاثاً مطلقاً، فلاحظ ذلك المطلب في بعض فروع الباب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 255

8- لو اجتمع أولاد الكلالات الثلاثة، كان لأولاد كلالة الأُمّ الثلث، و لأولاد كلالة الأب و الأُم الثلثان و سقط أولاد كلالة الأب بأولاد كلالة الأبوين كمن تقرّبوا به.

9- و لو اجتمع مع أولاد الإخوة، الأجداد قاسموهم كما يقاسموهم الإخوة، فأولاد الإخوة يقومون مقام آبائهم. و قد تضافرت النصوص على إرثهم مع الأجداد، ففي صحيح محمّد بن مسلم قال: نشر أبو جعفر (عليه السلام) صحيفة فأوّل ما تلقاني فيها: «ابن أخ و جدّ، المال بينهما نصفان» فقلت: جعلت فداك إنّ القضاة عندنا لا يقضون لابن الأخ مع الجد بشي ء؟ فقال: «إنّ هذا الكتاب بخطّ عليّ (عليه السلام) و إملاء رسول اللّه صلَّى اللّه

عليه و آله و سلَّم». ( «1»)

10- و أمّا كيفية مقاسمة الإخوة مع الأجداد فقد مضى بيانه.

لا يقال: إنّ تنزيل الجدّ منزلة الإخوة، يوجب حجب الجدّ أولاد الإخوة و مقاسمتهم معه كما هو الحال في الأخ الحقيقي حيث يمنع عن مشاركة أولاد الأخ معه.

لأنّا نقول: التنزيل سيق لبيان كيفية التقسيم و لا عموم فيه حتى يشمل الحجب، و بعبارة أُخرى التنزيل في الحكم لا الموضوع.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 256

المرتبة الثالثة: الأعمام و الأخوال:

اشارة

إنّ الوراثة في المذهب الإماميّ مبنيّ على قاعدة الأقرب فالأقرب أخذاً بقوله سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ) ( «1») و هذه القاعدة محفوظة في جميع الطبقات الثلاث سواء شكّل الوارث عمود النسب أو حاشيته، فالوارث هو الأولى و الأقرب إلى الميت، و لا نخرج عن ذلك الأصل إلّا بدليل.

و يظهر ذلك ببيان أمرين:

1- انّ الوارث تارة يشكل عمود النسب و هو الأبوان و الأجداد، من جانب الفوق، و الأولاد و إن نزلوا من جانب السفل، فلو افترضنا الميت محوراً، يكون من ولّده و إن علا، و من هو ولّده و إن نزل من عمود النسب.

و أُخرى يكون من حواشيه كالإخوة و الأخوات، و النابتة من جانب الأب و الأُمّ، أو الأعمام و الأخوال النابتة من جانب الأجداد، فالوارث تارة يشكل، العمود الفقري للولادة و النسب، و أُخرى، حواشيه و لو أحقه كما عرفت.

2- انّ للنسب طبقات ثلاث:

1- الأبوان من غير ارتفاع و الولد و إن نزل.

2- الإخوة و أولادهم و إن نزلوا، و الأجداد و إن علوا.

3- الأعمام و الأخوال و أولادهم.

______________________________

(1) الأنفال/ 75.

نظام الإرث

في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 257

و المقياس في ترتيب الطبقات هو الأقربية إلى الميت و إليك بيانها:

فالوالدان و الأولاد في طبقة واحدة، لأنّ الأوّلين ولّدا الميت كما أنّ الميّت ولّد الثانية، فلأجل انتساب الأبوين من فوق، و الأولاد من تحت إلى الميّت بسمة الولادة، صارا في طبقة واحدة.

و الطبقة الثانية، أعني: الإخوة و الأجداد لا يتصلان بالميت بلا واسطة، فالأجداد ينتمون إلى الميت عن طريق الأبوين كما إنّ الإخوة ينتمون إلى الميت عن طريق الأب و الأُمّ، فلأجل ذلك عدّ الجميع في طبقة ثانية.

و أمّا الطبقة الثالثة، فالأعمام و العمّات ينتمون إلى الميت بسببين: الأجداد و الآباء كما انّ الأخوال و الخالات ينتمون إلى الميت بسببين، الجدّات و الأُمّهات و هذا هو الباعث إلى جعل طبقات الإرث ثلاثة و جعل الميت محوراً و تقديم الأقرب على الأبعد.

و من هنا يعلم أنّ المقياس ليس هو قلّة الوسائط و كثرتها، و إلّا لاختلّ النظام و يلزم أن يرث الأخ مع ابن الابن، لكونهما يتصلان بالميت بواسطة، أو يرث العمُّ مع ابنِ ابنِ الابنِ، لأنّ الكلّ ينتميان بواسطتين مع أنّه باطل بضرورة المذهب. بل المقياس، الأقربية و الأبعدية، فربما يكون كثير الوسائط أقرب إلى الميت و إن كان قليلها، فابن ابن الابن يرث من دون الأخ للميّت مع أنّ الأخ ينتمي إلى الميت بواسطة الأب و الأُمّ و هي واسطة واحدة، و النجل المذكور ينتمي بواسطتين. و ما هذا إلّا لأنّ النجل ينتمي إلى الميت عن طريق الولادة بلا واسطة عنوان آخر، فيصير هو في النتيجة ولد الميت، و أمّا الأخ فإنّما ينتمي إلى الميت بواسطة عنوان مغاير معه و هو الأب أو الأُمّ، فلولاهما لما ورث

الأخ من الميت، فلا يكون الأخ من أولاد الميت، بل من أولاد الأب و الأُم، و من المعلوم أنّ أولاد الميت مقدّم على أولاد

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 258

الأب و الأُم. ( «1»)

و من هنا يعلم أنّ ابن الابن أحقّ من ابن الأخ، و إن كان الواسطة متساوية، لأنّ ابن الابن يتصل بالميت بواسطة أبيه أي ابن الميت، و الأخ يتصل بالميت بواسطة أبيه و أُمّه، و مع ذلك فابن الابن من الطبقة الأُولى دون ابن الأخ و ذلك لأنّ ابن الابن من ولد الميت، و الأخ من ولد الأب، و ولد الميت أحقّ من ولد الأب، و إن كانت الوسائط متساوية.

كما انّ ابن الابن أحقّ من نفس الأخ أيضاً، لأنّ الأوّل من ولد الميت و الأخ ليس من ولد الميت، بل من ولد الأب.

و من ذلك يعلم أيضاً وجه تقدّم ابن الأخ على العمّ، لأنّ ولد الأخ ولد الأب، و العم ولد الجد، و الأوّل أحقّ. و بذلك يعلم أنّ عمّ الميّت و خاله أولى من عمّ أبيه و خاله، لأنّ الأوّل من أولاد الجدّ، بخلاف عمّ أبيه و خاله فانّهما من أولاد أبي الجدّ، و كما انّ الجدّ الأدنى أولى من الجدّ الأبعد، فولده مقدّم على ولد الثاني.

إذا عرفت تلك المقدمة فلندخل في صلب البحث فنقول:

تضافر النصّ على أنّ الأعمام و الأخوال إنّما يرثون إذا لم يوجد أحد من

______________________________

(1) فان قلت: على هذا يجب أن يرث الجد و الجدة مع ابن الابن فضلًا عن ابن ابن الابن، لأنّ النجل يرث عن طريق الولادة من الميّت بلا توسط عنوان، و الجدّ يرث الميّت عن طريق الولادة لكن بما أنّه

مولد له، مع أنّ المتفق عليه حرمان الأجداد مع وجود الأبناء و إن نزلوا.

قلت: الفرق بينهما مضافاً إلى النص الوارد في رواية يزيد الكناسي (الباب الأوّل من أبواب موجبات الارث، الحديث 2) هو أنّ النجل و إن سفل يرث سهم أبيه و يقوم مقامه، و هذا بخلاف الجد فانّه لا يرث سهم الأب و الأُم، فانّ الأب و الأُمّ يرثان السدس و الثلث و هذا بخلاف الجد، فلهما ميراث كالإخوة و الأخوات مستقل لا يتابِع ميراثَ ولديه: الأب و الأُم. فلم ينزل الجد و الجدة منزلة الأب و الأُم بخلاف أولاد الأولاد، فقد نزلت منزلة الأب و الأُم يرثون إرثهم فلأجل ذلك صار الجد و الجدة من الطبقة الثانية دون أولاد الأولاد.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 259

الطبقة السابقة. ففي صحيحة يزيد الكناسي: «و ابن أخيك من أبيك، أولى بك من عمّك» و في صحيحة أبي ( «1») بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «الخال و الخالة يرثان إذا لم يكن معهما أحد يرث غيرهم إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ)». ( «2»)

و بالبيان السابق علم ضعف القولين التاليين:

1- ما نسب إلى الفضل بن شاذان: انّه شرّك بين الخال و الجدّة للأُمّ و قال: إنّ المال بينهما نصفان ... وجه الضعف أنّ الجدّة تنتمي إلى الميت بواسطة الأب، و الخال ينتمي إلى الميت بواسطة الجدّة لأنّها بنت الجدّة، و المنتمي للميت من جانب الأب مقدّم على المنتمي له من جانب الجدّ، فكما انّ الأب متقدّم على الجدّ فكذا المنتمي له على غيره.

نعم أنكر الشهيد النسبة و انّه قال في كتابه: «لو ترك

جدّته و عمّته و خالته فالمال للجدّة».

2- ما نسب إلى يونس حيث شرّك بين العمة و الخالة و أُمّ الأب. مع أنّ الجدّة (أُمّ الأب) متقدمة على الأوّلين، لأنّها تنتمي إلى الميّت بواسطة أبيه أو أُمّه، بخلاف العمّة و الخالة فإنّهما تنتميان إلى الميّت بواسطة الجدّ و الجدّة، لأنّ العمّة بنت الجدّ، و الخالة بنت الجدّة، فإذا كان الأب متقدماً على الجدّ، يكون المنتمي به متقدّماً على المنتمي بالثاني.

3- شرّك أيضاً بين العمّ و ابن الأخ مع أنّ الثاني أقرب من الأوّل، لأنّ ابن الأخ من أولاد أبي الميت و العمّ من أولاد جدّه، فكما أنّ الأب مقدّم على الجدّ فهكذا أولاده. و على كلّ تقدير، فطبقة العمومة و الخئولة متأخّرة عن الإخوة و الأخوات كما

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موجبات الارث، الحديث 2.

(2) المصدر نفسه: الباب 1، من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 260

صرّح به الإمام في رواية يزيد الكناسي حيث قال (عليه السلام):

«و ابن أخيك من أبيك أولى بك من عمّك. قال: و عمّك أخو أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه. قال: و عمّك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لأُمّه. قال: و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأُمّه». ( «1»)

أحكام إرث العمّ و العمّة:

اشارة

إنّ لإرث العمومة صوراً نذكرها:

الصورة الأُولى: إذا انفرد العمّ يرث المال كلّه و كذا العمّان و الأعمام يقتسمون المال بالسوية.

الصورة الثانية: إذا انحصر الوارث في العمّة واحدة كانت أو أكثر، فالمال لها، أو لهنّ يقتسمن بالسوية.

الصورة الثالثة: إذا اجتمع

العمّ و العمّة و تساووا في جهة القرابة بأن كان الوارث:

الف: عمّاً و عمّةً بالأب و الأُمّ معاً فقط.

ب: عمّاً و عمّةً للأب وحده فقط.

ج: عمّاً و عمّة للأُمّ وحدها فقط.

أما الصنف الأوّل و الثاني فيقتسمان بالتفاوت لوجهين:

الأوّل: الأصل في الشركة و إن كان هو التساوي لكن ذلك الأصل انقلب في

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب موجبات الارث، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 261

باب الارث في المتقرّبين إلى الميّت بالأب إلى التفاضل، و إن بقي على حاله في المتقربين إلى الميت بالأُمّ بين الرجل و المرأة، و دلّ عليه الكتاب و السنّة. أمّا الكتاب ففي موردين: الأولاد، ( «1») و الإخوة و الأخوات ( «2»).

و أمّا السنّة فقد تضافرت على أنّ المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا معقلة و إنّما ذلك على الرجال، فلذلك جعل للمرأة سهماً واحداً و للرجل سهمين. ( «3»)

الثاني: خبر سلمة بن محرز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال في عمّ و عمّة، قال: «للعمّ الثلثان، و للعمّة الثلث» ( «4»).

هذا كلّه حول الصنف الأوّل و الثاني.

بقي الكلام في الصنف الثالث، أعني: إذا كان الوارث عمّاً و عمّة لأُمّ، فالظاهر من المحقّق حيث أطلق و لم يفرّق بين الأصناف الثلاثة، و قال: فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، هو التقسيم بالتفاوت.

و لكن صريح العلّامة في القواعد هو التقسيم بالسوية. قال: و لو اجتمعوا فللذكر نصف الأُنثى إن كانوا من الأبوين أو من الأب و إلّا بالسوية ... مع تساوي الدرج.

أقول: إنّ لكلّ من القولين دليلًا.

أمّا ما يدل على قول المحقّق فلما عرفت من أنّ الأصل الثانوي في الميراث في المتقرّبين إلى الميّت بالأب

التفاوت مضافاً إلى إطلاق خبر سلمة بن محرز حيث لم يفرّق بين كونهما لأبوين أو لأب أو لأُمّ، و قد حكى هذا القول عن الفضل و الصدوق و المفيد و ابن زهرة.

______________________________

(1) النساء/ 11- أعني قوله سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

(2) النساء/ 176- أعني قوله سبحانه: (وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالًا وَ نِسٰاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

(3) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الأولاد، الحديث 1- 5.

(4) المصدر نفسه: الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال، الحديث 9.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 262

و أمّا ما يدل على قول العلّامة في القواعد فأُمور:

1- آية الكلالة، حيث يقول سبحانه: (فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ) ( «1») بادّعاء أنّ المراد من الكلالة ما كان من الأقارب على حواشي النسب دون عموده، و إن ذكر الأخ و الأُخت على سبيل المثال فتعمّ الأعمام و العمّات.

2- إنّ المتبادر من العمّ و العمّة في خبر سلمة بن محرز، هو العم للأبوين أو الأب لمكان الغلبة، فانّ العمّ من طرف الأُمّ قليل جدّاً بالنسبة إلى العمّ للأبوين و العمّ للأب، بل هو أيضاً قليل بالنسبة إلى العمّ للأبوين، فيحمل المطلق على المتبادر الشائع و كذا العمّة.

3- إنّ كون السدس نصيب من يتقرّب بالأُمّ إذا اجتمع المتفرّقون (الصورة الرابعة الآتية) أقوى شاهد على أنّ القسمة بينهم بالسوية، إلّا أن يتأمل في هذا أيضاً كما يلوح من عبارة المجمع ( «2»).

يلاحظ على الأوّل: بأنّ الإطلاق الشائع في الكلالة هو الأخ و الأُخت، و إطلاقه على مطلق من يقع في حواشي النسب إمّا غير ثابت أو إطلاق نادر، فلا يمكن الاستدلال بشي ء

لم يثبت.

و يلاحظ على الثاني: بأنّ ما يوجب الانصراف هو الغلبة في الاستعمال لا الوجود، كما هو محرز في الأُصول.

و أمّا على الثالث: فسيوافيك أنّ الحقّ فيه أيضاً التفاوت، و ذلك لأنّ الذي يربطه إلى الميّت كونه أخاً لأبي الميّت، فحلقة الاتصال بين العمّ و الميّت هو أبو الميّت و الأصل في الوراثة من جانب الأب، هو التفاوت.

______________________________

(1) النساء/ 12.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 163.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 263

و أمّا وحدتهما في الأب و الأُمّ، أو في الأُمّ إنّما يؤثِّر في قوة الصلة بين العمّ و الأب، لا في صلة العمّ بالميّت فصلة الميت بالعم لأجل كونه أخاً لأبي الميّت و هو محفوظ في الأصناف الثلاثة، و على ذلك، يجب أن تكون القسمة بالتفاوت في الأصناف الثلاثة، فالأعمام بأصنافهم من أقرباء الأب لا من أقرباء أُمّ الميّت، و لأجل ذلك احتاط بالتصالح الاستاذ في العمّ لأُمّ في غالب الموارد، قال: و قال: لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الأُمّ فالتركة لهم و مع التعدد و اتحاد الجنس يقسم بالسوية و مع الاختلاف لا يترك الاحتياط بالتصالح و التراضي. ( «1»)

فالقول بالتقسيم بالتفاوت أقوى من القول بالتقسيم بالسوية، و إن كان التصالح أحوط.

الصورة الرابعة: إذا اجتمع العمّ و العمّة و كانوا متفرّقين من جهة القرابة بأن كان بعضهم للأبوين و البعض الآخر للأب و البعض الثالث للأُمّ، و بعبارة أُخرى اجتمعت العمومة من قبل الأبوين، مع العمومة من قبل الأب، و العمومة من قبل الأُمّ. و على أُصول أهل السنّة فيقدّم العمّ للأبوين على الصنفين الآخرين لأجل العصبة حتى العمّة للأبوين، لأنّه أولى ذكر منهم يظهر ذلك من كلام ابن قدامة في

فرع آخر و هو «انّه إذا مات عن ثلاث بنات عمومة مفترقين، قال الخرقي في المتن: المال لبنت العمّ من الأب و الأُمّ لأنّهنّ أقمن مقام آبائهنّ، و فسّره ابن قدامة بقوله: و لو كان آباؤهنّ أحياء لكان المال للعمّ من الأبوين و لما كان هنا توهم أنّه يجب على هذا، أن لا يرث بنت الأخ من أُمّ مع بنت الأخ للأبوين أجاب عنه بقوله: و فارق بنات الإخوة لأنّ آبائهن يكون المال بينهم على ستة و يرث الأخ من الأُمّ مع الأخ من الأبوين بخلاف العمومة. ( «2»)

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: كتاب المواريث المرتبة الثالثة الأعمام و الأخوال، المسألة 2 ص 389.

(2) المغني: 6/ 297.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 264

و أمّا معاشر أصحابنا الإمامية فقد اتّفقوا على الأُمور الأربعة التالية:

1- إنّ العمّ و العمّة للأبوين يحجبان العمّ و العمّة للأب كما هو الحال في الإخوة على ما مرّ.

2- إذا فقد العمّ و العمّة للأبوين ينوب مكانهما العمّ و العمّة للأب.

3- إنّ للعمّ و العمّة للأبوين الثلثين من التركة و الثلث الآخر للعمّ للأُمّ، و إن انحصر الوارث من الأُمّ بواحد فله السدس، و الباقي للآخرين.

4- إنّ العمّ و العمّة للأبوين يقتسمان الثلثين أو بإضافة السدس أثلاثاً فللذكر مثل حظّ الأُنثيين نحو كلالة الأبوين، و أمّا العمّ و العمّة للأُمّ فيقتسمان الثلث بالسوية نحو كلالة الأُمّ.

هذا ما اتفقت عليه كلمتهم و ادّعى الإجماع على كل واحد فلنبحث عن مداركها و مصادرها.

أمّا الأوّل: أي حجب العمّ و العمّة للأبوين الأُخر فيدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيح الكناسي: «و عمّك أخو أبيك من أبيه و أُمّه، أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه».

فإن

قلت: إنّ هذه العبارة بنفسها وردت في العمّ للأب بالنسبة إلى العمّ للأُمّ. قال (عليه السلام): «و عمّك أخو أبيك من أبيه، أولى بك من عمّك أخي أبيك لأُمّه» مع أنّ الأصحاب لا يقولون فيه بالحجب بمعنى الحرمان، بل بالحجب على نحو الزيادة أي يكون ميراث العمّ للأب أزيد من ميراث العمّ للأُمّ، فلما ذا فسرت هذه الأولوية في جانب العمّ للأبوين بالنسبة إلى العمّ للأب بالحجب بمعنى الحرمان.

قلت: إنّ الداعي إلى ذلك التفسير هو الإجماع، و ذلك لأنّ الأصل في

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 265

الحجب هو الحرمان إلّا ما دلّ الدليل على كون الحجب بمعنى الزيادة و ذلك في موردين:

1- الأخ و الأُخت للأب بالنسبة إلى الأخ و الأُخت للأُم.

2- العمّ و العمّة للأب بالنسبة إلى العمّ و العمّة للأُمّ.

و أمّا الثاني: أي قيام العمّ للأب مكان العمّ للأب و الأُمّ فيمكن الاستدلال عليه بأمرين:

1- استفادة حكمه من قوله (عليه السلام) في مورد ابن الابن، فقد ورد فيه: «ابنك أولى من ابن ابنك»، و من المعلوم أنّ ابن الابن يقوم مقام الابن عند عدمه، فليكن كذلك في العمّ للأبوين بالنسبة إلى العمّ للأب لوحدة التعبير في المقيس و المقيس عليه في صحيحة الكناسي.

2- إنّ المقتضي للوراثة هو العمومة للميت و الإخوة لأبي الميت و الصلة بالأب من جانب الجدّ، و المانع هو أولوية المتقرب للأب و الأُمّ منه، فهو يتصل بالميت عن طريق الأب و الأُمّ بخلاف الآخر فانّه يتصل بالأب فقط، فإذا فقد المانع يؤثر المقتضي أثره.

و أمّا الثالث: أي كون الثلثين للعمّ و العمّة للأبوين، و الثلث للعمّ و العمّة للأُمّ، و السدس إذا انحصر بواحد منهما، فيمكن

الاستدلال عليه بوجهين:

الأوّل: أنّ العمّ و العمّة يتلقيان الارث من أبي الميت، لا من الميت نفسه و ذلك لأنّ العمّ و العمّة إخوة لأبي الميت، فكأنّهما يتلقيان الارث عن الأب المفروض فوته، فبما أنّ العمّ و العمّة للأبوين و للأُم إخوة و أخوات للأب يكون الكل بحكم الكلالة، و من المعلوم أنّ كلالة الأب لها الثلثان، و كلالة الأُمّ له الثلث.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 266

و بعبارة أُخرى: أنّ العمّ و العمّة ليسا إخوة للميت حتى يكونا كلالة حقيقة، بل إخوة أو أخوات لأبي الميت، فلو فرضنا أنّهما يتلقيان الارث ممن به يتصلان بالميت و هو الأب، يصير المورِّث الحقيقي بعد الميت هو الأب، فبما أنّ العمّ و العمّة في الدرجة الثانية إخوة للمورِّث الاعتباري و هو الأب، يجري عليهما أحكام الإخوة المختلفة من حيث الاتصال بالأبوين، أو بالأُمّ. هذا هو البيان الذي أشار إليه صاحب الجواهر بكلمة قصيرة و قال: و لعلّ الوجه في ذلك أنّه لما كان تقربهم إلى الميّت بالإخوة قاموا مقام كلالة الميّت التي قد عرفت أنّ ارثها كذلك. ( «1»)

الثاني: و هو أنّ العمّ و العمّة يرثان إرث من يتقربون إلى الميّت، و ليس هو الأب كما في البيان السابق، بل الذي ربطه بالميت هو الجدّ و الجدّة فإنّ العمّ و العمّة للأُمّ من أبناء الجدّة للميّت كما أنّ العمّ و العمّة للأب و الأُمّ من أبناء الجدّ للميت، و هما مطلقاً يرثان إرث من يتقرّبون به و المتقرّب به في العمّ و العمّة للأُمّ هو الجدّة. و في العمّ و العمّة للأبوين هو الجدّ و الجدّة فكأنّ الميّت مات و ترك جدّة و جدّاً، و من

المعلوم أنّ للجدّة الثلث، و للجدّ الثلثين، و الثلث ينتقل لأبناء الجدّة و هو العمّ و العمّة للأُمّ، و الثلثان ينتقل إلى العمّ و العمّة للأبوين، و إلى ذلك يشير قوله (عليه السلام) في صحيحة الخزاز: «إنّ في كتاب علي (عليه السلام): إنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يُجرّ به إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه». ( «2»)

و بذلك يعلم حكم الأمر الرابع و هو تقسيم العمّ و العمّة للأبوين أثلاثاً كما هو الحال في المنسوبين إلى الميّت بواسطة الأب و الجدّ، أو للأب، و تقسيم العمّ و العمّة للأُمّ بالسوية كما هو الحال في المنسوبين إليه بالأُمّ و الجدّة. و بهذا ظهر كون الأُمور الأربعة موافقة للقاعدة مضافاً إلى الإجماع المدعى.

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 176.

(2) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 267

يلاحظ عليه: أنّ الميزان في تطبيق القاعدة هو الفرد الذي به يتحقق أصل الاتصال بالميت و هو الأب، لا الجدّ و الجدّة اللذان يتصلان بالميت بواسطة الأب، فلو كان المورد من مصاديق القاعدة، فيجب أن يرث العمّان، إرثَ الأب و ينزّلا منزلته إذ هو الرحم الذي يجرّان به لا الجدّ أو الجدّة.

و يبدو أنّ جميع جوانب المسألة لم تكن واضحة لدى السيد الاستاذ فاحتاط بالتصالح في بعض جوانبها قال: لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين، أو من قبل الأب، مع العمومة من قبل الأُمّ فالسدس لعمومة الأُمّ مع الانفراد و الثلث مع التعدد، يقسم بالسوية مع وحدة الجنس و يحتاط بالصلح مع الاختلاف، و الباقي للعمومة من قبل الأبوين أو الأب للذكر ضعف الأُنثى مع الاختلاف. ( «1»)

مسألة: ابن عمّ مع عمّ، ابن خال مع خال:

قد

عرفت سابقاً أنّ المتقدم رتبة، متقدّم على المتأخر رتبة و إن كانا من طبقة واحدة و لأجل ذلك لا يرث ابن الابن مع الابن، و لا ابن الأخ مع وجود الأخ، و لا الجدّ الأعلى مع الجدّ الأدنى فالتقدّم الرتبي مع الوحدة في الطبقة حاجب للمتأخر حجب حرمان، و على ذلك فلا يرث:

1- ابن عمّ مع عم.

2- و لا ابن خال مع خال.

3- و لا ابن عمّ مع خال.

4- و لا ابن خال مع عمّ.

و الضابطة الكلية أنّه لا يرث الأبعد مع وجود الأقرب.

نعم اتّفقت كلمتهم على استثناء مورد واحد و هو أنّ ابن عمّ لأب و أُمّ، مقدّم على العمّ لأب.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 2/ 389، المسألة الثالثة من مسائل ميراث الأعمام و الأخوال.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 268

و فقهاؤنا على طائفتين؛ منهم من جعل الاستثناء على وفاق القاعدة و أنّ ابن العمّ لأب و أُمّ، أقرب من العمّ لأب، فيكون الاستثناء منقطعاً. و منهم من جعله على خلافها و أنّ الحكم تعبّدي. فمن الطائفة الأُولى الصدوق و المفيد، قال الأوّل: فإن ترك عمّاً لأب و ابن عمّ لأب و أُمّ، فالمال كلّه لابن العمّ للأب و الأُمّ لأنّه قد جمع بين الكلالتين كلالة الأب و كلالة الأُمّ و ذلك بالخبر الصحيح المأثور عن الأئمة. ( «1»)

و قال المفيد: «و لا يرث ابن العمّ مع العمّ و لا ابن الخال مع الخال، إلّا أن يختلف أسبابهما في النسب فيكون العمّ لأب و ابن العمّ لأب و أُمّ، فإن كانا كذلك، كان ابنُ العمّ لأب و أُمّ، أحقّ بالميراث من العمّ للأب لأنّ ابن العمّ يتقرّب إلى الميّت بسببين و العمّ بسبب واحد

(و لما رأى أنّ ذلك ينتقض في مورد ابن الأخ لأب و أُمّ، مع الأخ لأب، حاول أن يرد النقض بقوله) و ليس كذلك حكم الأخ للأب، و ابن الأخ للأب و الأُمّ، لأنّ الأخ وارث بالتسمية الصريحة و ابن الأخ وارث بالرحم دون التسمية، و من ورث بالتسمية حجب من يستحق الميراث بالرحم دون التسمية، و العمّ و ابن العمّ فإنّما يرثان بالقربى دون التسمية فمن تقرب بسببين منهما كان أحقّ ممّن تقرب بسبب واحد على ما بيّنا، لقول اللّه عزّ و جلّ: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ) ( «2») و العمّ و إن ارتفع على ابن العمّ فقد لحقه ابن العمّ في رتبته للسببيّة من الأُم، و حصل له من كلالة الأب و الأُمّ ما يحجب به الأخ، أخاه من الأب من القوّة على ما قدّمناه. ( «3»)

و لأجل كون الاستثناء على وفاق القاعدة نسب العاملي إلى الصدوق و المفيد

______________________________

(1) الفقيه: 4/ 212.

(2) الأحزاب/ 6.

(3) المقنعة: 692- 693.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 269

أنّ ابن الخال للأبوين يحجب الخال للأب ( «1») لما عرفت من قضية التعليل الذي استندوا إليه. ( «2»)

و من الطائفة الثانية ابن إدريس الحلّي فقصر الحكم على خصوص هذه المسألة و عيّنها و شخّصها كما هو الشأن في كلّ ما خرج عن القاعدة قال: انّهم إنّما أجمعوا على العين و الصورة و الصيغة ( «3») و قال ابن حمزة في الوسيلة. ( «4»)

و سيوافيك أنّ الحقّ- على فرض ثبوت الحكم- أنّ كلّ موضع تحقّق ما ورد في النص من الموضوع، يسري الحكم إليه فيسري إلى ما إذا تعدد ابن العمّ، للأب و الأُمّ أو تعدد العمّ للأب أو

كان هناك زوج و زوجة.

و يدل على الحكم- وراء الإجماع المسلّم- ما يلي:

روى الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد ابن بكر عن صفوان بن خالد، عن إبراهيم بن محمّد بن مهاجر عن الحسن بن عمارة، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «أيّما أقرب، ابن عمّ لأب و أُمّ، أو عمّ لأب؟» قال: قلت: حدثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه كان يقول: «أعيان بني الأُمّ أقرب من بني العلات»، قال: فاستوى جالساً ثمّ قال: «جئت بها من عين صافية إنّ عبد اللّه أبا رسول اللّه، أخو أبي طالب لأبيه و أُمّه». ( «5»)

______________________________

(1) و هو مخالف لإطلاق رواية سلمة بن محرز، الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأعمام، الحديث 5. ببيان أنّه إذا كان ابن العمّ لا يحجب ابن خالة بل يكون المال بينهما كما في الحديث فكيف يحجب الخال. اللّهمّ إلّا أن ينكر الإطلاق و يحمل عدم الحجب للخال للأب و الأُمّ، لا الخال للأب بل كان هو خارجاً عن نصب الرواية.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 165 و ليس في المقنعة منه أثر.

(3) السرائر: 3/ 241.

(4) الينابيع الفقهية: 22/ 280 نقلًا عن الوسيلة.

(5) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 270

و إليك دراسة السند:

1- الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة و كان يعاند في الوقف يتعصب، كما ذكره النجاشي.

2- محمّد بن بكر بن جناح ثقة توفي عام 263 و صلّى عليه تلميذه الحسن بن محمّد بن سماعة.

3- صفوان

بن خالد.

4- إبراهيم بن محمّد بن مهاجر: لم يعنونا في رجالنا.

5- الحسن بن عمارة: عنونه الشيخ في رجاله و قال: إنّه عامي من أصحاب الباقر و الصادق (عليهما السلام). و عنونه الذهبي في ميزان الاعتدال و قال: كان من كبار الفقهاء في زمانه وليّ قضاء بغداد ( «1») و ما هذا حاله فكيف يعتمد عليه، إلّا أن يؤيد بإتقان المتن. و على تقدير الحجية فالرواية تهدف إلى أنّ عليّاً أولى بالوراثة من العباس عمّ النبيّ لأنّ الأوّل ابن عمّ النبيّ أباً و أخاً، و الثاني، عمّه أباً.

و قوله: «من عين صافية»، يقابله ما ربما يقال: «من جراب النّورة» و يستعمل فيما إذا صدر عن تقية و تخالفه: مكاتبة محمّد بن يحيى الخراساني: أوصى إلى رجل و لم يخلف إلّا بني عمّ و بنات عمّ و عمّ أب و عمين لمن الميراث؟ فكتب: «أهل العصبة و بنو العمّ» ( «2») يريد من العصبة العمّ و بما أنّه شرّك العمّ مع ابن العمّ حمله الشيخ على التقية، و على كلّ تقدير فالرواية معرض عنها و المسألة إجماعية.

إذا تغيّرت الصورة فهل يتغير الحكم أو لا؟

إنّ مورد النصّ هو ما إذا اجتمع ابن العمّ للأب و الأُمّ مع العمّ للأب، مع

______________________________

(1) قاموس الرجال: 3/ 335- 336.

(2) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال، الحديث 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 271

انحصار الوارث فيهما، و عندئذ يقع الكلام في اختصاص الحكم بنفس هذه الصورة أو عموميته لما سواها.

أقول: إنّ التغير على قسمين:

1- أن يتغير الشكل و الصورة و لا يتغير جوهرها في نظر العرف بحيث يكون العرف مساعداً لإسراء الحكم من المنصوص إلى غيره، كما إذا تعدّد ابن العمّ للأب

و الأُمّ مكان الواحد أو تعدد العمّ للأب أو ينضم إليهما مثل الزوج أو الزوجة اللذين يجتمعان مع جميع الطبقات حتّى ضامن الجريرة.

2- أن يتغيّر جوهر المسألة فيكون مع ابن العمّ للأبوين و العمّ للأب، وارث في درجة العمّ مقدّم على ابن العمّ عند ما كانا مجردين عن العمّ للأب، كالخال أو الخالة. فإنّ الخال أو الخالة متقدّم رتبة على ابن العم للأبوين فيما إذا كانا وحدهما فهل هو كذلك عند ما كان معهما عمّ للأب؟ و إليك دراسة حكم الصورتين:

أمّا الصورة الأُولى: فقد جعل العلّامة فيها الإشكال أشدّ من الصورة الثانية، و وجّهه صاحب مفتاح الكرامة بقوله: إذ قد يدعى أنّ معقد الإجماع ظاهر في الاتحاد. ( «1»)

و ما ذكره من الوجه مشترك بين الصورتين فإنّ معقد الإجماع فيما إذا كان ابن العمّ و العمّ وحدهما و لا يكون معهما غيرهما، و عندئذ لا يكون الحكم في الأُولى أقوى إشكالًا من الثانية، و الحقّ أنّ العرف يساعد مع إلغاء الخصوصية، و لأجل ذلك ذهب الشهيدان و العلّامة في التحرير في الصورة الأُولى إلى ثبوت الحجب لابن العمّ أيضاً بالنسبة إلى العمّ، و نسبه في المسالك إلى جماعة و احتجّ له بوجود المقتضي و عدم المانع و ذلك لصدق ابن العمّ على كلّ واحد منهما، كذا العمّ على المتعدد

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 166.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 272

منه، فإذا منع ابنُ العمّ مع وحدته، فمع تعدده مثل صورة الوحدة أولى و أقوى، و سبب إرث العمين إنّما هو العمومة، و ابن العمّ مانع لهذا السبب، و أمّا إذا انضمّ إليهما الزوج و الزوجة فقد عرفت اجتماعهما مع جميع الطبقات فليس لواحد

من الزوج و الزوجة حجب حرمان بالنسبة إلى واحد من الطبقات.

إنّما الكلام في الصورة الثانية أعني ما إذا دخل فيهما من ليس من جنس المانع و لا الممنوع نظير الخال و الخالة و العمّ للأُمّ كما:

1- إذا اجتمع مع العمّ و ابن العمّ خال أو خالة.

2- إذا اجتمع مع العمّ و ابن العمّ عمّ للأُمّ فهناك أقوال يتولد من احتمال وراثة الخال وحده، أو ابن العم وحده، أو الخال مع العمّ أو الخال مع ابن العمّ، و ما سوى ذلك فلم يحتمله أحد، و إليك الأقوال:

1- المال للخال و العمّ.

2- المال للخال وحده.

3- المال لابن العمّ وحدة.

4- المال للخال و ابن العمّ.

و إليك دراسة دليل الأقوال:

أمّا الأوّل: أعني كون المال للخال و العمّ، فقد اختاره المحقّق في الشرائع و العلّامة في القواعد، قال المحقّق: فلو انضمّ إليهما و لو خال، تغيّر الحكم و سقط ابن العمّ. و قال العلّامة: و لو اجتمع مع العمّ و ابن العمّ خال أو خالة فالأجود حرمان ابن العمّ و مقاسمة الخال و العمّ، و هو خيرة أكثر الأصحاب. ( «1»)

و يستدلّ عليه بالأُمور التالية:

1- إطلاق خبر سلمة بن محرز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال في

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 165.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 273

ابن عمّ و خالة قال: «المال للخالة»، و قال في ابن عمّ و خال، قال: «المال للخال»، و قال في ابن عمّ و ابن خالة، قال: «للذكر مثلُ حظّ الأُنثيين». ( «1»)

و إنّما وصفناه بالخبر لأنّ في سنده عمران بن موسى، و هو لم يوثَّق، و الحسن ابن ظريف و هو أيضاً لم يوثق و إن كان أبوه

ثقة في الحديث، صدوقاً فيه كما في رجال النجاشي، و في سنده أيضاً محمّد بن زياد العطار وثّقه أبو داود، نقلًا عن رجال الكشي، و رجال الكشي خال عن ذلك المطلب و يحتمل أن تكون نسخة الكشي الموجودة ناقصاً، و يحتمل كونه متحداً مع محمّد بن الحسن بن زياد الثقة بسقوط الحسن عن السند. و في سنده أيضاً سلمة بن محرز و هو أيضاً لم يوثق، و لأجل ذلك وصفناه بالخبر، لكن الدلالة كاملة لإطلاقه. فحكم بتقديم الخال أو الخالة على ابن العمّ مطلقاً، سواء كان معهما العمّ للأب أو لا.

2- إنّ ابن العمّ إنّما يحجب العمّ إذا ورث و المفروض في المقام حرمانه، و معه كيف يحجب العمّ و ليس حجبه مثل القاتل فإنّه لا يرث و لكنّه يحجب بل الغاية من الحجب وراثته و المفروض عدمه.

3- إنّ إطلاق روايات الباب ( «2») الدالة على شركة العمّ و الخال في جميع الحالات محكّمة هنا، خرج ما خرج بالدليل.

هذا كلّه حول القول الأوّل و أمّا القول الثاني، أعني: كون المال للخال وحده فليس له دليل ظاهر إلّا حجب العمّ بابن العمّ، و حجب ابن العمّ بالخال و نسب هذا القول إلى سديد الدين الحمصي المتوفّى سنة 600 ه-.

يلاحظ عليه: بما ذكرناه في تحليل القول الأوّل فإنّ حجب العمّ بابن العمّ لغاية إرث ابن العمّ لا لأجل أن يكون مقدّمة لإرث الخال، فالحاجب بما هو وارث

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال، الحديث 4.

(2) المصدر نفسه: أكثر روايات الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 274

حاجب، و ليس كالقاتل أو كالأخ للأُمّ حيث

يحجب و إن لم يكن وارثاً.

أضف إليه أنّه إذا كان ابن العمّ محجوباً بالخال فلازم ذلك مشاركة الخال و العمّ لوجود المقتضي و فقد المانع.

أمّا القول الثالث كون المال لابن العمّ فقط لأجل أنّ العمّ إذا كان محجوباً بابن العمّ يكون الخال أيضاً محجوباً مثل العمّ لتساويهما في الدرجة.

يلاحظ عليه: أنّه مبنيّ على قانون المساواة و ليس أصلًا يُتَّبع إلّا في المسائل الهندسية لا في المسائل الفقهية و لا الفلسفية إذ يمكن أن يكون المساوي مع الشي ء محكوماً بحكم، و لا يكون مساويه محكوماً بمثله.

أضف إلى ذلك أنّه لا دليل على حجب ابن العمّ الخالَ بل الدليل على خلافه كما في خبر سلمة بن محرز حيث قال: في ابن عمّ و خال، «المال للخال».

و أمّا القول الرابع أعني كون المال للخال مع ابن العمّ، فقد نسب إلى الشيخ سالم الدين المصريّ و ابن الراوندي و قوّاه صاحب الجواهر و إن اعترف بقلّة القائل ( «1») و استدل له بأنّ المقتضي لحرمان العمّ موجود و المانع عن الحرمان مفقود و ليس المقتضي إلّا ابن العمّ هذا من جانب.

و المقتضي لحرمان الخال أو ابن العمّ منتف فإنّ العمّ لا يحجب الخالَ فابن العمّ أولى. و الخال إنّما يحجب ابن العمّ إذا لم يكن أولى من العمّ، فإذا لم يحجب العمّ فأولى أن لا يحجب من هو أدنى منه.

يلاحظ عليه: أنّه يلزم أن يكون ابن العمّ أقرب و أبعد:

ففيما يحجب العمّ، يكون أقرب منه، و فيما لا يحجب الخال- بحجة أنّ العمّ لا يحجبه- فابن العمّ أولى فيكون أبعد من العمّ و إلّا فلا معنى للأولوية كما هو واضح.

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 179.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص:

275

في ميراث الأخوال

و الأخوال هم الذين يتقرّبون إلى الميّت من جانب أُمّه. و لميراثهم صور:

الصورة الأُولى: إذا مات عن خال أو خالين أو أخوال فالمال له أو لهما أو لهم بالسوية.

الصورة الثانية: إذا مات عن خالة أو خالتين أو خالات فالحكم كما سبق.

الصورة الثالثة: إذا اجتمع الخال و الخالة و كانت قرابتهم من جهة واحدة كما إذا:

الف: مات عن خال و خالة لأب و أُمّ فقط.

ب: مات عن خال و خالة لأب فقط.

ج: مات عن خال و خالة لأُمّ فقط.

فقد اتفقت كلمتهم على أنّ سهم الذكر و الأُنثى سواء. قال في الجواهر: بلا خلاف أجده، و ذلك لأنّ حلقة الاتصال بالميّت هو الأُمّ، و تقرّبهم إليه بالإخوَة بالأُمّ و ذلك للأصل المقرّر في الميراث في كون التقسيم بين المتقرّبين إلى الميّت بالأُمّ هو التسوية، و بين المتقرّبين إليه بالأب، هو التفاضل و التفاوت استلهاماً من حكم كلالة الأب و كلالة الأُمّ في الكتاب. فالأولى هم الإخوة و الأخوات المتقرّبون إلى الميّت بالأب، و الثانية هم الإخوة و الأخوات المتقرّبون إلى الميّت من جانب الأُمّ،

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 276

و قد نصّ الذكر الحكيم على التفاضل في الأُولى و على التسوية في الثانية قال سبحانه: (وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالًا وَ نِسٰاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء/ 176) و قال سبحانه: (فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 12).

و هذه الضابطة لا تعدل عنها إلّا بدليل و على ضوء ذلك فالحكم هو التقسيم بالسوية في الأصناف جميعاً.

و بذلك تقف على وجه الفرق بين هذه الصورة في جانب الأخوال و الخالات، و الصورة المتقدمة في جانب الأعمام و العمّات

فإنّ الصورتين متحدتان صورة، مختلفتان في الوارث بالعمومة و الخؤولة.

و المفروض في كلّ واحد، وجود واحد من الأصناف من العمومة و الخؤولة، لا كلّها (و إلّا فيرجع الفرض إلى الصورة الرابعة في كلا الطرفين) فقد تقدم أنّه لو انحصر الوارث في العمومة للأب و الأُمّ، أو في الأُمّ، أو في الأب فالمال يقسّم بين أفراد كلّ صنف إذا كان فيهم ذكر و أُنثى بالتفاضل، بخلاف المقام فإنّ المال يقسّم بين أفراد كل صنف بالسوية، وجه الفرق بين الصورتين هو أنّ العمومة تتقرّب إلى الميّت من جانب الأخ و هو أبو الميّت و الارث بين المتقرّبين بالأب على التفاضل إذا كان بينهم ذكر و أُنثى، بخلاف المقام فالخئولة في كلّ صنف تتقرّب بأُمّ الميّت و الأصل في المتقرب بالأُمّ هو التسوية و عليك بإمعان النظر، حتى لا يختلط عليك أحكام الصور.

قال السيد الأُستاذ- قدّس سرّه-: لو كان الوارث منحصراً بالخئولة من قبل الأبوين أو بالأب فالتركة لهم، و مع التعدد تقسَّم بالسوية و كذا الخؤولة من قبل الأُمّ ( «1»).

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 2/ 390، المسألة الرابعة من مسائل ميراث الأعمام.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 277

الصورة الرابعة: إذا اجتمع الخال و الخالة و كانوا متقرّبين من جهة القرابة بأن كان بعضهم للأبوين، و البعض الآخر للأب، و البعض الثالث للأُمّ، و بعبارة أُخرى اجتمعت الخؤولة من قبل الأبوين، مع الخؤولة من قبل الأب، و الخؤولة من قبل الأُمّ، مثلًا:

1- إذا كان فيهم خال و خالة للأبوين أي كانا أخاً و أُختاً لأُمّ الميّت من جانب الأب و الأُمّ.

2- إذا كان فيهم خال و خالة للأب، أي كانا أخاً أو أُختاً لأُمّ الميّت من جانب

الأب فقط.

3- إذا كان فيهم خال و خالة للأُمّ أي كانا أخاً أو أُختاً لأُمّ الميّت من جانب الأُمّ نظير ما مرّ في العمومة فهناك أُمور:

1- الخال و الخالة للأبوين يحجبان الخال و الخالة للأب.

2- تقوم الثانية مقام الأُولى عند عدمها.

3- تقسّم التركة أثلاثاً فللخال و الخالة للأب و الأُمّ، أو الأب عند عدم الأوّل، الثلثان، و الثلث للخال و الخالة للأُمّ عند التعدد و إلّا فالسدس و يرد السدس الباقي إلى الخال و الخالة للأبوين أو الأب.

4- التقسيم بين أفراد الأصناف الثلاثة بالسوية.

قال المحقّق: و لو افترقوا، كان لمن يتقرّب بالأُمّ السدس، إن كان واحداً، و الثلث إن كان أكثر، الذكر و الأُنثى فيه سواء و الباقي للخئولة من قبل الأب و الأُمّ بينهم للذكر مثل حظّ الأُنثى، و علّله صاحب الجواهر بأصالة التسوية و التقرّب بالأُمّ.

و قال العلّامة في القواعد: و الخال و الخالة أو هما من الأبوين يمنع المتقرّب

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 278

بالأب خاصة اتحد أو تعدد، و لا يمنع المتقرّب، بالأُمّ بل يأخذ المتقرّب بالأُمّ السدس إن كان واحداً، و الثلثَ إن كان أكثر بالسوية و الباقي للمتقرّب بالأبوين ذكوراً كانوا أو إناثاً أو هما بالسوية، و يقوم المتقرب بالأب مقام المتقرّب بالأبوين عند عدمه ....

و هو خيرة السيد الأُستاذ قال: «و لو اجتمع الخؤولة من قبل الأب و الأُمّ أو الأب مع الخؤولة من قبل الأُمّ، فالسدس للأُمّي مع الانفراد، و الثلث مع التعدد، يقسّم بالسوية مطلقاً، و الباقي للخئولة من قبل الأب و الأُمّ و مع فقدهم للخئولة من قبل الأب، و مع التعدّد يقسّم بالسوية مطلقاً». ( «1»)

أقول: إنّ الحكم الأوّل و الثاني،

أطبقوا عليهما و ليس فيهما ما يزاحم الضوابط. و تؤيده رواية الحسن بن عمارة من أنّ أعيان بني الأُمّ أقرب من بني العلات، مضافاً إلى ما ذكره المفيد، من وجود السببين في الأوّل دون الثاني.

و أمّا الحكم الثالث أي تقسيم المال أثلاثاً الثلثان لخئولة الأب، و الثلث أو السدس لخئولة الأُمّ فهو موافق للقاعدة و ذلك بوجهين:

1- إنّ الجميع يتقرّبون إلى الميّت، عن طريق الأُمّ، لأنّهم إخوته أو أخواته، لكن شدّة ارتباط الخؤولة للأبوين مع الأُمّ و ضعفه في الخؤولة للأُمّ معها، أوجب تقسيم التركة أثلاثاً.

2- إنّ وارث الميّت أوّلًا و بالذات هو الأُمّ بالأصالة، و الخؤولة يتلقّون عنها فكأنّ الوارث الحقيقي هو الأُمّ و هؤلاء ورثتها و عندئذ تصبح الخؤولة للأبوين أو للأُمّ كلالة لأُمّ الميّت أي إخوة لها، و من المعلوم أنّ نصيب كلالة الأب، هو الثلثان، و نصيب كلالة الأُمّ هو الثلث أو السدس.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 2/ 390، المسألة الخامسة من مسائل ميراث الأعمام.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 279

و إلى ذلك الوجه يشير صاحب الجواهر أنّ مقتضى قوله (عليه السلام): «يرثون نصيب من يتقرّبون به» معاملتهم معاملة الوارث له، و لا ريب في كون قسمتهم ذلك لو كانوا هم الورثة. ( «1»)

و بذلك يظهر الحكم الرابع أنّ كون التقسيم في جميع الصور بالسوية لأنّهم يتقرّبون إلى الميّت بأُمّه و الحكم في المتقرّب بالأُمّ هو التقسيم بالسوية. لكن في المقام إشكال ذكرناه في الدورة الأُولى و نذكره في هذه الدورة أيضاً.

و في المقام إشكال و هو: أنّ الجمع بين التقسيم ثلاثياً بين الخؤولة للأب و الأُمّ، و الخؤولة للأُمّ و بين تقسيم كل صنف ما ورث بالسوية، جمع بين أمرين

مختلفين، لأنّ التقسيم بالتفاضل بين الصنفين يعرب عن كونهما من قبيل كلالة الأب و الأُمّ، و قد عرفت في البيان الثاني أنّ الخؤولة يرثون أُمّ الميّت واقعاً بما أنّهم إخوتها و أخواتها، و الحكم في إخوة الأب، و إخوة الأُمّ و إن كان هو الثلثان و الثلث، لكن التقسيم في الأُولى، على التفاضل و في الثانية على السوية، و المشهور يدفع إلى الخؤولة للأب و الأُمّ، أي إخوة الميّت للجانبين الثلثين و هو مطابق للقاعدة، و لكن يقسم بينهم بالسوية. و هو مخالف لها.

و الحاصل أنّ كون سهم الخؤولة للأُم هو الثلث أو السدس و التقسيم بينهم بالسوية مطابق للقاعدة، لكن كون سهم الخؤولة للأب و الأُمّ الثلثين، لا يجتمع مع كون التقسيم بينهم بالسوية، مع أنّه سبحانه يقول في كلالة الأب: (وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالًا وَ نِسٰاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء/ 175).

فتبيّن أنّ مجموع ما ذكروه في الأحكام الأربعة مطابقة للقاعدة حتّى التقسيم أثلاثاً، إلّا كون التقسيم بين أعضاء خئولة الأب و الأُمّ أو الأب بالسوية.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 39/ 181.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 280

و تنبّه صاحب الجواهر بالاشكال و حاول أن يدفعه و قال: نعم كان قرابة الأب بالتفاوت لكن يمكن هنا ترجيح أصالة التسوية و قرابة الأُمّ على خصوص ذلك. ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّه لو قلناه بأنّ التسوية بين الخؤولة للأب و الأُمّ لأجل قرابة الأُمّ، يلزم إشكال آخر، و هو تقسيم المال كلّه بالسوية بين عامّة أفراد الخؤولة لا التقسيم أثلاثاً. مع أنّه لم يقل به أحد.

***

عند اجتماع العمومة و الخؤولة:

اشارة

إلى هنا تبيّن حكم كل من العمومة و الخؤولة إذا كانوا غير مجتمعين، و أمّا إذا كانوا مجتمعين

فالمشهور بين الأصحاب اعتماداً على النصوص:

إنّ للعمومة الثلثين واحداً كان أو أكثر، ذكراً كان أو أُنثى، و للخئولة الثلث واحداً كان أو أكثر، ذكراً كان أو أُنثى، و بالجملة إذا اجتمعت العمومة و الخؤولة، فللأُولى الثلثان في جميع صورها، و للثانية الثلث في جميع أحوالها، و يدل عليه خبر أبي أيوب: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ في كتاب عليّ (عليه السلام) أنّ العمّة بمنزلة الأب، و الخالة بمنزلة الأُمّ. قال: و بنت الأخ بمنزلة الأخ و كل ذي رحم فهو بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه». ( «2»)

و معنى ذلك أنّ العمومة تنزل منزل الأب، و الخؤولة منزلة الأُمّ و يفرض أنّه مات عن أب و أُمّ، فكما أنّه يقسّم المال حينئذ أثلاثاً فهكذا إذا مات عمّن هما

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 118.

(2) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال، الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 281

بمنزلتهما أعني العمّ و الخال.

و بعبارة أُخرى: ترث كل طائفة إرث من يتقرّب به فالعمومة تتقرّب بالأب، فترث إرثه، و الخؤولة تتقرّب بالأُمّ فترث إرثها.

و لصاحب الجواهر هنا بيان آخر: و هو أنّ جهة القرب الإخوة، فالعمّ أخو أبي الميّت، و الخال أخو أُمّ الميّت، فتنزل الأبوان منزلة الأخ و الأُخت و نصيبهما الثلثان و الثلث، فكذا من يتقرّب بهما.

و لا يخفى بعده عن مفاد الحديث، لأنّ مفاده أنّ المتقرِّب يرث نصيب من يتقرّب به، فيفترض أنّ المتقرّب به حيّ وارث، فالمتقرّب يأخذ نصيبه، و أمّا تبديل رابطة المتقرّب به مع الميّت إلى الرابطة الموجودة بينه و بين المتقرِّب فهو أمر بعيد عن

أذهان العرف كما لا يخفى.

*** هذا كلّه في تقسيم التركة بين العمومة و الخؤولة، و أمّا تقسيمها بين أنفسهم إذا كانوا مجتمعين فنقول: فلكل من العمومة و الخؤولة صورتين فلنقدم البحث عن العمومة فنقول:

1- أن يكونوا عمّا و عمّة من جهة واحدة.

2- أن يكونوا عمّا و عمّة لا من جهة واحدة.

و حكمهما عند الاجتماع مع الخؤولة نفس حكمهما عند الانفراد عن الخؤولة و لأجل الايضاح نأت بإجمال ما تقدّم.

الف: إذا كانت العمومة من جهة واحدة، فانحصرت العمومة في الأب و الأُمّ، أو الأب أو الأُمّ، فقد عرفت أنّ المحقّق حكم في الجميع بالتفاضل بين العمّ

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 282

و العمّة، بخلاف العلّامة فقد قال بالسوية في الثالث، و قد تقدّم أنّ الحقّ مع الأوّل، لأنّهم يتقرّبون بالأب و الحكم فيه هو التفاضل. نعم قوّى صاحب الجواهر في المتقرّب بالأُمّ التسوية بأصالة التسوية في الشركة، المقتصر في الخروج منها على المتقرّب بالأب و الأُمّ أو الأب و قوّة ملاحظة جانب الأُمومة. ( «1»)

و ما ذكره صاحب الجواهر «من قوّة ملاحظة جانب الأُمومة» غير مفيد في المقام، لأنّ الذي يربط العمّ بالميّت إنّما هو أبو الميّت، فالأعمام و العمّات جميعاً يتقرّبون به إلى الميّت، و أمّا اتّحاد العمّ للأُمّ مع الأب في خصوص الأُم، فلا يجعل مثله ممن يتقرّب إلى الميّت بالأُمّ، بل هو متقرّب بالأب الذي هو أخوه و إن كان وجه الارتباط بينهما هو الأُمّ، و الحاصل العمّ على وجه الإطلاق يتقرّب بالأب، نعم الأب و العمّ، تارة يتحدان في الأب و الأُمّ، و أُخرى في الأب فقط و ثالثة في الأُمّ، و هو أمر خارج عن ماهية التقرّب بالميّت

بالأب.

ب: و إن كانت جهة القرب مختلفة فلمن تقرّب منهم بالأُمّ، السدس إن كان واحداً أو الثلث إن كان أكثر و الباقي أي خمسة أسداس أو الثلثان للمتقرّب بالأبوين أو بالأب عند عدمه.

و التقسيم بين المتقرّبين بالأُمّ بالسوية، و بين المتقرّبين بالأب أثلاثاً.

قال المحقّق: و لو كانوا متفرقين فلمن تقرّب منهم بالأُمّ السدس إن كان واحداً و الثلث إن كانوا أكثر بينهم بالسوية و الباقي للأعمام من قبل الأب و الأُمّ بينهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

فهناك حكمان:

1- التقسيم بين الطائفتين أثلاثاً.

2- التقسيم بين الأُولى بالسوية و بين الثانية بالتفاضل.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 39/ 175، ذكره عند البحث عن حكمهم مع الانفراد عن الخؤولة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 283

أمّا الأوّل فقد تبيّن حكمه عند البحث عن حكم العمومة المختلفة مجردة عن الخؤولة، و قلنا إنّ الأعمام و العمّات مطلقاً، يتلقّون الإرث من أب الميّت و كان الابن مات و ورثه أبوه، و عنه ينتقل المال إلى العمومة، و بما أنّ الأعمام إخوة للأب، يرثوا إرث الكلالة فللأعمام للأب و الأُم، الثلثان، و للأعمام للأُمّ الثلث إن كانوا متعددين أو السدس إن كان واحداً.

و إن شئت قلت: إنّ شدّة ارتباط الأعمام لأبي الميّت و ضعفه يوجب تقسيم المال، أثلاثاً بين من يرتبط إلى الميت بقوّة و من يرتبط إليه بضعف. و هذا لا غبار فيه.

و أمّا تقسيم الأعمام للأب و الأُمّ أو الأب بالتفاضل، و تقسيم الأعمام للأُمّ بالسوية فقد تبيّن حكمه، لأنّه يجري على الأوّل حكم كلالة الأب و على الثاني حكم كلالة الأُمّ. و بهذا يفارق الخؤولة فيجري عليها حكم الكلالة للأُمّ و لذلك كان التقسيم على أساس التسوية. نعم تقدّم الإشكال في

الحكم بالتسوية في الخؤولة للأب و الأُمّ.

هذا كله في العمومة.

و أمّا الخؤولة فالكلام فيها من حيث الصورة كالكلام في العمومة، فلها صورتان مثل ما إذا انفردت عن العمومة:

1- اتحدت جهة القرابة، كأن يكون الجميع لأب و أُمّ، أو لأب أو لأُمّ، فالمال بينهم بالسوية.

2- لو اختلفت جهة القرابة فلمن تقرّب بالأُمّ السدس، إن كان واحداً، و الثلث إن كانوا متعددين و يقسّم المال بالسوية، و الباقي لمن يتقرّب بالأب و الأُمّ أو بالأب، يقسّم أيضاً بالسوية و شذ من قال بالتقسيم بالتفاوت بين المتقرّب

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 284

بالأب و الأُمّ أو بالأب.

و يرد عليه، ما ذكرته آنفاً فإنّ الخؤولة كلّهم يتقرّبون من جانب الأُمّ فكأنّهم يرثون أُمّ الميت و هي أُختهم، و من المعلوم أنّ الإخوة، و الأخوات، إذا اختلفت جهة قرابتهم كان لمن يتقرّب بالأب و الأُمّ الثلثان، و لمن يتقرّب بالأُمّ الثلث إن كانوا متعددين أو السدس إن كان واحداً.

لكن مقتضى ذلك تقسيم الطائفة الأُولى بالتفاوت، لا بالسوية كما عليه المشهور، و الحقّ هو التقسيم بالتفاوت كما عليه القاضي قال:

فإن خلف خالًا أو خالة أو أكثر من قبل الأب أو من قبل الأب و الأُمّ مع خالة من قبل الأُمّ كان للخالة من قبل الأُمّ السدس، و الباقي للخال و الخالة أو الخؤولة و الخالات من قبل الأب أو من قبل الأب و الأُمّ للذكر مثل حظّ الأُنثيين. ( «1») هذا ما ذكره فيما كانت الخؤولة منفردة في الوراثة، و قال فيما إذا كانت مجتمعة مع العمومة كان لمن يتقرّب بالأب، من العمومة و العمّات، الثلثان يقسّم بينهم على ما تقدّم بيانه و الثلث لمن يتقرّب بالأُمّ واحداً

كان أو أكثر يقسّم بينهم أيضاً.

و المراد من المتقرّب بالأُمّ، الخؤولة، و قد عرفت في كلامه الأوّل أنّ الخؤولة للأب و الأُمّ، يقتسمون بالتفاوت و غيره بالسوية.

مسألة: في اجتماع الأعمام و الأخوال الثمانية:

لو اجتمع عمّ الأب و عمّته و خاله و خالته، مع عمّ الأُمّ و عمّتها، و خالها و خالتها. فالمشهور أنّ لمن يتقرّب بالأب الثلثين و للمتقرّب بالأُمّ الثلث.

ثمّ إنّ صنف المتقرّب بالأب، يقسّم الثلثين أثلاثاً فثلث الثلثين لخال الأب

______________________________

(1) المهذّب: 2/ 148.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 285

و خالته بالسوية و الثلثان لعمّ الأب و عمّته أثلاثاً. و المتقرّب بالأُمّ يقسّم الثلث بالسوية.

قال الشيخ في النهاية: فإذا اجتمع عمّ أب و عمّته و خاله و خالته و عمّ الأُمّ و عمّتها و خالها و خالتها، كان لعمّ الأب و عمّته و خاله و خالته الثلثان، منها ثلثا الثلثين لعمّه و عمّته للذكر مثل حظّ الأُنثيين، و ثلث الثلثين لخاله و خالته بينهما بالسوية، و الثلث الباقي من أصل المال يكون لعمّ الأُمّ و عمّتها و خالها و خالتها، منها لعمّها ( «1») النصف في ذلك و هو السدس من أصل المال الذكر و الأُنثى فيه سواء، و النصف الآخر و هو السدس من أصل المال لخالها و خالتها بينهما بالسوية. ( «2»)

و تبعه القاضي في المهذّب ( «3»).

و بما أنّ الشيخ التزم في النهاية أن يأتي بالفقه المنصوص و الفتاوى المتلقاة عن الأئمة يظن أنّه كان هناك نص بهذا المضمون و- مع ذلك- ليس ما بأيدينا من الأخبار أثر جامع لهذه الأحكام و لعلّه بما أنّ مبادئ المسألة موجودة في النصوص ذكره الشيخ في النهاية كأنّه الفقه المنصوص.

فنقول: أمّا تقسيم التركة بين المتقرّبين بالأب،

و الأُمّ أثلاثاً فلأنّه مقتضى إرث كلّ من الطائفتين نصيب من يتقرّب به، فالمتقرّبون بالأب، يرث نصيبه و هو الثلثان، و المتقرّبون بالأُمّ يرث نصيبها، و هو الثلث لأنّه إذا مات إنسان و له أب و أُمّ و ليس له ولد، يقسّم المال بينهما أثلاثاً.

______________________________

(1) الظاهر سقوط كلمة «و عمتها».

(2) النهاية: 657.

(3) المهذّب: 2/ 150.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 286

و على ذلك الأساس ورد في كتاب علي (عليه السلام): «إنّ العمّة بمنزلة الأب، و الخالة بمنزلة الأُمّ، و بنت الأخ بمنزلة الأخ، قال: و كل ذي رحم فهو بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلّا أن يكون وارث أقرب منه فيحجبه». ( «1»)

و الرواية و إن كانت ظاهرة في عمّة الميّت و خاله، لكن ظاهر بدئي، و المقصود إعطاء الضابطة مطلقاً- بقرينة الذيل- و أنّ نصيب المتقرّب بالأب الثلثان سواء تقرّب إليه به بواسطة جدّ الميّت كعمّ الميّت، أو بواسطة جدّ أبيه كعمّ الأب و مثله جانب الأُمّ، و للمتقرّب بها الثلث مطلقاً كذلك.

و أمّا تقسيم نصيب المتقرّب بالأب، أعني: الثلثين، أثلاثاً فثلث الثلثين لخال الأب و خالته يقسم بينهما بالسوية و ثلثاهما، لعمّ الأب و عمّته يقسم بالتفاوت فلإطلاقِ ما ورد في ميراث العمّ، و الخال من أنّ للعمّ الثلثين، و للخال الثلث ففي كتاب عليّ (عليه السلام): رجل مات و ترك عمّه و خاله، فقال: «للعمّ الثلثان و للخال الثلث» ( «2») و عن أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) في عمّة و خالة، قال: «الثلث و الثلثان» يعني للعمّة الثلثان و للخالة الثلث. إلى غير ذلك. ( «3») و إطلاق الروايات كما يعم خال الميّت و خالته من جانب

أُمّه، كذلك يعم خاله و خالته من جانب أبيه أي يكون خال الأب و خالته، و أيّ إطلاق أوضح من قوله: رجل ترك عمّا و خالًا، فأجاب الثلثان للعمّ و الثلث للخال، و إطلاقه يعمّ عمّ الأب و خاله و إن لم يكن عمّ الميّت و خاله.

إنّما الكلام في تقسيم العمّ و العمّة للأب ثلثي الثلثين أثلاثاً، و تقسيم الخال و الخالة له ثلث الثلثين بالسوية، و الظاهر أنّه على خلاف الضابطة فإنّها في

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال، الحديث 6.

(2) المصدر نفسه: الحديث 1- 2 و لاحظ الحديث 4، 5، 8، 9 من ذلك الباب.

(3) المصدر نفسه: الحديث 1- 2 و لاحظ الحديث 4، 5، 8، 9 من ذلك الباب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 287

المتقرّبين بالأب، هو التقسيم بالتفاوت فإنّ الذي يربط الخال و الخالة للأب، و إن كان هو أُمّ الأب حيث إنّ الخال أخوها و الخالة أُختها، لكن الذي يربطهما إلى الميت هو أبو الميت و هو الحلقة المتوسطة بين الخال و الخالة و الميت لا أُمّ الميت و الضابطة في المتقرّب بالأب هو التقسيم أثلاثاً.

نعم يمكن أن يوجّه بأنّ العم و العمّة أو الخال و الخالة لا يتلقون التركة من الميت، و إنّما يتلقونها من الأب، و كأنّه مات الأب و ترك عمّاً و عمّة و خالًا و خالة، فلا شكّ أنّ التقسيم بين الأوّلين بالتفاوت، دون الثاني لأنّه من المتقرّبين إلى الميت (الأب) بالأُمّ لأنّهما أخو أُمّ الأب أو أُختها.

هذا كلّه حول تقسيم الأربعة الأُول، أي عمّ الأب و عمّته و خاله و خالته، و أمّا الأربعة الثانية و هي، عمّ

الأُمّ، و عمّتها و خالها و خالتها، فالتقسيم على السوية، لأنّهم يتقرّبون بالميت بالأُمّ و هي الحلقة الواسطة بين الميت و هؤلاء، و الحكم في المتقرّب بالأُمّ، هو التسوية.

لكن لو قلنا بصحّة التوجيه الماضي، يلزم أن يكون التقسيم بين العمّ و العمّة بالتفاوت و بين الخال و الخالة بالسوية، و ذلك لأنّهم لا يتلقّون الإرث من الأُمّ و كأنّها ماتت و تركت هؤلاء الأربعة و الأوّلان يتقرّبون إلى الأُمّ من ناحية الأب، لأنّهما أخوا أبيها أو أُختها، و الآخران يتقرّبون إليها من جانب أُمّها.

و لأجل ذلك لو قلنا بالتفاوت بين المتقرّبين بالأب مطلقاً، عمّا و عمّة كان، أو خالًا و خالة و التسوية بين المتقرّبين بالأُمّ كان سالماً عن الإشكال. و الإشكال نشأ من التفريق بين المتقرّبين بالأب، فحكم على العمّ و العمّة للأب بالتفاوت، و على الخال و الخالة له، بالتسوية مع أنّ الجميع من أغصان شجر واحد.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 288

مسائل:
الأُولى: عمومة الميّت و أولادهم- و إن نزلوا- و خئولته و أولادهم- و إن نزلوا- أحقّ بالميراث من عمومة الأب و خئولته

، و أحقّ من عمومة الأُمّ و خئولتها، لأنّ عمومة الميت و خئولته أقرب إليه و كلّ أقرب أولى من الأبعد كتاباً و سنّة و إجماعاً.

و أمّا الكتاب، فقوله سبحانه: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ). (الأنفال/ 75)

و أمّا السنّة، ففي رواية الخزاز: «إنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه». ( «1»)

و عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا كان وارث ممّن له فريضة فهو أحقّ بالمال». ( «2»)

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا التفّت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه». ( «3»)

و بالنظر إلى هذه

الروايات انتزع الفقهاء قاعدة كلية، و هي: «أنّ كل ذي رحم يرث نصيب من يتقرّب به إلى الميت»، و سيوافيك تطبيقها على الصغريات في هذا البحث، و تقدّم بعض الكلام فيها.

و كما أنّ هذه الأربعة متقدّمة على الثمانية، فهكذا أولاد الأربعة أي أولاد عمّ الميت و عمّته و خاله و خالاته متقدّمة على ما للأب من العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و ما للأُمّ من العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و ذلك لأنّ أولاد الأربعة أقرب إلى الميت من هؤلاء الثمانية، مثلًا نفترض إذا مات الرجل عن ابنة الخالة، و عمّة الأُمّ، فالأولى

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1- 3.

(2) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1- 3.

(3) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1- 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 289

من ولد جدّة الميت، و الثانية من أولاد جدّة أُمّ الميت و ولد جدة الميت أولى بالميراث من ولد جدّة أُمّ الميت، نعم إذا عدمت عمومة الميت و خئولته و أولادهم و إن نزلوا، قام مقامهم هؤلاء الثمانية و عند فقدهم أولادهم. أي قام مقامهم عمومة الأب، و خئولته، و عمومة أُمّه و خئولتها عند فقدهم و أولادهم، و إن نزلوا.

الثانية: أولاد العمومة يقومون مقام آبائهم عند عدمهم

، و عدم من هو في درجتهم من الأخوال فلا يرث ابن عمّ مع خال و إن تقرّب بسببين و الخال بسبب واحد، و لا ابن خال مع عمّ و إن تقرب بهما، إلّا في مورد خاص كما مرّ و هو ابن عمّ للأبوين مع العمّ للأب.

فما ربّما يظهر من ابن الجنيد أنّه إذا اجتمع مع

العمّ ابن الخال فللأوّل الثلث، و الثاني الثلثان على خلاف الضابطة المستفادة من الكتاب و السنّة، و لعلّه يجعل العمومة و الخؤولة صنفين، و لكنّه مردود بأنّهما بمنزلة الإخوة و الأخوات أو البنين و البنات، فكما أنّ الأوّلين و الأخيرين صنف واحد فهكذا الأعمام و الأخوال، فمع وجود واحد من العمومة و الخؤولة في الرتبة المتقدمة لا تصل النوبة إلى أولادهم، و إن كان الباقي هو الخال و الأولاد هو ابن العمّ.

و على ضوء هذا تبيّنت عدّة مسائل:

1- أولاد العمومة المتفرّقين يأخذون نصيب آبائهم، فلو مات عن بني العمّ أو العمّة للأُم، و بني العمّ أو العمّة للأب و الأُم، فأولاد كلّ واحد يرث نصيب آبائه، فبنو العمّ أو العمّة للأُم يرثون السدس إن كان العمّ (أو العمّة) واحداً أو الثلث إن كان متعدّداً، و بنو العمّ أو العمّة للأب و الأُمّ يرثون الثلثين سواء كان العمّ واحداً أو متعدّداً، و ذلك لأنّ نصيب من يتقرّب به في الأوّل هو السدس أو الثلث و نصيب من يتقرّب به هو الثلثان، فتعدد العمّ أو العمّة في المتقرّب بالأُمّ

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 290

يؤثر في ارتفاع النصيب و انخفاضه بخلاف تعدّد العمّ أو العمّة للأب و الأُمّ فهو غير مؤثر، فبنو العمّ للأُمّ و إن كانوا عشرة يكون لهم السدس لكون المورث واحداً و هو العمّ للأُم، أمّا بنو العمّ للأب و الأُمّ يرثون الثلثين و إن كانت واحدة كالبنت.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 290

2- إنّ بني

العمّ للأُمّ يقتسمون بالسوية و بنو العمّ للأب و الأُمّ يقتسمون بالتفاوت. نعم، قد تقدّم أنّ الحقّ في الجميع هو التوارث بالتفاضل حتّى بني العمّ للأُمّ.

3- و لو مات عن بني عمّة للأب و الأُمّ و بني عمّ كذلك، فللأُولى الثلث، و إن كان الوارث متعدّداً و للآخرين الثلثان، و إن كان واحداً، و ذلك لأنّ نصيب المتقرّب به في الأوّل هو الثلث و في الثاني هو الثلثان، لأنّ العمّة و العمّ، تربطهما الاخوة، و الحكم فيها هو التقسيم أثلاثاً.

4- و لو اجتمع أولاد العمّ و أولاد الخال، فلأولاد الخال الثلث لواحد كانوا أو أكثر، و الباقي لأولاد العمّ، لواحد كانوا أو أكثر، كما إذا اجتمع الأخوال و الأعمام، ثمّ إن اتفقوا في الجهة تساووا في القسمة و إلّا كان المنتسب إلى الأُمّ بالنسبة إلى المنتسب إلى الأب أو الأبوين، مثل كلالة الأُمّ بالنسبة إلى كلالة الأب أو الأبوين.

ففي المثال حينئذ سدس الثلث لأولاد الخال أو الخالة للأُمّ بالسوية إن اتحد الخال أو الخالة، و ثلثه لأولاد المتعدّد، لكلّ قبيل نصيب من يتقرّب به بالسوية، و باقي الثلث لولد الخال أو الخالة اتحد أو تعدّد للأبوين أو للأب، لكلّ نصيب من يتقرّب به بالسوية، و سدس الثلثين لأولاد العمّ أو العمّة للأُمّ، للذكر مثل الأُنثى إن اتحد من تقرّبوا به، و ثلثهما لأولاد المتعدّد، و لكلّ نصيب من يتقرّب به للذكر مثل الأُنثى، و الباقي لأولاد العمّ أو العمّة أو لهما للأبوين أو للأب، لكلّ نصيب من يتقرّب به، للذكر ضعف الأُنثى. ( «1»)

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 190 بقيت هنا مسائل ثلاث تركناها لحضّار البحث.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 291

المقصد الثاني: الميراث بالسبب

اشارة

قد تقدم أن

المحقّق جعل مقاصد الكتاب بعد الفراغ من المقدّمات ثلاثة: الأوّل: الميراث بالأنساب. الثاني: الميراث بالسبب. الثالث: الميراث بالولاء. و قد فرغنا من البحث عن الميراث بالأنساب، فحان حين البحث عن الميراث بالسبب، و المقصود منه هنا هو الزواج و إليك بيان أحكامه:

المسألة الأُولى: في إرث الزوجين:

1- أنّ الزوجة ترث ما دامت في حبال الزوج و إن لم يدخل بها. و الزوج يرثها و إن لم يدخل بها.

و الدليل، إطلاق الكتاب في كلا الطرفين قال سبحانه: (وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ). (النساء/ 12)

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 292

و المسألة مورد اتّفاق تضافرت فيها النصوص من السنّة، أمّا ميراث الزوجة، ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة ثمّ يموت قبل أن يدخل بها؟ فقال: «لها الميراث و عليها العدّة أربعة أشهر و عشر». و مثله غيرها. ( «1»)

و أمّا في ميراث الزوجة، فلم نجد فيه إلّا رواية واحدة و هي رواية عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة و لم يفرض لها صداقاً، فمات عنها أو طلّقها قبل أن يدخل بها، مالها عليه؟ فقال: «ليس لها صداق و هي ترثه و يرثها». ( «2»)

و قد روى بسندين، و في الأوّل الحسين بن محمّد و هو يروي عن اثنين: معلّى ابن محمّد و

هو لم يوثّق، و عن الحسين بن محمّد بن عمران الأشعري و هو ثقة و من مشايخ الكليني، و في الثاني علي بن الحكم و هو مشترك بين الثقة و غيره.

و مع ذلك فالكتاب كاف، و إذا ورثته الزوجة قبل الدخول فالزوج أولى بالميراث منها.

2- و لو تزوّج المريض و مات في مرضه ورثت إن دخل و إلّا بطل العقد و لا ميراث لها، و سيوافيك بيانه و دليله في المستقبل و لم يذكره المحقّق في المقام.

3- لو طلّقت رجعيّة توارثا إذا مات أحدهما في العدّة بلا خلاف، و تدل عليه روايات الباب 13، من أبواب ميراث الأزواج، ففي صحيح زرارة عن أحدهما- عليهما السلام- قال: «فإنّ المطلّقة ترث و تورث حتى ترى الدم الثالث فإذا رأته

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 12، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1، و يدل عليه أيضاً الحديث 2، 3، 4، و لاحظ الجزء 15، الباب 59 من أبواب المهور، الحديث 2، 3، 4، 5 و الباب 35 من أبواب العدد، الحديث 1- 3.

(2) المصدر نفسه: الحديث 4.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 293

فقد انقطع» ( «1») و ما في صحيح عبد الرحمن ابن أبي نجران الثقة، عن عاصم بن حُمَيد الثقة، عن محمّد بن قيس: «فإنّها ترثه و يرثها ما دامت في الدم من حيضتها الثانية من التطليقتين الأولتين» ( «2») فالمراد منه الدم الثاني مع الطهر المتصل إلى الدم الثالث بقرينة رواية زرارة.

4- لا ترث المطلّقة البائن و لا تورث كالمطلقة ثالثة، و غير المدخول بها، و اليائسة و ليس في سنّها من تحيض و المختلعة و المباراة.

و يدل عليه روايات الباب 13 في ميراث الأزواج

كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا طلّ- ق الرجل و هو صحيح لا رجعة له عليها، لم يرثها» ( «3») و موثقة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يطلق المرأة؟ فقال: «يرثها و ترثه ما دام له عليها رجعة». ( «4»)

5- و لو طلّقها مريضاً طلاقاً بائناً أو رجعيّاً و مات في ذلك المرض و لم تتزوّج ورثته، هي دونه ما بين الطلاق و فوته في ذلك المرض إلى سنة و لم يذكره المحقّق، لما تقدّم منه في كتاب الطلاق، و قد عقد الحرّ العاملي باباً له في كتاب الميراث ( «5») و يظهر من الروايات أنّ الميراث عقوبة، و لا فرق فيه بين الرجعية و البائنة.

6- إذا رجعت المختلعة في البذل في العدّة قال العلّامة في القواعد: توارثا- على إشكال- إذا كان يمكنه الرجوع ( «6») كما إذا لم يزوّج أُختها في عدّتها البائن.

أقول: هناك وجهان مبنيان على تفسير الرجعي و الخلعي:

فإن فسّر الأوّل بما يملك الرجل الرجعة، و الخلعي بما لا يملكها فالطلاق

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 13، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3 و 1.

(2) الوسائل: 17، الباب 13، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3 و 1.

(3) المصدر نفسه: الحديث 2- 4.

(4) المصدر نفسه: الحديث 2- 4.

(5) المصدر نفسه: الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج.

(6) مفتاح الكرامة: 8/ 184.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 294

بعد رجوعها إلى بذلها، ينقلب رجعياً.

و إن فسّر بانقطاع العصمة، و عدمها الذي يترتب على الأوّل عدم جواز الرجوع و عدم وجوب النفقة، و السكنى و جواز العقد على الأُخت كما يترتب على الثاني خلاف هذه الأُمور، فالطلاق بعدُ

خلعيّ لانقطاع العصمة، غاية الأمر بعد رجوع المرأة إلى بذلها جاز له الرجوع مع بقاء سائر الأحكام على حالها، غاية الأمر ورود التخصيص على واحد من الأحكام و انقلاب عدم جواز الرجوع إلى جواز الرجوع من دون أن تنقلب الماهية. هذان هما الوجهان اللذان يصحّ أن يقعا دليلًا على القولين.

و يمكن أن يقال: إنّ أظهر الخواص للطلاق الرجعي هو جواز الرجوع، و أظهره للخلعي هو عدم جواز الرجوع، فإذا ارتفع أظهر الخواص يستكشف كونه منزلًا منزلة الرجعي، فالتعبّد بكونه خلعياً مع جواز الرجوع أشبه في نظر العرف بالجمع بين المختلفين، فلأجل ذلك فالظاهر انقلابه إلى الرجعي، و يؤيد ذلك قوله: «لأنّ العصمة قد انقطعت فيما بينهنّ و بين أزواجهنّ من ساعتهنّ فلا رجعة لأزواجهنّ و لا ميراث بينهنّ» ( «1») فكان عدم جواز الرجوع رمز انقطاع العصمة و ينعكس إلى بقاء العصمة أو عودها إذا جاز الرجوع.

نعم لو كانت الأدلّة الاجتهادية قاصرة فاستصحاب كون الطلاق خلعياً أو المرأة مختلعة يلحقها بالخلعي، و لكن الظاهر عدم قصورها، و قد استوفينا حقّ المسألة في كتاب الطلاق، فلاحظ.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 13، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 295

المسألة الثانية: في نصيب الزوجة:

للزوجة مع عدم الولد للزوج منها و من غيرها، الربع، و لو كنّ أكثر من واحد كنّ شركاء فيه بالسوية لأصالتها في الشركة، و لو كان للزوج ولد منها أو من غيرها كان لهنّ الثمن بالسوية و كذا لو كانت واحدة، و لا يردّ على الزوجة كما سبق، و إن كان الردّ على الزوج محتملًا كما سيوافيك، و العجب من المحقّق النراقي في كتاب الميراث حيث يتبادر من عبارته أنّ لكلّ واحد

من الأزواج الثمن مستقلًا و هو أمر عجيب. ( «1»)

لو طلّق المريض أربعاً و خرجن من العدّة ثمّ تزوّج أربعاً و مات قبل بلوغ السنة، يرثن الثمن أو الربع بالسوية إذا مات في ذلك المرض من غير برء و يمكن تصوير الزوجات أكثر من ذلك.

المسألة الثالثة: إذا اشتبهت المطلّقة بالزوجة:

كما إذا طلّق واحدة من أربع و خرجت من العدّة، ثمّ تزوّج أُخرى ثمّ مات و اشتبهت المطلقة في الزوجات الأُولى فلا شك أنّ للأخيرة ربع الثمن مع الولد أو ربع الربع مع عدم الولد للزوج، إنّما الكلام في الأربع إذ الفرض أنّ واحدة منها مطلّقة غير وارثة فاشتبهت غير الوارثة بين الثلاثة الوارثة فما هو الحكم؟

فعن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال: في مجلس واحد و مهورهن مختلفة؟ قال: «جائز له و لهنّ»، قلت: أ رأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع و أشهد على

______________________________

(1) مستند الشيعة: 2، ط حجر غير مرقّم.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 296

طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد، و هم لا يعرفون المرأة، ثمّ تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة تلك المطلّقة ثمّ مات بعد ما دخل بها كيف يقسّم ميراثه؟

فقال: «إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، و إن عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها و نسبها فلا شي ء لها من الميراث (و ليس) عليها العدّة، قال: و يقتسمن الثلاثة النسوة، ثلاثة أرباع ثمن ما ترك و عليهنّ العدّة، و إن لم تعرف التي طلّقت من الأربع قسمن النسوة ثلاثة أرباع

ثمن ما ترك بينهنّ جميعاً و عليهنّ جميعاً العدّة». ( «1»)

و أمّا فقه الحديث فنتكلّم عنه في المباحث التالية:

1- إنّ الطلاق كان طلاقاً رجعياً لا خلعياً بقرينة أنّه طلّق زوجته في الغربة لغاية التزويج بالخامسة و مثله يكون رجعياً.

2- إنّه تزوّج بالخامسة بعد خروج المطلّقة عن العدّة، و إلّا لم يجز له التزويج بها.

3- ثمّ إنّه إن عرفت المطلّقة من بين الزوجات الأربع لم يكن لها شي ء من الميراث و لا عليها العدّة لموت الزوج المطلّق. أمّا عدم الميراث فلأجل أنّه مات بعد خروجها عن عدّة الطلاق و المطلّقة رجعياً إنّما ترث إذا مات الزوج و هي في العدّة، و المفروض أنّه مات بعدها كما أنّ المفروض أنّه طلّق و هو مصحح و لم يكن مريضاً، حتّى ترثه بين الطلاق و السّنة إذا مات فيها.

و أمّا أنّه ليس عليها العدة لخروجها عن العدّة بشهادة تزويج الخامسة، و من هنا يعلم أنّ الصحيح «و ليس عليها العدّة» لا «و عليها العدّة» كما في الجواهر،

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 297

و لأجل ذلك اشتبه عليه الأمر، و قال: بل المتجه حينئذ سقوط الاعتداد عنها لأنّ الفرض تزويجه بالخامسة بعد خروج المطلّقة من العدة و قال: و هو جيد بناء على كون الحكم كذلك مع قطع النظر عن الصحيح المذكور ( «1») و لعلّ نسخته كانت فاقدة للفظ «ليس» كما يظهر من نقله الحديث بدونه.

4- أمّا الخامسة فهي ترث ربع الثمن إذا لم يكن له ولد فلأنّها زوجة مات عنها زوجها قطعاً فيرث حسب نصيبها، و أمّا الأربعة الباقية التي نعلم بطلاق واحدة منها غير معيّنة

فيحكم عليهنّ بحكمين:

1- اقتسامهنّ ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بالسوية 2- و عليهنّ جميعاً العدّة.

أمّا الثاني فواضح، لأنّ كل واحدة منهنّ زوجة بحكم الاستصحاب و كلّ زوجة محكومة بالاعتداد إذا توفّي عنها زوجها، و العلم بانتقاض الحالة السابقة في واحدة منهنّ لا يضر به لخروج الأطراف عن محلّ الابتلاء، فإنّ كلّ واحدة مكلّفة مستقلًا فهي تستصحب زوجيتها و إن علم بأنّها أو إحدى ضرّتيها مطلّقة، و لكن ذلك العلم غير منجز لعدم كون الطرف المقابل محلًا للابتلاء للزوجة المستصحبة.

و أمّا الأوّل فلأنّه مقتضى قاعدة العدل و الإنصاف، فالمقام أشبه بودعي أودع عنده ديناران لواحد و دينار لواحد آخر، فامتزجت الدنانير بلا تقصير، فسرق واحد منها، فالباقيان إمّا للمودع الأوّل أو واحد منهما للأوّل و الآخر للثاني، فلا محيص في رفع الخصومة عن تخصيص الواحد بالمودِع الأوّل و تقسيم الثاني بينهما كما ورد به الخبر. ( «2») و في المقام يتعارض الاحتمال في كل منهما، فهو أشبه بما إذا تداعيا اثنان خارجان مع تعارض بيّنتهما فالصلح خير.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 39/ 200.

(2) الوسائل: 13 كتاب الصلح، الباب 9، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 298

نعم إنّ ابن إدريس طرح الخبر و قال بالقرعة و انّه تُستخرج المطلّقة بها، و بما أنّ أدلّة القرعة عندنا مختصّة بصورة التخاصم، لا مجرى لها في المقام، إذ لا تخاصم في المقام بل التحيّر و الجهل سائدان عليه، إلّا أن نقول بكفاية التخاصم بالقوّة و إن لم يكن بالفعل و على تسليم صحّته فلا تعادل أدلّة القرعة النص الوارد بالخصوص.

و هناك احتمال آخر و هو تخيير الحاكم بين القرعة و الصلح بما في الرواية و إن كان العمل بالرواية

أولى و أحوط.

و منه يظهر أنّ الحكم لا يختص بمورد النص بل يعمّ ما إذا اشتبهت المطلّقة في اثنتين أو في جملة الخمس، سواء كان الاشتباه بواحدة أو أكثر، بل يمكن فرضه بما إذا طلّق الأربع و تزوّج الأربع بعد خروجهنّ من العدّة و اشتبهن، و الظاهر التعدية من مورد الحكم إلى غيره، و ليس إلغاء الخصوصية عملًا بالقياس بل هو من المداليل العرفية.

المسألة الرابعة: في ميراث الصبية عن زوجها:

1- إذا زوّج الولي مثل الأب و الجدّ له الصبية بالكفو المدرِك بمهر المثل و توفّي الزوج ترثه الزوجة مطلقاً، سواء مات قبل إدراكها أو بعد إدراكها.

2- إذا زوّج الوليّ الصغيرين بالكفو بمهر المثل توارثا كذلك.

3- إذا زوّج الولي الصبية بالكفو بدون مهر المثل توارثا أيضاً كذلك و إن كان لها الخيار- لو بلغت- لكن الخيار في المهر لا في العقد.

4- لو زوّجها بغير الكفو بدون مهر المثل فهو عقد فضولي يلحقه أحكامه.

أمّا الصورة الأُولى: فيقع الكلام فيها و فيما بعدها في جهتين: جهة وجود الخيار للمعقود له بعد الإدراك و البلوغ، وجهة ميراث أحد الزوجين عن الآخر إذا

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 299

قلنا بأنّ العقد لازم أو قلنا بأنّه جائز و لكن لم يصدر أيّ فسخ، و الجهة الأُولى راجعة إلى كتاب النكاح، فقد قلنا هناك بأنّ العقد لازم إذا كان العاقد وليّاً، و الجهة الثانية راجعة إلى المقام، و حكم المسألة مشهور بين الفقهاء، حتى أنّ من قال بالخيار، قال بالميراث إذا لم يفسخ، لأنّ تزلزل عقد الصبية ليس بأشدّ من تزلزل المطلّقة الرجعية مع أنّها ترث إذا مات الزوج في العدّة، و تدل على ذلك صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

الغلام له عشر سنين، فيزوّجه أبوه في صغره، أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين؟ قال: فقال: «أمّا تزويجه فهو صحيح، و أمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته، حتى يدرك فيعلم أنّه كان قد طلّق فإن أقرّ بذلك و أمضاه، فهي واحدة بائنة و هو خاطب من الخطاب، و إن أنكر ذلك و أبى أن يمضيه فهي امرأته»، قلت: فإن ماتت أو مات؟ قال: «يوقف الميراث حتى يدرك أيّهما بقي، ثمّ يحلف باللّه، ما دعاه إلى أخذ الميراث إلّا الرضا بالنكاح، و يدفع إليه الميراث». ( «1»)

أمّا فقه الحديث، فالطلاق كان من الصبي فضوليّاً بمعنى غير جامع الشرائط و هو البلوغ، و لأجل ذلك يكفي رضاه بعد البلوغ.

و أمّا حلفه باللّه ما دعاه إلى أخذ الميراث إلّا الرضا بالنكاح، فهو من أدلّة كون العقد خيارياً، و من قال بعدم الخيار له فهو لا يعمل بالذيل. و على كلّ تقدير فهو نصّ في المورد.

نعم روى عباد بن كثير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): قال: سألته عن رجل زوّج ابناً له مدركاً من يتيمة في حجره؟ قال: «ترثه إن مات و لا يرثها، لأنّ لها الخيار، و لا خيار عليها». ( «2») إنّ عدم إرث الزوج لأجل كون العقد من جانب

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 11، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4- 2، صدر الحديث الأوّل مطلق، و ذيله ظاهر فيما إذا كان الزوجان صغيرين، لا أحدهما صغيراً و الآخر كبيراً، فربما يصلح لأن يكون دليلًا للصورة الثانية.

(2) الوسائل: 17، الباب 11، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4- 2، صدر الحديث الأوّل مطلق، و ذيله ظاهر فيما إذا كان الزوجان صغيرين، لا أحدهما صغيراً

و الآخر كبيراً، فربما يصلح لأن يكون دليلًا للصورة الثانية.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 300

اليتيمة فضولياً و لم يكن الرجل وليّاً لها، بل مربياً لها و لعلّ الرجل تزوّج بأُمّ معها بنتها، فزوّجها بلا ولاية، بابنه الصغير، و بما أنّ العقد كان من جانب الصغير تامّاً ترثه الزوجة إن أمضت، و لا يرثها الابن إذا ماتت قبل الإمضاء، و في السند نعيم بن إبراهيم و عباد بن كثير و كلاهما لم يوثقا.

هذا و يمكن استنباط حكم هذه الصورة ممّا ورد في الصورة الثانية لأنّه إذا جاز و ورث فيما إذا كان الطرفان غير مدركين لجاز و ورث فيما إذا كان أحدهما غير مدرك بطريق أولى.

و أمّا الصورة الثانية: أعني: ما إذا زوّج الوليّ الصغيرين، فيدل عليه مضافاً إلى الإطلاقات:

1- صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصبي يتزوّج الصبية يتوارثان؟! فقال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم»، قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا». ( «1»)

2- ما رواه صفوان عن محمد عن أحدهما (عليهما السلام) قلت: الصبي يتزوّج الصبية هل يتوارثان؟ قال: «إن كان أبواهما زوّجاهما فنعم»، قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا». ( «2»)

3- خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الصبيّ يزوّج الصبية هل يتوارثان؟ قال: «إن كان أبواهما، هما اللذان زوجاهما فنعم». قلنا: يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا». ( «3») و رواه الشيخ و الصدوق بسندين آخرين و إن كان بين الاسناد اشتراك في بعض الأسماء. و في سند الحديث الذي نقله الكليني

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 12، من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2) مستدرك الوسائل: 14، الباب 5

من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.

(3) الوسائل: 17، الباب 11، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 301

القاسم بن عروة و هو لم يوثق، لكنّه وقع في أسانيد ابن أبي عمير.

و أمّا الصورة الثالثة: أعني ما إذا زوّج الولي الصبي بالكفو بدون مهر المثل توارثا أيضاً للإطلاقات و إن كان لها الخيار- لو بلغت- في المهر لكن الخيار في المهر غير الخيار في العقد، و المستفاد ممّا سبق أنّه إذا صدر العقد من أهله و وقع في محلّه يتّصف الطرفان بالزوجية و يترتّب عليه ما للزوجية من الآثار.

إنّما الكلام في الصورة الرابعة و هو ما إذا زوّجها بغير الكفو سواء كان بمهر المثل أو بأقلّ منه. فهل العقد لازم أو أنّه فضولي، جائز يتوقّف على رضى المولّى عليه بعد البلوغ، و الظاهر أنّ العقد فضولي مع فقد المصلحة و إن لم تكن المفسدة، اللّهمّ إلّا أن يقال بكفاية عدم المفسدة، و لا يحتاج إلى وجود المصلحة فيصح في قسم خاص و هو إذا لم يقترن بالمفسدة.

هذا كلّه إذا كان العاقد وليّاً و أمّا إذا زوّجه غير الولي فيكون العقد موقوفاً على رضاهما فله صور:

1- إذا رضيا به بعد البلوغ و الرشد.

2- إذا ردّاه بعد البلوغ.

3- لو بلغ أحدهما و ردّ و لم يبلغ الآخر بعد.

4- لو ماتا قبل البلوغ.

5- لو بلغ أحدهما و رضى لكن مات الآخر قبل الرضا.

6- عكس هذه الصورة، بلغ أحدهما و رضى و مات هو.

هذه هي الصور الست و أحكامها واضحة فيتوارثان في الأوّل دون الثاني و الثالث و الرابع و الخامس إنّما الكلام في الصورة السادسة، ففيها يعزل نصيب الآخر من تركة الميّت و

تربّص بالحي. فإن بلغ و أنكر العقد و ردّه و لم يرض به فقد

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 302

بطل العقد و لا ميراث، و إن أجاز صحّ و أُحْلِف أنّه لم يدعه إلى الرضا الرغبة في الميراث. و المسألة مشهورة ورد فيها صحيحة أبي عبيدة و الأسئلة الواردة فيها التي لها صلة بالميراث لا تتجاوز عن خمسة و إليك الإشارة إلى مواضعها. قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين؟ قال: فقال: «النكاح جائز أيّهما أدرك كان له الخيار.

1- فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر.

2- إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا». قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضى».

3- قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية: و رضى النكاح، ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه؟ قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك، و تحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ثمّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر».

4- قلت: فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: «لا لأنّ لها الخيار إذا أدركت».

5- قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: «يجوز عليها تزويج الأب و يجوز على الغلام و المهر على الأب للجارية». ( «1»)

أمّا فقه الحديث، فقد ورد فيها أحكام لصور مختلفة و ذيل الحديث دليل على أنّ العاقدين لم يكونا وليّين شرعيّين، بل كانا وليّين عرفيّين، و لذلك فرض في الصورة الخامسة كون العاقد أباً للجارية أو للغلام، و إليك البيان:

1- لو زوّجهما الوليّان العرفيّان، و

ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث و لا مهر لكون العقد فضولياً و عدم التنفيذ من جانب الزوجين، و إليه أشار بقوله: «فإن

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 11، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 303

ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر».

2- تلك الصورة و لكن أدركا و رضيا و مات واحد من الزوجين و بقي الآخر، فيرثه الباقي، و إليه أشار بقوله: «إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا».

3- تلك الصورة و لكن أدرك الزوج و رضى و مات قبل الآخر، و العقد يجوز عليه، و أمّا الآخر فلنفترض أنّه الجارية فيعزل ميراثها منه حتّى تدرك و تحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، ثمّ يدفع إليه الميراث و نصف المهر، و إليه أشار بقوله: و إن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضى بالنكاح ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه؟ قال: «نعم، يعزل ميراثها منه» إلى آخر العبارة.

4- تلك الصورة، و لكن نفترض أنّ الجارية ماتت قبل الإدراك و بقي الزوج و أدرك و رضى، فلا يرث، و ذلك لأنّ العقد و إن كان تامّاً من جانب الزوج لكنّه غير تام من قبل الزوجة لأنّها ماتت قبل الإدراك، أو بعد الإدراك و قبل الرضا، و إن كان فرض الرواية هو الأولى، و إليه أشار بقوله:

فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: «لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت».

5- إذا كان العاقد هو الولي الشرعي من أب للجارية و للغلام، فلا شكّ أنّ العقد نافذ، و المهر على الأب إذا لم يكن للغلام مال كما

حقّق في محلّه، و إليه أشار بقوله: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: «يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام و المهر على الأب للجارية».

إلى هنا وقفت على الصور الموجودة في الرواية، و كلّ ما ورد فيها موافق للقاعدة إلّا ما ورد في الصورة الثالثة، فربما يستظهر أنّ بعض ما فيها أو كلّه مخالف للقاعدة، و إليك بيانه:

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 304

أ: إنّ الواجب دفع جميع المهر لا نصفه، لأنّ الموت ليس بمنصِّف مع أنّ الوارد فيها هو نصف المهر.

و يمكن دفعه بأنّ الرواية وردت في ظروف كان الرائج فيها دفع نصف المهر حين العقد، و النصف الآخر حين الزفاف، و بهذا الاحتمال يندفع الإشكال.

ب: طلب اليمين من المجيز و هو مصدق فيما لا يعلم إلّا من قبله، على أنّه يكفي في الوراثة الرضا بالعقد، و إن كان الذي دعاه إليه هو الطمع في ماله.

و يمكن دفعه بأنّ الرضا بالعقد في حال حياة الزوج كاف سواء كان الدافع إلى الرضا جماله أو ماله أو دينه، فمطلق الرضا بالعقد بأيّ داع كان هو الشرط اللازم.

و لكن إحراز هذا الشرط في الظرف الذي مات الزوج، و ترك مالًا و بقيت الزوجة أمر مشكل لأنّا نحتمل أنّه لو كان الزوج حيّاً مع كونه ذا مال فربما لم ترضَ به الزوجة، فلأجل دفع هذا الاحتمال و انّه لو كان حيّاً لكانت راضية به لأيّ داع كان، نستحلفها على أن تحلف بأنّ الذي دعاها إلى الميراث ليس إلّا رضاها بالتزويج، لا المال الموجود.

فانّ استحلافها لا يدلّ على أنّ الرضا بالعقد لأجل المال غير كاف، بل لا شكّ أنّه كاف مطلقاً، و

لكن إحراز ذلك في الظرف الذي مات الزوج لا يعلم إلّا بالحلف على أنّ رضاها بالزواج ليس إلّا لأجل كون الزوج مطلوباً لها لا غير و ليس الداعي لرضاها التركة الموجودة، فلاحظ فانّه دقيق.

ج: إنّ تصحيح العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته و قبل إجازة الآخر أمر غير تامّ، و ذلك لأنّ الإجازة إمّا ناقلة أو كاشفة، أمّا على الأوّل، فالمفروض أنّ الزوجة ماتت قبل تمام السبب الناقل، و من المعلوم أنّ مثل ذلك النكاح باطل كما لو مات أحدهما قبل تمام الأمر.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 305

و لا يقاس النكاح بباب البيع، فانّ موت الموجب قبل قبول القابل لا يبطل العقد، بخلاف موت أحد الزوجين قبل إكمال العقد، و ذلك لأنّ البيع ربط بين المالين و ليس بقاء البائع و المشتري من الأركان و هذا بخلاف النكاح، فانّه ربط بين الزوجين فبقاؤهما من الأركان.

و أمّا على الثاني فلأنّ لزوم الاستحلاف دالّ على أنّ الإجازة وحدها لا تكفي ثبوت هذا العقد بل لا بدّ معها من اليمين، و بالتالي حصل الموت قبل تمام السبب.

و بالجملة الإجازة إنّما تكون كاشفة في مورد تمّ السبب، و الاستحلاف دليل على عدم تماميته.

يلاحظ عليه: أنّا نختار الشقّ الثاني، و لكن الحلف كالرضا كلاهما بالانضمام، كاشفان عن تمامية السبب و ليس الحلف جزء للسبب.

و بذلك تقف على أنّ بعض ما ذكره الشهيد في المسالك غير تامّ، كما يظهر أنّه يمكن إلحاق بعض ما لم يذكر في الرواية بما ورد فيها:

1- كما لو كانا كاملين مدركين، و زوجهما الفضولي.

2- لو كان أحدهما كاملًا و الآخر صغيراً.

3- أو كان العاقد وليّ أحد الصغيرين، و العاقد للآخر فضولياً،

فالحكم في الجميع على وفق ما ورد في الرواية.

بقي هناك أمر ربما يصدّنا عن إلحاق ما لم يذكر بما ورد، و هو أنّ الزوجية علقة بين الجنسين المختلفين، لأجل الاستمتاع أوّلًا، و تشكيل الأُسرة ثانياً، و اعتبار هذه العلقة بين الحيّ و الميّت لأجل خصوص التوارث ممّا ليس منه بين العقلاء عين و لا أثر. فما ورد في الرواية تعبّد من الشارع و عند ذلك، فالتجاوز عن مورد

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 306

الرواية إلى غيره يكون أمراً مشكلًا، و لو أغمضنا عن ذلك، فلا شكّ أنّه إذا صحّ العقد مع كون الزوجين صغيرين، صحّ في الكاملين و الكامل و الفضولي بطريق أولى، إلّا أن يقال: إنّ طبيعة الشرع هو تفريق المجتمعات و جمع المفترقات و معه لا قطع بالمناط.

ثمّ لو نكلت الزوجة عن اليمين سقط الإرث، و لو منعها عن اليمين مانع انتظر إلى أن يرتفع المانع، و هل اليمين واجب في خصوص مورد التهمة فلا يجب مع ارتفاعها، أو هو واجب مطلقاً و التهمة حِكمة؟ و الظاهر هو الثاني، كما لا يخفى على المتدبّر في الرواية.

المسألة الخامسة: في حرمان الزوجة عن بعض التركة:

اشارة

و تحقيق المسألة يتوقف على بيان أُمور:

1- المسألة من خصائص الفقه الإمامي:

لا خلاف بين المسلمين في أنّ الزوج يرث من جميع ما تركته زوجته من أرض و بناء و غيرهما، و لا يحرم من شي ء ممّا تركته. كما لا خلاف بين أهل السنّة في أنّ الزوجة أيضاً ترث من جميع ما تركه الزوج بلا استثناء مثل الزوج. ( «1»)

و لا خلاف أيضاً بين الشيعة في أنّ غير ذات الولد من الزوجة لا ترث من عراص الرباع و الدور و المساكن و إنّما ترث من أعيانها الخارجيّة من الأخشاب و الأبواب و الآلات بالتقويم فهذه الأُمور الثلاثة ممّا اتّفقوا عليه.

و إنّما الخلاف بين الشيعة في غير ذات الولد و غير الدور و المساكن، فمنهم

______________________________

(1) المغني: 6/ 237.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 307

من يخص الحرمان بغير ذات الولد و منهم يعمّمه إليها و إلى غيرها، و على كلا القولين فمنهم من يقول بحرمانها من الدور و المساكن، و منهم من يقول بحرمانها من مطلق الأراضي. و على كل تقدير فالحرمان بوجه الإجمال ممّا اتّفقت عليه الشيعة الإمامية و إن كان التفصيل مورد الخلاف و لنكتف في المقام بكلام السيد في الانتصار، و الشيخ في الخلاف.

قال المرتضى في الانتصار: و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئاً، بل تعطى بقيمة حقّها من البناء و الآلات دون قيمة العراص. ( «1»)

و قال الشيخ في الخلاف: لا ترث المرأة من الرباع و الدور و الأرضين شيئاً، بل يقوّم الطوب و الخشب فتعطى حقّها منه، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و قالوا: لها الميراث من جميع ذلك. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. ( «2»)

2- هل هناك من ردّ أصل الحرمان؟

ربما يقال بأنّ أصل الحرمان بوجه الإجمال

مورد الخلاف و استظهر الخلاف من ابن الجنيد حسب ما نقل عبارته العلّامة في المختلف و إليك نصّها:

قال ابن الجنيد: إذا دخل الزوج أو الزوجة على الولد و الأبوين كان للزوج الربع، و للزوجة الثمن، من جميع التركة عقاراً و أثاثاً و صامتاً و رقيقاً، و غير ذلك و كذا إن كنّ أربع زوجات، و لمن حضر من الأبوين السدس، و إن حضرا جميعاً السدسان و ما بقي للولد. ( «3»)

______________________________

(1) الانتصار: 31.

(2) الخلاف: 2 كتاب الفرائض، المسألة 131.

(3) مختلف الشيعة، كتاب الفرائض: 4/ 235، الطبعة الحديثة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 308

و لا يخفى أنّ كلام ابن الجنيد يحتمل وجهين:

1- المقصود من دخول الزوجة على الولد و الأبوين، كونها ذات ولد من الزوج الميت. ففي مثله ترث من كل ما تركه الزوج أعياناً و عراصاً و يكون بالنتيجة موافقاً للمفصِلين بين ذات الولد و غيرها و يقع قوله: «على الولد» في جانب الزوجة، مقدّمة لقوله: «من جميع التركة عقاراً و أثاثاً» فإنّ ميراثها من الجميع فرع كونها داخلة على الولد من نفسها، و يدل بالمفهوم على الحرمان إذا لم يكن ذات الولد من الزوج الميت.

2- إنّ المراد هو كون الزوج الميت ذا ولد، سواء كان منها أو من غيرها و يكون ذكر الولد لأجل تعيين مقدار سهمها و هو الثمن و يكون قوله: «من جميع التركة عقاراً و أثاثاً» راجعاً إلى بيان عدم محروميتها مطلقاً. حتّى العقار و على هذا يكون ابن الجنيد من المخالفين لما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب و تضافرت عليه النصوص.

و ربّما يتوهم المخالفة من بعض الأصحاب كالصدوق في المقنع و المراسم لسلّار و الإيجاز و التبيان للشيخ الطوسي،

و مجمع البيان و جوامع الجامع للطبرسي، و الفرائض النصيرية للمحقّق الطوسي.

و لكن الصدوق و إن لم يذكره في المقنع، لكنّه ذكره في الفقيه، و الشيخ و إن لم يذكره في الإيجاز، فقد ذكره في النهاية و المبسوط و الاستبصار و الخلاف، و ليس بناء المفسّر، التعرّض للجزئيات إذ الفرق الواضح بين كتاب التفسير و الفقه، و على كلّ تقدير، لا يمكن الاستدلال بعدم الذكر على المخالفة.

نعم تظهر المخالفة من دعائم الإسلام و هو فقيه شيعي إسماعيلي، أوّل الروايات بالأراضي المفتوحة عنوة و بالأوقاف التي ليس للنساء فيها حظ. ( «1»)

______________________________

(1) دعائم الإسلام: 2/ 395.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 309

3- مواضع البحث في المسألة:

اشارة

إنّ مواضع البحث لا تتجاوز عن ثلاثة:

1- معرفة الزوجة الممنوعة و هل هي خصوص غير ذات الولد من الزوج أو الأعمّ منها و من ذات الولد؟

2- معرفة ما تحرم منها و هل هو مختص بأراضي الرباع و الدور و المساكن أو يعمّ مطلق الأرضين؟

3- ثمّ على القول بحرمانها من عراص الرباع أو مطلق الأراضي، فكيف ترث من أعيان الدار و كيف يقوّم؟ و إليك البحث عن الكل، واحداً تلو الآخر.

الموضع الأوّل: تعيين المرأة الممنوعة:
اشارة

اختلفت كلمات الفقهاء في تعيين المرأة الممنوعة، فمنهم من خصّها بغير ذات الولد، و منهم من عمّمها إليها و إلى غيرها، أمّا الطائفة الأُولى فإليك نقل كلماتهم:

1- قال الصدوق- بعد نقل رواية ابن أبي يعفور الدالة على مشاركة الزوج و الزوجة في الميراث- هذا إذا كان لها منه ولد، فإذا لم يكن لها ولد فلا ترث من الأُصول إلّا قيمتها. ( «1»)

و قال الشيخ الطوسي بعد نقل تلك الرواية: و كان أبو جعفر محمّد بن علي ابن الحسين بن بابويه- رحمه اللّه- يؤوّل هذا الخبر و يقول: ليس لهن مع عدم الأولاد من هذه الأشياء المذكورة، فإذا كان هناك ولد فإنّها ترث من كلّ شي ء. ( «2»)

______________________________

(1) الفقيه: باب نوادر الميراث: 4/ 252 ح 8.

(2) الاستبصار: 4/ 155.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 310

2- قال الشيخ في النهاية: المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين و القرى و الرباع من الدور و المنازل، بل يقوّم الطوب و الخشب، و غير ذلك من الآلات و تعطى حصتها منه، و لا تعطى من نفس الأرضين شيئاً، و قال بعض أصحابنا: إنّ هذا الحكم مخصوص بالدور و المنازل دون الأرضين و البساتين، و الأوّل أكثر في

الروايات و أظهر في المذاهب. و هذا الحكم الذي ذكرناه إنّما يكون إذا لم يكن للمرأة ولد من الميت فإن كان لها منه ولد اعطيت حقّها من جميع ما ذكره من الضياع، و العقار و الدور و المساكن. ( «1»)

3- قال الشيخ في المبسوط: و المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين و القرى و الرباع و الدور و المنازل، بل يقوّم الطوب و الخشب و غير ذلك من الآلات و تعطى حقها و لا تعطى من نفس الأرض شيئاً.

و قال بعض أصحابنا: إنّ هذا مخصوص بالدور و المنازل دون الأرضين و البساتين، و الأوّل أظهر، هذا إذا لم يكن لها منه ولد، فأمّا إذا كان لها ولد فإنّها تعطى حقّها من جميع ذلك. ( «2»)

4- و قال ابن البراج: و المرأة إذا لم يكن لها ولد من زوجها و مات عنها، لم يورث من الأرضين و الرباع و الدور و المنازل و القرى شيئاً، بل يقوّم الأخشاب و الطوب، و جميع آلات ذلك، و يدفع إليها حقّها منها. و لا يدفع إليها من نفس ذلك شي ء، و ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ ذلك يختص بالمنازل و الدور دون الأراضي و غيرها، و الظاهر الأوّل، فإن كان لها منه ولد، دفع إليها حقّها من نفس ذلك، و لم يمنع من شي ء منه. ( «3»)

______________________________

(1) النهاية: 642.

(2) المبسوط: 4/ 126.

(3) المهذب: 2/ 140، باب ميراث الأزواج و الزوجات.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 311

5- و قال ابن حمزة: فإن كانت الزوجة ذات ولد من زوجها المتوفى عنها لزم ميراثها في جميع تركاته و إن لم تكن ذات ولد منه لم يكن لها حقّ في

الأرضين و القرى و المنازل و الدور، و الرباع. ( «1»)

6- و قال المحقّق في الشرائع: «إذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك. و لو لم يكن، لم ترث من الأرض شيئاً، و أُعطيت حصّتها من قيمة الآلات و الأبنية، و قيل: لا تمنع إلّا من الدور، و المساكن. و خرّج المرتضى- رحمه اللّه- قولًا ثالثاً: و هو تقويم الأرض، و تسليم حصّتها من القيمة، و القول الأوّل أظهر. ( «2»)

7- و قال ابن سعيد الحلّي: و يرث كل وارث من جميع تركة الموروث إلّا زوجة لا ولدَ لها منه فإنّها لا ترث من الأرض و ترثه فيما عداها. و يعطى قيمة حصّتها من الحيطان، و النخل، و الشجر و السقوف، فإن كان لها منه ولد ورثت كغيرها. ( «3»)

8- و قال العلّامة في القواعد: و الزوج يرث من جميع ما تخلفه المرأة سواء دخل أو لا، إذا كان العقد في غير مرض الموت، أمّا الزوجة فإن كان لها ولد من الميت فكذلك، و إن لم يكن لها ولد فالمشهور أنّها لا ترث من رقبة الأرض شيئاً، و تعطى حصّتها من قيمة الآلات و الأبنية. ( «4»)

9- قال في التحرير: الزوجة إن كان لها من الميت ولد ذكراً أو أُنثى ورثت الثمن من جميع ما تركه الرجل، و لو لم يكن لها ولد منها لم ترث من الأرض شيئاً. ( «5»)

10- و قال في الإرشاد: و ذات الولد من زوجها ترث منه من جميع تركته، فإن

______________________________

(1) الينابيع الفقهية: 22/ 279، نقلًا عن الوسيلة.

(2) شرائع الإسلام: 4/ 34.

(3) الجامع للشرائع: 508.

(4) قواعد الأحكام: 2/ 178.

(5) التحرير: 2/ 168.

نظام الإرث في الشريعة

الإسلامية الغراء، ص: 312

لم يكن لها منه ولد لم ترث رقبة الأرض شيئاً و أُعطيت حصّتها من قيمة الآلات و الأبنية و النخل و الشجر على رأي ( «1»). هؤلاء، هم الذين خصّوا الحرمان بغير ذات الولد و قد اكتفينا بهم من المتقدّمين، و إليك من قال بعمومية الحكم.

من قال بعمومية الحكم لذات الولد و غيرها:

1- قال المفيد: «و لا ترث الزوجة ممّا يخلفه الزوج من الرباع و تعطى قيمة الخشب و الطوب و البناء و الآلات فيه، و هذا هو منصوص عليه عن نبيّ الهدى- عليه و آله السلام- و عن الأئمّة من عترته (عليهم السلام) و الرباع هي الدور و المساكن دون البساتين و الضياع. ( «2»)

2- و قال أيضاً في الأعلام: اتفقت الإمامية على أنّ الزوجة لا ترث من الرباع شيئاً و لكن تعطى بقيمة حقّها من البناء و الطوب و الآلات. ( «3»)

3- و قال السيد المرتضى في الانتصار: و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئاً ... إلى آخر ما عرفت. ( «4»)

4- و قال أبو الصلاح: و لا ترث الزوجة من رقاب الرباع و الأرضين شيئاً و ترث من قيمة آلات الرباع من خشب و آجر كسائر الارث. ( «5»)

5- قال ابن إدريس: هذا (الحرمان) إذا لم يكن لها ولد من الميت، فأمّا إذا كان لها منه ولد، اعطيت سهمها من نفس جميع ذلك، على قول بعض أصحابنا،

______________________________

(1) إرشاد الأذهان: 2/ 125.

(2) المقنعة: 687.

(3) الأعلام: 56.

(4) الانتصار: 301.

(5) الكافي: 374.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 313

و هو اختيار محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه تمسّكاً منه برواية شاذة و خبر واحد لا يوجب علماً و

لا عملًا. و إلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته إلّا أنّه رجع عنه في استبصاره، و هو الذي يقوى عندي، أعني: ما اختاره في استبصاره، لأنّ التخصيص يحتاج إلى أدلّة قويّة و أحكام شرعية، و الإجماع على أنّها لا ترث من نفس تربة الرباع و المنازل شيئاً سواء كان لها ولد أو لم يكن و هو ظاهر قول شيخنا في مقنعته و السيد المرتضى في انتصاره. ( «1»)

6- قال المحقّق في مختصر الشرائع- الذي ألّفه بعد الشرائع-: و يرث الزوج من جميع ما تركته المرأة، و كذا المرأة عدا العقار. ( «2»)

7- قال الفاضل المقداد- بعد نقل صحيحة الفضلاء-: إنّ حكم المرأة ذات الولد حكمها كذلك لقوله: «ثمنها ...». ( «3»)

قد تعرّفت على القائلين بالقولين، و إنّهما من قبيل الأشهر و المشهور لا النادر و المشهور و إن في كل من القائلين أساتذة الفقه و لكلّ دليله.

دليل من قال بعمومية الحكم لذات الولد:

استدل من قال بعمومية الحكم لذات الولد و غيرها، بالإطلاقات الواردة من حرمان الزوج عن العقار و الأراضي أو الدور و المساكن، و لم يرد فيها تخصيص بذات الولد مع استفاضتها، فلو كان هناك فرق بينهما لأُشير إليه في واحد منها مع عدم إشعار شي ء منها بهذا التفصيل، و ظاهر الجميع التعبير بالزوجة الشاملة لهما،

______________________________

(1) السرائر: 3/ 259.

(2) المختصر النافع: 272.

(3) التنقيح الرائع: 4/ 191.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 314

و نحن نعلم من طريقتهم عدم الإيكال إلى علم السامع و نحوه. ( «1»)

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى الكتاب هو إرثها من كلّ ما تركه الزوج، فإطلاق الكتاب محكّم حتّى يرد دليل على تخصيصه أو تقييده.

و ما استفاض من الإطلاقات في السنّة الدالّة على

الحرمان، مفسّر أو مقيّد بما رواه ابن أُذينة: «في النساء إذا كان لهنّ ولد أُعطين من الرباع» رواه الشيخ باسناد صحيح عن ابن أُذينة مقطوعاً، و رواه الصدوق باسناده عن محمّد بن أبي عمير عن عمر بن أُذينة، و في السند محمّد بن أحمد بن يحيى الثقة، عن يعقوب بن يزيد بن حمادة الأنباري الكاتب الثقة، عن ابن أبي عمير الثقة، عن ابن أُذينة ( «2») و هو محمّد بن عمر بن أُذينة الذي غلب عليه اسم أبيه و هو أيضاً ثقة و يعد من الطبقة الخامسة في عداد تلاميذ زرارة و محمّد بن مسلم، و في طبقة جميل بن دراج و حمّاد بن عيسى المتوفّى عام 209 ه- و حمّاد بن عثمان المتوفى عام 212 ه-.

قال النجاشي: شيخ أصحابنا البصريين و وجههم روى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) بمكاتبه. له كتاب الفرائض. ثمّ ذكر سنده إلى الكتاب، و أوصله إلى محمّد بن أبي عمير عن عمر بن أُذينة، ( «3») و ما نقله ابن أبي عمير كان جزءاً من كتابه في الفرائض، نقل موضع الحاجة و ترك غيره.

و أورد عليه أنّها مقطوعة و شأنها أقلّ من مرسلة، فإنّ المرسلة تسند إلى المعصوم دون المقطوعة، و يجبر ضعف الأُولى بالعمل دون الثانية.

و ما ذكر من الفرق، و إن كان صحيحاً، لكنّه يرجع إلى مقطوعات الصحابة و التابعين، لا إلى أمثال عمر بن أُذينة الذين عرفوا بأنّهم لا يصدرون إلّا عن قول

______________________________

(1) جواهر الكلام: 39/ 210- 211.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2.

(3) النجاشي: الرجال: 2/ 126، برقم 750.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 315

أئمّتهم، و لا يفتون

إلّا بسماع منهم، فلأجل ذلك لا فرق بين مراسيل ابن أبي عمير و مقطوعات ابن أُذينة.

و الذي يؤيده أنّه كان صاحب كتاب في الفرائض، و الافتاء في ذلك العصر كان بالسماع عن المعصوم، و نقله إمّا بالسند كما هو الغالب، أو بإسقاطه كما هو النادر.

كل ذلك يورث الوثوق بصدوره عن الإمام.

فإن قلت: إنّ الاعتماد بمقطوعة ابن أُذينة يوجب تخصيص عموم الأخبار الدالّة على الحرمان تخصيصاً مستهجناً لاستلزامه خروج الأكثر و هو ذات الولد، و بقاء الأقل و هو غير ذات الولد.

قلت: إنّ صحّة التخصيص و استهجانه لا يناط بقلّة الأفراد و كثرتها، بل يناط بكونه مقبولًا عند العقلاء و عدمه، فإذا كانت النساء ذات نوعين، فإخراج نوع و إن كان أكثر أفراداً، و إبقاء نوع آخر تحت العموم و إن كان أقل أفراداً، و لكن ليس في حدّ نفسها أقل و نادراً، صحيح عند العقلاء.

و الحاصل أنّه إذا بقي تحت العام أفراد كثيرة و إن كانت أقلّ بالنسبة إلى الخارج فلا يعد مستهجناً.

فإن قلت: ما تقول في رواية الفضلاء؟ فإنّه نقل بالنحو التالي: «إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلّا أن يقوّم الطوب و الخشب قيمة، فتعطى ربعها أو ثمنها (إن كان لها ولد) من قيمة الطوب و الجذوع و الخشب». ( «1»)

قلت: إنّ الحديث نقل مضطرباً، فنقل في الكافي المطبوع على النحو الذي عرفت، و نقله الشييخ في التهذيب بالنحو التالي: فتعطى ربعها أو ثمنها- إن

______________________________

(1) الكافي: 7/ 128، باب انّ النساء لا يرثن من العقار.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 316

كان- من قيمة الطوب و الخشب ( «1») و نقله في الاستبصار: «إن كانت»

مكان إن كان. ( «2»)

و نقله في الوافي: عن الكافي و التهذيب بحذف تمام الجملة: «فيعطى ربعها أو ثمنها إن كان لها ولد» ( «3») و قال في مفتاح الكرامة: الذي وجدته في الكافي في نسخة مضبوطة صحيحة، فتعطى ربعها أو ثمنها و ليس فيها زيادة على ذلك أصلا. ( «4»)

و الظاهر وجود قوله: «فيعطى ربعها أو ثمنها» و عدم وجود الزائد عليها، أعني: إن كان لها ولداً، بقرينة رواية أُخرى لزرارة، و محمّد بن مسلم التي ليس فيها عن تلك الزيادة عين و لا أثر، أعني: الرواية السابعة في الوسائل في الباب السادس، من قوله: «لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً و لكن يقوّم البناء و الطوب و تعطى ثمنها أو ربعها». و على فرض وجودها فهو قيد لإعطاء الثمن، و لا صلة له بالصدر أي «انّه لا ترث النساء من تركة زوجها من تربه دار أو أرض ...» فيكون الحاصل انّ المرأة ترث من قيمة الطوب و الخشب ربعاً إن لم يكن للزوج ولد، أو ثمناً إن كان له ولد، و على ذلك فلا يصح الاعتماد على تلك الزيادة في مقام الافتاء.

فإن قلت: العلّة المذكورة في الروايات لهذا الحرمان، جار في ذات الولد و غيرها، فقد روى ميسر بياع الزطي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: «لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به، و إنّما هي دخيل عليهم. إنّما صار هذا كذا لئلّا تتزوج المرأة

______________________________

(1) التهذيب: 9/ 298 ح 24، الباب 97 من أبواب ميراث الأزواج.

(2) الاستبصار: 4/ 151 ح 1، الباب 94.

(3) الوافي: 3/ 123: باب انّ النساء لا يرثن من العقار. و مع ذلك انّ صاحب مفتاح

الكرامة نقل عنه وجود «إن كان له ولد».

(4) مفتاح الكرامة: 8/ 193.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 317

فيجي ء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم». ( «1»)

و في مكاتبة محمّد بن سنان عن الرضا (عليه السلام): «و المرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها و بينه من العصمة و يجوز تغييرها و تبديلها» ( «2») فإذا كان علّة الحرمان هو احتمال دخول الغير في عقار قوم آخرين، فهذا جار في ذات الولد أيضاً إذا تزوّجت بعد موت زوجها برجل آخر، بل هو جار في عكس المسألة أي وراثة الرجل من الأراضي الموروثة عن زوجته لأنّه ربما يتزوّج- بعد موت زوجته- بزوجة أُخرى و يكون له منها الولد يزاحم القوم في عقارهم.

قلت: إنّ ما ذكر حكمة لا علّة، و الغالب في ذات الولد عدم الزواج لصيانة أولادها الذين فقدوا أباهم بخلاف غير ذات الولد، فانّها لتجرّدها أرغب إلى الزواج و أقرب فالعلّة غالبية كما لا يخفى.

و أمّا النقض في جانب الزوج فلعلّ عدم حرمانه من الأراضي الموروثة من زوجته لأجل حكمة غير معلومة لنا، فتحصل أنّ المقطوعة لا يمكن رفع اليد عنها ببعض الاحتمالات خصوصاً انّها موافقة للقرآن الكريم، و أمّا خلو سبعة عشر حديثاً من هذا القيد فسيوافيك أنّ أرقام الروايات أقلّ من ذلك أوّلًا، و انّه يمكن تقييد المطلقات بالرواية إذا حصل الاطمئنان بصدورها و من البعيد جدّاً أن يصدر الفقهاء العظام، الذين تعرفت عليهم عمّا ليس بحجة.

نعم استقر رأي مراجع العصر و مشاهير الوقت على عمومية المنع:

قال السيد الخوئي: و ترث الزوجة ممّا تركه الزوج من المنقولات و السفن و الحيوانات و لا ترث من الأرض لا

عيناً و لا قيمة و ترث ممّا ثبت فيها من بناء و أشجار و آلات و أخشاب و نحو ذلك، و لا فرق في الأرض بين الخالية و المشغولة بغرس أو

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3.

(2) المصدر نفسه، الحديث 14.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 318

بناء أو زرع أو غيرها. ( «1»)

قال الإمام الخميني- قدّس سرّه-: و ترث الزوجة من المنقولات مطلقاً و لا ترث من الأرض مطلقاً لا عيناً و لا قيمة سواء كانت مشغولة بالزرع و الشجر و البناء و غيرها أم لا، و ترث القيمة خاصّة من آلات البناء كالجذوع و الخشب و الطوب و نحوها، و كذا قيمة الشجر و النخل من غير فرق بين أقسام البناء كالرحى و الحمام و الدكان و الاصطبل و غيرها، و في الأشجار بين الصغيرة و الكبيرة و اليابسة التي معدّة للقطع و لم تقطع و الأغصان اليابسة، و السعف كذلك مع اتصالها بالشجر. ( «2»)

الموضع الثاني: تحديد ما لا ترثه الزوجة:
اشارة

قد عرفت أنّ حرمان الزوجة عن بعض التركة أمر مسلّم في الفقه الإمامي، و لو أغمضنا النظر عمّا نقل عن ابن الجنيد- و قد تعرفت على عبارته، و انّه يحتمل وجهين- فالأقوال لا تتجاوز عن ثلاثة:

1- ما ذكره السيد المرتضى انّه تحرم من عين الرباع، لا من قيمتها، و انّ الرباع و إن لم تسلم إلى الزوجات و لكن قيمتها محسوبة. ( «3»)

2- حرمانها من أراضي الدور و المساكن خاصّة عيناً و قيمة دون سائر الأراضي من المزارع و البساتين و حرمانها من عين الآلات و الأبنية لا قيمتها، و هذا القول هو القول المعروف قبل الشيخ الطوسي، و إن قلّ

القائل به بعد إفتائه بالعموم، و سيوافيك أسماء من يقول به.

3- حرمانها من مطلق الأراضي من غير فرق بين أرض عليها بناء و غيره من

______________________________

(1) منهاج الصالحين: المسألة 1788، كتاب الإرث.

(2) تحرير الوسيلة: 2/ 397، المسألة 5، في فضل الميراث بسبب الزوجية.

(3) الانتصار: 31.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 319

المزارع و الحدائق و الأراضي البائرة، و هذا هو المعروف بعد الشيخ الطوسي، و القائل به أكثر من القول الثاني و لأجل ذلك يكون القول الثالث أشهر، و الثاني هو المشهور من الثلاثة:

أمّا القول الأوّل: فليس له دليل صالح إلّا الجمع بين المطلقات و المقيّدات حيث إنّ مقتضى المطلقات توريثها من جميع ما ترك، و مقتضى الأدلة الخاصة الدالة على الحرمان عدم توريثها من الأراضي عموماً أو خصوصاً، فجمع السيد بين الطائفتين بحمل الأُولى على القيمة و الثاني على العين، هو جمع تبرعي لا شاهد له، مع أنّه مانع من تقييد المطلقات، بالمقيّدات، و العمومات بالمخصصات من دون حاجة إلى ارتكاب هذا التكلّف، نعم ظاهر الصدوق، و ما اختاره السيد حيث قال- بعد نقل رواية ابن أبي يعفور الدالّة على عدم الحرمان مطلقاً- ما هذا لفظه: هذا إذا كان لها منه ولد، فإذا لم يكن لها منه ولد، فلا ترث الأُصول إلّا قيمتها. ( «1»)

و أمّا القول الثاني: فهو المعروف قبل الشيخ الطوسي، و إليك بعض من قال به قبله و بعده:

1- يظهر من الكليني أنّه خصّ الحرمان بالعقار دون سائر الأراضي، و ذكر روايات الباب تحت عنوان «لا ترث النساء من العقار» و هو يعرب عن أنّه حمل روايات الحرمان على خصوص العقار و سيوافيك معناه و أنّه بمعنى المنزِل و المحلّة.

2-

قال المفيد: و لا ترث الزوجة شيئاً ممّا يخلفه الزوج من الرباع، و تعطى قيمة الخشب و الطوب و البناء و الآلات. ( «2»)

______________________________

(1) الفقيه: 4/ 252 ح 8، باب نوادر المواريث.

(2) المقنعة: 687.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 320

3- و قال السيد: تحرم من عين الرباع لا من قيمتها. ( «1») فجعل محور البحث هو الرباع.

4- قال ابن إدريس: الإجماع على أنّها لا ترث من نفس تربة الرباع و المنازل شيئاً. ( «2»)

5- قال المحقق في مختصر الشرائع: و يرث الزوج من جميع ما تركته المرأة و كذا المرأة. ما عدا العقار. ( «3»)

6- قال الفاضل المقداد: و الفتوى على قول المفيد و ابن إدريس و هو المنع من رقبة الأرض و إعطاء قيمة الآلات و الأشجار و العروش. ( «4»)

7- قال الأردبيلي في شرح الإرشاد: و من ينظر إلى عدم الخروج عن الكتاب و السنّة و الإجماع إلّا بدليل و لا يخصصها إلّا بخبر صحيح صريح خال عن القصور، بل معتضد بالعمل و يكون دلالته على محلّ التخصيص أظهر من دلالة تلك العمومات اليقينية كما هو الحقّ فعليه بمذهب الشيخ المفيد و من تابعه فذلك غير بعيد. ( «5»)

إلى غير ذلك من القائلين بالقول الثاني و إن كان الثالث أشهر.

و أمّا القول الثالث: فهو خيرة الشيخ في النهاية، و القاضي في المهذّب، و ابن حمزة في الوسيلة، و المحقق في الشرائع. ( «6»)

______________________________

(1) الانتصار: 31.

(2) السرائر: 3/ 259.

(3) المختصر النافع: 272، ط القاهرة.

(4) التنقيح الرائع: 4/ 292، و بما أنّه اختار مذهب المفيد و ابن إدريس يكون المراد من الأرض، هو أرض الدار.

(5) مجمع الفائدة، آخر الفصل الرابع في ميراث الزوجين.

(6)

انظر إلى كلماتهم في الموضوع الأوّل من البحث و لا حاجة إلى التكرار.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 321

و قال الفخر بعد نقل استدلال الشيخ على العموم: لا يقال تبقى رواية وردت في صورة خاصة، فلا يتعدى لأنّا نقول: لا نسلّم عدم التعدي إذا لم يدل دليل على اختصاصها. ثمّ نقل رواية محمّد بن مسلم و فيها: «من تربه دار أو أرض». ( «1»)

و قال الشهيد في الدروس: لو خلف الزوجة عن ولد لم ترث من رقبة الأرض شيئاً و تعطى قيمة الآلات و الأبنية و الشجر. ( «2»)

و القول الثالث هو المشهور بين المتأخرين و عليه أكثر مراجع العصر ممّن عاصرناه، نعم اختار السيد المحقّق البروجردي القول الثاني، و بذلك ألفَتَ، أنظار المحققين إلى ذلك القول من جديد، و لعلّه الأقوى حسب الأدلّة و إليك دراسة الروايات حتّى يستظهر أحد القولين منها، فنقول: إنّ العناوين الواردة في المسألة عشرة:

العنوان الأوّل: الرباع، و قد ورد فيه حديثان:

1- حديث علاء عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «ترث المرأة من الطوب و لا ترث من الرباع شيئاً». ( «3»)

2- حديث يزيد الصائغ، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً، و لكن لهنّ قيمة الطوب و الخشب». ( «4»)

و أمّا معنى الرباع فقد قال في «مختار الصحاح»: الرَّبع: الدار بعينها، و جمعها رباع، ربوع و أرباع، و الربع: المحلة، و المربَعْ: منزل القوم في الربيع خاصة.

______________________________

(1) الايضاح: 4/ 241.

(2) الدروس: 2/ 358.

(3) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2 و 11 و ليزيد الصائغ حديث آخر سيوافيك تحت عنوان: «الأرض».

(4) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب

ميراث الأزواج، الحديث 2 و 11 و ليزيد الصائغ حديث آخر سيوافيك تحت عنوان: «الأرض».

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 322

و قال في القاموس: الربع: الدار بعينها حيث كانت، و الجمع رباع، و ربوع، و المحلة و المنزل، و الموضع الذي يتربّعون في الربيع.

و قال الطريحي في المجمع: الربع كسهم: الدار نفسها، ففي الحديث: لا يرثن النساء من الرباع شيئاً أي من الدور.

و قد استعمل كلمة الربع و ما اشتقّ منه في الأدب العربي في البيت و الدار كثيراً يقول الحميري:

لأُمّ عمرو باللّوى مَرْبعُ*** طامسةٌ أعلامُها بَلْقَعُ

و قال الآخر:

ربعٌ عفاها الدارُ طولًا فانمحى*** قد كاد من طول البِلى أن يَمْصَحا

العنوان الثاني: العقار، و فيه ثلاثة أحاديث:

1- ما رواه محمّد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) حيث كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علّة المرأة أنّها لا ترث من العقار شيئاً إلّا قيمة الطوب و النقض، لأنّ العقار لا يمكن تغييره و قلبه، و المرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها و بينه من العصمة الخ. ( «1»)

2- حديث الحسن بن محبوب، عن الأحول، و المراد به محمّد بن علي بن النعمان البجلي الأحول ( «2») عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لا يرثن

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 14.

(2) الملقب بمؤمن الطاق في مقابل تلقيب المخالفين له بشيطان الطاق، يروي عن علي بن الحسين و أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهم السلام) و له كتاب «افعل لا تفعل» و من المحتمل أنّ السند مرسل، لأنّ الحسن بن محبوب ولد عام 150، و مات سنة 224 و من البعيد أن يروي عنه إلّا أن يكون مؤمن الطاق

من المعمّرين.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 323

النساء من العقار شيئاً و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل» (يعني من البناء الدور، و إنّما عنى من النساء الزوجة). ( «1»)

و من المحتمل جدّاً أن يكون المراد من الشجر و النخل هما الموجودان في صحن البناء لا الحدائق و البساتين. لاقترانهما بالبناء في الحديث.

3- حديث عبد الملك قال: دعا أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب عليّ (عليه السلام)، فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً، فإذا فيه: «إنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرجل إذا توفّي عنهنّ شي ء» فقال أبو جعفر (عليه السلام): «هذا و اللّه خطّ علي (عليه السلام) بيده و إملاء رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم». ( «2»)

و أمّا العقار، ففي مختار الصحاح: العقار- بالفتح مخففاً-: الأرض و الضياع و النخل، و يقال: في البيت عقار حسن أي متاع و أداة.

و قال ابن فارس: العقر له أصلان: فالأوّل: الجرح أو ما يشبه الجرح، من الهَزْم في الشي ء و الثاني دالّ على ثبات و دوام، فالأوّل قول الخليل: العقر كالجرح، و أمّا الأصل الثاني، فالعقر: القصر الذي يكون معتمداً لأهل القرية، قال الخليل: عقر الدار: محلّة القوم، بين الدار و الحوض، كان هناك بناء أو لم يكن ( «3»).

قال في القاموس: العقر- بالفتح-: فرج ما بين كل شيئين، ما بين قوائم المارة، و المنزل، كالعقار و القصر هذا.

و قال في المنجد: العقر: وسط الدار، محلة القوم، البناء المرتفع، المنزل، فرج ما بين كل شيئين، العقر: صداق المرأة، محلة القوم، مؤخر الحوض أو مقام الشارب منه، وسط الدار، أحسن موضع في الدار، خيار الكلاء، أحسن أبيات القصيدة.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب

6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 16.

(2) المصدر نفسه: الحديث 17.

(3) ابن فارس: مقاييس اللغة: مادة «عقر».

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 324

العنوان الثالث: عقار الأرض، فيه حديث واحد:

حديث جميل عن زرارة عن أبي جعفر، و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ( «1») «لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً» و لعلّ المراد: أرض العقار.

العنوان الرابع: عقار الدار، فيه حديث واحد:

حديث زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً، ( «2») و لكن يقوّم البناء و الطوب و تعطى ثمنها أو ربعها قال: و إنّما ذلك لئلّا يتزوّجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم» و لعلّ الإضافة بيانية أي العقار التي هي الدور و يحتمل بعيداً أن تكون الإضافة لامية أي العقار للدار، و في الذيل إشارة إلى اختصاص الحرمان بالدور و المساكن.

العنوان الخامس: القرى و الدور، فيه حديثان:

1- حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى و الدور و السلاح و الدواب شيئاً و ترث من المال و الرقيق، و الثياب، و متاع البيت ممّا ترك، و يقوّم النقض و الجذوع و القصب فتعطى حقّها منه». ( «3»)

2- حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى و الدور و السلاح و الدواب شيئاً و ترث من المال و الفرش و الثياب، و متاع البيت ممّا ترك، و يقوّم النقض و الأبواب و الجذوع و القصب فتعطى حقّها منه». ( «4»)

و الروايتان متّحدتان، و الراوي عن زرارة في كليهما علي بن رئاب و الإمام

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 6- 7.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 6- 7.

(3) المصدر نفسه: الحديث 12 و 1.

(4) المصدر نفسه: الحديث 12 و 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 325

المروي عنه فيهما أبو جعفر و المتن أيضاً واحد لا يختلف إلّا جزئياً. أضف إلى ذلك أنّ الروايتين تشتملان على ما نقول به من حرمان الزوجة من السلاح و الدواب،

و حملهما على السلاح الخاص و الدابة المخصوصة بالرجل اللذين ربما يعدان من الحبوة خلاف الظاهر خصوصاً بعد الإتيان بصيغة الجمع (الدواب).

و على كل تقدير، فيحتمل أن يكون المراد من القرى: المدن و المساكن التي يعبّر عنها في مصطلح اليوم بالمجمع الكبير أو الصغير. قال الخليل في العين في تفسير قوله: (وَ تِلْكَ الْقُرىٰ أَهْلَكْنٰاهُمْ) أي الكور و الأمصار و المدائن، و قال سبحانه عن مصر الفراعنة: (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّٰا فِيهٰا وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنٰا فِيهٰا) (يوسف/ 82) فحملها على المجتمعات الصغيرة التي تبنى لأجل الأراضي الزراعية يحتاج إلى دليل، قال في تاج العروس: القرية كلّ ما اتصلت فيها الأبنية و اتخذ فيهما قراراً و تقع على المدن و غيرها.

العنوان السادس: الأرض، فيه حديث واحد:

حديث يزيد الصائغ عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): سألته عن النساء هل يرثن من الأرض؟ فقال: «لا، و لكن يرثن قيمة البناء» قال: قلت: إنّ الناس لا يرضون بذا، قال: «إذا ولينا فلم يرضوا ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف». ( «1»)

و يحتمل أن يراد من الأرض: الأرض المشتملة على البناء بقرينة قوله: «و لكن يرثن قيمة البناء». أضف إلى ذلك أنّه يحتمل اتحاده مع روايته الأُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام). يقول: «إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً ...». ( «2») لوحدتهما في التعبير، و لأجل ذلك يحتمل جدّاً أنّه سمع الرواية من إمام واحد فنسبه تارة إلى

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 8 و 11.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 8 و 11.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 326

أبي عبد اللّه و أُخرى إلى أبي جعفر،

و التعبير في أحدهما بالرباع و في الآخر بالأرض و الصادر من الإمام أحد التعبيرين، فلا يمكن الاعتماد على التعبير العام (الأرض).

العنوان السابع: الأرض و العقار، فيه حديثان:

1- عن ميسر بياع الزطي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن النساء ما لهنّ من الميراث؟ قال: «لهن قيمة الطوب و البناء و الخشب و القصب، فأمّا الأرض و العقارات فلا ميراث لهنّ فيه». ( «1»)

يحتمل أن يكون العقار من قبيل ذكر الخاص بعد العام لكثرة الابتلاء به، و يحتمل أن يكون المراد من الأرض العقار، و لكن الذيل قرينة على أنّ المراد من الأرض هو العقار أي الدور و المساكن لأنّه يعلّل الحرمان لقوله: «لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به و إنّما هي دخيل عليهم. إنّما صار هذا كذا لئلّا تتزوّج المرأة فيجي ء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم» و هذا دليل على أنّ المراد من الأرض هو العقار، و ذلك لأجل الاكتفاء في ذيل الرواية بقوله: «في عقارهم» و لم يقل: و في أرضهم و عقارهم. أضف إلى ذلك أنّ التزاحم يتأتى في الدور و المساكن التي لا تقبل القسمة غالباً لا في مثل الأراضي الزراعية و الحدائق فإنّ أمر القسمة فيه سهل و المزاحمة قليلة، فما عن السيّد المحقّق البروجردي من وجود العلّة في جميع الأراضي كأنّه في غير محلّه.

2- عن زرارة و عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً» ( «2») و الرواية ظاهرة في كون موضوع الحكم

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3.

(2) المصدر نفسه: الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية

الغراء، ص: 327

أوسع من الدور و المساكن، و أنّ المراد من الأرض هو الأعمّ من العقار، بشهادة توسط «لا» النافية بين المعطوف و المعطوف عليه.

العنوان الثامن: الدور و العقار، فيه حديث واحد:

و هو حديث عبد الملك بن أعين عن أحدهما (عليهما السلام): «ليس للنساء من الدور و العقار شي ء». ( «1») و لا دلالة فيه على كون الحكم أوسع من الدور، و قد عرفت أنّ العقار ظاهر في المساكن و يحتمل اتحاده مع ما مرّ في عنوان عقار الرجل، الذي رواه أيضاً عبد الملك.

العنوان التاسع: الدور و الضياع، فيه حديث واحد:

حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ النساء لا يرثن من الدور، و لا من الضياع شيئاً، إلّا أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء». و الرواية ظاهرة في كون الموضوع أوسع من الدار بشهادة قوله: «و لا من الضياع» عطفاً على الدور. ( «2»)

العنوان العاشر: تربة دار أو أرض، فيه حديثان:

1- حديث الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام)، منهم من رواه عن أبي جعفر و منهم من رواه عن أبي عبد اللّه، و منهم من رواه عن أحدهما: «إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 10، 13، 5.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 10، 13، 5.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 328

أو أرض إلّا أن يقوّم الطوب و الخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها». ( «1»)

2- حديث موسى بن بكر الواسطي، قال: قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام): «انّ النساء لا ترث امرأة ممّا ترك زوجها من تربة دار و لا أرض إلّا أن يقوّم البناء و الجذوع و الخشب، فتعطى نصيبها من قيمة البناء، فأمّا التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض و لا تربة دار»، قال زرارة: هذا لا شك فيه. ( «2»)

هذه مجموع الروايات الواردة في الباب و قد عرفت أنّ أكثرها قاصرة الدلالة على عمومية الحكم وسعته لجميع الأراضي. بل الأكثر خاصة بالدور و المساكن و إن كان لا يدل على النفي عن غيرها، لأنّ السكوت أعمّ من الدلالة على النفي، و على ذلك يجب الأخذ بما يدل على كون الموضوع أوسع من الدار، و هي روايات أربع كلّها

منقولة عن طريق زرارة و إليك الإشارة إليها:

1- زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام): «النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً» الحديث الرابع في الوسائل.

2- زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ النساء لا يرثن من الدور و لا من الضياع شيئاً» الحديث الثالث عشر.

3- حديث الفضلاء على النحو الذي عرفت: «المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار، أو أرض» الحديث الخامس.

4- موسى بن بكر، عن بكير و زرارة: «... فلا تعطى شيئا من الأرض و لا تربة دار». الحديث الخامس عشر.

إلى هنا وقفت على حال ستة عشر حديثاً و تعرفت على الدال منها و أنّها، أربعة و سيوافيك حقّ المقال فيها.

بقي حديث واحد و هو حديث حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب و الطوب لئلّا يتزوّجن، فيدخل عليهم، يعني: أهل المواريث، من يفسد مواريثهم». ( «3»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 10، 13، 5.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 15.

(3) المصدر نفسه: الحديث 9.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 329

و الظاهر أنّه جزء من حديث و يحتمل وحدته، مع الرواية السابقة: أي ما روي عن حماد عن زرارة، و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً- إلى أن قال:- و إنّما ذلك لئلّا يتزوّجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم»، و على كلّ حال لا دلالة له على أزيد من الحرمان من أرض فيه البناء، إذ لا يزيد شأنه على الأحاديث الساكتة عن الزائد،

فنقول: لا يمكن الاعتماد على هذه الأحاديث الأربعة المروية عن طريق زرارة و ذلك لأُمور:

الأوّل: أنّ لزرارة في الباب ثمانية أحاديث و هي المروية في الباب السادس تحت أرقام: 1، 4، 5، 6، 7، 12، 13، 15.

الثاني: انفرد بنقل واحد منها و هو المروي في الباب برقم 1 و هو مروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

الثالث: و شارك في نقل سبعة منها، أعني:

1- الحديث 4: نُقل عنه و عن محمّد بن مسلم.

2- الحديث 5: نقل عنه و عن بكير و فضيل و بريد و محمّد بن مسلم، منهم من نقله عن أبي جعفر (عليه السلام) و منهم من نقله عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) و منهم نقله عن أحدهما. و من المحتمل أنّ زرارة نقله عن أبي جعفر (عليه السلام).

3- الحديث 6: نقل عنه و عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام).

4- الحديث 7: نقل عنه و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام).

5- الحديث 12: نقل عنه و عن مجهول: طربال بن رجاء عن أبي جعفر (عليه السلام).

6- الحديث 13: نقل عنه و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام).

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 330

7- الحديث 15: نقل عنه و عن بكير، كلاهما عن أبي جعفر (عليه السلام) نقل عنهما موسى بن بكر.

الرابع: أنّ هذه الأحاديث الثمانية ترجع إلى حديث واحد، إذ من الممكن أنّ الإمام حدّث و في المجلس زرارة و محمّد بن مسلم و بكير و غيرهم فرووا نصّه و كلامه لتلاميذهم و نسب كل منهم الحديث لأُستاذه و بالتالي: عرض التعدّد على رواية واحدة.

و كما تحتمل جداً وحدة هذه الأحاديث الثمانية

تحتمل وحدة غيرها.

الف- ما تفرّد بنقله محمّد بن مسلم برقم 2، هو نفس ما روي عنه و عن زرارة كما عرفت.

ب- ما رواه حماد بن عثمان عن زرارة و محمّد بن مسلم برقم 7، و هو نفس ما رواه هو بلا واسطة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) برقم 9، و من المحتمل سقوط الواسطة في الثاني.

ج- ما رواه عبد الملك بن أعين عن أحدهما (عليهما السلام)، برقم 10، هو نفس ما روي عنه برقم 17 و انّ التعدّد عرض لأجل تقطيع الحديث و نقله بالمعنى.

د- انّ ما نقله يزيد الصائغ عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) برقم 8، و هو نفس ما رواه عن أبي جعفر (عليه السلام)، برقم 11، و لعلّه سمع من أحدهما (عليهما السلام) فتارة أسند إلى أبي عبد اللّه و أُخرى إلى أبي جعفر.

و بذلك ينخفض عدد روايات الباب من ستة عشر إلى خمسة. و لو أُضيف إليه حديث محمّد بن سنان الذي لم يتعرض بسعة الحكم و لا بضيقه، بل تعرض بحكمة الحكم، مع أخذ الموضوع «العقار»، بلغ عدد الروايات إلى ستة. لا إلى سبعة عشر كما ربما يقال. إذا وقفت على ذلك فنقول:

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 331

إنّ الاعتماد على الأحاديث الأربعة التي رويت عن زرارة في مجال تعميم الحكم إلى جميع الأراضي مشكل جدّاً، و ذلك لما عرفت من احتمال وحدة الروايات المروية عنه و قد عرض لها التعدّد.

و كما روي عنه العناوين التالية:

1- من تربة دار أو أرض برقم 5 و 15.

2- من الدور و لا من الضياع برقم 13.

3- من الأرض و لا من العقار برقم 4.

روي عنه أيضاً العناوين التالية الأُخرى:

1-

القرى و الدور برقم 1 و 12.

2- من عقار الأرض برقم 6.

3- من عقار الدور برقم 7.

و مع هذا الاضطراب فكيف يمكن الاعتماد على هذا الحديث، أين هذه العناوين الثلاثة: «من تربة دار أو أرض، أو من الدور و لا من الضياع، أو من الأرض و لا من العقار»، من العناوين الثلاثة المتأخّرة، و مع هذا الاضطراب لا يبقى الاعتماد على إطلاق الثلاثة الأُول، فإذا كان لسان المخصص مضطرباً غير قابل للاحتجاج فيرجع في مورد الشك إلى إطلاق الكتاب الحاكم بإرثها من كلّ شي ء كما هو مقتضى إطلاق الموصول في قوله: (مِمّٰا تَرَكْتُمْ) فالأولى و الأحوط، التصالح مع الزوجة إن أمكن، و إلا فإطلاق الكتاب محكّم ما لم يثبت المخصص القطعي، فقد ثبت في مورد الدور و المساكن، لا في غيرها. كما عرفت.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 332

الاستدلال على القول الأشهر:

هذا كلّه حول القول المشهور، و أمّا القول الآخر أي الأشهر، فقد استدل عليه صاحب الجواهر بوجوه بعضها قاصر جدّاً، و نشير إلى الجميع:

1- رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى و الدور و السلاح و الدواب شيئاً» ( «1») بحجة أنّ الدور عطف على القرى و هي أعم.

يلاحظ عليه: أنّ الحديث مشتمل على ما لا يقول به أحد من الحرمان عن الدوابّ، نعم حرمانها من السلاح لا إشكال، لأنّه حبوة.

2- ما في حديث ميسر بياع الزطي: «فأمّا الأرض و العقارات فلا ميراث لهنّ فيه» ( «2») بحجة أنّه من قبيل عطف الخاص على العام.

يلاحظ عليه: أنّ المراد من الأرض هي العقارات بشهادة قوله في آخر الحديث: «فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم» و لم يقل

في «أرضهم و عقارهم».

3- حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار». ( «3»)

4- حديث الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام): «إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض». ( «4»)

يلاحظ على الثالث: بأنّه حديث زرارة و قد عرفت أنّه روي بصور مختلفة، و على الرابع بأنّ الاستدلال مبني على عدم كون الترديد من الراوي، بل من الإمام،

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1 و 12.

(2) المصدر نفسه: الحديث 3.

(3) المصدر نفسه: الحديث 4.

(4) المصدر نفسه: الحديث 5.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 333

و يؤيد الثاني ما ورد في رواية أُخرى لزرارة بصورة «من تربة دار و لا أرض». ( «1»)

5- حديث حسن بن محبوب، عن الأحول عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا يرثن النساء من العقار شيئاً و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل» ( «2») بحجة أنّ المراد من الشجر و النخل: المغروسين في الدار و غيرها.

يلاحظ عليه: أنّ الحديث مرسل، حيث إنّ الحسن بن محبوب المولود عام 150 ه- و المتوفى عام 224 ه- يبعد أن يروي عن الأحول الذي كان من أصحاب الصادق الكبار، و كان يناظر أبا حنيفة المتوفى عام 150 ه- إلّا أن يكون طويل العمر.

بقي الكلام في رواية ابن أبي يعفور الدالّة على أنّ المرأة ترث الزوج مثلما يرثها. قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً، أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة، فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: «يرثها و ترثه من

كلّ شي ء ترك و تركت». ( «3»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 15.

(2) المصدر نفسه: الحديث 16.

(3) المصدر نفسه: الباب 7 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 334

و الجواب و إن كان ظاهراً في خلاف ما اتفقت عليه الإمامية، و لكن السؤال حاك عن أنّ حرمان المرأة كان أمراً مسلّماً بين أصحاب الأئمّة، منهم الفضل بن عبد الملك و ابن أبي يعفور، و لم يكن فيه أيّ شكّ و إنّما الشك كان متوجّهاً إلى جانب الزوج و أنّه هل هو مثل الزوجة أو لا؟ فمع هذا التسليم أجاب الإمام بالتسوية و أنّه لا فرق بينها في الإرث، و من المعلوم أنّ شهرة الحكم بين الأصحاب لا يمكن أن يكون بلا سبب صحيح، فلا بدّ من حمل الجواب على التقية أو على ما اخترناه من أنّ الحرمان مخصوص بغير ذات الولد، و أمّا ذات الولد، فالحكم ما قاله الإمام: «يرثها و ترثه من كلّ شي ء ترك و تركت».

هذا كلّه حول القولين، و أمّا قول المرتضى و هو حرمانها من عين الأرض دون قيمتها، فما لا شاهد له بل الشاهد على خلافه، و ذلك لأنّه ذكر التقويم في غير مورد من الروايات للنقض و الجذوع و الخشب و البناء و الطوب و لم يذكر للأرض، فلو لم نقل بالأشهر و المشهور، فقول ابن الجنيد أقوى من قول المرتضى كما صرّح به صاحب الجواهر.

ثمّ إنّ إرث الزوجة من القيمة يختص بالآلات و الأبنية لا الظروف و الأواني و السجاجيد المنقولة، و ذلك لأنّ ما ورد في حرمانها من العين دون القيمة كلّها واردة في غير المنقول كما

هو واضح لمن لاحظه، و ليس فيها إلماع إلى المنقول، و على ذلك فيختص الميراث عن القيمة بغير المنقول، و هناك رواية صريحة في إرثها من المنقول عيناً، و هو رواية زرارة حيث قال: «و ترث من المال و الرقيق و الثياب و متاع البيت ممّا ترك، و يقوّم النقض و الجذوع و القصب فتعطى حقّها منه» ( «1») فقد خصّ التقويم بغير المنقول و حكم بالميراث عن المنقول.

هذا كلّه حول الموضعين السابقين بقي البحث عن الموضع الثالث و هو:

الموضع الثالث: في كيفية التقويم:

إنّ للتقويم طرقاً:

1- أن تقوّم الآلات و الشجر و ... باقية في الأرض مجاناً، لأنّها كانت فيها كذلك بحقّ، و تعطى حصتها من ذلك، و هذا هو الطريق المألوف، و ذلك لأنّ المرأة ورثت ما هو الموجود في زمن حياة الزوج، و البناء في زمن حياته كان فيها بلا أُجرة (لأنّه كان مالكاً للأرض أيضاً) فالبناء بهذا الوصف انتقل إلى الورثة و منهم الزوجة، فيقوم بذلك الوصف.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 12.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 335

2- أن تقوّم باقية فيها بأُجرة بناء على أنّها لا ترث من الأرض، فتكون في غير ملكها. فتكون بأُجرة جمعاً بين الحقّين.

يلاحظ عليه: أنّ ظاهر النصوص غير ذلك، فانّ قولهم: «فيقوّم ذلك البناء» أو «و لهنّ قيمة البناء»، ظاهر في أنّ لهنّ قيمة البناء بلا شرط و قيد، و قد عرفت أنّ المتبادر أنّ البناء بالوصف الموجود في زمان حياة الزوج ينتقل إلى الورثة، و كان الوصف الموجود هو عدم الأُجرة على البناء في الأرض.

3- أن تقوّم آلات البناء و الأشجار من دون ملاحظة الهيئة البنائيّة التي لها قيمة في نظر

العرف. فإنّ مواد البناء شي ء، و التركيب الحاصل بفعل العمال شي ء آخر، و لكلّ قيمة خاصّة.

يلاحظ عليه: أنّه و إن وردت قيمة الآلات في مثل قوله: «و لكن لهنّ قيمة الطوب و الخشب» و لكن ورد أيضاً قيمة البناء، و لا وجه لعدم ملاحظة الهيئة التركيبية.

ثمّ إنّه هل ترث الزوجة من البناء أعيانها غير أنّ للوارث نقل حصتها من العين إلى القيمة، أو أنّها ترث القيمة ابتداءً، و لا يصح أن تجبر على الرضا بالعين. الظاهر هو الثاني لظهور الروايات في كون الميراث هو القيمة أوّل الأمر، ففي رواية حماد بن عثمان: «إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب»، و في رواية يزيد الصائغ: «و لكن لهنّ قيمة الطوب و الخشب» و في رواية بكير: «إلّا أن يقوّم البناء و الجذوع و الخشب، فتعطى نصيبها من قيمة البناء» إلى غير ذلك من الروايات.

و مع ذلك كلّه ليس للوارث بيع الدار و البناء قبل دفع نصيبها أو كسب رضاها. فما في الجواهر من «ثبوت نصيبه في ذمة الوارث من غير فرق بين بذل الوارث العين و عدمه و لا بين امتناعه من القيمة و عدمه و إن كان مع الامتناع يبقى في ذمته إلى أن يتمكن الحاكم من إجباره» غير تام ( «1») فإنّ الظاهر أنّه يرث قيمة

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 217.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 336

البناء الخارجي، فعلًا لم تسلم إليها، فالبناء أشبه بالعين المرهونة عند المرتهن، فلا يجوز للراهن بيعها قبل تحرير رقبتها من الرهن، و على ما ذكره يكون الميراث في ذمّة الوارث بعد الموت و هو خلاف ظاهر الأدلة، فالمقام أشبه بالخمس و الزكاة المتعلّقة بالأعيان فأصحاب الخمس و الزكاة و

إن لم يكونوا مشاركين للمالك في العين، لكن لا يحلّ للمالك التصرف فيها إلّا بتحرير الرقبة من ذلك الحق، أو بإذن وليّهما.

ثمّ لا شك أنّها ترث من قيمة كلّ منصوب في البيوت و غيرها، فترث من قيمة الدولاب و العريش الذي عليه أقسام الكرم، و الرحى و الحمام، و معصرة الزيت و السمسم و العنب و الاصطبل و المراحيض، حتى القدور المنصوبة التي يطبخ فيها الكراع و الهريس. نعم الأشجار المعدّة للقطع أو المشرفة على السقوط، فلا يبعد إرثها من عينها، و مثلها أغصان الشجرة اليابسة، و على كلّ تقدير ففي موارد الشكّ الأولى هو التصالح.

إنّما الكلام في القنوات و العيون و الآبار و الأنهار، فلا شكّ انّها ترث من قيمة الآلات الكائنة فيها، و من عين الماء الموجود حال الموت. إنّما الكلام في الماء المتجدد، فالظاهر أنّها بحكم الأرض لأنّ الماء يترشّح من الأرض شيئاً فشيئاً فيجتمع فيصير ماءً كثيراً.

و هناك فروع مختلفة يعلم حالها ممّا ذكرنا.

و الظاهر أنّ الدين يقسّط على الأرض، و التركة لظاهر قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) (النساء/ 11) فكأنّ معادل الدين و الوصية غير موروث فعند ذلك فمجموع التركة شي ء و الخارج منها شي ء آخر، فنسبة الخارج إلى كلّ جزء من أجزاء التركة متساوية فلا معنى لتخصيصها ببعض التركة دون بعض.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 337

في نكاح المريض

قال المحقّق: نكاح المريض مشروط بالدخول أو البراءة من ذلك المرض، فإن مات في مرضه و لم يدخل بطل العقد و لا مهر لها و لا ميراث. ( «1»)

و قال العلّامة: 1- لو تزوّج المريض و مات في مرضه ورثت إن دخل و إلّا بطل العقد،

و لا ميراث لها و لا مهر.

2- و لو ماتت من قبل الدخول ففي توريثه منها نظر، و لو برأ ثمّ مات توارثا مطلقاً.

3- و لو كان المريض الزوجة فكالصحيحة. ( «2»)

و المسألة من المسائل المطروحة في عصر الأئمّة بين فقهاء العامّة و إليك آراؤهم:

قال الشيخ: إذا تزوّج رجل في حال مرضه، و دخل بها ثمّ مات ورثته، و إن لم يدخل بها لم ترثه.

و قال أبو حنيفة، و أهل العراق و البصرة، و الشافعي: إنّها ترثه و لم يفصّلوا.

و قال مالك، و أهل المدينة: لا ترثه و لم يفصّلوا أيضاً.

______________________________

(1) الجواهر: 39/ 220.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 186، قسم المتن.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 338

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. ( «1»)

و قال ابن قدامة: حكم النكاح في المرض و الصحّة سواء في صحة العقد و توريث كلّ واحد من صاحبه في قول الجمهور، و به قال أبو حنيفة و الشافعي.

و قال مالك: أيّ الزوجين كان مريضاً مرضاً مخوفاً حال عقد النكاح فالنكاح فاسد، لا يتوارثان به، إلّا أن يصيبها فيكون لها المسمّى في ثلاثة ( «2») مقدّماً على الوصية، و عن الزهري و يحيى بن سعيد مثله. ( «3»)

و ما جاء في كلام الشيخ و المحقّق هو المعروف بين الأصحاب و وصفه في الدروس ( «4»): بأنّه مشهور، و في المسالك ( «5»): جزم به الأكثر، و في مفتاح الكرامة ( «6»): إنّي لم أجد مخالفاً. نعم في الطبقات للمحقّق الطوسي ما نصه: قال بعض أصحابنا: بطل العقد و لم ترثه المرأة، و عليه كلام، و هذه العبارة ربّما أشعرت بالمخالفة أو التوقّف. ( «7»)

و قبل الخوض في الاستدلال على المسألة نذكر

حكم القاعدة الأُولى فنقول:

إنّ مقتضى القاعدة هو صحّة عقد المريض و المريضة و إن ماتا بذلك المرض قبل البرء، و ذلك كبيع المريض و شرائه إذا لم يكن فيه محاباة، و أيّ فرق بين تزويجه و سائر تصرفاته المنجزة حيث لا يحكم عليه بالبطلان، غاية الأمر يدور الأمر بين كونه من الثلث أو من الأصل، فالحكم بالبطلان في خصوص موت الزوج قبل

______________________________

(1) الخلاف: 2/ المسألة 132، كتاب الميراث.

(2) لو أراد من الاصابة، الدخول يكون موافقاً لقول الإمامية، ثمّ لم يتبيّن معي قوله «في ثلاثة».

(3) المغني: 6/ 369.

(4) الدروس: 2/ 358.

(5) المسالك: 2/ 369.

(6) مفتاح الكرامة: 8/ 186.

(7) مفتاح الكرامة: 8/ 186.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 339

الدخول، أو الأعمّ منه و من موت الزوجة قبله، مخالف لمقتضى القاعدة المستفادة من الكتاب و السنّة أي ما يأمر بالنكاح و الزواج مطلقاً، أضف إلى ذلك أنّ الزوج المريض ربّما يحتاج إلى الممرضة فيتزوّج لتلك الغاية الصحيحة لا بقصد الاضرار. فالحكم بالبطلان لتلك الغاية الصحيحة يحتاج إلى دليل، فلو قام الدليل في مورد على البطلان نأخذ به و إلّا فالمحكّم هو القاعدة الأُولى.

إذا وقفت على ما ذكرنا، فلنذكر ما هو مصدر الحكم من الروايات:

1- صحيحة أبي ولّاد الحنّاط (حفص بن سالم الثقة) قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل تزوّج في مرضه؟ فقال: «إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته، و إن لم يدخل بها لم ترثه و نكاحه باطل». ( «1»)

2- موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المريض أله أن يطلّق؟ قال: «لا و لكن له أن يتزوّج إن شاء فإن دخل بها ورثته و إن

لم يدخل بها فنكاحه باطل». ( «2»)

3- صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «ليس للمريض أن يطلّق و له أن يتزوّج، فإن هو تزوّج و دخل بها فهو جائز، و إن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل و لا مهر لها و لا ميراث». ( «3»)

4- و عن أبي المعزا ... قال: سألته عن الرجل يحضره الموت فيبعث إلى جاره فيزوّجه ابنته على ألف درهم أ يجوز نكاحه؟ فقال: «نعم». ( «4»)

و التفصيل الوارد في كلام الأصحاب يستمد من هذه الروايات، و تحقيق الحال في ضمن أُمور:

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 18، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1- 3.

(2) الوسائل: 17، الباب 18، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1- 3.

(3) الوسائل: 17، الباب 18، من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1- 3.

(4) الوسائل: 14، الباب 43 من أبواب المصاهرة، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 340

الأوّل: هل الدخول شرط اللزوم أو شرط الصحّة؟ ذهب الشهيد الثاني و المقدّس الأردبيلي و السبزواري إلى الأوّل و أنّ العقد صحيح و الدخول شرط اللزوم، و لو كان شرطاً للصحّة يلزم أُمور لا يمكن الالتزام بها:

1- لزمت حرمة الدخول في حال كونها مريضة لأنّ المفروض أنّ النكاح باطل، و الدخول في نكاح باطل حرام.

2- لزم تجديد العقد بعد البرء.

3- لزم الدور لأنّ الصحّة متوقفة على الدخول، مع أنّه بالإجماع متوقف على صحّة العقد.

و على ضوء ذلك فيكون أشبه بعقد القرض الذي يملك بالتصرف لا بالقبض و لا يكون مثل الفضولي الذي لا تحصل الملكية فيه إلّا بالإجازة.

و هناك وجه آخر، و هو أن يكون العقد صحيحاً و الدخول كاشفاً عنها، و عدمه كاشفاً عن

البطلان مثل الاجازة في الفضولي.

و أمّا الإشكالات الثلاثة فترتفع بأنّ الشرط للصحّة ليس نفس الدخول بوجوده الخارجي. بل هو كاشف عن تحقّق الشرط حين العقد و هو وصف التعقّب بالاجازة، فكان العقد واجداً لهذا الوصف غير مكشوف لنا إلّا بالدخول، و على ذلك فالدخول شرط الصحّة بمعنى أنّها كاشفة عن تحقّق الشرط ضمن العقد، فعند ذلك ترتفع جميع الإشكالات الواردة في كلام المشايخ الثلاثة، و لا نطيل الكلام بدفعها.

2- و لو ماتت هي قبل الدخول، و مات هو بعدها في مرضه. قال العلّامة في القواعد: ففي توريثه منها نظر. وجه الحرمان هو انكشاف فساد العقد بعدم الدخول و الموت في المرض، و بعبارة أُخرى يصدق أنّه مات في مرضه قبل الدخول.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 341

يلاحظ عليه: بأنّ الموضوع هو موته في مرضه مع بقاء زوجته، لا موته في مرضه مع انعدام الموضوع (الزوجة) قبل موته، و بذلك يظهر وجه عدم الحرمان، و ذلك لأنّ الحكم على خلاف الأُصول فيقتصر فيه على مورده و هو موته قبل الدخول على نحو السالبة بانتفاء المحمول لا على نحو السالبة بانتفاء الموضوع.

هذان هما الوجهان اللّذان يمكن أن يقعا علّة لكلا الحكمين، و الحقّ التفصيل بين كون الدخول شرط اللزوم أو شرط الصحّة، فعلى الأوّل كان العقد صحيحاً و ماتت الزوجة عن عقد متزلزل، و الارث ليس من عوارض العقد اللازم بشهادة أنّ الزوج يرث من زوجته البرصاء و القرناء و غيرهما مع أنّه يكون له عليها حقّ الفسخ.

غاية الأمر إذا مات تنقلب الصحّة إلى البطلان و لا يصل إلى مرتبة اللزوم، و بما أنّ النص وارد في موت الزوج في مرضه قبل الدخول في حياة

الزوجة نكتفي به و يكون المرجع في غيره مقتضى القواعد الأوّلية و قد علمت أنّ مقتضاها هو الإرث، و إذا ماتت يبقى العقد على صحّته و يرثها الزوج لعدم الدليل على انقلابه إلى البطلان.

و أمّا لو قلنا بأنّ الدخول شرط الصحّة سواء كان بنفسه أو بكشفه عن حصول عنوان التعقيب للعقد فموت واحد من الزوجين كاشف عن عدم تحقّق شرط الصحّة، فيكون العقد باطلًا، و موت الزوج عن عقد باطل لا يوجب الإرث.

و ربما تؤيّد الصحّة بأنّ المنع عن الإرث لأجل مقابلة المريض بضدّ قصده من الإضرار بالورثة، بإدخال الزوجة عليهم و هو مختصّ بصورة موت الزوج لا الزوجة.

و لكنّه لم يثبت بعد، بل ربّما يكون تزويج المريض لأجل التمريض.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 342

3- لو تزوجت هي مريضة و ماتت قبل الدخول، فالظاهر انّ الزوج يرثها لحرمة القياس أوّلًا، و عدم العلم بالمناط ثانياً و إلّا لكان مثل تزويج الزوج و موته قبل الدخول موجباً للحرمان.

4- و لو برئ ثمّ مات توارثا مطلقاً أخذاً بحكم القاعدة الأُولى.

5- المراد من الدخول معناه المعروف لا مجرّد المعاشرة و الخلوة لقوله سبحانه: (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ). (النساء/ 23)

6- إن مات المريض بعد برئه بمرض آخر، فالحكم هو مقتضى القواعد.

7- لو مات بمرض آخر قبل البرء أو اغتيل قبل الدخول و البرء، فوجهان ناشئان من كون «في» في قوله «فمات في مرضه» للظرفية أو للسببية، و الثاني مثل ما روي عن النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها ...» و الظرفية أقرب و الحرمان أشبه.

8- و لو امتدّ مرضه بحيث

عاش سنين، فلعلّ الروايات منصرفة عن هذه الصورة.

9- لو مات بعد الدخول ورث بلا كلام.

10- و أمّا رواية أبي المعزا حيث صرّح فيها بجواز النكاح، فهي محمولة على التقية لما عرفت من اتّفاق فقهاء العراق على صحّة النكاح و الميراث، و عدم ذكر الميراث فيه لا يضر لكونه معلوماً بالقرينة، لأنّ تزويجه إيّاها في حال الاحتضار لغاية الميراث.

و أمّا حمله على الموت بعد الدخول فيبعده قوله: «يحضره الموت».

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 343

المقصد الثالث: الميراث بالولاء

اشارة

كانت المقدّمة حول أسباب الإرث و موانعه، و كان المقصد الأوّل في الإرث بالأنساب، و الثاني في الإرث بالسبب، و هذا هو المقصد الثالث في الميراث بالولاء و أقسامه ثلاثة مترتبة:

الأوّل: ولاء العتق.

الثاني: ولاء الضمان.

الثالث: ولاء الإمامة.

و المقصود من الولاء هنا هو القرب و الدنو، أي قرب أحد الشخصين فصاعداً إلى آخر على وجه يوجب الإرث بغير نسب و لا سبب زوجية، و مبدؤه الإنعام: إمّا إنعاماً خاصّاً من جانب واحد و هو ولاء العتق، فالمعتق أولى بميراث المعتَقِ إذا أعتقه في سبيل اللّه أو من جانبين و هو ولاء الضمان فيلتزم كلٌّ، ضمان جريرته و جنايته. أو إنعام عام و هو ولاء الإمامة.

و إليك البحث عن كل واحد:

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 344

الأوّل: ولاء العتق:

للإرث بولاء العتق شروط ثلاثة:

1- إذا لم يكن هنا نسب، باتفاق منّا، خلافاً لغيرنا، قال الشيخ الطوسي: لا يرث المولى مع ذي رحم قريباً كان أو بعيداً، و به قال عليّ (عليه السلام) و عمر، و ابن مسعود، و ابن عباس، و أبو الدرداء، و معاذ، و علقمة، و الأسود، و عبيدة، و الشعبي، و شريح و مجاهد.

و كان زيد يورِّث ذا السهم سهمه، و يجعل الباقي للمولى، و يورّثه دون ذوي الأرحام الذين لا سهم لهم، و إليه ذهب الحسن البصري، و الأوزاعي، و مالك و الشافعي و ابن أبي ليلى و أبو حنيفة و أهل العراق. ( «1»)

و في صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل فقرأ هذه الآية: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ*) فدفع الميراث إلى

الخالة و لم يعط المولى». ( «2»)

أمّا لو كان له وارث سببي كزوج أو زوجة، لم يمنع المنعم، بل يخرج سهم زوجه أو زوجته من النصف الربع و الباقي للمنعم أو من يقوم مقامه مع عدمه.

2- إذا أعتقه متبرّعاً بالعتق، و لو أعتق في واجب كالكفّارة و النذور لم يثبت للمنعم ميراث.

______________________________

(1) الخلاف،: 2، كتاب الفرائض، المسألة 12.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث ولاء العتق، الحديث 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 345

3- إذا أعتقه متبرّعاً و لم يشترط سقوط ضمان جريرته و إلّا لا يرث، و في صحيح أبي الربيع قال: سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) من السائبة؟ فقال: «الرجل يعتق غلامه و يقول له: اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي ء و لا عليّ من جريرتك شي ء و يشهد على ذلك شاهدين». ( «1»)

و لو عدم المنعِم: يكون الولاء للأولاد مطلقاً: ذكوراً أو إناثاً كما عليه الصدوق، أو لأولاد الذكور دون الإناث رجلًا كان المنعم أو امرأة كما عليه المفيد في المقنعة، أو يفصل بين كون المنعِم رجلًا، فللذكور من الأولاد، أو امرأة فلعصبتها كما عليه الشيخ في النهاية، فيه خلاف بين الأصحاب.

الثاني: ولاء ضمان الجريرة:

قال العلّامة: من توالى إلى أحد يضمن جريرته و يكون ولاؤه له، صحّ و ثبت به الميراث لكن مع فقد كل مناسب و معتِق، و يرث مع الزوج و الزوجة فلهما نصيبهما الأعلى و الباقي للضامن. و هو أولى من الإمام.

و قد اختلفت عبارتهم في كيفية هذا العقد، و لعلّ الجميع يشير إلى معنى واحد نظير: عاقدتك على أن تنصرني و تمنع عنّي و تعقل عنّي و ترثني، و يقول الآخر: قبلت. و لو

كان الولاء من الطرفين، يجب على الآخر، أن يقول مثل ما قال الأوّل و يقبله.

و ربّما تكفي صيغة واحدة كما إذا قال: دمك دمي، و ثارك ثاري، و حربك حربي، و سلمك سلمي، و ترثني و أرثك، فيقول الآخر: قبلت. ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 16، الباب 43 من أبواب كتاب العتق، الحديث 2 و رواه أيضاً في الباب 36 من تلك الأبواب برقم 2.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 204.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 346

و كانوا يتوارثون به في الجاهلية فأقرّه اللّه تعالى في صدر الإسلام ثمّ نسخ بالإسلام، و الهجرة، ثمّ نسخ بالتوارث بالرحم، ثمّ أُقرّ في هذا الموضع الخاص، و على ذلك، فيصح هذا النوع من العقد في موارد:

1- حرّ مات، و لا وارث له، و إلّا فلا يرث، ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا ولي الرجل الرجل فله ميراثه و عليه معقلته». ( «1»)

2- العبد المعتَق مع التبرّي عن جريرته أي السائبة، روى محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: سألته عن السائبة و الذي كان من أهل الذمة، إذا والى أحداً من المسلمين على أن يعقل عنه، فيكون ميراثه له، أ يجوز ذلك؟ قال: «نعم». ( «2»)

و لذلك قال العلّامة في القواعد: و لا يضمن إلّا سائبة لا ولاء عليه، كالمعتق في الكفّارات أو النذور، أو من لا وارث له.

3- الذمّي إذا والى مسلماً فيرثه المسلم دون أرحامه الأقارب، نعم يفترق هذا الولاء مع ولاء العتق أنّه لو مات الضامن أوّلًا لم يرثه أولاده.

4- ولاء الموالاة و هو من جزئيات ولاء ضمان الجريرة أشار إليه الشيخ في الخلاف و يقول: ولاء الموالاة جائز

عندنا، و معناه أن يسلم رجل على يد رجل فيواليه، فيصير مولاه، و به قال علي (عليه السلام) و عمر. و روي أنّهما ورثا به، و به قال ابن المسيب و عطاء و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه، و كان زيد لا يجعل الولاء إلّا للمعتق و إليه ذهب مالك و الشافعي و ابن أبي ليلى. ( «3») و فيه روايات ( «4»).

و لعلّ في هذا المقدار غنى و كفاية فمن أراد الوقوف على تفصيل الولاء شرطاً و منعاً فعليه الرجوع إلى المطوّلات.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 346

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 2، و الباب 2 الحديث 1.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 2، و الباب 2 الحديث 1.

(3) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 137.

(4) الكافي: 7/ 171، ح 3، و التهذيب: 9/ 394، 396، ح 1407- 1413- 1414.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 347

الثالث: ولاء الإمام:

اشارة

إذا عدم كل وارث من مناسب و مسابب حتى الولاء ورّث الإمام.

و الكلام فيه يقع في ضمن أُمور:

الأوّل: إذا كان معه الزوجان: فهل يرث الإمام معهما مطلقاً؟ أو لا يرث كذلك؟ أو يفصل بين الزوجة فلا يرد إليها فاضل التركة فيرثه الإمام، و بين الزوج فيرد عليه فاضلها؟ أقوال. تقدّم الكلام عن ذلك عند البحث عن موانع الإرث فلا نعود إليه.

الثاني: إذا لم يكن له وارث مناسب و لا مسابب: فهل يرثه الإمام أو

يرثه المسلمون؟ و بعبارة أُخرى فهل التركة من الأنفال التي هي للّه و لرسوله و للإمام بعده أو من بيت المال الذي هو ملك للمسلمين و يشرف عليه الإمام؟ فيه خلاف، فالشيعة على الأوّل و السنّة على الثاني، و إليك نقل الأقوال:

1- قال المفيد: فإن مات إنسان لا يعرف له قرابة من العصبة، و لا من الموالي، و لا ذوي الأرحام، كان ميراثه لإمام المسلمين خاصة يضعه فيهم حيث يرى، و كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعطي تركة من لا وارث له- من قريب و لا نسيب و لا مولى- فقراء أهل بلده، و ضعفاء جيرانه و خلطائه تبرّعاً عليهم بما يستحقّه من ذلك، و استصلاحاً للرعية حسب ما كان يراه في الحال من صواب الرأي لأنّه من الأنفال كما قدّمناه في ذكر ما يستحقّه الإمام من الأموال و له إنفاقه فيما يشاء و وضعه حيث يشاء، و لا اعتراض للأُمّة عليه في ذلك بحال. ( «1»)

2- قال الشيخ في النهاية: «إذا مات المعتَق ... فإن لم يخلف أحداً من ذوي

______________________________

(1) المقنعة: 705.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 348

أرحامه فهو على ضربين: فإن كان سائبة، و هو الذي أُعتق في الواجبات من النذور و الايمان و الكفّارات، أو يكون قد أعتقه مولاه و تبرّأ من ضمان جريرته، و أشهد على ذلك، كان ميراث هؤلاء كلّهم لإمام المسلمين إذا لم يكونوا توالوا إلى أحد يضمن عنهم جريرتهم و حدثهم، لأنّه من الأنفال.

و قال في موضع آخر: و إن مات (رجل) و لا يعرف له وارث و لا يكون توالي إلى أحد كان ميراثه للإمام، و هو القسم الثالث من

أقسام الموالي و هو ميراث من لا وارث له، و ذلك خاص له، لأنّه من الأنفال على ما بيّناه، و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعطي ميراثه من لا وارث له، فقراء أهل بلده و ضعفائهم و ذلك على سبيل التبرّع منه (عليه السلام). ( «1»)

و قد تبيّن من كلامه أنّ الإمام يرث في الموارد التالية:

أ- إذا مات المعتَق و كان سائبة أي تبرّأ معتقه من جريرته و في الوقت نفسه لم يوال إلى أحد، يرثه الإمام.

ب- إذا مات المسلم غير المعتَق أي من كان حرّاً و مات و لم يوال إلى أحد فيرثه الإمام.

ج- إذا مات الذمي و لم يكن له وارث. و سيأتي في كلام الشيخ الآتي.

و قال الشيخ في الخلاف: ميراث من لا وارث له لا ينقل ( «2») إلى بيت المال و هو للإمام خاصة، و عند جميع الفقهاء، ينقل إلى بيت المال، و يكون للمسلمين. و عند الشافعي يرثه المسلمون بالتعصيب. و عند أبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه، و في الرواية الأُخرى، بالموالاة دون التعصيب. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.

______________________________

(1) النهاية: 669- 671.

(2) و في الجواهر: 39/ 260، «ينقل» و ما أثبتناه هو الصحيح المطابق للمطبوع المحقّق من الخلاف أخيراً.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 349

و أيضاً فلا خلاف أنّ للإمام أن يخص به قوماً دون قوم فلولا أنّه له، لم يجز ذلك، و لأنّه لو كان ميراثاً لكان للذكر مثل حظّ الأُنثيين كالميراث، فلما لم يفضَّل ذكر على أُنثى، دلّ على أنّه ليس بميراث، فأمّا الذمي إذا مات و لا وارث له فإنّ ماله لبيت المال فيئاً، بلا خلاف بينهم، و عندنا أنّه للإمام مثل الذي

للمسلم سواء. ( «1»)

3- و قال المحقق: فإن عدم الضامن كان للإمام (عليه السلام) وارث من لا وارث له. ( «2»)

و قال ابن سعيد: و من لا وارث له، و من أسلم على يد غيره، و مجهول النسب إلى أحد و لم يخلف وارثاً فإرثه من الأنفال. ( «3»)

4- و قال العاملي: دليله الإجماع المنقول في الخلاف، و الغنية و المسالك و غيرها، و الأخبار الصحيحة المستفيضة ( «4») بل الحقّ أنّ الدليل هو الأخبار و الإجماع تابع منها.

هذا كلّه من فقهاء الشيعة، و أمّا السنّة فقد عرفت ما ذكره الشيخ عنهم و قال ابن قدامة: و متى مات الذمي، و من لا وارث له، كان ماله فيئاً و كذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلّا أحد الزوجين فإنّ الفاضل عن ميراثه يكون له فيئاً، لأنّه مال ليس له مستحق معيّن فكان فيئاً كمال الميت المسلم الذي لا وارث له ( «5»).

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 14.

(2) الجواهر: 39/ 260.

(3) الجامع للشرائع: 508.

(4) مفتاح الكرامة: 8/ 205.

(5) المغني: 6/ 348.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 350

إلى هنا تبيّن موقف الشيعة و السنّة من المسألة فالأُولى يراها عن الأنفال و الثانية يراها من الفي ء الذي يقسّم بين المسلمين بإشراف الإمام.

أمّا الدليل على أنّه من الفي ء عن طريقنا، فتدلّ عليه روايات بعناوين مختلفة مشيرة إلى أمر واحد:

العنوان الأوّل: أنّه من الأنفال:

قد ورد في غير واحد من الروايات أنّ ميراث من لا وارث له، من الأنفال. ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله

من الأنفال». ( «1»)

العنوان الثاني: الإمام وارث من لا وارث له:

من مرسل حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام)، قال: «الإمام وارث من لا وارث له». ( «2»)

العنوان الثالث: هو لإمام المسلمين:

ففي رواية حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «... و إن كان الميت لم يتوال إلى أحد حتى مات فإنّ ميراثه لإمام المسلمين». فقلت له: فما حال الغاصب فيما بينه و بين اللّه تعالى؟ فقال: «إذا هو أوصل المال إلى إمام المسلمين فقد سلم». ( «3»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 1 و بهذا المضمون الحديث 3، 4 و 8.

(2) المصدر نفسه: الحديث 5.

(3) المصدر نفسه: الحديث 11، و بهذا المضمون الحديث 12.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 351

العنوان الرابع: إرثه لمن عليه جريرته:

و قد ورد في غير واحد هذا العنوان و يحاول الإمام بهذا التعبير أن يستدل على أنّ الميراث للإمام لأنّه المؤدّي لجريرته فيكون هو الوارث، فمن عليه الغرم، فله الغنم، ففي رواية عمّار بن أبي الأحوص قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السائبة، فقال: «انظروا في القرآن، فما كان فيه (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ*) فتلك يا عمّار: السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا اللّه، فما كان ولاؤه للّه فهو لرسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم، و ما كان ولاؤه لرسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فإنّ ولاءه للإمام و جنايته على الإمام و ميراثه له» ( «1») و في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: مكاتب اشترى نفسه و خلّف مالًا قيمته مائة ألف، و لا وارث له؟ قال: «يرثه من يلي جريرته»، قال: قلت: من الضامن لجريرته؟ قال: «الضامن لجرائر المسلمين». ( «2»)

و هذه الروايات المتضافرة تدل على ما يقول به علماؤنا. نعم هناك روايات ربّما توهم خلاف

ما ذكرنا. و إليك بيانها:

1- روى معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: من أعتق سائبة فليتوال ( «3») من شاء، و على من والى جريرته و له ميراثه، فإن سكت (أي لم يتوال أحداً) حتى يموت أُخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له ولي. ( «4»)

أقول: لعلّ الداعي إلى هذا النوع من التعبير- مع أنّه مال الإمام- هو

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 6 و 7.

(2) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 6 و 7.

(3) الظاهر أنّ الضمير يرجع إلى السائبة لا إلى الموصول، لأنّ السائبة ممّن برأ المعتِق عن جريرته، و عند ذلك للسائبة أن يتوالى من شاء.

(4) المصدر نفسه: الحديث 9 و بهذا المضمون، الحديث 5، 8 و 9 من الباب 4 من أبواب ضمان الجريرة و الإمامة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 352

الإشعار بأنّ المأخوذ بحقّ الإمامة ليس مالًا شخصياً له بل يتعلّق بشخصية الإمام المتمثّلة في تدبير أُمور المسلمين و لأجل ذلك نرى أنّ ابن زهرة و ابن إدريس قالا: إذا مات الإمام انتقل الميراث إلى الإمام لا إلى غيره من ورثته.

و على كل تقدير فالعمل على الأكثر عدداً و الأوضح دلالة و المتفق عليه بين الأصحاب من الروايات و هي الطائفة الأُولى.

الثالث: ما هو مصرفه مع حضور الإمام:

قد عرفت أنّ المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية قالا بأنّ الإمام علي (عليه السلام) صرفه في موارد خاصّة، و قد اعتمدا في ذلك على الروايات التالية:

ما رواه خلاد السندي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)

قال: «كان علي (عليه السلام) يقول في الرجل يموت، و يترك مالًا و ليس له أحد: اعط المال همشاريجه». ( «1»)

و المراد من هذا اللفظ «همشاريج» إمّا الأخ من الرضاعة أو الأُخت منها أو أهل بلده و الثاني أقرب و اللفظ معرّب «همشهرى» و يقصد المواطنون، ففي بعض الروايات، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «تدفع إلى المساكين». ( «2»)

إذا كان المال للإمام فله الخيار يصرفه حيث يرى فيه مصلحة، و لعلّ المصلحة كانت يومذاك في الدفع إلى الرضيع أو المواطن، أو بشرط الفقر كما في عبارة المقنعة- و سيوافيك الكلام في هذه الروايات- هذا كلّه مع حضور الإمام، و أمّا الكلام في عصر الغيبة فهذا الذي نبحثه فيما يلي.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4، من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 1 و بهذا المضمون الحديث 2 و 3 و 4، و الباب 5 الحديث 2.

(2) المصدر نفسه، الباب 4، الحديث 7.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 353

الرابع: مصرفه مع غيبة الإمام:

إذا مات من لا وارث له، و كان الإمام غائباً، فالشيعة على أقوال، و أمّا السنّة فسيوافيك رأيهم.

1- الحفظ، و هو خيرة الشييخ في الخلاف، قال: كلّ موضع وجب المال لبيت المال عند الفقهاء و عندنا للإمام إن وجد الإمام العادل سلّم إليه بلا خلاف، و إن لم يوجد وجب حفظه له عندنا كما يحفظ سائر أمواله التي يستحقّها. ( «1»)

2- التخيير بين الحفظ- ظ و الصرف في المحاويج، و هذا خيرة العلّامة في القواعد، قال: و إن كان غائباً حفظ له أو صرف في المحاويج. ( «2»)

3- الصرف في المحاويج، و هو خيرة المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية، قال المفيد: و من مات

و خلف تركة في يد إنسان لا يعرف له وارثاً جعلها في الفقراء و المساكين، و لم يدفعها إلى سلطان الجور و الظلم من الولاة. ( «3»)

و قال الشيخ: و متى خلّف إنسان مالًا و ليس له وارث و لم يتمكّن من إيصاله إلى سلطان الحقّ قسم ذلك في الفقراء و المساكين و لا يُعطى سلطان الجور شيئاً على حال، إلّا أن يتغلب عليه أو يخاف سطوته، و يجوز حينئذ تسليمه إليه لتقية أو لخوف. ( «4»)

و أمّا السنّة، فقد قال الشيخ في الخلاف:

و اختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال: إذا فقد الإمام العادل يسلّم

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 15.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 206، قسم المتن.

(3) المقنعة: 206.

(4) النهاية: 671.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 354

إلى ذوي الأرحام، لأنّ هذه مسألة اجتهادية، فإذا بطلت إحدى الجهتين ثبتت الأُخرى.

و منهم من قال: هذا لا يجوز لأنّه حقّ لجميع المسلمين، فلا يجوز دفعه إلى ذوي الأرحام، لكن يفعل به ما يفعل بزكاة الأموال الظاهرة، و الإنسان بالخيار بين أن يسلّمه إلى الإمام الجائر، و بين أن يضعه في مصالح المسلمين، و بين أن يحفظه حتى يظهر إمام عادل كذلك هاهنا. ( «1»)

أمّا القول الأوّل فقد استدل عليه في الخلاف بأنّه كسائر أمواله التي يستحقّها، و لكنّه غير واضح، فإن أراد به أنّه كأمواله الشخصية التي يستحصلها عن طريق الكسب فهو قياس مع الفارق لأنّ المفروض أنّ الأنفال ليس من أموالها الشخصية المتعلّقة به بما هو إنسان، و إنّما هو من أمواله بما أنّه إمام كما ورد في بعض الروايات: روى أبو علي بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثالث (عليه السلام): إنّا نؤتى

بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه السلام) عندنا فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي (عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنّة نبيّه». ( «2») فعلى ذلك فيجب ردّه إلى من يقوم بأمر الإمامة أو من يحمل مسئولية الإمام في عصر الغيبة و ليس هو إلّا الفقيه الجامع للشرائط.

و بذلك يظهر ضعف التخيير الموجود في كلام العلّامة و انحصر الطريق في صرفه في موارد حسب ما يرشدنا إليه الدليل، أضف إلى ذلك أنّ الحفظ مع طول الغيبة و هجوم الفتن في كلّ زمان أمر صعب بل محال، و مثل هذه النظرية كنظرية الالقاء في البحر أو الدفن في التراب، ليست في شأن الفقيه الواعي كالشيخ

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 15. ما ذا يريد الشافعي من ذوي الأرحام بعد كون المفروض انّه لا وارث له؟

(2) الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 355

الطوسي.

ثمّ إنّه روى أنّ عليّاً (عليه السلام) أمر بدفع المال إلى «همشاريجه» ( «1») و ربّما حكى أنّ الإمام دفعه إليهم.

إنّ هذه الروايات ضعيفة من حيث السند أوّلًا، مضطربة من حيث المعنى ثانياً، فربما يحتمل أن يراد منها مواطنو الميت كما يحتمل أن يكون الرضيع، و هو الأقرب فيما إذا عبّر بلفظ مفرد (همشهريجه). ( «2») بشهادة خبر مروك بن عبيد الثقة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: ما تقول في رجل مات و ليس له وارث إلّا أخاً له من الرضاعة يرثه؟ قال: «نعم». ( «3»)

و لأجل ذلك لا يمكن أن يكون معياراً للفتوى، قال الشيخ في الاستبصار:

هاتان الروايتان ( «4») شاذّتان و ما هذا حكمه لا يعارض به الأخبار المستندة المجمع على صحّتها مع عدم منافاتها لما تقدّم، لأنّه (عليه السلام) فعل ذلك تبرّعاً.

و على كلّ تقدير يمكن الجمع بينها و بين ما دلّ على أنّه من الأنفال بأنّ المدفوع إليهم في زمن الإمام كانوا فقراء و من مصارف الأنفال.

و بعبارة أُخرى فإذا ثبت أنّه من الأنفال يكون محكوماً بحكمها، و أمّا عمل الإمام فإنّما يكون دليلًا على التسويغ لا على الانحصار، فما هو مصرف الأنفال فهو مصرف وارث من لا وارث له.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 1- 2.

(2) المصدر نفسه: الباب 4، الحديث 3.

(3) المصدر نفسه: الباب 5 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 1، و تقدّم الإيعاز إلى مظان الروايات.

(4) المراد الحديث 2 و 3 من الباب 4، أعني رواية السري يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، و رواية داود عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عليه السلام).

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 356

في ميراث ولد الملاعنة

اشارة

قال الشيخ: إذا مات ولد الملاعنة و خلّف أُمّاً و أخوين منها، فللأُمّ الثلث بالتسمية و الباقي يرد عليها و يسقط الأخوان معها.

و قال الشافعي: و للأُمّ السدس و للأخوين الثلث، و الباقي لمولى الأُمّ، فإن لم يكن فلبيت المال، و به قال زيد بن ثابت.

و قال أبو حنيفة: لها السدس و لهما الثلث، و الباقي يرد عليهم.

و قال عبد اللّه بن مسعود: المال كلّه للأُمّ لأنّها عصبة.

و قال عبد اللّه بن عمر و ابن أبي ليلى: الباقي من فرض الأُمّ و الإخوة فلعصبة الأُمّ. ( «1»)

و قال: قد بيّنا أنّ ميراث ولد الملاعنة لأُمّه إذا كانت

حيّة فإن لم تكن حيّة فلمن يتقرّب بها إليه من الإخوة و الأخوات، و الخؤولة و الخالات، و الجدّة للأُمّ يقدّم الأولى فالأولى، و الأقرب فالأقرب، كما نقول في الولد الصحيح. روى ذلك عن علي (عليه السلام) و ذهب إليه أهل العراق، و البصرة. ( «2»)

و قال في المغني قسم المتن: و ابن الملاعنة ترثه أُمّه و عصبته فإن خلّف أُمّاً و خالًا فلأُمّه الثلث، و ما بقي للخال. و قال في الشرح: و جملته أنّ الرجل إذا لاعن امرأته و نفى ولدها و فرّق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه، و انقطع تعصيبه من جهة

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 113.

(2) المصدر نفسه: المسألة 146.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 357

الملاعن، فلم يرثه هو و لا أحد من عصباته، و ترث أُمّه و ذوي الفروض منه فروضهم و ينقطع التوارث بين الزوجين. ( «1»)

إذا وقفت على الأقوال، فلنذكر مقتضى القاعدة الأُولى التي يجب العمل عليها إذا لم يرد دليل على الخلاف فنقول:

ما هو مقتضى القاعدة الأُولى؟

إنّ مقتضى القاعدة الأُولى المستفادة من العمومات و الإطلاقات هو أنّه إذا مات ابن الملاعنة فيرثه أُمّه و أولاده، ثمّ إخوته و أخواته و جدّه و جدّته من الأُمّ ثانياً، ثمّ أخواله و خالاته ثالثاً، ثمّ الموالي على الترتيب المألوف، و الملاعنة تقطع صلة الأب بالابن و بالتالي صلة من يتصل بالأب إلى ابن الملاعنة، فالأب و من يتّصل به لا يرثون، و أمّا باقي الأحكام فهو و سائر الناس سواسية فلو دلّ دليل على خلاف هذه القاعدة نأخذ بمقدار ما دل، و إلّا فالقاعدة الأُولى هي المحكّمة.

على ضوء ذلك فولد ابن الملاعنة لو كان ذكراً واحداً يرث الجميع، و

إن كان متعدّداً يرثون الجميع إذا لم يكن له أُمّ، و أمّا الأُنثى فإن كانت واحدة فلها النصف فرضاً و الباقي ردّاً. و إن كانت أكثر فلهنّ الثلثان فرضاً و الباقي ردّاً، و لو كانوا ذكراً و أُنثى فللذكر مثل حظّ الأُنثيين.

هذا إذا لم يكن له أُمّ، و لو كانت له أُمّ فهي ترث الثلث و الباقي يقسّم حسب ما مرّ بين الأولاد.

فلو فقدت الطبقة الأُولى تصل النوبة إلى الإخوة و الأخوات من قبل الأُمّ أو الأُمّ و الأب دون الأخ من قبل الأب وحده لإلغاء الانتساب إلى الأب باللعان

______________________________

(1) المغني: 6/ 358، ثمّ أخذ في شرح المسألة في صفحة 308- 309 بما لا حاجة إلى نقله.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 358

و لا يرث الجدّ و الأخ من قبل الأب لما مرّ، و يشاركهم الجدّ و الجدّة من الأُمّ حسب ما مرّ، لا الجدّ و الجدّة للأب.

و إن فقدت الطبقة الثانية تصل النوبة إلى الطبقة الثالثة أي الأخوال و الخالات دون الأعمام و العمّات، و هكذا.

هذا هو مقتضى القاعدة، و أمّا النصوص فربّما يتراءى بينها الاختلاف، و لكن القرائن الحالية الحافة بالأسئلة لم تذكر في متون الرواية، فلأجل ذلك يتراءى التعارض فهناك

أصناف من الروايات:

الصنف الأوّل: ما يخصّ الإرث بالأُمّ:

1- روى الصدوق عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ابن الملاعنة ينسب إلى أُمّه و يكون أمره و شأنه كلّه إليها». ( «1»)

2- روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ ميراث ولد الملاعنة لأُمّه». ( «2»)

الصنف الثاني: ما يخصّه بالإخوة:

3- خبر منصور عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) يقول: إذا مات ابن الملاعنة و له إخوة قسّم ماله على سهام اللّه». ( «3»)

الصنف الثالث: ما يخصّه بالأُمّ ثمّ الأخوال:

4- صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ ميراث ولد الملاعنة لأُمّه،

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 8.

(2) المصدر نفسه، الباب 3 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1، و بهذا المضمون أيضاً روايات.

(3) المصدر نفسه، الباب 1، من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 359

فإن لم تكن أُمّه حيّة فلأقرب الناس إلى أُمّه، أخواله». ( «1»)

الصنف الرابع: ما يخصّه بالأخوال:

5- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و إن قذف رجل امرأته كان عليه الحدّ و إن مات ولده ورثه أخواله». ( «2»)

و إليك توضيح مضامينها:

1- إنّ تخصيص الإرث بالأُمّ في الصنف الأوّل لا ينافي مشاركة الأولاد معها في الإرث لأنّ الهدف هو نفي مشاركة الأب و من يتصل به في الإرث، و ليست ناظرة إلى نفي مشاركة الأولاد.

2- إنّ تخصيص الإرث بالإخوة في الصنف الثاني محمول على ما إذا لم يكن من الطبقة الأُولى شخص.

3- إنّ توريث الأخوال بعد الأُمّ، مع كون الإخوة و الجد و الجدّة من الأُمّ متقدمة عليهم محمولة على ما إذا فقدت الطبقة الثانية.

4- تخصيصه بالأخوال في الصنف الرابع أيضاً ناظر إلى ذلك، و لأجل ذلك نرى أنّ في أكثر الروايات خصّ الإرث بالخال عند عدم الأُمّ.

روى عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن ولد الملاعنة من يرثه؟ قال: «أُمّه». قلت: فإن ماتت أُمّه من يرثه؟ قال: «أخواله». ( «3»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 2.

(2) المصدر نفسه: الحديث 1 و بهذا المضمون روايات.

(3) المصدر نفسه: الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 360

و على ضوء ذلك تقدر على جمع شتات الروايات و اختلافها، في وارث ولد الملاعنة.

نعم ورد في روايتين صحيحتين أنّ الأُمّ ترث الثلث و الباقي للإمام بمعنى أنّه لا ترث الباقي ردّاً. روي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في ابن الملاعنة ترث أُمّه الثلث، و الباقي للإمام لأنّ جنايته على الإمام» ( «1») و ربما تحمل الروايتان على التقية و اللسان آب عن ذلك الحمل لأنّهم يردون الفاضل عن سهم الأُمّ إلى بيت المال، و الأولى أن يقال: إنّ قضاء أمير المؤمنين قضية في واقعة لا تستنبط منه ضابطة كلّية.

هذا كلّه فيما إذا كان ابن الملاعنة مورِّثاً و أمّا حكمه إذا كان وارثاً فنقول:

***

في إرث ولد الملاعنة من الأُمّ و ممن يتقرّب إليهم بها:

اشارة

لا شكّ أنّه يرث الأُمّ و يرثها أولاده ( «2») إنّما الكلام في إرثه أقارب الأُمّ ففيه قولان:

الأوّل: و هو المشهور أنّه يرثهم، و وصفه العاملي بأنّه مذهب الأصحاب من غير خلاف كما في المبسوط و السرائر و الغنية و غيرها، و قال: و هو الذي يقتضيه شرع

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 4 و بهذا المضمون الحديث 3.

(2) المصدر نفسه: الباب 4 من أبواب ميراث الملاعنة، الحديث 6.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 361

الإسلام كما في التهذيب و نسب إلى المشهور و الأشهر في كثير من كتب الأصحاب، و القول بعدم الإرث متروك كما في المسالك و به تضافرت الأخبار و له شهد صحيح الاعتبار.

الثاني: ما ذكره الشيخ في الاستبصار من أنّهم إنّما يرثهم إذا أقرّ به الأب بعد اللعان لأنّه تبعد التهمة عن المرأة و تقوى صحّة النسب، و سيوافيك دليله. (

«1»)

أقول: إنّ مقتضى القاعدة، إرثه من يتقرّب إليهم بها، لأنّ نسبته إلى الأُمّ ثابت، فيترتب عليه آثارها و منها إرثه بها فيشمله عموم الأدلّة و إطلاقها كتاباً و سنّة و معقد الإجماع، و حرمانه من قرابات الأُمّ يحتاج إلى دليل قاطع كما أنّ التفصيل بين تكذيب الأب قوله، فيرث قراباتها و عدم تكذيبه له فيحرم من قراباتها تفصيل يحتاج إلى دليل قاطع، و إليك دراسة ما ورد من

الروايات و هي على أصناف:

الصنف الأوّل: ما يدلّ على وراثته أقارب الأُمّ:

1- ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ابن الملاعنة ينسب إلى أُمّه و يكون أمره و شأنه كلّه إليها». ( «2»)

و الحديث كناية عن ترتّب جميع آثار الأُمومة و البُنوّة.

2- خبر زيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في ابن الملاعنة من يرثه؟ قال: «ترثه أُمّه»، قلت: أ رأيت إن ماتت أُمّه و ورثها ثمّ مات هو من يرثه؟ قال: «عصبة أُمّه

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 208.

(2) الوسائل: 17، الباب 1 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 8، رواه عن أبي بصير شعيب العقرقوفي و هو ابن أُخت أبي بصير: يحيى بن قاسم و عقرقوف من نواحي الدجيل أو من نواحي نهر عيسى بينها و بين بغداد أربعة فراسخ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 362

و هو يرث أخواله» ( «1») و الغرض من نقله هو إرثه أخواله، لا إرثه أُمّه إذ ليس محلًا للخلاف.

الصنف الثاني: ما يدلّ على إرثه إيّاهم بعد فرض التكذيب في كلام الراوي:

3- رواية ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل لاعن امرأته، و انتفى من ولدها ثمّ أكذب نفسه بعد الملاعنة و زعم أنّ الولد له هل يرد إليه؟ قال: «نعم، يردّ إليه و لا أدع ولده ليس له ميراث، و أمّا المرأة فلا تحل له أبداً»، فسألته: من يرث الولد؟ قال: «أخواله»، قلت: أ رأيت إن ماتت أُمّه فورثها الغلام ثمّ مات الغلام من يرثه؟ قال: «عصبة أُمّه»، قلت: فهو يرث أخواله؟ قال: «نعم». ( «2»)

4- موثق صفوان بن يحيى عن كتاب محمّد بن مسلم، قال: سألته عن رجل لاعن امرأته و انتفى من ولدها ثمّ أكذب نفسه بعد الملاعنة- إلى أن قال:- قلت: و هو يوارث أخواله؟

قال: «نعم». ( «3»)

و لا يخفى أنّ الحديث الثاني مطلق من حيث الوراثة، و مثله الثالث و الرابع لأنّ القيد وارد في سؤال الراوي لا في جواب الإمام مع وجود الفصل الطويل بينهما و مثله يزاحم الإطلاق.

الصنف الثالث: ما يدلّ على حرمانه من ارث أقارب الأُمّ:

5- خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل لاعن

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1 و 2 و 3، و الضمير في حديث ابن مسكان ليس له ميراث، إذا رجع إلى الأب، و إلّا فلو رجع إلى الولد مع فرض التكذيب يكون مخالفاً لما سيوافيك من إرثه الأب لو اكذب نفسه.

(2) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1 و 2 و 3، و الضمير في حديث ابن مسكان ليس له ميراث، إذا رجع إلى الأب، و إلّا فلو رجع إلى الولد مع فرض التكذيب يكون مخالفاً لما سيوافيك من إرثه الأب لو اكذب نفسه.

(3) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1 و 2 و 3، و الضمير في حديث ابن مسكان ليس له ميراث، إذا رجع إلى الأب، و إلّا فلو رجع إلى الولد مع فرض التكذيب يكون مخالفاً لما سيوافيك من إرثه الأب لو اكذب نفسه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 363

امرأته؟ قال: «يلحق الولد بأُمّه يرثه أخواله و لا يرثهم الولد». ( «1»)

الصنف الرابع: ما يدلّ على عدم الإرث إذا لم يكذب نفسه:

6- خبر أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الملاعنة إذا تلاعنا و تفرّقا و قال زوجها بعد ذلك: الولد ولدي، و أكذب نفسه؟ قال: «أمّا المرأة فلا ترجع إليه، و لكن أردّ إليه الولد، و لا أدع ولده ليس له ميراث، فإن لم يدعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه و لا يرثهم». ( «2»)

7- صحيحة الفضيل، قال: سألته عن رجل افترى على امرأته قال: «يلاعنها، و إن أبى أن يلاعنها جلد الحدّ و ردّت إليه امرأته، و

إن لاعنها فرّق بينهما، و لم تحلّ له إلى يوم القيامة، فإن كان انتفى من ولدها أُلحق بأخواله، يرثونه و لا يرثهم، إلّا أنّه يرث أُمّه». ( «3»)

و هذا الحديث كالمتقدّم يخص الحرمان بصورة التكذيب، فيكون شاهداً لقول الشيخ في الاستبصار.

8- صحيحة الحلبي، و جاء فيها بعد الملاعنة: يقول الزوج: الولد ولدي و يكذب نفسه؟ فقال: «أمّا المرأة فلا ترجع إليه أبداً، و أمّا الولد، فإنّي أردّه إليه إذا ادّعاه و لا أدع ولده و ليس له ميراث، و لا يرث الابن الأب، و لا يرث الأب الابن، يكون ميراثه لأخواله، فإن لم يدّعه أبوه، فإنّ أخواله يرثونه و لا يرثهم». ( «4»)

و هذه الروايات الثلاثة الأخيرة تنفي الإرث إذا استمرّ على النفي و يدلّ بالمفهوم على الوراثة إذا كذّب نفسه.

هذه هي الروايات الواردة في المقام.

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 4- 5.

(2) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 4- 5.

(3) المصدر نفسه: الحديث 6، و تقدّم الكلام في تفسير قوله: «ليس له ميراث».

(4) المصدر نفسه: الحديث 7.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 364

قال الشيخ في الاستبصار في الجمع بينهما:

لا تنافي بين هذه الأخبار و الأخبار الأُول، لأنّ ثبوت الموارثة بينهم إنّما يكون إذا أقرّ بالولد بعد انقضاء الملاعنة، إذ عند ذلك تبعد التهمة من المرأة و تقوى صحّة نسبه، فيرث أخواله و يرثونه، و الأخبار الأخيرة متناولة لمن لم يقرّ والده به بعد الملاعنة، فإنّ عند ذلك التهمة باقية، فلا تثبت الموارثة بل يرثونه و لا يرثهم، لأنّه لم يصح نسبه. ( «1»)

و حصيلة الكلام، أنّه لا شكّ أنّ ولد الملاعنة يرث الأُمّ

و أولادها، و إنّما الكلام في أنّه يرث أقارب أُمّه أو لا؟ فالروايات فيه على أصناف:

1- ما دلّ على أنّه يرث أخواله. ( «2»)

2- ما دلّ على أنّه يرث أخواله و لكن سبق في كلام الراوي أنّ الأب أكذب نفسه و لم يكن القيد موجوداً في كلام الإمام. ( «3»)

3- أنّه لا يرث أخواله. ( «4»)

4- أنّ الأب إذا لم يدّعه لا يرث أخواله ( «5») بمعنى أنّه إذا لم يكذب نفسه لا يرث الولد أخواله، فيكون مفهومه إرثه إذا أكذب نفسه.

و صناعة الاجتهاد تقتضي تقييد الأوّل بصورة التكذيب أي القيد الموجود في الصنف الرابع و حمل الثالث على صورة عدم التكذيب، و لكن الأصحاب بما أنّهم أعرضوا عن الصنف الرابع كما أعرضوا عن الصنف الثالث فالمتعيّن هو العمل بالأوّل و الثاني، و قد عرفت أنّ كلام الإمام في الصنف الثاني خال عن القيد، مضافاً إلى أنّه مطابق للكتاب.

______________________________

(1) الاستبصار: 4/ 181.

(2) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1، و الباب 1، الحديث 8.

(3) المصدر نفسه: الحديث 2 و 3.

(4) المصدر نفسه: الحديث 4.

(5) المصدر نفسه: الحديث 5 و 6 و 7.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 365

مسائل:

المسألة الأُولى: لا عبرة بنسب الأب:

إنّ اللعان يقطع النسب، فلا تبقى صلة بين الولد و الأب، فلأجل ذلك يصبح ولد الملاعنة شريكاً مع الإخوة و الأخوات من جانب الأُمّ سواء كانوا إخوة أو أخوات للأبوين أو للأُمّ فقط، فلأجل ذلك يعامل مع الإخوة و الأخوات للأبوين معاملة الإخوة و الأخوات للأُمّ، و أمّا الإخوة للأب وحده، فلا تبقى صلة بينه و بينهم، و على ذلك يتبيّن حكم فروع:

1- إذا خلّف ابن الملاعنة أخوين أحدهما لأبيه و

أُمّه و الآخر لأُمّه، فهما كالأخوين للأُمّ.

2- لو ترك أُختين إحداهما للأب و الأُمّ و الأُخرى للأُمّ فقط فهما سواء.

3- لو ترك أخاً و أُختاً أحدهما للأب و الأُم و الأُخرى للأُمّ، فهما بحكم الأخ و الأُخت للأُمّ.

4- لو خلّف ابن أخيه لأبيه و أُمّه و ابن أخيه لأُمّه، فيعامل مع الكلّ أبناء الأخ للأُمّ.

5- لو خلّف أخاً و أُختاً لأبوين مع جدّ و جدّة للأُمّ فالتقسيم في غير هذا المورد، يكون أثلاثاً: ثلثان للأخ و الأُخت للأبوين، و الثلث للجدّ و الجدّة للأُمّ، و بعد سقوط اعتبار نسب الأب، لم يبق إلّا التقرّب من جهة الأُمّ، فيقسّم المال بينهم بالسوية.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 366

المسألة الثانية: إذا ماتت أُمّه و لا وارث لها سواه:

فميراثها للولد، و لا يرثها أبوه لانقطاع النسب باللعان.

و لو تركت الأُمّ ولداً و أبوين فلكل واحد منهما السدس، و أمّا الولد فلو كان ذكراً فالباقي له، و إن كان أُنثى فيرث النصف فرضاً و الباقي ردّاً.

المسألة الثالثة: لو أنكر الحمل و تلاعنا، فولدت توأمين:

إذا تلاعنا، و الزوجة حامل، و ولدت توأمين، قطع اللعان نسبة الحمل عن الأب من غير فرق بين كونه واحداً أو توأمين، و لو مات أحدهما يرثه الآخر بالأُمومة، و من المعلوم أنّ نصيبه نصيب الكلالة للأُمّ و هو السدس إذا كان واحداً و الثلث إذا كان متعدّداً، فلو لم يكن وارث آخر يرد الباقي إليها.

و مثل هذا، الولدان المتعاقبان المنفيّان باللعان، كما إذا تزوّجت بعد اللعان بآخر و تلاعنا أيضاً، و قال ابن قدامة: و لو كان المنفي باللعان توأمين و لهما ابن آخر من الزوج لم ينفه، فمات أحد التوأمين فميراث توأمه منه، كميراث الآخر في قول الجمهور، ثمّ نقل عن مالك قولًا آخر. ( «1»)

المسألة الرابعة: في إرث المخلوع:

لو تبرّأ الرجل عند السلطان من جريرة ولده، و من ميراثه ثمّ مات الولد،

______________________________

(1) المغني: 7/ 127، و الظاهر أن يقول: «و لها» ابن آخر من الزوج مكان «و لهما».

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 367

و له مال هل يرثه الأب أو لا؟

قال الشيخ: و من تبرّأ عند السلطان من جريرة ولده و ميراثه، ثمّ مات الولد و له مال كان ميراثه لعصبة أُمّه دون أبيه. ( «1»)

و قال القاضي: و إذا تبرّأ إنسان من جريرة ولده عند سلطان و ميراثه، و مات الولد كان ميراثه لعصبة أبيه، و لم يكن لأبيه شي ء في ذلك على أيّ حال. ( «2»)

و لا يخفى أنّ الشيخ- حسب ما عرفت- يخصّ الميراث لعصبة الأُمّ، و القاضي لعصبة الأب و لعلّ المطبوع من النهاية غير صحيح، و يشهد له أنّ المحقّق نقل عن النهاية بالنحو التالي: «ميراثه لعصبة أبيه دون أُمّه». ( «3»)

و قال العلّامة في القواعد: و من

تبرّأ عند السلطان من جريرة ولده و ميراثه ثمّ مات، قيل: يرثه عصبة الأب، دون الأب. ( «4»)

إنّ مقتضى القاعدة هو إرث الأب و عدم سقوط إرثه بالتبرّي، لأنّ سقوطه به على خلاف الكتاب و السنّة، فكما أنّ أدلّة الشروط ليست مشرّعة، فهكذا التبرّي لا يغيّر حكم اللّه و هو قوله سبحانه: (لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ...) ( «5»).

أضف إلى ذلك ما كتبه الإمام الرضا (عليه السلام) في جواب السؤال عن عدم إرث الزوجة العقار قال: «المرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها و بينه من العصمة، و يجوز تغييرها و تبديلها و ليس الولد و الوالد كذلك، لأنّه لا يمكن التفصّي منهما». ( «6») اللّهمّ إلّا أن يحمل على كونه حكمة للحكم، لا علّة.

نعم استند الشيخ و القاضي على روايتين: إحداهما مضمرة و الأُخرى ضعيفة

______________________________

(1) النهاية: 682.

(2) المهذّب: 2/ 167.

(3) جواهر الكلام: 39/ 273، قسم المتن.

(4) مفتاح الكرامة: 8/ 211، قسم المتن.

(5) النساء/ 11.

(6) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 14.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 368

لجهالة بريد بن خليل، مع تردّده بينه و بين يزيد بن خليل. هذا من حيث السند، و أمّا من حيث الدلالة، ففي مضمر أبي بصير: سألته عن المخلوع يتبرّأ منه أبوه عند السلطان، و من ميراثه و جريرته، لمن ميراثه؟ فقال: قال علي (عليه السلام): «هو لأقرب الناس إليه». ( «1»)

و لا يخفى عدم الصراحة لاحتمال أن يكون المراد من أقرب الناس إليه هو الأب، و ليس صريحاً في موت الأب، و الإمام بصدد إبطال هذا التبرّي.

و في خبر بريد بن خليل قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل تبرّأ

عند السلطان من جريرة ابنه و ميراثه ثمّ مات الابن و ترك مالًا، من يرثه؟ قال: «ميراثه لأقرب الناس إلى أبيه». ( «2»)

و في دلالته نظر إذ ليس فيه تصريح بموت الولد قبل الأب، و لعلّه فيما إذا مات الأب قبل الولد، و يكون التبرّي غير مؤثّر، إذ لو لم يكن التبرّي أيضاً لورثه أقرب الناس إليه، و أمّا حمل الروايتين على التقية، فغير واضح إذ لم نعثر على فتوى لهم في هذا المجال.

***

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الحديث 3 و 2.

(2) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه، الحديث 3 و 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 369

في ميراث ولد الزنا

الزنا إمّا من الطرفين أو من طرف واحد، و على كل تقدير، فإمّا أن يكون للمرأة الموطوءة فراش أو لا، فالكلام فيما إذا كان الزنا من الطرفين، فنقول: فيه قولان بين علمائنا:

1- لا يرث أحد الزانيين ولد الزنا، و لا أحداً من أقاربهما و لا يرثهم هو، لعدم النسب شرعاً، و إنّما يرثه ولده، و زوجه أو زوجته، فإن فقدوا فميراثه للإمام.

2- إنّ ميراثه لأُمّه، و من يتقرّب بها، و بعبارة أُخرى إرثه كإرث ولد الملاعنة، و الأوّل عليه معظم الأصحاب، و روي الثاني عن يونس و أبي علي و الصدوق، و أبي الصلاح الحلبي، قال الأخير: و ولد الزنا يرث أُمّه، و من يتعلّق بنسبها، و يرثونه و لا يرث الفحل و من يتعلّق بنسبه و لا يرثونه. ( «1»)

و بالمذهبين صرّح الشيخ في الخلاف و قال: الظاهر من أصحابنا أنّ ولد الزنا لا يرث أُمّه و لا ترثه أُمّه

و لا أحد من جهتها، و قد ذهب قوم من أصحابنا إلى أنّ ميراثه مثل ميراث ولد الملاعنة. ( «2»)

و أمّا المشهور بين أهل السنّة فهو الثاني. قال ابن قدامة: و الحكم في ميراث ولد الزنا في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة- إلى أن قال:- إلّا أنّ الحسن بن صالح قال: عصبة ولد الزنا سائر المسلمين، لأنّ أُمّه ليست فراشاً «بخلاف ولد الملاعنة».

______________________________

(1) الكافي: 377.

(2) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 114.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 370

ثمّ نقل فتاوى أُخرى يليق أن تمنع السماء بها ماءها، و تحبس الأرض بركاتها كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) في فتوى أبي حنيفة: عند ما طبّق النبوي المعروف: الخراج بالضمان على المغصوب، فأفتى أنّ الغاصب غير ضامن للمنافع التي استوفاها، لأنّها في مقابل ضمانه للعين، فقال الإمام مثل تلك الكلمة. ( «1»)

و إن كنت في شكّ من شذوذ هذه الفتاوى فاستمع لما يلي:

و قال الحسن ابن سيرين: يلحق الوطي إذا أُقيم عليه الحدّ و يرثه.

و قال إبراهيم: يلحقه إذا جلد الحدّ أو ملك الموطوءة.

و قال إسحاق: يلحقه، و ذكر عن عروة و سليمان بن يسار نحوه.

و روى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنّه قال: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوّجها مع حملها و يستر عليها، و الولد ولد له. ( «2»)

و يدلّ على عدم إرثه من الأب، ما يلي:

1- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: «أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ثمّ اشتراها فادّعى ولدها فانّه لا يورث منه شي ء، فإنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: الولد للفراش و

للعاهر الحجر، و لا يورث ولد الزنا إلّا رجل يدّعي ابن وليدته». ( «3»)

و مراده من الجملة الأخيرة أنّ صاحب الفراش يرث لا الزاني، و كنّى عن صاحب الفراش بقوله: يدّعي ابن وليدته.

2- خبر يحيى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل وقع على وليدة حراماً، ثمّ اشتراها فادّعى ابنها، قال: فقال: «لا يورث منه، فانّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر، و لا يورث ولد الزنا إلّا رجل يدّعي ابن وليدته». ( «4»)

و المنقول في الجواهر: «و لا يرث ولد الزنا» مكان «و لا يورث» و هو أوضح.

______________________________

(1) الوسائل: 13، الباب 17 من أبواب أحكام الاجارة.

(2) المغني: 6/ 315.

(3) الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه. الحديث 1، 4.

(4) الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه. الحديث 1، 4.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 371

3- خبر محمّد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) معي يسأله عن رجل فجر بامرأة، ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خلق اللّه به، فكتب بخطّه و خاتمه: «الولد لغيّة لا يورث». ( «1»)

و الروايات وردت في انقطاع نسبه عن الأب و يمكن الاستدلال بها أيضاً على جانب الإمام للاتحاد في المناط أوّلًا، و الاشتراك في العلّة، أعني: قوله: «الولد لغيّة لا يورث» ثانياً: و لقوله في صحيحة عبد اللّه بن سنان: قلت: فانّه مات و له مال، من يرثه؟ قال: «الإمام» و لم يذكر الأُمّ مع كثرة الابتلاء به.

و لا يخفى أنّ الروايات و إن كانت تحكم

بعدم إرث الأب منه إلّا أنّه يعلم حكم العكس منها أيضاً لوحدة المناط. هذا كلّه حول فتوى المشهور، و أمّا المخالف، فصنفان:

1- ما يدل على إرثه من الأب، و هو متروك جدّاً. ( «2»)

2- ما يدل على أنّ إرثه كإرث الملاعنة، و يدل عليه:

الف: موقوف يونس، قال: ميراث ولد الزنا لقرابته من قبل أُمّه على ميراث ابن الملاعنة ( «3») و الموقوف ليس بحجة.

ب: و خبر إسحاق بن عمّار: إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: «ولد الزنا و ابن الملاعنة ترثه أُمّه و أخواله و إخوته لأُمّه أو عصبتها». ( «4»)

قال الشيخ: إنّه خبر شاذ لا يترك لأجله الأحاديث خصوصاً مع الضعف في السند.

ج: محمّد بن علي بن الحسين: قال: روي أنّ دية ولد الزنا ثمانمائة درهم و ميراثه كميراث ابن الملاعنة. ( «5»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه. الحديث 2.

(2) المصدر نفسه: الحديث 7 و نظيره الحديث 8 من نفس الباب.

(3) المصدر نفسه: الحديث 6، 9، 10.

(4) المصدر نفسه: الحديث 6، 9، 10.

(5) المصدر نفسه: الحديث 6، 9، 10.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 372

في ميراث الخنثى

اشارة

الخنثى هو الذي له ذكر و فرج امرأة، و يقسم إلى مشكل و غير مشكل، فما فيه علامات الذكورية أو الأنوثية يحكم عليه- حسب العلامات- أنّه رجل أو امرأة، و بالتالي الإرث ليس بمشكل، و إنّما هو إمّا رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة، و حكمه في سائر الأحكام، حكم ما ظهرت علاماته فيه، و إنّما الكلام في القسم المشكل الذي حاول الفقهاء أن يبيّنوا الحكم الشرعي في حقّه؟

و اعلم أنّ المحاولة لحلّ مشكلة الخنثى على أساس

أنّه ليست طبيعة ثالثة، و إنّما هو ذكر أو أُنثى، و يمكن استظهاره من قوله سبحانه: (أَ يَحْسَبُ الْإِنْسٰانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً* أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىٰ* ثُمَّ كٰانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّٰى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثىٰ). (القيامة/ 36- 39) فالآية تبيّن أنّ الإنسان إمّا ذكر أو أُنثى حيث جعل المقسّم الإنسان و الخنثى إنسان، فهو داخل في أحد القسمين فكأنّ قوله سبحانه: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ) بمعنى صيّره و قسّمه إلى قسمين «الذكر و الأُنثى». فتأمّل.

إذا علمت ذلك فاعلم أنّهم ذكروا لتبيّن حال الخنثى المشكل علامات نذكرها واحدة بعد الأُخرى:

1- أن يرث على الفرج الذي يبول منه، فإن كان من فرج الرجال ورث

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 373

ميراث ذكر، و إن كان من فرج النساء ورث ميراث الأُنثى.

2- فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق، ورث منه.

3- فإن جاء البول منهما دفعة اعتبر الذي ينقطع أخيراً، فيورث عليه.

هذه العلامات الثلاث وردت في كلمات الفريقين. قال الشيخ في الخلاف: إذا مات إنسان و خلّف خنثى مشكلًا له ما للرجال و له ما للنساء فإنّه يعتبر بالمبال فإن خرج من أحدهما أوّلًا، ورث عليه، و إن خرج من كليهما اعتبرنا الانقطاع فورث على ما ينقطع أخيراً. ( «1»)

إنّ قوله: «فإن خرج من أحدهما أوّلًا» يشير إلى صورتين:

أ: ما إذا خرج من أحدهما و لم يخرج من الآخر أصلًا إلّا نادراً.

ب: ما إذا خرج من كليهما لكن يخرج من أحدهما متقدّماً على الآخر، و أمّا الصورة الثالثة فقد صرّح به في قوله: «فإن خرج من كليهما معاً اعتبرنا الانقطاع».

و قال ابن قدامة: قال ابن اللبان: روى الكلبي عن أبي صالح عن

ابن عباس أنّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم سئل عن مولود، له قبل و ذكر من أين يورث؟ قال: «من حيث يبول» ( «2») و روي أنّه (عليه السلام) أتى بخنثى من الأنصار فقال: «ورّثوه من أوّل ما يبول منه»، و لأنّ خروج البول أعمّ العلامات لوجودها من الصغير و الكبير، و سائر العلامات إنّما توجد بعد الكبر مثل نبات اللحية و تفلّك الثدي و خروج المني و الحيض و الحبل.

و إن بال منهما جميعاً اعتبرنا أسبقهما ( «3»)، نص عليه أحمد و روى ذلك عن

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 116.

(2) إلى هنا أشار إلى الصورة الأُولى و هو ما إذا بال من واحد دون الآخر.

(3) إشارة إلى العلامة الثانية.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 374

سعيد بن المسيب و به قال الجمهور: فإن خرجا معاً و لم يسبق أحدهما، فقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم: يرث من المكان الذي ينزل منه أكثر ( «1») و حكي هذا عن الأوزاعي و صاحبي أبي حنيفة، و وقف في ذلك أبو حنيفة و لم يعتبره أصحاب الشافعي في أحد الوجهين. ( «2»)

و يدل على العلامة الأُولى غير واحد من الروايات كصحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سئل عن مولود ولد، له قبل و ذكر كيف يورث؟ قال: «إن كان يبول من ذكره، فله ميراث الذكر، و إن كان يبول من القبل، فله ميراث الأُنثى» ( «3»)، و خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يورّث الخنثى من حيث يبول». ( «4»)

و يدل على العلامة الثانية صحيحة

هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: المولود يولد له ما للرجال و له ما للنساء؟ قال: «يورّث من حيث يبول من حيث سبق بوله». ( «5»)

و خبر إسحاق بن عمّار عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: «الخنثى يورّث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه». ( «6»)

و في سند هذا الحديث الحسن بن موسى الخشاب، فهو و إن لم يوثّق، لكن النجاشي وصفه بقوله: من وجوه أصحابنا، و هذا النوع من التعبير عندي أقوى من التوثيق و إن لم يعامل المشهور مع هذا النوع من التعبير معاملة التوثيق، و لكنّا

______________________________

(1) إشارة إلى العلامة الثالثة بتفسير الأكثر بالآخر انقطاعاً.

(2) المغني: 6/ 353.

(3) الوسائل: 17، الباب 1 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1 و 2 و لاحظ أيضاً: الحديث 3 و 5 و 6، و الباب 2 الحديث 1 و 2.

(4) الوسائل: 17، الباب 1 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1 و 2 و لاحظ أيضاً: الحديث 3 و 5 و 6، و الباب 2 الحديث 1 و 2.

(5) المصدر نفسه: الباب 2، الحديث 1 و 2.

(6) المصدر نفسه: الباب 2، الحديث 1 و 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 375

ذكرنا في بحوثنا الرجالية أنّ هناك تعابير في حقّ كثير من الرواة يستفاد منها التوثيق جليّاً و لا يلزم أن يصرّح بالتوثيق بالدلالة المطابقية، و لذلك أدخلنا كثيراً من الممدوحين في عدد الموثوقين، و أيضاً في طريقه: غياث بن كلوب، فقد قال الشيخ في العدّة: إنّ الأصحاب عملوا برواياته.

و أمّا العلامة الثالثة:

فلم نجد شيئاً صريحاً فيه، إلّا ما يلي:

1- «فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث». ( «1»)

2- فإن خرج منهما جميعاً؟ قال: «فمن أيّهما استدر» قيل: فإن استدرّا جميعاً؟ قال: «فمن أبعدهما». ( «2»)

و في دلالتهما نظر، أمّا الأوّل فانّه ظاهر في أنّ العلامة وجود الثوران و القوّة و الكثرة، لا ما ينقطع أخيراً، و العجب أنّهم لم يذكروه علامة، و أمّا الثاني، فلأنّ الدلالة مبنية على أنّ المعنى هو أبعدهما زماناً، و ليس هو إلّا الذي ينقطع أخيراً بعد فرض تساويهما في الابتداء، و لكن يمكن أن يكون المراد أبعدهما مكاناً فيتّحد في المضمون مع قوله: فمن حيث ينبعث. نعم حكي عن بعض النسخ «ينبت» مكان «ينبعث» فعندئذ يكون بمعنى المنقطع أخيراً، و لأجل عدم وضوح الدليل نرى أنّ سيّدنا الأُستاذ يحتاط في الصورة الثالثة. قال: الثالث: قيل تأخّر الانقطاع من أحد الفرجين دائماً أو غالباً مع فقد الأمارة الثانية، و فيه إشكال لا يترك الاحتياط بالتصالح مع فقد سائر الأمارات. ( «3»)

و لأجل ذلك جعل القاضي العلامة الانقطاع أوّلًا. ( «4») و حكى عن الإسكافي

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه: الباب 1، الحديث 4.

(3) تحرير الوسيلة: 2، كتاب المواريث، في ميراث الخنثى، المسألة 2.

(4) المهذّب: 2/ 171.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 376

و المرتضى عدم اعتبار الانقطاع أصلًا، و الظاهر أنّ جعل الثوران و الخروج بالدفع و القوّة أقرب من جعل الانقطاع أخيراً علامة ثالثة. نعم ورد في صحيحة محمّد بن قيس ما يدل على أنّ الانقطاع أخيراً علامة. ( «1»)

إلى هنا تبيّن حال الصور التالية:

1- ما إذا بال من

أحد الفرجين دون الآخر.

2- ما إذا بال من كليهما و لكن سبق البول من أحدهما الآخر.

3- ما إذا بال منهما معاً، و لكن كان أحدهما متأخّراً في الانقطاع.

و قد عرفت حال الأخير من صحّة الدليل بقيت هنا صورتان ندرسهما.

4- لو كان هناك تعارض في العلامات كما إذا اختصّ أحد الفرجين بالسبق و الآخر بتأخّر الانقطاع فلو قلنا بأنّ الترتيب حقيقي فيعتبر السبق حينئذ دون تأخّر الانقطاع، و أمّا إذا قلنا بأنّ الترتيب ذكري كما عليه ابن أبي عقيل و صاحب الجواهر تكون الصورة الخامسة التي تتعارض فيها العلامات من دون مرجّح.

5- إذا تساويا في السبق و التأخّر، فقد ذهب المفيد في الأعلام ( «2») و السيد المرتضى في الانتصار ( «3») و الحلّي في السرائر إلى أنّه تعد أضلاع الخنثى، فإن استوى جنباه فهو امرأة، و إن اختلفا بأن كانت تسعة في اليمين و ثمانية في اليسار، أو بغير هذه الصورة فهو ذكر. استناداً إلى رواية صحيحة رواها الصدوق بسند صحيح عن عاصم بن حميد الثقة عن محمّد بن قيس الثقة، قال:

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى الحديث 5، حيث قالت الخنثى- بعد جواب شريح انّ أمير المؤمنين يقضي على المبال-: فإنّي أبول عنهما جميعاً و يسكنان معاً.

(2) المفيد: الاعلام: 62.

(3) الانتصار: 306.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 377

إنّ شريحاً القاضي بينما هو في مجلس القضاء إذ أتته امرأة فقالت: أيّها القاضي! اقض بيني و بين خصمي، فقال لها: و من خصمك؟ قالت: أنت، قال: أفرجوا لها، فأفرجوا لها فدخلت، فقال لها: و ما ظلامتك؟ فقالت: إنّ لي ما للرجال و ما للنساء، قال شريح: فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)

يقضي على المبال، قالت: فإنّي أبول منهما جميعاً و يسكنان معاً، قال شريح: و اللّه ما سمعت بأعجب من هذا! قالت: أخبرك بما هو أعجب من هذا؟ قال: و ما هو؟ قالت: جامعني زوجي فولدت منه، و جامعت جاريتي فولدت منّي، فضرب شريح إحدى يديه على الأُخرى متعجّباً، ثمّ جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقصّ عليه قصّة المرأة فسألها عن ذلك، فقالت: هو كما ذكر.

فقال لها: من زوجك؟ قالت: فلان، فبعث إليه فدعاه فقال: أ تعرف المرأة؟ قال: نعم هي زوجتي، فسأله عمّا قالت، فقال: هو كذلك. فقال (عليه السلام) له: لأنت أجرأ من راكب الأسد حيث تقدم عليها بهذه الحال، ثمّ قال: يا قنبر أدخلها بيتاً مع امرأة تعد أضلاعها، فقال زوجها: يا أمير المؤمنين لا آمن عليها رجلًا و لا أئتمن عليها امرأة، فقال علي (عليه السلام): عليّ بدينار الخصي- و كان من صالحي أهل الكوفة و كان يثق به- فقال له: يا دينار أدخلها بيتاً و عرّها من ثيابها و مرها أن تشد مئزراً و عدّ أضلاعها، ففعل دينار ذلك فكان أضلاعها سبعة عشر: تسعة في اليمين و ثمانية في اليسار، فألبسها علي (عليه السلام) ثياب الرجال و القلنسوة و النعلين و ألقى عليه الرداء و ألحقه بالرجال، فقال زوجها: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنة عمّي و قد ولدت منّي تلحقها بالرجال؟ فقال: إنّي حكمت عليها بحكم اللّه، إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى و أضلاع الرجال تنقص و أضلاع النساء تمام». و رواه المفيد في (إرشاده) عن الحسن بن علي العبدي، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه

السلام) نحوه. ( «1»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2، من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 5.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 378

و وصفه المحقّق في الشرائع بضعف السند، و لا نجد فيه ضعفاً في السند، و إنّما الضعف فيما رواه بغير هذا السند، و هي الرواية الثالثة من الباب الثاني من أبواب ميراث الخنثى.

و الحاصل أنّ العلامة على هذا قلّة عدد الأضلاع و هي علامة الذكورة، و التساوي علامة الانوثة، و في الرواية إشكالات نذكرها:

1- ضعف السند، و قد عرفت خلافه.

2- عدم تيسّره غالباً على وجه تطمئن النفس بمعرفة ذلك خصوصاً في الجسم السمين.

يلاحظ عليه: أنّها علامة حيث أمكن اعمالها، و عدم التيسّر في السمين، لا يخرجه عن الصلاحية في النحيف.

3- إنّ أهل التشريح يدعون التساوي بين الرجل و المرأة في الأضلاع و هو في كل طرف تسعة أضلاع. ( «1»)

4- إنّ في ذيل الرواية ما يسيئ الظن به، و يورث أنّه من الاسرائيليات التي دخلت في رواياتنا، فإنّ خلقة حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، وردت في التوراة ( «2») مع أنّ ظاهر القرآن خلافه. قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالًا كَثِيراً وَ نِسٰاءً) (النساء/ 1) فإنّ مفاد قوله (وَ خَلَقَ مِنْهٰا ...) أي خلق من جنسها، بمعنى كون زوجها من نوعها بالتماثل، و إنّ هؤلاء الأفراد المتفرّقين في العالم مرجعهم جميعاً إلى فرد من متماثلين متشابهين.

______________________________

(1) لاحظ موسوعة المورد: 2/ 87.

(2) التوراة، سفر التكوين، الفصل الثاني، الاصحاح 22: ما هذا ترجمته: و اللّه صنع امرأة من العظم الذي أخذه من جنب آدم.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 379

و يظهر ذلك من قوله سبحانه: (وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا) (الروم/ 21) أي من جنسكم أزواجاً، و بذلك يعلم ضعف ما في بعض التفاسير من أنّ المراد كون هذه النفس مشتقّة منه خلقها من بعضها اغتراراً، بما ورد في التوراة أو في بعض الروايات: أنّ اللّه خلق زوجة آدم من ضلع من أضلاعه.

و مضمون الرواية يناسب الفكرة اليهودية المبنية على الحط من مكانة المرأة بأنّ ضلعاً من آدم صار نفس المرأة، و من المعلوم في مذهب اليهود الحط من كرامة المرأة حتّى أنّهم يعاملون معها في أيّام العادة معاملة الموجود القذر الذي يجب أن يعيش منفصلًا عن أعضاء العائلة.

و قد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) ما يكذب مضمون الرواية، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): من أي شي ء خلق اللّه حواء؟ فقال (عليه السلام): «أيّ شي ء يقولون هذا الخلق»؟ قلت: يقولون: إنّ اللّه خلقها من ضلع من أضلاع آدم. فقال: «كذبوا، أ كان اللّه يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه»؟ فقلت: جعلت فداك يا بن رسول اللّه من أيّ شي ء خلقها؟ فقال: «أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: إنّ اللّه تبارك و تعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه- و كلتا يديه يمين- فخلق منها آدم و فضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء». رواه الصدوق عن عمرو بن أبي المقدام. ( «1»)

انتقلت هذه الفكرة من مستسلمة اليهود، و ربّما نقلوه عن ابن عباس.

أخرج السيوطي عنه في تفسير قوله: (وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا) قال: خلق حواء من قصيراء أضلاعه، و أخرج عن مجاهد: حواء من قصيراء آدم و

هو نائم، و عن ابن عمر: خلقت حواء من خلف آدم الأيسر، و عن الضحاك: خلق حواء من آدم

______________________________

(1) البرهان: 1/ 336، و نقله عن ابن بابويه أيضاً.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 380

من ضلع الخلف و هو أسفل الأضلاع. ( «1»)

و مع هذه الإشكالات الواضحة لا يمكن الاعتماد عليه، و العجب من سيّدنا الأُستاذ- قدّس سرّه- أنّه اعتمد على هذه الأمارة فقال: الرابع عدّ الأضلاع فإن كان أضلاع جنبه الأيمن أكثر من الأيسر فهو من الرجال و يرث إرث الذكر و إن كانتا متساويتين يرث إرث الأُنثى. ( «2»)

5- إنّ تطبيق العمل على هذه الأمارة يعارض ما ورد عنهم (عليهم السلام) في هذا المورد و هو توريثه ميراث الرجل و الأُنثى:

أ- روي عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) بسند صحيح، قال: قلت له: المولود يولد، له ما للرجال و له ما للنساء؟ قال: «يورث من حيث يبول، من حيث سبق بوله فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث، فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال و ميراث النساء». ( «3»)

ب- ما رواه إسحاق بن عمّار في حديث: «الخنثى يورث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه، فإن مات و لم يبل، فنصف عقل المرأة و نصف عقل الرجل». ( «4») و العقل هو الميراث.

و العمل بهذا هو الأوفق بقاعدة العدل و الإنصاف كما هو الحال في قسمة المال المشتبه بين شخصين بالنصف ضرورة دفع حصة الأُنثى لها للقطع باستحقاقها ذلك على كلّ حال، و يبقى التفاوت بين ذلك و بين حصّتها ذكراً، لم يعلم مستحقه، فيقسم بينهما بالنصف، إذا كان معه واحد

أخذاً بالعدل و الإنصاف و دفعاً للتبعيض.

______________________________

(1) الدر المنثور: 2/ 116 في تفسير قوله سبحانه: (و خلق منها زوجها).

(2) تحرير الوسيلة: 2/ 400.

(3) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1 و 2.

(4) الوسائل: 17، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1 و 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 381

فلو ترك ذكراً و خنثى، و يكون للذكر أربعة أسهم و للخنثى ثلاثة، فالقسمة حينئذ من سبعة، و لو كان معهما أُنثى، فالتركة من تسعة، للذكر أربعة و للخنثى ثلاثة و للأُنثى سهمان و هكذا.

و بهذا يتبيّن أنّه لا تصل النوبة إلى سائر الأقوال التي ذكرها الشيخ في الخلاف، و قال:

و المعمول عليه أنّه يرجع إلى القرعة فيعمل بها.

و قال الشافعي: ننزله نحن بأسوإ حالتيه فنعطيه نصف المال لأنّه اليقين، و الباقي يكون موقوفاً حتى يتبيّن حاله. فإن بان أنّه ذكر أعطيناه ميراث الذكور، و إن بان أنّه أُنثى، فقد أخذ حقّه، و نعطي الباقي العصبة و به قال زيد بن ثابت.

و قال أبو حنيفة: نعطيه النصف يقيناً، و الباقي يدفع إلى عصبته.

و ذهب قوم من الحجازيين و قوم من البصريين إلى أنّه يدفع إليه نصف ميراث الذكر و نصف ميراث الأُنثى، فيعطى ثلاثة أرباع المال، و به قال أبو يوسف و جماعة من أهل الكوفة. ( «1»)

و أمّا إعطاء ثلاثة أرباع المال فهو مبني على كون الوارث واحداً و هو الخنثى، فلو كان ذكراً يرث جميع المال، و إن كان أُنثى يرث النصف فقط، و النصف الآخر للعصبة حسب مذهبهم. فلو كان ذكراً فله أربعة أرباع، (أي جميع المال) و لو كان أُنثى فله النصف أي ربعان، فيؤخذ من سهم

الذكر ربعان، و من سهم الأُنثى ربع واحد، فيكون ثلاثة أرباع المال.

و على كلّ تقدير فمع ورود النص، على هذا القول الأخير، لا تصل النوبة لا إلى القرعة و لا إلى ما ذكره الشافعي و لا إلى ما ذكره أبو حنيفة مع ما فيهما من الضعف الواضح.

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الفرائض، المسألة 116.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 382

و ما ذكرناه من أنّ الخنثى يرث نصف نصيب الرجال و نصف نصيب النساء إنّما هو إذا لم يكن في المقام أمارة تورِثُ الاطمئنان بأنّه من الرجال أو من النساء كإنبات اللحية في الأوّل، و رؤية الدم حسب ما ترى النساء في الثاني، فلو كانت هناك أمارة أُخرى، تقدّم على ما ذكر من تنصيف ميراثي الرجال و النساء، لأنّ هذه الأمارة ليست بأقلّ في إيراث الاطمئنان من سائر الأمارات المنصوصة، و من البعيد أن يكون في المنصوص لون التعبد.

و بذلك تقف على أنّه لو كانت هناك أمارات تميز الجنسية عن طريق إجراء تجاريب في الدم و البول و غيره عن طريق الأجهزة الصناعية الحديثة، يكون هو المتبع بشرط أن يورث الاطمئنان كما أنّ الأولى عند وجود العلائم هو التصالح فانّه أبرأ للذمة و أوفق لليقين.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 383

مسائل:

الأُولى: من كان له مخرج واحد:

لو لم يكن لشخص فرج النساء و لا فرج الرجال و كان له مخرج واحد في الدبر، منه يبول و منه يتغوّط أو ما أشبه ذلك فهنا قولان:

1- القرعة: يُكْتَب على سهم عبد اللّه، و على سهم أمة اللّه، ثمّ يقرأ المقرِع الدعاء ثمّ يطرح السهمان فعلى ما خرج يترتب عليه الأثر، و تدل عليه روايات متضافرة بين صحيح و غيره. (

«1»)

2- الرجوع إلى علامة خاصة: قال ابن الجنيد: فإن كان في الموضع ثقبة لا تشبه الفرج و لا له ذكر، نظر، فإن كان إذا بال نحى ببوله ناحية من حذاء مباله فهو ذكر، و إن لم ينح وبال على مباله فهو أُنثى ( «2») و استدل له بمرسل عبد اللّه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) ( «3»).

و لا يخفى عدم صحّة الاحتجاج بها لإرسالها أوّلًا، و عدم مقاومتها في مقابل المتضافر لو صحّت في حدّ نفسها، ثانياً، و العجب من الشيخ حيث قدم المرسل على المتضافر قائلًا بأنّه محمول على ما إذا لم يكن هناك طريق يُعلم به أنّه ذكر أو أُنثى فعندئذ يستعمل القرعة، فأمّا إذا أمكن- على ما تضمنته الرواية الأخيرة- فلا يمتنع العمل عليها. و قال: و إن كان الأخذ بالطائفة الأُولى أحوط و أولى ... ( «4»)

و نظير المرسلة ما رواه الصدوق في الخصال عن الحسن بن علي في جواب

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1- 4.

(2) المختلف: 4/ 290.

(3) الوسائل: 17، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 5.

(4) الاستبصار: 4/ 184.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 384

مسائل سأله عنها معاوية ليجيب ملك الروم، فقال الإمام السبط: فإن كان امرأة بانَ ثدياها، و إن كان رجلًا خرجت لحيته، و إلّا قيل له يبول على الحائط، فإن أصاب الحائط بوله، فهو رجل، و إن نكص كما ينكص بول البعير، فهي امرأة. ( «1»)

و بما أنّ تلك العلائم حجة فيما يُورث الاطمئنان، و ليس علامة تعبدية، فالاعتماد عليها مشكل لعدم توريثه الاطمئنان، فالأولى في هذه الموارد التصالح أو الرجوع إلى القرعة.

المسألة الثانية: من له رأسان و بدنان على حقو واحد:

من كان له رأسان و بدنان إلى معْقد الازار فهل يرث إرث الواحد، أو إرث الاثنين؟ فقد ولد في عهد الإمام من كان بهذه الخصوصية رواه الكليني عن سهل ابن زياد و أحمد بن محمّد، عن علي بن أحمد بن أشيم، عن محمّد بن القاسم الجوهري ( «2») عن حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: ولد على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) مولود له رأسان و صدران على حَقْو واحد، فسئل أمير المؤمنين (عليه السلام) يورث ميراث اثنين أو واحداً؟ فقال: «يترك حتى ينام، ثمّ يصاح به فإن انتبها جميعاً كان له ميراث واحد، و إن انتبه واحد، و بقي الآخر نائماً فإنّما يورّث ميراث اثنين»، و في نقل المفيد: «إذا نام، ثمّ نبّهُوا أحد البدنين و الرأسين، فإن انتبها جميعاً معاً في حالة واحدة فهما إنسان واحد، فإن استيقظ أحدهما و الآخر نائم، فهما اثنان، و حقّهما من الميراث حقّ اثنين». ( «3»)

______________________________

(1) الخصال: 2/ 57، باب عشرة أشياء بعضها انّه من بعض.

(2) أحمد بن أشيم و محمد بن القاسم لم يوثقا.

(3) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1 و 2: و ما نقله المفيد من استيقاظ واحد دون الآخر أقرب للاختبار من الصياح عليهما كما لا يخفى إذ في الثاني ربما يكونان اثنين و ينتبهان معاً، بخلاف ما إذا استيقظ أحدهما دون الآخر فانّهما لو كانا اثنين لما استيقظ بإيقاظ الآخر.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 385

و ربما يتصوّر عدم الابتلاء بذلك في زماننا هذا مع إنّي سمعت من الثقات أنّ مثل هذا المولود موجود في ناحية شهريار من مضافات طهران و قد

كنت فيها في صيف عام 1412 ه- و بلغني الخبر عنه!

و ربما يتصوّر من كونه مخالفاً لقوله سبحانه: (مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب/ 4) غير أنّ الآية تهدف إلى معنى آخر يُعلم من المراجعة إلى ما تقدّمها من الآيات. قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّٰهَ وَ لٰا تُطِعِ الْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً* وَ اتَّبِعْ مٰا يُوحىٰ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب/ 1- 3) فالمقصود أنّ النبيّ يجب أن يتَّبِع أحد الطريقين إمّا طريق الكافرين و المنافقين أو يتّبع ما يوحى إليه من ربّه فلا يمكن له الجمع بين الطريقين إذ لا يجتمع في قلب واحد حبُّ الكفر و الإيمان و ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه حتى يحتضن كلا الحبّين، و أين ذلك من عدم إمكان جعل قلبين صنوبريّين ليس لهما شأن سوى قبض الدم و قذفه، و من المعلوم أنّ الخطاب للنبي من باب «إيّاكِ أعني و اسمعي يا جارة» و النبي مطلقاً على الصراط المستقيم لا يميل إلى الكفّار طرفة عين بل لا تدور في خلده فكرة الميل إليهم قال سبحانه: (يس* وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (يس/ 1- 4)

إلى هنا تبيّن حكم الميراث ثمّ إنّه إذا دلّت القرائن على كونهما متعدّدين فهل يحكم عليه بالتعدّد في غير الميراث مطلقاً أو في بعض دون بعض؟ قال العلّامة في القواعد: و كذا التفصيل في الشهادة. أمّا التكليف فاثنان مطلقاً في النكاح، و إن كان أُنثى، و لا قصاص على أحدهما و إن تعمّد مطلقاً. ( «1»)

الظاهر أنّ ما جاء في كلام

الإمام ضابطة كلية لتشخيص الوحدة و التعدّد،

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 242- 243، قسم المتن.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 386

فيجري عليهما أحكامهما إلّا أن يدل دليلٌ على خلافه، أو تقتضيه روح الفقه الإسلامي، فلا شكّ أنّه تجري الضابطة في باب الشهادة فيعامل معهما معاملة الواحد أو الاثنين حسب الضابطة، كما أنّه يعامل معهما معاملة الوحدة في موضع النكاح مطلقاً، و أمّا الأحكام و التكاليف، فيعامل معهما معاملة المتعدّد مطلقاً، فيجب في الطهارة غسل الأعضاء جميعاً، و تجب الصلاة عليهما، و أمّا نقض الطهارة فيمكن الفرق بين ما يحصل بالأعالي كالنوم و مسّ الميت، و ما يحصل بالأسافل، ففي الأوّل يعامل معهما معاملة المتعدّد، فلو نام واحداً و مسّ هو بالميت ينتقض وضوؤه دون الآخر بخلاف ما يحصل بالأسافل، إلى غير ذلك من الأحكام التي يتوقف الإفتاء فيها على أعمال الذوق و اصطياد الحكم من الأشباه و النظائر.

ثمّ إنّ المحقّق طرح في المقام إرثَ الحمل، ودية الجنين، و حكم المفقود في ضمن مسائل و نحن في غنى عن هذا لما تقدّم البحث عنها في صدر الكتاب.

بقيت هنا مسألة نشير إليها:

مسألة: إذا تعارف اثنان:

إذا تعارف اثنان و مات أحدهما، يرث الباقي عن الميّت منهما، و لا يكلّفان البيّنة، و قال الشيخ: و أمّا الحميل، فهو الذي يُجلب من بلاد الكفر و يسترق فإذا تعارف منهم اثنان أو جماعة بنسب، يوجب بينهم الموارثة في شرع الإسلام فانّه يقبل قولهم في ذلك و يورثون على نسبهم و لا يطالبون بالبيّنة على ذلك على حال. ( «1»)

و ذلك مقتضى قوله (عليه السلام): «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ( «2») مضافاً

______________________________

(1) النهاية: 681.

(2) الوسائل: 16، الباب 3 من كتاب الاقرار،

الحديث 2، و مستدرك الوسائل: 16، الباب 2 من ذلك الكتاب، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 387

إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الحميل؟ فقال: «و أيّ شي ء الحميل»؟ قال: قلت: المرأة تسبى من أرضها و معها الولد الصغير فتقول: هو ابني، و الرجل يسبى فيلقي أخاه فيقول: هو أخي و ليس لهم بيّنة إلّا قولهم، قال: فقال: «ما يقول الناس فيهم عندكم»؟ قلت: لا يورّثونهم لأنّه لم يكن لهم على ولادتهم بيّنة و إنّما هي ولادة الشرك ( «1») فقال: «سبحان اللّه إذا جاءت بابنها أو بابنتها و لم تزل مقرّة به، و إذا عرف أخاه و كان ذلك في صحّة منهما و لم يزالا مقرّين بذلك ورث بعضهم من بعض». ( «2»)

و المسألة مورد اتّفاق، و لكن إقراره نافذ في حقّه لا في حقّ غيره إلّا بالتصادق، لعدم ثبوت النسب بالإقرار و أقصاه ثبوت حكمه بالنسبة إلى المقر. قال الشيخ في المبسوط: «لا يتعدّى حكم التوارث على أولاد المتصادقين و لا على غيرهما من ذوي النسب إلّا بالتصادق بينهم على ذلك». ( «3»)

لو أنكر بعد الإقرار لم يسمع منه لقاعدة «لا إنكار بعد الإقرار».

______________________________

(1) ما هو المقصود من ولادة الشرك؟

(2) الوسائل: 17، الباب 9 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1.

(3) المبسوط: 3/ 39، كتاب الاقرار، و ما جاء في المتن منقول بالمعنى.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 388

في ميراث الغرقى و المهدوم عليهم

اشارة

و لنذكر صور المسألة:

1- إذا مات اثنان و علم تقدّم موت أحدهما على الآخر.

2- إذا مات اثنان و علم كون موتهما متقارنين.

3- إذا احتمل كلّ من التقدّم و التأخّر و التقارن،

و لم يعلم واحد منها بعينه.

4- إذا علم التقدّم و التأخّر و لم يشخّص المتقدّم و المتأخّر.

هذه صور المسألة و أمّا حكمها فيقع الكلام في مقامين:

الأوّل: ما هو مقتضى القواعد الأوّلية.

الثاني: ما هو مقتضى الروايات في المقام.

المقام الأوّل: في مقتضى القاعدة الأُولى في الصور الأربعة:

إنّ مقتضى القاعدة في الصورة الأُولى أنّه يرثه المتأخّر من المتقدّم لكون المقتضي موجوداً، و المانع مفقوداً، و لا وراثة في الصورة الثانية لإحراز التقارن بمعنى إحراز عدم شرط التوارث، فإنّ شرطه حياة الوارث عند موت المورث، و المفروض

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 389

موتهما معاً.

و أمّا الصورة الثالثة فالأُصول متعارضة، أعني: أصالة عدم تقدّم هذا على ذاك، و بالعكس و أصالة عدم التقارن، فتكون النتيجة بعد الغضّ عن مثبتية الأُصول، عدم التوارث لعدم إحراز شرطه، و ليس هنا مجرى القرعة لأنّه فيما علم بوجود الوارث و المورِّث و اشتبها، و أمّا المقام فليس هناك علم بوجودهما لاحتمال التقارن.

و أمّا الصورة الرابعة أي إذا أُحرز التقدّم و التأخّر و علمنا أنّ هناك مورثاً و وارثاً و لكن لا يميّز أحدهما عن الآخر، فتوريث أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح، و توريث أحدهما لا بعينه غير معقول، لعدم مصداق لهذا العنوان المردّد في الخارج، و في عدم توريثهما و توارثهما مخالفة عملية، فالمرجع عند ذلك إمّا التصالح أو القرعة لتميّز المورث عن الوارث. هذا هو حكم القاعدة الأُولى.

المقام الثاني: في مقتضى القاعدة الثانية:

اشارة

إنّ مقتضى القاعدة الثانية هو ما تضافرت فيه الروايات من توارثهما و تختص بالصورتين الأخيرتين أو الثالثة فقط كما سيوافيك الكلام فيه و لا تشمل الأُوليين، و بذلك يقدّم على مقتضى القاعدة الأُولى فيهما و قد ذكروا شروطاً:

الشرط الأوّل: أن يكون لهما أو لواحد منهما مال:

فلو لم يكن هناك مال لأحدهم لم يكن ميراث.

يلاحظ عليه: أنّ الشرط محقّق للموضوع، و مع عدم المال لا موضوع للارث، و هذا من قبيل توضيح الواضح.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 390

الشرط الثاني: أن تكون الموارثة ثابتة من الطرفين:

فلو لم تثبت من أحدهما سقط هذا الحكم كأخوين غرقى لأحدهما ولد، فإنّ من له الولد يرث الأخ الذي ليس له ولد، و لا عكس.

و لعلّ وجه هذا الشرط أنّ الحكم على خلاف القاعدة لعدم إحراز شرط الموارثة، فيقتصر على مورد النص، و نقل عن المحقّق الطوسي في الطبقات أنّه قال: قوم بالتوريث من الطرف الممكن ( «1») و قد نقل في مفتاح الكرامة الإجماع عن الغنية على الشرط كما نقل التصريح بالحكم عن غير واحد من الكتب. ( «2»)

يلاحظ عليه: أنّه إن ثبت الإجماع فهو المتبع، و لكن أين الإجماع خصوصاً إذا كان المدّعي هو ابن زهرة، فإنّ أكثر إجماعاته الواردة في كتابه ادّعاءُ إجماع على القاعدة، و إلّا فالنصوص الواردة على قسمين: فتارة يقول: يورث بعضهم من بعض ( «3»)، و أُخرى يقول: يورث هؤلاء من هؤلاء و هؤلاء من هؤلاء. ( «4») فالتعبير الثاني راجع إلى ما يمكن الموارثة من الطرفين لأنّه فرض أنّ قوماً غرقوا جميعاً ( «5») و مثل هذا لا يخلو عن التوارث، و أمّا التعبير الأوّل فهو صادق في كلتا الصورتين، كان هناك توارث أو وراثة.

أضف إلى ذلك أنّ المقام أشبه بما إذا كان لأحدهما مال دون الآخر، فقد ورد النص أنّ المال ينتقل إلى من ليس له مال، و سيوافيك حديث عبد الرحمن بن الحجاج ( «6») في ذلك المجال.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 362- 363.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 362- 363.

(3) الوسائل: 17

الباب 1، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2 و 5.

(4) المصدر نفسه: الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 2.

(5) المصدر نفسه: الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 2.

(6) المصدر نفسه: الباب 2 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 391

و ما ربّما يقال من أنّ وراثة الميّت عن الميّت على خلاف الأصل لعدم إحراز شرط الوراثة و هو حياة الأخ الذي له ولد عند موت من ليس له ولد، فيقتصر على القدر المتيقّن و هو ما إذا كان هناك توارث، مدفوع بأنّ دفع المال كلّه على الوارث الحيّ إذا كان من الطبقة الثانية أو الثالثة أيضاً على خلاف الأصل لأنّ توريث البعيد مشروط بعدم وجود وارث قريب حيّ عند موت المورث، و هو بعد غير محرز.

و على ذلك فإذا كان أحد الغريقين كافراً و الآخر مسلماً فعلى المختار يرث المسلم، و على قول أهل السنّة لا يتوارثان.

الشرط الثالث: أن يكون الموت لسبب كالغرق و الهدم:

اشارة

أشار بقوله: «لسبب» إلى استناد الموت إلى عامل خارجي فخرج الموت على حتف الأنف، كما أشار بقوله: «كالغرق و الهدم» إلى انحصار السبب الخارجي بهما، فخرج ما إذا كان السبب القتل و الحرق و السقوط من شاهق، و الموت بالصواريخ و القنابل أو لسبب الحوادث الجوية و اصطدام السيارات و تهاويها في الوديان.

و بما أنّ الحكم في الغرق و الهدم مسلّم نبحث في غيرهما في مقامين:

الف- إذا كان الموت مستنداً إلى عامل طبيعي:

إذا كان الموت مستنداً إلى سبب خارجي كالموت حتف الأنف، فذهب عدّة إلى عدم الجريان.

1- قال المفيد: و إذا مات جماعة يتوارثان لغير غرق و لا هدم في وقت واحد لم يورث بعضهم عن بعض .... ( «1»)

2- قال المحقّق بعدم جريان الحكم فيه حيث قال: و كذا أي لا وراثة لو

______________________________

(1) المقنعة: 699.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 392

كان الموت لا عن سبب.

3- قال العلّامة في القواعد: فلو ماتوا لا عن سبب كحتف أنفهما سقط هذا الحكم، و مع هذا فقد استظهر العاملي في مفتاح الكرامة عن بعض الكتب القولَ بجريان الحكم، فسواء أصحّ الحكم أم لا، لا وجه للجمود على المثال الوارد في النصوص، و ما استدلّ له غير صالح للإفتاء نظير:

روى جعفر بن محمّد القمي عن ابن القدّاح عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «ماتت أُمّ كلثوم بنت علي (عليه السلام) و ابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيّهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر و صلّى عليهما جميعاً». ( «1»)

إنّ السند قابل للاحتجاج دون المتن و ذلك أنّ جعفر بن محمّد القمي الذي يروي عن ابن القداح و إن لم يوثق صريحاً و لكن ابن

الوليد لم يستثنه من رواة كتاب نوادر الحكمة فهو دليل وثاقته عنده، و أمّا عبد اللّه بن ميمون القدّاح فهو ثقة جليل، و أمّا الدلالة فهي قاصرة لأنّها ناظرة إلى الصورة الرابعة، أعني: ما علم التقدّم و التأخّر و لم يعرف المتقدّم و المتأخر و هو خارج عن موضوع البحث، فإنّ البحث فيما إذا كان التقدّم و التأخّر و التقارن محتملًا ففيه التوارث، و أمّا إذا علم التقدّم و التأخّر فسيوافيك الكلام فيه.

و أمّا التركيز على الغرق و الهدم و عدم ذكر الموت على حتف الأنف في الروايات فلأجل شيوع الأوّل و ندرة الثاني، إذ قلّما يتفق أن يموت متوارثان في ساعة واحدة على حتف الأنف و بما أنّ الغرق و الهدم، يعدّان من أسباب الموت، فالعرف يساعد على إلغاء الخصوصية و الاكتفاء بمجرّد موت المتوارثين من دون علم بالتقدّم و التأخّر و التقارن أو مع العلم بالتقدّم و لم يعرف المتقدّم بناء على

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب الغرقى، الحديث 1، و لاحظ: المغني لابن قدامة: 6/ 354.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 393

عمومية روايات الباب لكلتا الصورتين.

إلى هنا تمّ الكلام في المقام الأوّل و إليك البحث في المقام الثاني.

ب- الموت لسبب خارجي غير الغرق و الهدم:

إذا ماتا بعامل خارجي غير الغرق و الهدم، فقد قال العاملي: وجدت الأصحاب- رضي اللّه تعالى عنهم- على ثلاث فرق: بعض على إلحاق القتلى و الحرقى و نحوهم من ذي السبب بالغرقى و المهدوم عليهم، و بعضهم على العدم، و بعضهم على التوقّف، أمّا الملْحِقون فالمفيد في المقنعة، و أبو الصلاح في الكافي و ابن حمزة في الوسيلة، و المحقّق الطوسي في الطبقات، و أبو علي و القاضي و ابن

سعيد على ما نقل عن هؤلاء الثلاثة- إلى أن قال:- و أمّا المقتصرون فجماهير المتأخّرين، و بعض القدماء و أمّا المتوقّفون فهم المحقّق في كتابيه، و أبو العباس في المهذّب، و العلّامة في التبصرة، و الفاضل عميد الدين في كنز الفرائد و صاحب التنقيح. ( «1»)

يلاحظ على قول المقتصرين و المتوقّفين: بأنّ الاقتصار أو التوقّف لو كان لأجل كون الحكم على خلاف القاعدة لعدم إحراز حياة واحد منهما في زمان موت الآخر، فالإشكال أيضاً وارد في توريث الأحياء إذا كان من الطبقة الثانية أو الثالثة بالنسبة إلى المتوارثين المقتولين بالحرق و غيره إذا كانوا من طبقة أولى، فإنّ شرط وراثة الطبقة المتأخّرة هو العلم بعدم حياة وارث أقرب عند موت المورث، و هو بعد غير محرز، و إلغاء الخصوصية في هذه الأُمور أمر هيّن، و كم رأينا من المشايخ إلغاء الخصوصية في نظائر المقام، و إلّا فلو جمدنا على النصوص يجب الاقتصار على سقوط السقف فقط، لا سقوط الجدار و غيره.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة: 8/ 260.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 394

على أنّا نرى أنّ بعض الرواة أدرك بفطرته السليمة أنّه ليس للهدم موضوعية فعطف الغرق عليه من جانب نفسه كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدرى أيّهم مات قبل؟ فقال: «يورث بعضهم من بعض». قلت: فإنّ أبا حنيفة أدخل فيها شيئاً؟ قال: «و ما أدخل؟» قلت: لو أنّ رجلين أخوين أحدهما مولاي و الآخر مولى لرجل، لأحدهما مائة ألف درهم، و الآخر ليس له شي ء ركبا في السفينة فغرقا فلم يدر أيّهما مات أوّلًا، كان المال، لورثة

الذي ليس له شي ء، و لم يكن لورثة الذي له المال شي ء، قال: فقال أبو عبد اللّه: «لقد سمعها و هو هكذا». ( «1»)

ترى أنّ الراوي انتقل من الهدم إلى الغرق و تلقّى الأوّل مثالًا، اللّهمّ إلّا أن يقال: كان الهدم و الغرق معروفين في جريان هذا الحكم عليهما لا أنّ الراوي انتقل إلى الغرق عن الهدم.

و على كلّ تقدير فالأحوط هو التصالح و إلّا فالأقوى هو التوارث.

نعم ذكر ابن قدامة عن يحيى بن سعيد أنّ قتلى اليمامة و قتلى صفّين، و الحرة لم يُورِّثوا بعضهم من بعض و ورثوا عصبتهم. ( «2»)

و لكن انّ حوادث اليمامة و الحرّة حدثت في عصر كان زمام الحكم بيد غير الإمام و لم يرجعوا إليه في الوقوف على الحكم حتى يتبيّن الحكم أو يمضى عملهم، و أمّا قتلى صفّين، فلم يعلم أنّه قتل من أصحاب علي (عليه السلام) متوارثين اشتبه التقدّم و التأخر و التقارن فيهما، و أمّا ليلة الهرير فأكثر القتلى كانوا من عسكر معاوية. إلى هنا تمّ بيان حكم الشرط الثالث و إليك الشرط الرابع:

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 2، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1.

(2) المغني: 6/ 354.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 395

الشرط الرابع: أن يشتبه تقدّم موت أحدهما:

اشارة

ما ذا يهدف هذا الشرط، فهل يهدف إلى إدخال كلتا الصورتين: الجهل بالسبق و قرينية، أو العلم بالسبق و الجهل بالسابق أو إلى إدخال الأُولى و إخراج الثانية؟ و لا يعرف المقصود إلّا بنقل نصوصهم:

1- قال المفيد: و إذا غرق جماعة يتوارثون، أو انهدم عليهم جدار، أو وقع عليهم سقف فماتوا (أو قتلوا في المعركة و نحو هذا، و لم يعرف حالهم في خروج أنفسهم و هل كان ذلك في

حالة واحدة أو أحوال) و لم يعلم أيّهم مات قبل صاحبه، ورِّث بعضهم من بعض فيقدّم أضعفهم سهماً في التوريث و يؤخّر أوفرهم سهماً. ( «1»)

2- و قال الشيخ: إذا غرق جماعة يتوارثون في وقت واحد، أو انهدم عليهم حائط، و ما أشبه ذلك، و لم يعلم أيّهم مات قبل صاحبه، وُرِّث بعضهم من بعض من نفس تركته لا ممّا يرثه من الآخر، و يُقدم الأضعف في استحقاق الميراث و يؤخّر الأقوى ذلك. ( «2»)

3- و قال القاضي: إذا غرق جماعة من الناس في وقت واحد أو انهدم عليهم موضع فمات جميعهم و يكونون يتوارثون، و لا يعلم من الذي مات منهم قبل الآخر، فالحكم في توريثهم أن يورَّث بعضهم من بعض من نفس تركته، لا ممّا يرثه من الآخر. ( «3»)

4- و قال ابن إدريس: و المهدوم عليهم و الغرقى إذا لم يعرف تقدّم موت

______________________________

(1) المقنعة: 699.

(2) النهاية: 674.

(3) المهذب: 2/ 168.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 396

بعضهم على بعض، و كان يرث بعضهم بعضاً، ورث بعضهم من بعض من نفس التركة لا ممّا يرثه من الآخر لأنّا إن ورثناه ممّا يرثه، لما انفصلت القسمة أبداً. ( «1»)

ترى نظير هذه الكلمات في كلام المتقدّمين. و إليك نزراً مما يقوله المتأخرون.

5- قال العاملي بعد نقل هذا الشرط: بقي هنا مسألتان:

الأُولى: إذا غرق اثنان متوارثان و علم سبق موت أحدهما ثمّ نسي أيّهما هو؟

الثانية: أن يعلم أنّ أحدهما أسبق و لم يعرف بعينه. قال: و الظاهر أنّه يتعيّن في هذين القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشتبه. ( «2»)

ترى أنّه أخرج الصورة الثانية و خصّ الكلام بما إذا جهل أصل السبق و اللحوق.

6- قال صاحب

الجواهر: هذا كلّه مع جهل تاريخ موت أحدهما، أمّا مع علمه، فالظاهر خروجه عن مورد النصوص المزبورة، بل يحكم بكون الإرث لمجهولهما بناءً على الحكم بتأخّره، أو سقوط التوارث في غير الغرقى و المهدوم عليهم و التوارث فيهما بناءً على عدمه، بل يدعى اندراجه في الأدلّة و لعلّه الأقوى. ( «3»)

7- و قال سيدنا الأُستاذ: لو ماتا و علم تقدّم أحدهما على الآخر و شكّ في المتقدّم و جهل تاريخهما، فالأقوى الرجوع إلى القرعة. ( «4»)

و ما ذكره صاحب الجواهر في ذيل كلامه هو الأقوى لا ما استظهره أوّلًا، و تبعه السيد الأُستاذ- قدّس سرّه-. و يدل على ذلك أمران:

______________________________

(1) السرائر: 3/ 300.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 262.

(3) الجواهر: 39/ 313.

(4) تحرير الوسيلة: 2/ 401.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 397

الأوّل: عموم كلمات المتقدّمين ممّن نقلنا نصوصهم، فانّه لو لم يكن ظاهراً فيما إذا علم السبق و جهل السابق ليس ظاهراً فيما جهل أصل السبق و التأخّر و التقارن. بل الظاهر من كلمات أهل السنّة أنّ محلّ النزاع ما إذا علم السبق و جهل السابق لا ما جهلت الكيفية من رأس.

قال الشيخ في الخلاف: المهدوم عليهم و الغرقى إذا لم يعرف تقدّم موت بعضهم على بعض فإنّه يورث بعضهم من بعض، من نفس ما ترك، دون ما يرثه من صاحبه، و به قال علي (عليه السلام) و هو إحدى الروايتين عن عمر، و به قال شريح، و إياس بن عبد اللّه ( «1») و الحسن البصري، و الشعبي و سفيان الثوري، و ابن أبي ليلى كلّهم ذهبوا إلى أنّ الميت يرث من الميت.

و قال الشافعي: من غرق أو انهدم عليه أو قتل في الحرب،

و لم يعرف موت أحدهم إذا كانوا جماعة فانّه إن كان يعرف أنّ أحدهم سبق موته، فإنّ الميراث يكون للباقي، و إن عرف السابق لكن نسي أيّهم كان، فإنّ الميراث يكون موقوفاً رجاء أن يُذْكر ذكراً ناقصاً أو تامّاً، و إن كان أحدهما أسبق و لم يعرف عينه ( «2»)، فإنّ ميراثه يكون لورثته الأحياء و لا يرث الموتى عنه، و به قال أبو بكر و عبد اللّه بن مسعود، و عبد اللّه بن عباس، و زيد بن ثابت و ابن عمر و هو إحدى الروايتين عن عمر و معاذ بن جبل: لا يورّث الموتى من الموتى، و به قال أبو حنيفة.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و روى إياس بن عبد اللّه أنّ النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم نهى عن بيع الماء، و سئل عن قوم انهدم عليهم بيت؟ فقال: «يرث الموتى من الموتى». ( «3»)

______________________________

(1) ذكره ابن حبان في ثقات التابعين و ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب أنّ له صحبة، لاحظ ج 1، ص 389.

(2) هذا داخل في محط البحث عند الشافعي، و على ما ذكره العاملي، خارج عن محل البحث عندنا.

(3) كتاب الخلاف: 2، المسألة 23، كتاب الميراث.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 398

و لا يخفى أنّ ما نقله الشيخ عن الشافعي لا يستوعب جميع الأقسام. فإنّ الأقسام المذكورة في كلامه عبارة عن الأقسام التالية:

1- عُرِف سبق موته.

2- عرف السابق و لكن نسي.

3- علم السبق و لم يعرف السابق.

ترى أنّه لم يخص ما إذا جهلت الكيفية من أصل بالبحث و إنّما خصّ به ما إذا علم السبق و جهل السابق، و مع ذلك فكيف يمكن أن يقال:

إنّ مصب الروايات هو الأُولى دون الثانية، أو إنّ كلمات الأقدمين ناظرة إليها دون الثانية، و لم تكن المسألة مختصة بالشيعة بل كانت إسلاميّة اشتركت الطائفتان بالبحث فيها، و من البعيد أن يتفاوت موضوع عندهم، غاية ما يمكن أن يقول: انّ موضوع البحث عندنا أعمّ ممّا عندهم.

و قال الخرقي: و إذا غرق المتوارثان أو ماتا تحت هدم و جهل أوّلهما موتاً، ورث بعضهم من بعض. ( «1»)

و العبارة تشمل صورة واحدة و هي: ما إذا علم السبق و جهل السابق، و ما إذا جهل الحال من حيث التقدّم و التأخّر و التقارن فلا تدل عليه.

و قال ابن قدامة في شرح تلك العبارة: إنّ المتوارثين إذا ماتا فجهل أوّلهما موتاً، فإنّ أحمد قال: اذهب إلى قول عمر و عليّ، و شريح، و إبراهيم، و الشعبي: يرث بعضهم من بعض، يعني من تلاد ماله دون طارفه، و هو ما ورثه من ميت معه، و هذا قول من ذكره الإمام أحمد و هو قول إياس بن عبد اللّه المزني و عطاء و الحسن و حميد الأعرج، و عبد اللّه بن عتبة و ابن أبي ليلى، و الحسن بن صالح

______________________________

(1) المغني: 6/ 353، قسم المتن.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 399

و شريك، و يحيى بن آدم، و إسحاق، و حكى ذلك عن ابن مسعود، قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام عمواس، فجعل أهل البيت يموتون من آخرهم فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: أن ورِّثوا بعضهم من بعض.

و روى عن أبي بكر الصديق، و زيد، و ابن عباس، و معاذ، و الحسن بن علي أنّهم لم يورثوا بعضهم من بعض، و جعلوا ما لكلّ واحد

للأحياء من ورثته، و به قال عمر بن عبد العزيز و أبو الزناد، و الزهري و الأوزاعي، و مالك و الشافعي و أبو حنيفة و أصحابه، و يروى ذلك عن عمر و الحسن البصري و راشد بن سعد و حكيم ابن عمير و عبد الرحمن بن عوف. ( «1»)

هذا كلّه حول الدليل الأوّل و هو عمومية الكلمات للصورتين أو ظهورها في ما إذا علم السبق و جهل السابق، و إليك الدليل الثاني:

الثاني: شمول لسان الروايات لكلا القسمين، و إليك ما جاء في النصوص:

1- فيموتون، فلا يعلم أيّهم مات قبل صاحبه. ( «2»)

2- فماتا، فلا يدرى أيّهم مات قبل. ( «3»)

سألته عن بيت وقع على قوم مجتمعين، فلا يدرى أيّهم مات قبل؟ ( «4»)

إنّ هذا النوع من التعبير غير خاص بإحدى الصورتين، و لو لم يكن ظاهراً فيما علم السبق ليس ظاهراً فيما جهل السبق.

و هناك نوع من التعبير يحكي عن الواقعة من دون أن يستفصل الإمام إذ يذكره الراوي و يقول:

______________________________

(1) المغني: 6/ 353.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.

(3) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.

(4) المصدر نفسه: الباب 2 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 400

1- عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت. ( «1»)

2- في امرأة و زوجها سقط عليهما بيت. ( «2»)

3- عن رجل و امرأة سقط عليهما سقف كيف مواريثهم؟ ( «3»)

4- في رجل سقط عليه و على امرأته بيت. ( «4»)

5- في قوم غرقوا جميعاً أهل البيت. ( «5»)

6- في امرأة و زوجها سقط عليهما بيت. ( «6»)

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام

الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، در يك جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1415 ه ق نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ص: 400

7- عن رجل سقط عليه و على امرأة بيت. ( «7»)

على ذلك، فالأقوى التوارث في كلتا الصورتين، و توهّم أنّ التوارث على خلاف القاعدة مدفوع بأنّ دفع المال إلى الأحياء إذا كانت من الطبقة الثانية على خلافها أيضاً، و الرجوع إلى القرعة إنّما هو فيما إذا لم يكن دليل شامل للمورد.

***

يرث الثاني من الأوّل من تلاد ماله لا طارفه:

ثمّ إنّ المشهور من الفقهاء- إلّا المفيد في المقنعة و سلّار في مراسمه- ذهبوا إلى أنّ الثاني يرث من صلب مال الأوّل و تالده، دون طارفه، و إليك بعض كلمات القوم:

قال الشيخ: ورث بعضهم من بعض من نفس تركته لا ممّا يرثه من الآخر. ( «8»)

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 3- 4- 5.

(2) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 3- 4- 5.

(3) الوسائل: 17، الباب 1، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 3- 4- 5.

(4) المصدر نفسه: الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.

(5) المصدر نفسه: الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.

(6) المصدر نفسه: الباب 6 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.

(7) المصدر نفسه: الباب 6 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.

(8) النهاية: 674.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 401

و قال القاضي: فالحكم في توريثهم أن يورث بعضهم من بعض من نفس تركته لا ممّا يرثه من الآخر. ( «1»)

و قال ابن إدريس: ورث بعضهم من بعض من نفس التركة لا ممّا يرثه من الآخر. (

«2»)

و قال ابن قدامة: إنّ المتوارثين إذا ماتا ... يرث بعضهم من بعض يعني من تلاد ماله دون طارفه و هو ما ورثه من ميت معه. ( «3»)

إلى غير ذلك من الكلمات من الفريقين، لكن صريح المفيد في المقنعة خلاف ذلك، قال: و كذلك لو غرق رجل و امرأته أو انهدم عليهما جدار، يفرض الزوج الميّت أنّه مات أوّلًا فترث منه المرأة، و جعلت المرأة الميّتة بعد ذلك، و الزوج هو الحي، و ورث منها ما ورثته منه، و ما كان ملك لها سواه. ( «4»)

و قال سلّار بعد ذكر عنوان المسألة: فيرث كلّ ماله و ما ورثه منه. ( «5»)

و الحقّ ما عليه المشهور، ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل سقط عليه و على امرأته بيت؟ قال: «تورث المرأة من الرجل، و يورث الرجل من المرأة، و معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم، لا يورثون ممّا يورث بعضهم بعضاً شيئاً». ( «6»)

و في مرسل حمران بن أعين عمّن ذكره عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوم غرقوا جميعاً أهل البيت؟ قال: «يورث هؤلاء من هؤلاء و هؤلاء من هؤلاء، و لا يرث هؤلاء، ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً، و لا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً». ( «7»)

______________________________

(1) القاضي: المهذب: 2/ 168.

(2) السرائر: 3/ 300.

(3) المغني: 7/ 186.

(4) المقنعة: 699.

(5) المراسم: 225.

(6) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم، الحديث 1 و 2.

(7) الوسائل: 17، الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم، الحديث 1 و 2.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 402

تبيين الحكم في ضمن أمثلة:

إنّ تبيين الحكم رهين أمثلة

وردت في كلمات القوم، و قد أطنب في بيان الأمثلة العلّامة في القواعد و نحن نكتفي بالقليل من الكثير.

قال الشيخ الطوسي: مثال ذلك:

1- زوج و زوجة غرقا، فإنّه تفرض المسألة كأنّ الزوج مات أوّلًا، و تورث منه الزوجة، لأنّ سهمها في الاستحقاق أقلّ من سهم الزوج أ لا ترى أنّ أكثر ما تستحقه المرأة الربع، و الرجل أكثر ما يستحقه النصف، فهو أقوى حظاً منها فتعطى المرأة حقّها منه، و الباقي لورثته، ثمّ تفرض المسألة، بأنّها ماتت أوّلًا، و يُورّث الزوج منها حقّه من نفس تركتها لا ممّا ورثته، و تعطى ورثتها بقية المال. ( «1»)

فإذا كان للزوج ألف دينار، و للمرأة مثلها، و كانا عقيمين و انحصر وارث كلّ واحد منهما في الأبوين، فعلى ذلك ترث الزوجة من زوجها ربع ما ترك و هو 250 دينار، و يرث الزوج من زوجته نصف ما تركت و هو 500 دينار، و ما بقي في كلا الطرفين لوالديهما، فيرث أبواها 750 دينار، كما يرث أبواه 1250 دينار.

قال الشيخ:

2- و مثل أب و ابن فانّه يفرض: كأنّ الابن مات أوّلًا فيورَّث الأب منه فانّ سهمه السدس مع الولد و الباقي للابن، فهو أضعف منه و تعطى ورثته ما يبقى من المال، تفرض المسألة أنّ الأب مات فيعطى الابن حقّه منه و الباقي لورثته.

توضيحه: أنّه إذا كان للابن وارث أقرب غير الأب، و للأب وارث آخر غير الابن المتوفى كما إذا كان لكلّ ولد، فعند ذلك يورث الأضعف سهماً أوّلًا ثمّ يورث

______________________________

(1) النهاية: 674.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 403

الآخر فيفرض موت الابن أوّلًا فيورّث الأب منه بالسدس، لكون المفروض أنّ الابن ذو ولد، فيرث الولد

الباقي، و هو خمسة أسداس، ثمّ يفرض أنّ الأب مات أوّلًا، و يفرض أنّ له وارثاً آخر كابن، فيعطى الابن المفترض حيّاً نصف المال و للابن الحيّ حقيقة النصف الآخر، فيكون مجموع ما ورثه ابن الابن المفروض موته، خمسة أسداس من أبيه و ثلاثة أسداس من جانب جدّه عن طريق أبيه، و أمّا الابن الحيّ فهو يرث سدساً عن أخيه بواسطة أبيه و ثلاثة أسداس عن تركة أبيه.

قال الشيخ:

3- إذا فرضنا في هذه المسألة أنّ للأب وارثاً غير أنّ هذا الولد أولى منه، و فرضنا أنّ للولد وارثاً غير أنّ أباه أولى منه، فانّه يصير ميراث الابن لورثة الأب، و ميراث الأب لورثة الابن، لأنّا إذا فرضنا موت الابن أوّلًا صارت تركته للأب (لأنّه أقرب عن أخيه للأُمّ الحيّ فإنّه أبعد)، و إذا فرضنا موت الأب بعد ذلك صارت تركته خاصة للولد، و صار ما كان ورثه من ابنه، لورثته الأُخر، و كذلك إذا فرضنا موت الأب تصير تركته خاصة لورثة الابن و على هذا يجري أصل هذا الباب. ( «1»)

توضيحه: أنّا لو فرضنا أنّ للأب وارثاً من الطبقة الثانية كالأخ غير أنّ الولد الذي توفي معه أولى منه، و فرضنا أنّ للولد وارثاً آخر من الطبقة الثانية كالأخ للأُمّ غير أنّ أباه أولى منه، فعندئذ يصير:

1- ميراث الابن لورثة الأب.

2- و ميراث الأب لورثة الابن.

و ذلك إذا فرضنا موت الابن أوّلًا، فبما أنّ الوارث الآخر (أخاه للأُمّ) من

______________________________

(1) النهاية: 675.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 404

الطبقة الثانية المتأخّرة عن الأب يكون جميع ماله للأب، و منه ينتقل إلى ورثة الأب أي الأخ، أعني: عمّ الولد، و إذا فرضنا موت الأب بعد

ذلك، فبما أنّ الوارث الحيّ، أعني: أخ، الأب من الطبقة الثانية صارت تركته جميعاً للولد، و منه ينتقل إلى ورثة الولد، أعني: الأخ للأُمّ.

قال الشيخ:

4- و إن مات نفسان أحدهما لم يُخلِف شيئاً، و الآخر خلف، فالذي خلف يرثه الآخر، و ينتقل منه إلى ورثته دون ورثة الذي خلف، مثال ذلك الأب و الابن، فانّه إن فرضنا أنّ الابن لم يُخلف شيئاً فالأب ليس له منه حظ، فإذا قدّرنا بعد ذلك موت الأب ورثه الابن، فصارت تركة الأب لورثة الابن، و قد وردت روايتان بهذا المضمون ( «1») قابلتان للاحتجاج.

في تقديم الأضعف في التوريث:

اختلفت كلمتهم في تقديم الأضعف في التوريث، و المراد من الأضعف هو الأقلّ سهماً من الوارثين، فسهم الزوجة مثلًا هو الثمن أو الربع، و سهم الزوج هو الربع و النصف فتقدّم الزوجة في التوريث و يفترض تقدّم موت الأقوى، و إليك من ذهب إلى التقديم:

1- قال المفيد: و كذلك لو غرق رجل و امرأة أو انهدم عليهما جدار جعل الزوج، الميت أوّلًا، و ورثت منه المرأة ثمّ جعلت المرأة، الميّتة بعد ذلك و الزوج هو الحيّ، و ورث منها ما ورثته و ما كان ملكاً لها سواه. ( «2»)

و قال ابن حمزة: و يقدّم الأضعف في الميراث على الأقوى. ( «3»)

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 2 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.

(2) المقنعة: 699.

(3) الوسيلة: 490.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 405

و قال ابن إدريس: إنّه يقدّم أضعفهم نصيباً في الاستحقاق و يؤخّر الأقوى و مثال ذلك زوج و زوجة- إلى أن قال:- قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: و هذا ما لا يتغير به حكم، سواء قدّمنا موت الزوج أو الزوجة

إذا ورثنا أحدهما من صاحبه غير أنّا نتبع الأثر في ذلك، و نعم ما قال. ( «1»)

و هناك من يقول بعدم الوجوب نشير إلى بعضهم:

قال أبو الصلاح: و الأولى تقديم الأضعف في التوريث، مثال ذلك أب و ابن غرقا جميعاً و لكلّ منهما وارث غير صاحبه، و تركة. ( «2»)

و قال المحقّق في الشرائع: و في وجوب تقديم الأضعف في التوريث تردّد، ثمّ نقل عن المبسوط أنّه لا يتغير به حكم غير أنّا نتّبع الأثر. ( «3»)

و هناك ملاحظتان:
الأُولى: أنّه لم يرد في لسان الأدلّة تقديم الأضعف على الأقوى

و إنّما ورد تقديم المرأة على الرجل و لم يعلم أنّ الملاك كون المرأة أضعف سهماً، و لعلّ هناك ملاكاً آخر. روى الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في امرأة و زوجها سقط عليهما بيت، فقال: «تورث المرأة من الرجل، ثمّ يورث الرجل من المرأة»، و بهذا المضمون رواية عبيد بن زرارة و صحيحة محمّد بن مسلم. ( «4»)

أضف إلى ذلك أنّ من المحتمل أن يكون العاطف لبيان الترتيب الذكري لا الحقيقي فالإمام يريد أن يجسِّد ترتيب التوارث للسامع، فلم يكن له بدّ إلّا أن

______________________________

(1) السرائر: 3/ 300.

(2) الكافي: 376.

(3) الجواهر: 39/ 315.

(4) الوسائل: 17، الباب 6، من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1- 2 و لم يأت بحديث محمد بن مسلم و إنّما أشار إليه.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 406

يستعمل كلمة ثمّ من دون أن يكون له عناية لتقديم المرأة على الرجل.

الثانية: أنّه لا ثمرة لهذا التقديم و التأخير

، لأنّ المفروض أنّ كلّ واحد يرث من تالد ماله لا من طارفه. فسواء فرض موت الزوج أوّلًا أو ثانياً فكل واحد يرث من التالد لا من الطارف.

نعم على ما ذهب إليه المفيد من عموم إرث الثاني من الأوّل للتالد و الطارف يكون للتقديم و التأخير ثمرة، فيكون سهم المتقدّم في التوريث مع كونه أقلّ في نفسه، أقلّ مقداراً أيضاً، كما يكون سهم الثاني مع كونه أكثر في نفسه، أكثر مقداراً، لأنّ الأوّل يرث من تالد الثاني، و لا طارف له، و الثاني يرث من تالد الأوّل و طارفه حيث إنّه ورث من الثاني شيئاً طارفاً.

و عند ذلك تظهر هنا مشكلة أُخرى: ما هو سرّ تقديم الأضعف مع أنّه ينتهي إلى قلّة ميراثه و تأخير

الأقوى و هو ينتهي إلى كثرة ميراثه و هو خلاف ما يتبادر من تقديم الأضعف من الحكمة. فإنكار أصل التقديم و التأخير أوّلًا هو الأقوى، و لو أبيت إلّا و انّ النص دالّ عليه فيحمل على الأولوية من دون أن نقف على نكتته.

***

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 407

في ميراث المجوس

اشارة

إنّما يصحّ البحث عن ميراثهم إذا ترافعوا إلينا و كانوا على المجوسية، أو أسلموا و مست الحاجة لتوريثهم، و على ذلك فهل يرثون:

بالأنساب و الأسباب الصحيحة و الفاسدة، أو يرثون بالصحيح منها كالمسلمين، أو يرثون بالأنساب الصحيحة و الفاسدة و الأسباب الصحيحة فقط؟

و إليك دراسة

الأقوال:

القول الأوّل: يرثون بالأنساب و الأسباب الصحيحة و الفاسدة:

ذهب إليه لفيف من الأعاظم منهم:

1- المفيد في مقنعته قال: إذا ترك المجوسي أُمّه و هي زوجته ورثت عندنا من الوجهين جميعاً، فكان لها الثمن مع الولد من جهة الزوجية، و السدس من جهة الأُمومة.

و إذا اجتمع للوارث سببان يحجب واحد منهما عن ميراث تركة الآخر، ورث من جهة واحدة، مثال ذلك أن يترك ابنته و هي أُخته ( «1») فتورث من جهة البنوة دون الإخوة إذ لا ميراث للأُخت مع البنت، و على هذا يجري مواريثهم في جميع الوجوه. ( «2»)

______________________________

(1) كما إذا تزوّج بأُمّه فولدت أُنثى و هي بنته و في الوقت نفسه أُخته.

(2) المقنعة: 699- على ما في النسخة المطبوعة.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 408

2- الشيخ الطوسي في مبسوطه قال: لأصحابنا في ميراث المجوس ثلاثة مذاهب: فيهم من قال: لا يورثون إلّا بالأنساب و الأسباب الصحيحة التي تجوز في شريعة الإسلام، و فيهم من قال: يورثون بالأنساب على كلّ حال و لا يورثون بسبب لا يجوز في شرع الإسلام، و قال آخرون: يورثون بكلا الأمرين: الأنساب و الأسباب سواء كانا جائزين في الشرع أو لم يكونا جائزين و هو الذي اخترته في سائر كتبي: في النهاية و الخلاف و الإيجاز و تهذيب الأحكام و غير ذلك، لأنّه الأظهر في الروايات. ( «1»)

ثمّ ذكر الشيخ بعض صور الحجب، و قال: فعلى هذا إذا خلّف

مجوسي أُمّه هي أُخته ( «2») فإنّها ترث بالأُمومة دون الاخوة، لأنّ الأُخت لا ترث مع الأُمّ عندنا، فإن كانت زوجة ورثت بالأُمومة و الزوجية. ( «3»)

3- سلّار قال: أيّ مجوسي ترك أُمّه و هي زوجته أو واحدة من قراباته فإنّها ترث من وجهين: لحق الزوجة، الثمن مع الولد، و الربع مع عدم الولد، و السدس مع الولد، و الثلث مع عدمه ثمّ ذكر مسألة الحجب و قال: فإن اتفق للوارث سببان، يحجب واحد منهما عن ميراث تركة الآخر، يرث من جهة واحدة و هو أن تكون ابنته و أُخته ( «4») فيرث من جهة البنوة دون الإخوة لأنّه لا ميراث دون الإخوة، لأنّه لا ميراث للأُخت مع البنت. ( «5»)

4- القاضي قال: المجوس يرثون بالأنساب و الأسباب صحيحة كانت في

______________________________

(1) و بذلك استغنينا عن نقل نصوص الكتب التي أشار إليها الشيخ، لأنّه شهد على وحدة النظر في الجميع، غير أنّا نذكر ما ورد في الخلاف للإشارة إلى آراء الفرق الإسلامية.

(2) كما إذا تزوّج أبوه ببنته فهي من جهة أُمّه لأنّها ولدته، و أُخته لأنّ أباهما واحد.

(3) المبسوط: 4/ 120.

(4) كما إذا تزوّج بأُمّه فولدت أُنثى، فهي من جهة ابنته و من جهة أُخته.

(5) المراسم: 224.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 409

شرع الإسلام أو غير صحيحة، مثال ذلك: مجوسي مات و خلّف زوجته و هي أُخته فإنّها تورث منه بالإخوة و الزوجية- كما أنّه قال:- و قال قوم من أصحابنا بأنّ المجوس يورثون بالأنساب و لا يورثون بالأسباب إلّا بما هو جائز في شرع الإسلام. ( «1»)

و لم يشير إلّا إلى القولين دون القول الثالث الذي حكاه الشيخ في المبسوط من اشتراط

الصحّة في الأنساب و الأسباب مطلقاً كما لا يخفى.

و نقله العاملي عن ابن الجنيد و التحرير، و الدروس. ( «2»)

القول الثاني: يرثون بالأنساب و الأسباب الصحيحة:

ذهبت إليه طائفة، منهم:

1- يونس بن عبد الرحمن من أصحاب الإمام الكاظم و الرضا (عليه السلام) فقد حكي عنه أنّه قال: إنّما يرثون ما يصحّ منها كالمسلمين.

و أورد عليه العاملي بأنّ المسلمين يرثون بالأنساب الفاسدة كوطء الشبهة فلا يتم التشبيه ثمّ قال: اللّهمّ إلّا أن يراد التشبيه بالأنساب الفاسدة غير الشبهة فإنّ المسلمين لا يرثون بها فينزّل نكاح المجوس الفاسد منزلتها. ( «3»)

2- المفيد في الأعلام قال: إنّ ميراث المجوس عند جمهور الإمامية يكون من جهة النسب الصحيح دون النكاح الفاسد، و هذا مذهب مالك و الشافعي، و قد ذهب بعض الإمامية إلى أنّه يكون من الجهتين جميعاً و هو مذهب جماعة من أهل العراق و العامّة يروونه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و عن عبد اللّه بن مسعود و القول الأوّل هو المعتمد عند الإمامية و به يأخذ فقهاؤها و أهل النظر منها. ( «4»)

______________________________

(1) المهذب: 2/ 170.

(2) مفتاح الكرامة: 8/ 258.

(3) مفتاح الكرامة: 8/ 258.

(4) الأعلام: 66.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 410

3- قال أبو الصلاح: إنّهم يرثون بالنسب و السبب الصحيحين دون الفاسدين. ( «1»)

4- و قال ابن إدريس: اختلف قول أصحابنا في ميراث المجوس إذا تحاكموا إلى حكّام الإسلام على ثلاثة: فقال قوم: إنّهم يرثون بالأنساب و الأسباب الصحيحة التي تجري في شرع الإسلام- ثمّ نقل القولين الآخرين- قال: و أوّل الأقوال اختيار شيخنا المفيد- ثمّ ذكر نصّ المفيد في الأعلام- و قال: و إليه أذهب و عليه أعتمد و به أُفتي، لأنّ اللّه تعالى قال: (وَ أَنِ احْكُمْ

بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ) (المائدة/ 49) فإذا حكم الحاكم بما لا يجوز في شرع الإسلام فقد حكم بغير الحقّ و بغير ما أنزل اللّه ثمّ قال: لا تدل على قول الشيخ إلّا رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني و هو عامّي المذهب. ( «2»)

القول الثالث: يرثون بالأنساب الصحيحة و الفاسدة، و الأسباب الصحيحة:

فمن ذهب إليه:

1- الفضل بن شاذان المتوفّى عام 260 ه- و هو من فقهائنا الأقدمين نقله عنه الشيخ في التهذيب ( «3»)

2- العلّامة في القواعد و وصفه بأنّه أقرب. ( «4»)

3- يحيى بن سعيد قال: المجوس يتوارثون بالنسب مطلقاً و بالسبب

______________________________

(1) الكافي: 377.

(2) السرائر: 3/ 287- 298 و قد أطنبت في الرد على الشيخ الطوسي و في كلامه نكات.

(3) التهذيب: 9/ 364 ح 2، باب ميراث المجوس.

(4) مفتاح الكرامة: 8/ 258، قسم المتن.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 411

الصحيح دون الفاسد. ( «1»)

و يمكن استظهاره من الصدوق حيث قال: المجوس يرثون بالنسب و لا يرثون بالنكاح الفاسد، فإن مات مجوسي و ترك أُمّه و هي أُخته و هي امرأته فالمال لها من قبل أنّها أُمّ، و ليس لها من قبل أنّها أُخت و أنّها زوجة، شي ء. ( «2»)

فلو تزوّج أبوه بنته، تكون أُمّه أُخته فلو تزوّج بها تكون أُمّه زوجته، فحكم بالإرث بالأُمومة مع أنّها فاسدة، و إنّما لم يحكم بالإرث للأُختية لأنّها في الطبقة الثانية، و أبطل الإرث بالزوجية. فالعبارة بهذا القول ألصق.

دليل القول الأوّل:

إنّ مقتضى القاعدة هو كون المعيار في الوراثة هو النسب و السبب الصحيحان. خرج عنه ما إذا كان الوطء بشبهة، و لو لا الدليل لما قلنا فيه بالوراثة.

كما أنّ مقتضى الآيات هو الحكم بما أنزل اللّه مطلقاً سواء كان الراجع إلينا مسلماً أو كافراً. قال سبحانه مخاطباً للنبي الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: (وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكَ). (المائدة/ 49)

و المراد من المنزل من اللّه سبحانه في المقام هو

العمومات و المطلقات الواردة في الكتاب و السنّة الدالّة على حرمة نكاح المحارم و عدم ثبوت النسب و السبب به، خصوصاً على القول باشتراك التكليف بين المسلم و الكافر.

هذا هو مقتضى القاعدة الأُولى غير أنّ هناك روايات دلّت على أنّ الإسلام اعترف بما يراه الكافر نكاحاً صحيحاً، و أمضاه في أوساطهم، بشرط أن يكون النكاح صحيحاً عندهم، و عند ذلك تكون الروايات بالنسبة إلى قوله: (مٰا أَنْزَلَ

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 508.

(2) الفقيه: 4/ 343- 344.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 412

اللّٰهُ) مفسّراً و مبيّناً و متصرّفاً في عقد الوضع بنحو الحكومة كما هو الحال كذلك في الوطء بالشبهة فإنّ الحكم بالوراثة به، حكم بما أنزل اللّه، و ليس خارجاً عنه حَسب ما جاء في الروايات:

1- روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كلّ قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز». ( «1»)

2- و روي عنه (عليه السلام) أيضاً: «انّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم نهى أن يقال للإماء: يا بنت كذا و كذا (بنت البغاء و الزنا) فإنّ لكلّ قوم نكاحاً». ( «2»)

3- روى الكليني بسند صحيح عن عبد اللّه بن سنان أنّه قذف رجل رجلًا مجوسياً عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال: «مه»، فقال الرجل: إنّه ينكح أُمّه و أُخته، فقال: «ذلك عندهم نكاح في دينهم». ( «3»)

أضف إلى ذلك ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): «انّه كان يورث المجوسي إذا تزوّج بأُمّه و بابنته من وجهين: من وجه أنّها أُمّه و وجه أنّها زوجته». ( «4»)

و روى عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن

عليّ (عليهم السلام): «أنّه كان يورث المجوس إذا أسلموا من وجهين بالنسب و لا يورث على النكاح». ( «5»)

و لا يخفى أنّ الحديث لا يخالف ما ذكرنا لأنّهم إذا أسلموا بطل النكاح، فلا يرثون بالسبب الفاسد بعد الإسلام، فلا ينافي القول الأوّل لأنّها فيما إذا رجعوا إلينا و كانوا كافرين.

و روى أيضاً أنّه قال (عليه السلام): «إنّ كلّ قوم دانوا بشي ء يلزمهم حكمه». ( «6»)

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 83، من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و 2 و 3.

(2) الوسائل: 14، الباب 83، من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و 2 و 3.

(3) الوسائل: 14، الباب 83، من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و 2 و 3.

(4) المصدر نفسه: 17، الباب 1 من أبواب ميراث المجوس، الحديث 1 و 4 و 3.

(5) المصدر نفسه: 17، الباب 1 من أبواب ميراث المجوس، الحديث 1 و 4 و 3.

(6) المصدر نفسه: 17، الباب 1 من أبواب ميراث المجوس، الحديث 1 و 4 و 3.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 413

و ليست الرواية ناظرة إلى قاعدة الالزام كما أنّه لا يصحّ الاحتجاج بها في المقام، لأنّ مجرى القاعدة فيما إذا كانت لصالح الآخرين من المسلمين و ليس المقام كذلك فإنّ إرثه من جهة أو من جهتين، ليس لصالحنا.

دليل القول الثاني:

احتجّ من قال باشتراط الصحّة في النسب و السبب بلزوم الحكم بما أنزل اللّه، فإذا حكم الحاكم بما لا يجوز في شرع الإسلام، فقد حكم بغير الحقّ، و بغير ما أنزل اللّه و بغير القسط.

و قال ابن إدريس بعد نقل هذه الجمل: إنّ الحاكم لا يجوز له أن يحكم بمذاهب أهل الخلاف

مع الاختيار، و شيخنا أبو جعفر يوافق على هذا و قد ذكره في عدّة مواضع من كتبه- إلى أن قال بعد كلام طويل:- إنّ اليهود و النصارى و المجوس متى انقادوا إلى الجزية، و قبلوها و قاموا بشرائطها و التزموا أحكامنا عليهم و ما يقترحه إمامنا، عقد لهم عقد الذمّة، و من شرائط الذمّة الامتناع من مجاهرة المسلمين بأكل لحم الخنزير و نكاح المحرّمات في شريعة الإسلام، فكيف يجوز لنا أن نُقرّهم على نكاح المحرّمات في شرعنا و نحكم لهم بذلك، و بصحته إذا تحاكموا إلينا، و الرواية التي اعتمد عليها الشيخ الطوسي، هي رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني و هو عامي المذهب، و ليس هو من جملة الطائفة، فإن كان يعمل في بعض مقالاته على أخبار الآحاد يجب أن يراعي أن يكون الراوي من عدول طائفتنا. ( «1»)

يلاحظ عليه: بما ذكرناه أنّ الإسلام إذا اعترف بنكاح كل قوم و أعرافهم و تقاليدهم يكون المعترف من جملة ما أنزل اللّه، لكن في إطار خاص، و هو في حقّ

______________________________

(1) السرائر: 3/ 287- 297.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 414

الأقليّة العائشة في بلاد المسلمين و أمّا أنّ الذمّي إذا تخلّف عن شرائط عقد الذمّة فيخرج عن كونه ذميّاً، فلا صلة له بالمقام فانّ البحث ليس في مقوم الذمّة، بل في كيفية التوريث إذا رجعوا إلينا فربما يمكن أن يكون الراجع إلينا غير ذمي. اللّهمّ إلّا أن يدّعي أنّ القدر المتيقن من الروايات السابقة هو العامل بشروط الذمّة، و هو لو صحّ لما تمّ في مورد النكاح، لورود الروايات في خصوص موردها.

و أمّا عدم جواز الإفتاء بمذهب المخالف عند الاختيار، حتى و لو كان

المستفتي مخالفاً، فلعدم ورود دليل على جوازه، و أمّا التنديد بالشيخ في مجال العمل بالخبر الواحد، فقد فرغنا عن حجّية خبر الواحد إذا كان الراوي ثقة و لا يشترط أن يكون شيعياً إماميّاً، بل المخالف يعمل برواياته إذا كان ثقة، و قد أوضح الشيخ حاله في كتاب العدّة، و نقل إجماع الأصحاب على العمل به.

دليل القول الثالث:

فقد اعتمد في تعميم النسب إلى الصحيح و الفاسد إلى صحّة النسب الناشئ عن الشبهة شرعاً فيدخل في عموم أدلّة الإرث بخلاف السبب، فإنّه لا يقال للموطوءة بشبهة عقد، إنّها زوجة و لا للواطئ زوج، فلا تندرج في عموماته، فلو تزوج أُخته أو أُمّه أو بنته ورثت بالنسب خاصّة دون الزوجية.

يلاحظ عليه: أنّ عدم تصحيح الزوجية بالشبهة لأجل الفرق بين النسب و السبب، فإنّ محقّق النسب أمر آني يصحّ أن تعرض الغفلة و تنتهي إلى الدخول بمن ليست زوجة فيصحّ عدّ الولد المتولد عنها ولداً شرعياً و هذا بخلاف السبب، كالزوجية فالعاقد المسلم ما دام غافلًا معذور و خارج عن محط البحث و بعد العلم بالاشتباه تبطل الزوجية و لا تبقى و هذا بخلاف المجوسي فإنّه لا ينتبه إلّا بالإسلام و هو خلاف المفروض فلأجل ذلك اختلف حكم النسب و السبب بتصحيح الأوّل بالشبهة دون الثاني في مورد المسلم.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 415

و هذا لا يدل على عدم التصحيح في حقّ المجوس لأنّهم في غفلة و جهل طيلة عمرهم فيتصورون من ليس زوجاً و لا زوجة أنّه زوج و زوجة، فلا مانع من قبول الشارع قولهم في حقّهم و ترتيب الأثر عليهم.

و على هذا لو اجتمع الأمران لواحد، ورث بهما مثل: أُمّ هي زوجة، فنصيب الزوجية

هو الربع مع عدم الولد، و نصيب الأُمومة هو الثلث، فإن لم يكن لها مشارك كالأب فالباقي يرد عليها بالأُمومة و إلّا فيرد على الأب.

و لو اجتمع السببان أحدهما يمنع الآخر ورث من جهة المانع مثل بنت هي أُخت من أُمّ فإنّ لها نصيب البنت دون الأُخت، لأنّه لا ميراث عندنا لأُخت مع بنت و بذلك تستطيع استخراج أحكام سائر الموارد.

مسألتان:

الأُولى: حكم إرث المسلم بالنسب و السبب الفاسدين:

يرث المسلم بالنسب الفاسد إذا كان الوطء بشبهة لا بزنا، و المراد من الفاسد هو هذا المعنى لا مطلقه، لما عرفت من أنّ ولد الزنا لا يرث من الأب و الأُمّ.

و لكن لا يرث بالسبب الفاسد فلو تزوج بالأُمّ من الرضاع ثمّ بان لهما فسادهما تفارقا بلا طلاق، و لو مات أحدهما لا يرثه الآخر لأنّ الإرث في الكتاب و السنّة، بالسبب الصحيح، و ليس في المقام دليل على أنّ الموضوع أوسع من الصحيح و الفاسد كما في مورد المجوسي.

و لو تزوج بأُمّ المزنيّ بها مقلِّداً لمن يرى تزويجها صحيحاً و ترافعا إلى من يراه باطلًا فلا يجوز له الإفتاء بمذهب من يراه صحيحاً لحرمة الإفتاء بالباطل لدى المفتي.

قال الإمام الخميني- قدّس سرّه الشريف-: لو اختلف اجتهاد فقيهين في

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 416

صحّة تزويج و فساده كتزويج أُمّ المزنيّ بها أو المختلقة من ماء الزاني فتزوج القائل بالصحّة أو مقلّده، فليس للقائل بالفساد ترتيب آثار الصحّة عليه، فلا توارث بينهما عند المبطل. ( «1»)

الثانية: هل الموت قبل الدخول منصِّف للمهر أو لا؟

اشارة

( «2») لا شكّ أنّ الطلاق قبل الدخول منصّف للمهر و قد اتّفق عليه المسلمون، إنّما الكلام في أنّ الموت قبل الدخول هل هو منصّف أو لا؟ و للمسألة صورتان:

الف: موت الزوج عن امرأته قبل الدخول بها.

ب: موت الزوجة عن زوجها قبل الدخول بها.

و الأقوال لا تتجاوز الثلاثة:

1- استقرار المهر كلّه بموت أحدهما مطلقاً من غير فرق بين موت الزوج أو الزوجة.

2- التنصيف مطلقاً.

3- التفصيل بين موت الزوج و الزوجة، باستقرار المهر كلّه في الأوّل و نصفه في الثاني، و هو خيرة الشيخ في النهاية و القاضي ابن البراج في المهذّب.

و إليك كلمات الفقهاء في المقام

بالنسبة إلى الصورتين:

المعروف من عصر الصدوق (306- 381 ه-) إلى عصر العلّامة الحلي (648- 726 ه-) بل عصر المحقّق الثاني (م 940 ه-) هو عدم التنصيف و إليك

______________________________

(1) تحرير الوسيلة، كتاب المواريث، الفصل الثالث في ميراث المجوس، المسألة 10.

(2) الموضع المناسب لطرح هذه المسألة هو: باب المهور، في كتاب «النكاح» غير أنّ صاحب الجواهر عنونها في المقام و الآخرون ذكروها في بابها المناسب.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 417

ما وقفنا عليه من الكلمات، مباشرة أو مع الواسطة:

1- قال الصدوق: و المتوفّى عنها زوجها التي لم يدخل بها إن كان فرض لها صداقاً فلها صداقها الذي فرض لها، و لها الميراث، و عدّتها أربعة أشهر و عشراً ... و في حديث آخر: و إن لم يكن دخل بها و قد فرض لها مهراً فلها نصفها، و لها الميراث و عليها العدّة، و هو الذي اعتمده، و أفتى به. ( «1»)

و هل الضمير يرجع إلى ما ذكره أخيراً، أعني: «و في حديث آخر ...» أو يرجع إلى ما ذكره في أوّل كلامه؟ استظهر العلامة في المختلف بأنّه يرجع إلى الأخير، و يحتمل أن يرجع إلى الأوّل لأنّه ذكر الوجه الثاني بصورة «قول» حيث قال: و في حديث آخر.

2- و قال الشيخ الطوسي: و متى مات الرجل عن زوجته، قبل الدخول بها وجب على ورثته أن يعطوا المرأة المهر كاملًا، و يستحب لها أن تترك نصف المهر، فإن لم تفعل كان لها المهر كلّه و إن ماتت المرأة قبل الدخول بها، كان لأوليائها نصف المهر. ( «2»)

و كان الشيخ بكلامه هذا، حاول أن يجمع بين الروايات، فإنّ الروايات في جانب موت المرأة متّفقة على التنصيف

فتركها بحالها، و أمّا في جانب موت الرجل فمتضاربة، فأخذ بما دلّ على عدم التنصيف و حمل ما دلّ على التنصيف على الاستحباب أي يستحب للمرأة أن تترك نصف المهر.

3- و قال القاضي: و إذا مات الرجل قبل الدخول بها كان على وارثه أن يدفع إلى الزوجة من التركة المهر على كماله، و الأفضل للزوجة أن لا تأخذ إلّا

______________________________

(1) المقنع: 120- 121.

(2) النهاية، كتاب النكاح، باب المهور، ص 471، و سيوافيك انّ المحقّق في نكت النهاية أوّل قول الشيخ في الصورة الثانية و جعلها من قبيل القول بوجوب دفع الكلّ فانتظر.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 418

نصفه، فإن لم تفعل، و أخذته على كماله، كان جائزاً.

و إذا ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر. ( «1»)

و قد فعل القاضي كما فعله الشيخ.

4- و قال ابن حمزة: و يلزم المهر المعيّن بنفس العقد، و يستقر بأحد ثلاثة أشياء: بالدخول و الموت و ارتداد الزوج. ( «2»)

و قال أيضاً: و من وكّل رجلًا في العقد على امرأة ثمّ مات الموكّل، و عقدُ الوكيل لم يخل: إمّا عقد قبل موته، و يصحّ العقد و يثبت المهر و الميراث، أو بعد موته و يبطل العقد. ( «3»)

و ليس في كلامه فرض موت الزوجة.

5- و قال ابن إدريس: متى مات أحد الزوجين قبل الدخول استقرّ جميع المهر كاملًا لأنّ الموت عند محصّلي أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه، و هو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء و هو الصحيح لأنّا قد بيّنا بغير خلاف بيننا أنّ بالعقد تستحق المرأة جميع المهر المسمّى، و يسقط الطلاق قبل الدخول نصفه، فالطلاق غير حاصل إذا مات،

فبقينا على ما كنّا عليه من استحقاقه، فمن ادّعى سقوط شي ء منه يحتاج إلى دليل و لا دليل على ذلك من إجماع، لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك، و لا من كتاب اللّه تعالى، و لا تواتر أخبار و لا دليل عقلي، بل الكتاب قاض بما قلناه، و العقل حاكم بما اخترناه. ( «4»)

و كلامه هذا صريح في عدم التنصيف في كلتا الصورتين.

6- و قال يحيى بن سعيد: و يستقر المهر بالدخول، و بالموت من كلّ منهما

______________________________

(1) المهذّب: 2/ 204، باب الصداق.

(2) الوسيلة: 297.

(3) المصدر نفسه: 298.

(4) السرائر: 2/ 585- 586.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 419

و يكره لورثتها مطالبته به إذا لم يكن طالبته في حياتها، و هو في ضمان الزوج حتى تقبضه ( «1») و كلامه هذا صريح في عدم الفرق بين موت الزوج و الزوجة و أنّه يجب دفع المهر كاملًا.

7- و قال المحقّق في نكت النهاية عند قول الشيخ: «و إن ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر» هذا يصحّ إذا لم يكن لها ولد، لأنّ المستقر في المذهب و هو أصحّ الروايتين انّ المهر تملكه المرأة بنفس العقد و لو مات أحدهما كان المهر ثابتاً بأجمعه، فإذا ماتت، ورث الزوج نصفه و كان الباقي لباقي ورثتها. ( «2»)

ترى انّ المحقّق لا يرضى من الشيخ القول بالنصف في موت المرأة، فيحاول أن يؤوّله بحمله على ما إذا لم يكن لها ولد، فالرجل يرث نصف المهر و يدفع النصف الآخر.

8- و قال العلّامة في المختلف: و قول ابن إدريس قويّ و بالجملة فالمسألة مبنيّة على أنّ المقتضى لكمال المهر ما هو- ثمّ قال العلّامة- تذنيب: لو مات الزوج

قبل الدخول، وجب لها المهر كملًا كما نقلناه في صورة المسألة. ( «3»)

9- و قال الفاضل المقداد: و الحق أنّ المهر يستقر بالموت لما بيّنا من تملّكه بمجرّد العقد، و الأصل البقاء إلّا ما أخرجه الدليل و لم يخرجه إلّا دليل الطلاق. ( «4»)

10- و قال ابن فهد الحلي: لو مات أحد الزوجين، استقرّ الجميع على المشهور لوجوبه بالعقد و حصول التنصيف بالطلاق و لم يحصل، و يجب النصف عنده. ( «5»)

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 439.

(2) نكت النهاية: 2/ 323.

(3) المختلف: 96، كتاب النكاح، الفصل الثالث في الصداق.

(4) التنقيح الرائع: 3/ 225.

(5) المهذّب البارع: 3/ 397.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 420

11- و قال المحقّق الكركي: إنّ لزوم الجميع بموت الزوج قبل الدخول مذهب أكثر الأصحاب، و لزومه بموت الزوجة مذهب عامّة الأصحاب. ( «1»)

و قد تبيّن لي من هذا الفحص أنّ المشهور بين القدماء إلى عصر السيد السبزواري هو القول بعدم التنصيف و قلّ من قال بالتنصيف في هذه العصور، نعم نقل عن ابن الجنيد أنّه قال: الذي يوجبه العقد من المهر المسمّى النصف و الذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها، و لعلّ كلامه في مقابل القول بلزوم الكلّ بالخلوة كما عليه لفيف من الفقهاء من الفريقين، و أوّل من أصحر بالتنصيف صاحب الكفاية حيث قال في مقام الترجيح: إنّ أخبار التنصيف أكثر و أشهر بين القدماء، لاشتمال كلّ من الكتب الأربعة على بعضها بخلاف الأخبار المعارضة، فانّه لم يروها إلّا الشيخ. ( «2») و تبعه صاحب الحدائق، فعمل بأخبار التنصيف و حمل ما دلّ على دفع المهر كاملًا

على التقية، فقال: فالظاهر عندي بالنظر إلى ما ذكرته من الأخبار هو القول بالتنصيف و حمل الأخبار المعارضة على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بليّة ... قد عرفت أنّ الأخبار الدالّة على التنصيف متكاثرة، بحيث لا يمكن طرحها و لو جاز ردّها على ما هي عليه من الاستفاضة، و صحّة الأسانيد، و رواية الثقات لها في الأُصول المعتمدة، لأشكل الحال أيّ إشكال، و صار الداء عضالًا و أيَّ عضال. و التأويلات التي ذكرها الشيخ بعيدة غاية البعد. ( «3»)

و لعلّ صاحب الجواهر يريد أحد هذين الفقيهين بقوله: و من الغريب اتّباع فاضل الرياض بعض مختلي الطريقة في القول بالتنصيف هنا للنصوص المزبورة

______________________________

(1) جامع المقاصد: 127، المطبوع في ذيل القواعد للعلّامة الحلي.

(2) الحدائق: 24/ 557- 558.

(3) الحدائق: 24/ 557- 558.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 421

التي قد عرفت حالها. ( «1»)

و قد حكى العلامة الشيخ عبد اللّه المامقاني: إنّ والده كان يفتي في بعض أجوبة المسائل بالتنصيف و قد خرج القول بالتنصيف عن الشذوذ بعد ما أفتى السيد الاصفهاني و تبعه الإمام الخميني، و إليك نصهما:

قال السيد الاصفهاني: لو مات أحد الزوجين قبل الدخول فالأقوى تنصيف المهر كالطلاق خصوصاً في موت المرأة، و الأحوط الأولى التصالح خصوصاً في موت الرجل. ( «2») و مثله عبارة الأُستاذ- قدّس سرّه-. ( «3»)

إذا عرفت ذلك فلنذكر أدلّة القائلين بعدم التنصيف، و استدلوا بوجوه:

أدلّة القائلين بلزوم دفع المهر كلّه:

الأوّل: قوله سبحانه: (وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً). (النساء/ 4)

و الاستدلال بالإطلاق حيث لم يقيد بكونه قبل الدخول أو بعده.

يلاحظ عليه: أنّ مساق الآية مساق سائر الآيات الواردة في هذا

الموضوع فانّ الرجال في العصر الجاهلي كانوا يبخسون النساء حقوقهنّ، و لا يعطوهنّ مهورهنّ و ربما كانوا يستردّون بعد الدفع، و كان هذا موقفهم، ففي هذه الظروف تؤكد الآية على أنّه يجب إعطاء النساء صدقاتهن و يؤيده قوله سبحانه في نفس تلك السورة: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسٰاءَ كَرْهاً وَ لٰا تَعْضُلُوهُنَّ

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 332.

(2) وسيلة النجاة: 348، كتاب النكاح، فصل المهر.

(3) تحرير الوسيلة: 2/ 200، المسألة 14، فصل في المهر.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 422

لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ ...* وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً). (النساء/ 19- 20)

فعلى ذلك فالآية ناظرة إلى تحريم البخس بحقوقهن و لا إطلاق في الآية قبل الدخول و بعده أو قبل الموت و بعده، بل الآية منصرفة عن صورة موت الرجل بشهادة أنّها تخاطب الأزواج و تقول: (آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ) و الخطاب للأزواج الأحياء.

و يؤيد ذلك ما روي أنّ الرجل منهم إذا تزوج أيّمة (المرأة التي مات زوجها) أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك. ( «1»)

و بذلك تظهر أنّ الآية لا تكون مرجِّحة لما دلّ على إعطاء الكل، كما سيوافيك بيانه.

الثاني: ما دلّ على أنّ المهر يملك بنفس العقد، و انّ نماءه بين العقد و القبض للمرأة. ( «2»)

يلاحظ عليه: أنّه لا شكّ أنّ المرأة تملك المهر و نماءه، ملكية متزلزلة و لكن الكلام في كون الموت مسقطاً كما انّ الطلاق مسقط للنصف فمن المحتمل أن يكون الموت مثله، فغاية ما يمكن هو استصحاب ملكية الجميع للزوجة و لكن الأصل دليل حيث لا دليل، فلو

دلّت الروايات على التنصيف لما جاز العمل بالأصل، فالمهم هو الدليل الثالث الذي يرجع إلى التمسك بالروايات.

الثالث: التمسّك بالروايات الدالّة على عدم التنصيف و أنّه يجب دفع المهر

______________________________

(1) مجمع البيان: 2/ 7، في تفسير الآية رواه عن الإمام الباقر (عليه السلام).

(2) الوسائل: 15، الباب 24 و 54 من أبواب المهور.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 423

كلّه و قد رواها الشيخ من بين المشايخ الثلاث، و نقلها صاحب الوسائل في الباب الثامن و الخمسين من أبواب المهور مبتدئاً من رقم العشرين إلى رقم الخمسة و العشرين، فيكون المجموع ستة روايات قد رواها من رجال الحديث نظراء:

1- سليمان بن خالد 2- أبو الصباح الكناني 3- الحلبي 4- زرارة 5 أبو بصير 6- منصور بن حازم.

هؤلاء رجال هذه الأحاديث، و فيهم من يحتج بحديثه على الوجه الأتم و الأكمل كزرارة و الحلبي، غير أنّ في الاحتجاج بهذه الأحاديث مشاكل نشير إليها:

أوّلًا: أنّ هذه الروايات رواها الشيخ فقط من بين المشايخ الثلاثة، و ما رواها الكليني و لا الفقيه، فلا تجد في كتابيهما أثراً عن هذه الأحاديث و إنّما تفرّد الشيخ بنقلها، فنقلها كما نقل الأحاديث الدالّة على التنصيف فرجّح الأحاديث الأُولى و حمل ما دلّ على النصف على الاستحباب بمعنى أنّه يستحب للمرأة أو أوليائها ترك نصف المهر.

و ثانياً: أنّ بين رواة هذه الأحاديث كزرارة و الحلبي من روى أيضاً خلافه كما سيوافيك بيانه عند البحث عن دليل القول بالتنصيف.

ثالثاً: أنّ في هذه الأحاديث قرينة واضحة على صدورها تقية، و إليك بيانه: و ذلك: انّ منصور بن حازم سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) مرة عن الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها؟

قال: «لها صداقها كاملًا». ( «1»)

ثمّ رجع إليه مرة أُخرى سأله عن تلك المسألة أيضاً، قال الإمام: «لها المهر كاملًا و لها الميراث»، فقال ابن حازم للإمام: فانّهم رووا عنك انّ لها نصف المهر؟ قال الإمام: «لا يحفظون عنّي، فإنّما ذلك للمطلقة». ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 23- 24.

(2) الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 23- 24.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 424

ثمّ إنّ السائل يروي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) شيئاً ثالثاً و هو أنّه قال له: «ما أجد أحداً أُحدِّثه، و إنّي لأُحدِّثُ الرجل بالحديث فيتحدث به فأُوتي فأقول: إنّي لم أقله». ( «1»)

فإنّ إمعان النظر في الجملة الأخيرة يرفع الستر عن وجه الحقيقة و أنّ الإمام كان حدّث بالنصف أوّلًا فأذاعته الرواة بين أبناء العامة، فلمّا أتوا إلى الإمام ثانياً نفى التحدّث؟ و قال: «إنّي لم أقله» و كأنّه يريد بذلك ما قاله في الحديث الثاني بقول: «لا يحفظون عنّي، إنّما ذلك للمطلّقة» فهو بمنزلة قوله: «إنّي لم أقله» فيكون الحكم بالنصف حكماً واقعيّاً، أنكره الإمام لمصلحة فيعرب أنّ ما صدر من الإمام في ذلك الموقف كان للتقية و مماشاة لأبناء العامة.

قال الشيخ الحرّ العاملي بعد نقل الرواية الأخيرة: و هذا قرينة واضحة على حمل حديث «منصور بن حازم» السابق على التقية. و تظهر حقيقة الحال بالرجوع إلى كتبهم.

نعم إنّ المسألة (موت أحد الزوجين بعد الفرض و قبل الدخول) غير معنونة غالباً في كتب أهل السنّة و إنّما المعنون في كتبهم مسألة أُخرى و هي: (موت أحد الزوجين قبل الفرض و قبل الدخول) و قد اختلفت كلمتهم فيها فمن قائل بمهر المثل

قياساً بمسألتنا من وجوب مهر المسمّى فيها، و هو يعرب عن وجود التسلّم بينهم فيها، إلى آخر قائل بعدم الوجوب.

قال الشيخ: إذا مات قبل الفرض و قبل الدخول فلا مهر لها، و به قال من الصحابة عليّ (عليه السلام) و ابن عباس، و زيد، و الزهري، و به قال ربيعة و مالك و الأوزاعي و أهل الشام و هو أحد قولي الشافعي.

و القول الآخر: لها مهر مثلها، و به قال ابن مسعود، و أهل الكوفة و ابن شبرمة

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 25.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 425

و ابن أبي ليلى و الثوريّ و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد و إسحاق. ( «1»)

يقول ابن قدامة في مسألة «لو مات أحدهما قبل الإصابة و قبل الفرض»: إنّ لها مهر نسائها، لأنّ الموت يكمل به المسمّى فكمل به مهر المثل المفوضة كالدخول. و قياس الموت على الطلاق غير صحيح، فانّ الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق، و الطلاق يقطعه، و يزيل قبل إتمامه، و لذلك وجبت العدّة بالموت قبل الدخول و لم تجب بالطلاق و كمل المسمّى بالموت و لم يكمل بالطلاق. ( «2»)

و قال ابن رشد: إذا مات الزوج قبل تسمية الصداق و قبل الدخول بها. فإنّ مالكاً و أصحابه و الأوزاعي قالوا: لها صداق و لها المتعة و الميراث، و قال أبو حنيفة: لها صداق المثل و الميراث، و به قال أحمد و داود، و عن الشافعي قولان .... ( «3»)

و ليس في هذه المسألة أثر من التنصيف فالكلام يدور بين وجوب تمام مهر المثل، أو عدمه تماماً. و جاء في الفقه على المذاهب الأربعة.

و

لعلّه على هذا الأساس يقول شيخنا محمّد جواد مغنية: و إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول فلها تمام المهر المسمّى عند الأربعة. ( «4»)

هذا كلّه حول القول بلزوم دفع المهر كلّه، و إليك دراسة القول الثاني:

ما يدل على لزوم دفع النصف فقط:

اشارة

استدل القائلون بانتصاف المهر بموت الزوجة بروايات متضافرة رواها

______________________________

(1) الخلاف: 2/ المسألة 18، من كتاب الصداق.

(2) المغني: 7/ 175، لاحظ قوله: «إنّ الموت يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل».

(3) بداية المجتهد: 2/ 27.

(4) الفقه على المذاهب الخمسة: 347.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 426

أعلام الرواة و فيهم شخصيات بارزة نظراء:

1- محمّد بن مسلم 2- أبو عبيدة الحذاء 3- زرارة 4- عبيد بن زرارة 5- عبد اللّه بن الحجاج 6- الحلبي 7- ابن أبي يعفور 8- فضل بن عبد الملك أبو العباس 9- أبو الجارود 10- الحسن الصيقل 11- جميل بن صالح 12- عبد اللّه بن بكير. ( «1»)

روى الأخير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أرسل يخطب عليه امرأة و هو غائب، فأنكحوا الغائب و فرضوا الصداق ثمّ جاء خبره أنّه توفي بعد ما سيق الصداق، فقال: «إن كان أملك بعد ما توفي، فليس لها صداق و لا ميراث، و إن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق و هي وارثه و عليها العدّة». ( «2»)

و المراد من «أملك» هو أنكح، و كان الرجل بالنكاح يملك المرأة و هكذا العكس، و يجب علاج هذه الروايات مع ما دلّ على تمام المهر، و قد عرفت في دراسة القول الأوّل أنّ هناك قرينة تدل على أنّ ما دلّ على التمام ورد تقيّة، و أنّ الإمام (عليه السلام) أنكر صدورها على النحو

الذي مرّ.

ثمّ إنّ القائلين بعدم الانتصاف، حاولوا أن يعالجوا تلك الروايات الهائلة بوجوه مختلفة نذكرها واحداً بعد الآخر.

1- حمل الروايات الدالّة على الانتصاف على التقية.

يلاحظ عليه: أنّها محاولة فاشلة، لما عرفت اتّفاق العامة على التمام و ليس في كلماتهم أيُّ أثر من الانتصاف حتّى أنّ كلامهم في ما إذا مات الزوج قبل الدخول

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 1- 16 و فيهم من روى عنه الحديث بأكثر من طريق واحد كزرارة و عبيد بن زرارة، و قد روى عن الأوّل بطريقين و عن الثاني بثلاث طرق و لذلك ارتقى عدد الأحاديث إلى 16 حديثاً و انخفض عدد الراوي عن الإمام، إلى 12 شخصاً.

(2) المصدر نفسه، الحديث 16.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 427

و قبل الفرض، يدور بين دفع تمام مهر المثل و عدم دفع شي ء أصلًا، و ليس فيهم من يقول بالانتصاف فيه فكيف في مسألتنا هذه؟

2- الحمل على النسيان و الاشتباه و أنّ الإمام قال به في المطلقة فاشتبه المراد على الرواة، فنقلوه في المتوفى عنها زوجها، و يدل عليه قوله في رواية منصور بن حازم: «قلت: فانّهم رووا عنك أنّ لها نصف المهر؟ قال: لا يحفظون عنّي، إنّما ذلك للمطلّقة». ( «1»)

يلاحظ عليه بأُمور:

الف: أنّ الاشتباه يتسرّب إلى ذهن واحد أو اثنين من الرواة لا إلى اثني عشر راوياً يعدّ أكثرهم من الطبقة العليا من أصحاب الأئمّة، و من المستحيل عادة أن يشتبه المراد على هؤلاء الذي طرحوا الأسئلة في مجالس متعدّدة و سمعوا الجواب منهم و نقلوه.

ب: أنّ الاشتباه في نقل الجواب لا يتلائم مع متون أسئلتهم، لأنّ جميع الأسئلة راجعة إلى موت الزوج، فكيف يمكن أن

يكون السؤال عن موته و يكون الجواب عن طلاقه؟ فإنّ لازم ذلك أن لا تكون للجواب صلة بالأسئلة المتكررة.

ج: كيف يمكن الحمل على الاشتباه مع أنّه ورد السؤال في بعض الروايات عن موت الزوج و الزوجة معاً، و في بعض آخر عن موت الزوج و الزوجة و الطلاق قبل الدخول، فجاء الجواب: في الجميع النصف. روى عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها؟ قال: «إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها النصف و عليها العدّة كملًا و لها الميراث». ( «2»)

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 24.

(2) المصدر نفسه، الحديث 3، و بهذا المضمون الحديث 7، 8، 9 و 13 غير أنّ السؤال فيها عن موتهما و ليس فيها سؤال عن الطلاق.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 428

3- ما ذكره الشييخ في كتابيه من حمل انتصاف المهر بموت الزوج على الاستحباب بمعنى أنّه يستحب للمرأة و لأوليائها ترك المطالبة، فالواجب هو الكلّ، و المستحب على الأخذ هو الاكتفاء بالنصف.

يلاحظ عليه: أنّه ليس فيها ما يدل على ما ذكروا إنّما الظاهر من الجميع أنّها سيقت لبيان الوظيفة، مضافاً إلى أنّه لا يتمشّى في بعض الروايات كما في رواية زرارة من قوله: «إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها النصف»، فعلى ما ذكره الشيخ، يكون وجوب دفع النصف في هلاكها أو طلاقه من باب الوظيفة، و أمّا في هلاكه من باب الاكتفاء بنصف الوظيفة و إذا رضيت هي أو أولياؤها، يسقط النصف الآخر و هو أشبه باستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى.

فإن قلت: إنّ الشهرة العمليّة مع روايات التمام، و

هي إحدى المرجّحات، بل هل المعيّة للحجة عن اللّاحجّة، و الإعراض أحد المسقطات عن الحجّية، فعلى ذلك يجب العمل بروايات التمام حسب ما حقّق في الأُصول.

قلت: إنّما تحتج بالشهرة العملية إذا لم يعلم خطأ العاملين بالرواية، و إلّا فيعمل بالرواية المخالفة، و المقام من هذا القبيل، فإنّ الأصحاب من عصر الصدوق إلى عصر السبزواري عملوا بروايات التمام و غفلوا عن ورودها تقيّة و قد أوضحنا أنّها صدرت تقية حتى أنّ الإمام التجأ لدفع الشرّ أن ينكر صدورها عنه، فتارة أومأ إلى ذلك، و قال: «لا يحفظون عنّي إنّما ذلك للمطلّقة»، و أُخرى صرّح بذلك و قال: «فأُوتيَ، فأقول: إنّي لم أقله أي تقيّة» مع أنّه قاله.

و أمّا الاعراض فلم يثبت و ذلك لأنّ الكليني و الصدوق لم ينقلا إلّا ما دلّ على الانتصاف، أضف إلى ذلك أنّ القول بالانتصاف نقله أعلام من الرواة، فيعرب عن أنّ الشهرة كانت معه من عصر الإمام الصادق إلى عصر الصدوق، فمع ذلك كيف يمكن القول بالاعراض عنها؟

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 429

فالظاهر هو العمل بروايات الانتصاف و حمل ما دلّ على التمام على التقيّة.

هذا كلّه حول الصورة الأُولى أي موت الزوج عن المرأة التي لم يدخل بها، و أمّا الصورة الثانية و هي موت الزوجة عن زوج لم يدخل بها، فقد أطبقت الروايات على الانتصاف ( «1») و لا مانع من إبقائها على ظواهرها.

نعم أوّل المحقّق هذه الروايات كما أوّل فتوى الشيخ بالانتصاف فيه بأنّها وردت فيما إذا لم يكن للزوجة ولد، فعندئذ يرث الزوج من المهر النصف و يدفع النصف الآخر. ( «2»)

و لا يخفى أنّ ظاهر الروايات هو أنّ ما يجب عليه من أوّل

الأمر هو نصف المهر، لا أنّ الواجب تمامه.

غاية الأمر بما أنّه يرث منها النصف فلا يرفع إلّا النصف.

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 3، 7، 8، 9.

(2) مضى كلام المحقّق في نكت النهاية، فلاحظ.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 431

خاتمة المطاف: في بيان مخارج الفروض

اشارة

قال الشهيد الثاني: كان حق هذه الخاتمة أن يجعل مقدّمة لكتاب الفرائض ليحفظ مضمونها و يستعمل في مسائل الكتاب كما فعل الشهيد في الدروس، و أمّا جعلها في الآخر كما فعل المصنّف (المحقّق) و الأكثر فلا يعلم الطالب مضمونها إلّا أن يفرغ من بحث المسائل بغير قاعدة يرجع إليها، فتقل فائدتها، و قد وقع بسبب ذلك خلل كثير في حساب الفرائض يقف من تأمّل كلام جماعة من الفقهاء في ذلك ( «1»).

و المقصود شيئان: أحدهما: تصحيح المسائل، و الثاني: قسمة التركة على الورثة.

أمّا تصحيح المسائل: فله مقدّمات، فمنها: بيان المخارج الستّة المقدرة في كتاب اللّه تعالى.

و لأجل إيضاح المقام نورد أُموراً:

الأوّل: إنّ الفروض الواردة في الكتاب ستة، و هي: النصف و الربع و الثمن و الثلثان و الثلث و السدس.

______________________________

(1) المسالك: زين الدين العاملي: 2/ 381.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 432

الثاني: إنّ المراد من المخرج المشترك: أقل عدد يخرج منه الفرض صحيحاً، أي أنّه المضاعف المشترك بين الأعداد؛ القابل للقسمة على كل عدد من هذه الأعداد دون باق، و حينئذ مخرج النصف و الربع و الثمن، ثمانية ( «1»)، و النصف و السدس و الثلث أو الثلثان، ستة، و الثمن و الثلثان و السدس، أربعة و عشرون.

الثالث: لو كان في المقام فرض واحدٌ أو فروض متساوية و كان وراثة الباقي- إن كان- بالقرابة يكفي هناك مخرج واحد

كالنصفين أو السدسين أو الثلثين. كمن خلّف زوجاً و أخاً للأبوين أو للأب حيث إنّ فرض الزوج، النصف، فالمخرج اثنان و الباقي للأخ بغير كسر. أو ترك أُمّاً و أباً بلا ولد و لا إخوة فالمخرج ثلاثة و الباقي للأب، لأنّه يرث قرابة. أو خلّف زوجاً و بنتاً أو الأُخت الواحدة للأبوين أو للأب، فالمخرج اثنان نصفه للزوج و نصفه الآخر للبنت الواحدة أو الأُخت الواحدة.

الرابع: لو اشتملت على فروض فكلّ يقتضي مخرجاً مستقلًا، كما إذا اجتمع من يستحق الربع، و آخر النصف، و ثالث السدس كما في الزوج و البنت الواحدة و الأب أو الأُم فأفضل طريق و أخصره، طلب أقلّ عدد ينقسم على تلك الفروض صحيحاً، و لا يتم ذلك إلّا بملاحظة النسبة بين مخارج الفروض فنقول في عرفان النسب:

إنّ النسبة الحاكمة بين مخارج الفروض أربعة، لأنّ النسبة بين العددين إمّا

______________________________

(1) لاستخراج المخرج بين النصف و الربع و الثمن نأخذ مقامات هذه الكسور و بعدد مرّات البسط، فبسط كل من هذه الكسور هو (1) إذن المقامات هي: 2 و 4 و 8، ثمّ نجري لها عملية التحليل الرياضي فتكون: 2/ 2 و 2/ 4* 2 و 2/ 8* 2* 2 و الآن نأخذ كل الأعداد المشتركة و غير المشتركة و بأعلى رتبة تكرار لها، فنلاحظ أنّ العدد 2 فقط هو المشترك بين هذه الأعداد، و أعلى رتبة تكرار له هي 2* 2* 2 أي 8 الذي يمثل المخرج بين هذه الأعداد النصف و الربع و الثمن.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 433

التساوي و إمّا الاختلاف، و الأوّل هو التماثل، و الثاني ينقسم إلى التباين و التوافق و التداخل. و إليك

بيانها:

أمّا الأوّل: المتماثلان و هما المتساويان في المقدار كما في اجتماع الزوج و الأُخت الواحدة، لأنّ سهم الأوّل يساوي الآخر، و كذا في الأب و الأُم لو كان للميت ولد.

و أمّا الثاني: المتباينان و هما العددان بحيث لا يكون الأقل مضرباً صحيحاً للأكثر و لا يوجد بينهما مضرب مشترك أصلًا، كما في (2 و 3).

و أمّا الثالث: المتوافقان و هما العددان بشرط أن يوجد بينهما مضرب مشترك بمعنى أنّهما قابلان للاقتسام بعدد صحيح بلا كسر، كما في (4 و 6) فانّهما قابلان للاقتسام بعدد (2) و يقال هما متوافقان في النصف.

و أمّا الرابع: المتداخلان و هو كون العدد الأقل مضرباً صحيحاً للأكثر كما في (4 و 8).

و أمّا كيفية العمل لحصول المخرج المشترك:

فنقول: أمّا المتماثلان فيقتصر على أحد المخرجين فالست مخرج السدسين مثلًا. و أمّا المتباينان كما في (2 و 3) فضربت أحدهما في الآخر، فالفريضة ما ارتفع من ذلك فالمخرج المشترك في المثال هو (6) كما لو ترك زوجاً و أُمّاً و أباً و الميت بلا ولد ففريضة الزوج (1/ 2) و الأُم (1/ 3) و الباقي للأب. فلا بدّ من تقسيم التركة إلى الست ( «1»). ثلاثة أسهم للزوج و السهمين للأُم و الباقي و هو

______________________________

(1) 65/ 31+ 21.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 434

الواحد للأب.

و أمّا المتوافقان فالقاعدة فيه ضرب وفق أحد العددين المتوافقين في نفس العدد الآخر.

و بعبارة أُخرى: ضرب أحدهما في نتيجة تقسيم الآخر إلى المضرب المشترك. فالمخرج المشترك بين (4 و 6) هو (12) كما لو ترك زوجاً و أُمّاً و أولاداً ذكوراً و إناثاً.

فلا بدّ من تقسيم التركة إلى اثني عشر سهماً ( «1») ثلاثة أسهم للزوج و السهمين للأُمّ

و الباقي سبعة أسهم للأولاد للذكر مثل حظ الأُنثيين.

و أمّا المتداخلان فبما أنّ العدد الأقل مضرب صحيح للأكثر فعند ذلك العدد الأكثر هو المخرج المشترك، كما إذا اجتمع زوج و بنت واحدة فللزوج (1/ 4) و للبنت (1/ 2) فالمخرج المشترك هو (4) أو اجتمعت الزوجة و البنت الواحدة فللزوجة (1/ 8) و للبنت الواحدة (1/ 2) فالمخرج المشترك هو (8).

و لو لم يكن في الورثة ذو فرض، فأصل المال يقسم عدد رءوسهم مع التساوي و إلّا فللذكر مثل حظ الأُنثيين.

فلو كان أربعة ذكور و أربعة إناث فالمال يقسم إلى (12) سهماً.

مسألة: إذا كانت الفريضة بقدر السهام و انقسمت على أصحاب السهام بغير كسر فلا بحث كزوج و أُخت لأب و أُمّ فالتركة من سهمين.

______________________________

(1) 125/ 61+ 41. الوفق بينهما النصف، فيلزم ضرب نصف أحدهما في الآخر. و بعبارة أُخرى يضرب أحدهما في النتيجة الحاصلة من تقسيم الآخر إلى المضرب المشترك.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 435

و إن لم تنقسم على السهام بغير كسر مع كونها مساوية لها (مقابل العول و التعصيب) فإمّا أن تنكسر على فريق واحد، أو أكثر، و على أي تقدير إمّا أن يكون بين عدد المنكسر عليه و سهامه (أي نصيب الورثة) تباين أو توافق أو تداخل.

فالأوّل: أن تنكسر السهام على فريق واحد و كان بين عدد الورثة و عدد السهام تباين كما إذا ترك أبوين و خمس بنات فالمخرج المشترك هو (30) لأنّ بين عدد نصيب البنات و هو أربعة أسهم من ستة و عدد الورثة و هو (5) تبايناً، فيضرب عدد الورثة في أصل الفريضة فيصير (30) سهماً، عشرة أسهم منها للأبوين و عشرون ( «1») للبنات

فلكل واحدة منهن أربعة. هذا بناءً على تقسيم التركة دفعةً واحدةً، و لو كان التقسيم دفعتين فيضرب عدد الورثة في الباقي من ستة أسهم و هو- فرض البنات- (4) فالباقي من عشرين سهماً و لكل واحدة منها أربعة من عشرين سهماً.

الثاني: تلك الصورة و لكن بين عدد النصيب و عدد الورثة التوافق أو التداخل، كما إذا ترك ستة بنات فانّ بين عدد النصيب (4) و عدد الورثة (6) التوافق في النصف، فيضرب نصف الست في أصل الفريضة فيصير (18) فللبنات الثلثان أعني (12) من (18) و للأبوين (6) من (18).

و بعبارة أُخرى: أصل الفريضة (6)، سهم الأبوين (2) من (6) و سهم

______________________________

(1) 62/ 61+ 61.

1- 32/ 64/ 62 (الباقي و هو فرض البنات أيضاً) و لا بد من تقسيمه بين البنات الخمس فالمخرج المشترك بين (3 و 5 و 6) هو (30).

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 436

البنات (4) من (6) و حيث إنّ تقسيم (4) بين البنات الست لا يمكن بعدد صحيح إلّا أن ترتفع السهام إلى (12) و لازمه ضرب سهامهن في 3 فيجب ضرب سهام الأبوين في (3) حتى يرتفع بالتساوي ( «1») فمجموع السهام بعد الارتفاع (18) لأنّ سهام الأبوين (6) و سهام البنات (12).

و كما إذا ترك ثمانية بنات يحصل التداخل لأنّ بين عدد النصيب (4) و عدد الورثة (8) نسبة التداخل فيضرب ربع (8) في أصل الفريضة فيصير (12). فللبنات الثلثان أعني (8) و للوالدين (4).

و بعبارة أُخرى: لا يمكن تقسيم (4) بين البنات بعدد صحيح إلّا بارتفاع النصيب إلى (8) فلا بدّ من ارتفاع سهام الأبوين أيضاً فيجب ضرب سهامهما في (2) فيصير المجموع (12)

لأنّ سهام الأبوين بعد الارتفاع (4) و سهام البنات (8).

الانكسار على الأكثر:

و لها صور ثلاث:

فإمّا أن يكون بين نصيب كل فريق و عدده وفق، أو تباين، أو بالتفريق.

الأوّل: أن يكون بين عدد نصيب كل فريق و عدده توافق، كما إذا ترك إخوة عشرة للأب و إخوة ستة للأُم و زوجة، فلكلالة الأُم الثلث، و للزوجة الربع، و المخرج المشترك بين الثلث و الربع هو (12)، رُبعه (3) للزوجة، و ثلثه (4) للكلالة من الأُم و الباقي (5) للإخوة لكن بين نصيب كل فريق و عددهم التوافق،

______________________________

(1) هذه قاعدة في علم الحساب و هي انّ ضرب البسط و المقام في الكسر في عدد أو تقسيمهما عليه سيان و لا يتغيّر مقدار الكسر.

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 437

فلاحظ الصورة التالية:

نصيب الكلالة من الأُم (4) و عددهم (6) فهما متوافقان في النصف.

نصيب كلالة الأب (5) و عددهم (10) فهما متداخلان إن شئت قلت: هما متوافقان في الخمس.

و حينئذ يستبدل عدد الرءوس إلى الوفق فعدد (6) يبدل إلى وفقه النصف و هو (3) و عدد (10) يبدل إلى وفقه الخمس و هو (2) و حيث إنّ النسبة بين 2 و 3 التباين فيضرب أحدهما في الآخر ثمّ يضرب في أصل الفريضة (12) فيصير (72) فربعه (18) للزوجة و ثلثه (24) لكلالة الأُم و الباقي (30) لكلالة الأب.

و بعبارة أُخرى: حيث إنّ تقسيم (5) بين الإخوة للأب الذين هم عشرة لا يمكن بعدد صحيح إلّا بارتفاع النصيب إلى (30) فيجب ارتفاع الفروض، أعني: الزوجة و كلالة الأُم، فلا بد من ارتفاع نصيب كلالة الأُم إلى (24) لأنّ نصيب كلالة الأب يضرب في (6)، و هكذا يرتفع نصيب الزوجة

إلى (18)، فمجموعهم عبارة عن 72/ 18+ 30+ 24.

الثاني: لو كان بين عدد نصيب كل فريق و عدده تباين و ذلك فيما إذا كان ثلاثة إخوة للأب و ثلاثة للأُم، نصيب الإخوة للأب 2، و نصيب الإخوة للأُم واحد فلاحظ الصورة التالية:

نصيب كلالة الأُم (1) و عددهم (3).

نصيب كلالة الأب (2) و عددهم (3).

يكون أصل الفريضة (3) و عدد النصيب (2 و 1) فينكسر نصيب الأوّل على ثلاثة إخوة و الثاني أيضاً على ثلاثة و عندئذ يترك الأعداد بحالهما و يعتبر القاعدة الأُولى التي ذكرناها في الصورة الأُولى عند ما كان منكسراً على فريق فيضرب أحد الرأسين- اللذين هما متماثلان مع المخرجين- في أصل الفريضة

نظام الإرث في الشريعة الإسلامية الغراء، ص: 438

فيصير (9).

و بعبارة أُخرى: نصيب كلالة الأب (2) و لا يمكن تقسيمه إلى ثلاثة إلّا بارتفاعه إلى ستة فيجب ارتفاع نصيب كلالة الأُمّ أيضاً و لذا يضرب في (3) فيصير المجموع 9/ 6+ 3.

الثالث: إن كان عدد الفريقين متداخلًا حال كون عدد نصيبهم و عدد الورثة متباينين اقتصرت على ضرب الأكثر، كما إذا كانت الإخوة من الأُم ستة و الإخوة من الأب ثلاثة فيضرب ستة في أصل الفريضة و هو (3) فيصير (18) فسهام الإخوة من الأُم (6) و سهام الإخوة للأب (12).

و إن كان عدد الورثة في الفريقين متوافقاً و لكن عدد النصيب (1 و 2) و عدد الورثة (6 و 9) متباينان، كما لو كانت الإخوة من الأُم ستة و الإخوة من الأب تسعة فالفريضة من (72) سهماً.

فللإخوة من الأب (18) و للإخوة من الأُم (54). حيث إنّ بين عدد نصيب كلالة الأب (2) و عدد الورثة (9) تباين فيضرب

أحدهما في الآخر فيصير (18) و بين عدد نصيب كلالة الأُم (1) و عدد الورثة (6) تباين فيضرب أحدهما في الآخر فيصير (6)، فالمجموع (24) و يضرب في أصل الفريضة فيصير (72).

تمّ الكلام في الفرائض و المواريث

بيد مؤلفه الفقير: السيد رضا الكاشاني (پيغمبرپور) و تمّ تحريره عشية يوم السبت الخامس من شهر جمادي الآخرة من شهور عام 1414 ه-.

أحمده سبحانه و أشكره و أسأله أن يوفّقني لنشر ما استفدته من شيخنا الأُستاذ- مدّ ظلّه- في سائر الأبواب إنّه خير مجيب.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.